منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#63903
الشورى وأثرها في الديمقراطية:
تأليف: الدكتور عبد الحميد إسماعيل الأنصاري
مراجعة: الدكتور عبد الله أبو عزة
قضية الشورى هي أخطر وأهم القضايا التي تركت وتترك أثرها على حياة أمتنا في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وفي غياب الشورى يسود الطغيان وينشر الإرهاب ظله القائم. وحيث تفتقد الشورى يصبح التناحر والمحسوبية والسرقات وغيرها من مظاهر الحياة اليومية, أمراضا تنهك جسد الأمة, وتهده وتعجزه عن القيام بأعباء البناء, وعن التصدي لهجمات الأعداء.
فماذا في كتاب الشورى وأثرها في الديمقراطية؟؟
إن غياب الشورى يمكن المنحرفين واللصوص والطغاة من إخفاء كل جرائمهم, وييسر لهم الاستمرار في الإجرام, ويسد الطرق أمام محاولات الإصلاح, وإمام النهضة الحقيقية التي تتطلع إليها الأمة, لذا كان كتاب" الشورى وأثرها في الديمقراطية", الذي نحاول تقديمه للقراء في هذه السطور القليلة, خليقا بأن يلقى ما يستحقه من عناية قراء العربية, والمهتمين بأمر مستقبل هذه الأمة, سواء على المستوى العربي أو الإسلامي.
وكتاب الدكتور الأنصاري ليس أول كتاب يعالج موضوع الشورى, ولن يكون آخرها, لكنه ـ فيما أعلم ـ من أهم هذه الكتب, وأكثرها شمولا, ويقع الكتاب في أربعمائة وخمسين صفحة, وقد أعده مؤلفه لينال به درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر, وهو يضم مقدمة وفصلا تمهيديا يتلوه بابان وفصل ختامي. ويتناول المؤلف في الفصل التمهيدي تعريف الشورى والديمقراطية, ثم ينتقل ليعالج موضوع الشورى ضمن الباب الأول في ثلاثة فصول, حيث يتصدى لبحث حكم الشورى وما إذا كانت واجبة أو مندوبة, ونتيجة الشورى وما إذا كانت ملزمة لرئيس الدولة أو كانت معلمة , كما يتناول تحديد أهل الورى, ومكان المرأة, وأهل الذمة في المجالس الشورية. وهو في كل ذلك يستنطق النصوص, ويستعرض آراء القدامى والمحدثين, والمؤيدين والمعارضين لكل موقف, ثم يعرض وجهة نظره مؤيدة يراه من أدلة أو استنتاجات.
أما في الباب الثاني فيتناول موضوع الديمقراطية في فصلين, يستعرض في أولهما مقومات الديمقراطية من حيث مبدأ حكم الأغلبية, وصور الحكم الديمقراطي ومسيرات كل ذلك, والأسس التي تبنى عليها شرعية المعارضة في النظم الديمقراطية باعتبارها ضمانة للحريات والحقوق, مع إلقاء ضوء خاص على دور الأحزاب, بينما يستعرض في الفصل الثاني مبدأ الانتخاب التمثيلي وطرائقه, وما يعترضه من مشكلات وما يثور حوله من حوار وجدال.
ويخصص المؤلف الفصل الختامي من كتابه( للمقارنة بين نظامي الشورى والديمقراطية لإبراز أوجه المغايرة وأوجه الاتفاق وأوجه التأثير المتبادل)(ص ز من المقدمة), وذلك لمعرفة إمكانية الاستفادة من التجربة الديمقراطية المعاصرة, ومن ناحية أخرى لنبين إلى أي مدى يساهم نظام الشورى الإسلامي في تصحيح بعض أوجه الديمقراطية المعاصرة.(ص 225)
وقد خلص الدكتور الأنصاري إلى إن الشورى واجبة على رئيس الدولة وليست من المندوبات (ص97ـ 108) كما تبنى الرأي القائل بأن نتيجة الشورى ملزمة لولى الأمر حين تجتمع أغلبية أهل الشورى على رأى محدد, وذلك بعد أن ناقش الآراء المخالفة ورد حججها(ص214ـ222). أما عن أهل الشورى فقد مال المؤلف الى تحديدهم عن طريق الانتخاب الشعبي, ودحض جميع الآراء التي دعت إلى إيجاد نوع من الوصاية على المجلس النيابي المنتخب(246ـ157). كذلك أيد المؤلف أهلية المرأة لعضوية المجلس النيابي(265ـ320). بل اعتبر أن ذلك (يدخل في باب الواجب الكفائى, لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)(ص320)ورأي جواز مشاركة أهل الذمة في عضوية المجالس النيابية في الدولة الإسلامية..(ص325)
أما في معرض المقارنة بين الشورى والديمقراطية فقد أشار ابتداء إلى أن( الشورى جزئية في نظام إسلامي متكامل, له فلسفته الخاصة, وأهدافه الخاصة, وكذلك فإن الديمقراطية نابعة من نظام له فلسفة وأهداف معينة, وقد طبق كل منهما في بيئات مختلفة(ص427). ومع ذلك فقد انتهى إلى اتفاق الشورى والديمقراطية فيما بتعلق باختصاص المجالس التمثيلية بالمسائل التشريعية ومناقشتها, واتفاقهما من حيث اعتبار رأى أغلبية أعضاء المجالس التمثيلية, ومن حيث حق المعارضة في التعبير عن رأيها, غير أنه شدد على شرط الالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية والسلوك الحسن في عضوية المجالس النيابية. من وجهة نظر الشورى الإسلامية(ص429), وتوصل المؤلف إلى إمكان استخدام النظام الحزبي في ظل الشريعة الإسلامية, وذلك لان العمل الحزبي من الضرورات التي يستلزمها العمل السياسي في عصرنا, وقد اشترط الالتزام( بإطار الشريعة وأصولها) في ذلك(ص 438).
ولست أزعم إنني أقدم للقارئ ملخصا لمادة الكتاب في هذه السطور القليلة, وإنما أردت أن أبين رؤوس الموضوعات التي يتناولها بالدراسة والمقارنة والتحليل, وهي موضوعات في غاية التشعب, لا يمكن أن تلخص في مراجعة كهذه, كما إن لجوء المؤلف إلى استعراض وجوه الآراء المتعددة التي عرفها الفكر الإسلامي قديما وحديثا يفتح الكثير من الآفاق للتأمل والتفكير, ويزيد المادة تشعبا. ولعل من تمام التعريف بهذا الكتاب أن نأتي بمقتطفات من بعض فصوله ـ تحت عنوان" مبدأ حكم الأغلبية"" وصور الحكم الديمقراطي" يقول المؤلف:
"يجعل النظام الديمقراطي الحكم للأغلبية, حيث إنها المعبرة عن إرادة الامة, ومعنى ذلك إن إرادة الامة ليست إرادة المجتمع, بل هي إرادة الغالبية. وهذا قد يوحي بأن إرادة الأقلية لا يلتفت إليها, فكيف يمكن التوفيق بين إهمال الأقلية وبين معنى الديمقراطية بحسبانها تعبيرا عن جميع الإرادات المتصارعة في الامة؟ ثم إن حكم الأغلبية يتخذ إحدى ثلاث صور في التطبيق الديمقراطي وهي: الديمقراطية المباشرة والديمقراطية النيابية,والديمقراطية شبه المباشرة. أما الديمقراطية المباشرة فهي أقدم صور الديمقراطية ظهورا, وهي التي أخذت بها المدن الإغريقية, واقل الصور انتشارا في العصر الحاضر, إذ لا وجود لها إلا على نطاق محدود جدا وفي بعض المقاطعات السويسرية نظام الصغيرة. إما الديمقراطية غير المباشرة(النيابية) في هذا النظام يختار الشعب من آن لآخر نوابا يتولون الحكم لمدة محدودة باسمه ونيابة عنه, فلا يزاول الشعب سلطاته بنفسه, بل يقتصر دوره على اختيار نواب عنه, وتعد بعد ذلك إرادة هؤلاء النواب معبرة عن إرادة الناخبين(أي إرادة الشعب) فدور الشعب في هذا النظام مقصور على انتخاب الهيئة النيابية, ثم لا يشترك معها في الحكم...
وأما الديمقراطية شبه المباشرة فهي التي يمكن أن نعدها نظاما نيابيا متطورا. فهي تقوم على أساس برلمان منتخب مع الرجوع إلى الشعب في بعض الأمور الهامة التي تمثل في مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة.
وهي مزيج من الديمقراطية النيابية والديمقراطية المباشرة أو نظام وسط بينهما. والشعب في هذا النظام يعتبر سلطة رابعة بجوار السلطات الثلاث, وقد انتشر هذا النظام في الآونة الأخيرة نتيجة انتشار التعليم والثقافة وزيادة الوعي السياسي, كعلاج لعيوب النظام النيابي.."
ويتحدث المؤلف عن مبدأ شرعية المعارضة فيقول:تقوم الديمقراطية على ساقين, أحدهما مبدأ حكم الأغلبية, والثانية مبدأ شرعية المعارضة, أما المعارضة فتلعب دورا بارزا في نظم الحكم الديمقراطية, ووجودها مبدأ أساسي في هذه النظم, وهو الذي يسمح بوصف تلك النظم بأنها حرة..ويرجع السبب في الاعتراف بحق المعارضة إلى إن فلسفة الديمقراطية تكمن في المذهب الفردي الحر الذي ينتهي إلى القول بوجود حقوق طبيعية..
ويتضح مركز الحريات عامة في النظام الديمقراطي وهي بهذا أن الحرية هي جوهر النظام الديمقراطي وهي بهذا الوصف تخضع السلطة الديمقراطية لهيمنتها, وكما إن القواعد الدستورية تعد اسمي من القواعد الدستورية وأوضاعها وأشكالها.
فمركز الحرية في النظام الدستوري كوضع النظام في النظام القانوني كله. فإذا تعارضت المبادئ الديمقراطية مع الحرية وجب تغليب الحرية, لان الحرية هي غاية النظام الديمقراطي, ومبادئ الديمقراطية كلها وسائل لغاية أساسية هي كفالة الحرية للفرد وللجماعة, ولا يجور أن تعطل الغاية الوسائل المستمرة لتحقيقها, كما لا
يجوز تغليب الشكل على الجوهر... وكذلك تتضح أهمية المعارضة في إننا إذا سلمنا للأغلبية بحق المنع والمنح, فقد سلمنا بمبدأ احتكار الصواب احتكارا مطلقا, وتجارب العالم كله في السياسة والتاريخ تدلنا على ان خطا اليوم قد يكون صواب الغد والعكس صحيح.
ولا مراء في إن لنا بعض الملاحظات على بعض الآراء الجزئية التي تبناها المؤلف, وعلى طريقة البحث المتبعة في بعض فصول الكتاب. بيد إن هذه الملاحظات تدور حول هنات بسيطة ـ في رأينا ـ لا تقلل من قيمة الكتاب, ولا تغض من وميض فكره.
وإنني أدعو كل المهتمين بالنهضة الإسلامية, وكل المعنيين بقضايا الفكر العربي, وقضايا الفكر الإسلامي المعاصر, أدعوهم جميعا إلى قراءة هذا الكتاب الجليل الفائدة