منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By فهد الشيباني 20
#63883
ما لكم ؟ كيف تحكمون ؟ – د. محمود نديم نحاس

في خضم الأحداث ورؤية الأشلاء تتناثر ونحن نرقب الأخبار على التلفاز أتاني هاجس فسألت نفسي: أما لهذا الليل من آخر؟ ثم خرجت إلى الصلاة فإذا بالإمام يقرأ:

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ. أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ. سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ. أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ. وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ. فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ. سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ. إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ).



فرحت أغوص في معاني الآيات وأسبّح الخالق عز وجل وهو يعرض الأسئلة الاستنكارية التي ليس لها إلا جواب واحد: فالمستسلمون لربهم لا يكونون كالمجرمين، فلا يمكن أن يتساوى الطرفان في جزاء ولا مصير. فكيف تحكمون؟ وهل عندكم من كتب تستمدون منها أحكامكم وتتخيرون منها ما يوافق أهواءكم؟ أم إن الله عهد إليكم أن تحكموا كما تختارون؟ ثم ينتقل الحديث إلى يوم القيامة وما فيه من الكرب والضيق حيث يُدعى المتكبرون إلى السجود فلا يستطيعون، وتكون أبصارهم خاشعة، والذلة ترهقهم. هكذا ستكون صفة الطغاة المتكبرين في مقابل تجبرهم في الدنيا، حيث كانوا يُدعون إلى السجود وهم قادرون عليه فكانوا يستكبرون.



وفي هذا المشهد المرعب يأتيهم التهديد المزلزل وهو يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: خلي بيني وبين من يكذب بهذا الحديث، وذرني لحربه فأنا به كفيل! إنه ينبههم إلى أن الأمان الظاهر الذي يدعه لهم هو الفخ الذي يقعون فيه، وأن إمهالهم على الظلم والبغي والإعراض والضلال هو استدراج لهم إلى أسوأ مصير. إنه تدبير من الله ليحملوا أوزارهم كاملة، ويأتوا إلى الموقف مثقلين بالذنوب، مستحقين للخزي والعذاب. فهو سبحانه يمهل ولا يهمل. ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. وهذه هي طريقته وسنته في التعامل معهم.



لقد نزلت هذه الآيات في مكة المكرمة والمؤمنون مستضعفون. فكانت فيها الطمأنينة لهم، وفيها الفزع للمغترين بالقوة والجاه والمال والمنصب. نزلت لتسكب السكينة في قلوب المؤمنين، ما داموا أخلصوا قلوبهم لله، فهو الذي يتولى النصر. إنه يملي ويستدرج ويقدّر الأمور في مواقيتها وفق مشيئته وحكمته وعدله ورحمته. يستدرج الظالم فيوقعه في الفخ المفزع المخيف وهو في أوج قوته وعدّته. فهذه القوة هي ذاتها الفخ، وهذه العدة هي ذاتها المصيدة. أما متى يكون ذلك، فعلمه عند الله.



ثم تختتم الآيات بالطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصبر ولا يكن كصاحب الحوت، يونس عليه السلام، فقد أرسله الله إلى أهل قرية، فاستبطأ إيمانهم، وشق عليه ذلك، فتركهم مغاضبا، فقاده الغضب إلى شاطئ البحر، حيث ركب سفينة، فلما كانوا في وسط البحر تعرضت السفينة للغرق، فأقرعوا بين الركاب للتخفف من واحد منهم لتخف السفينة، فكانت القرعة عليه، فألقوه في البحر فابتلعه الحوت. وعندها نادى ربه فتداركته نعمة من الله، التي لولاها لنبذه الحوت وهو مذموم من ربه على فعلته وقلة صبره، وتصرفه في شأن نفسه قبل أن يأذن الله له.



يأتي هذا التذكير بقصته هنا ليكون زاداً ورصيداً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ليعينهم على تحمل الأعباء الثقيلة، ولينبههم إلى ضرورة الصبر حتى يحين الموعد الذي يريده الله.