أبعاد السياسة الإيرانية في منطقة الخليج العربي
مرسل: الأحد يوليو 21, 2013 10:55 am
أبعاد السياسة الإيرانية في منطقة الخليج العربي
المصدر: د. إبراهيم الزهراني
إن هذا الأصل في العقيدة الشيعية جعل الدولة الإيرانية في مواجهة عقائدية مع حكومات الدول الإسلامية ومنها الخليجية ؛ وهو ما عبر عنه الخميني بقوله : « إننا نواجه الدنيا مواجهة عقائدية »..."
تعتبر منطقة الخليج منذ ظهور أول حضارة بشرية عليها من الطرق المائية والبحرية المهمة وملتقى حضارات الشرق القديم ، وإضافة إلى أهميتها الجغرافية والإستراتيجية فإنها تحظى أيضاً بأهمية اقتصادية بالغة وثروات نفطية وغازية تعد مصدراً رئيسياً لتغذية الطاقة على مستوى العالم ؛ حيث يحتضن باطن الأرض في الخليج أكثر من 700 مليار برميل من النفط الخام كاحتياطيات مؤكدة (65.8 %) من إجمالي الاحتياطي العالمي.
وتؤكد الدراسات المستقبلية أن المستقبل النفطي لا يزال مزدهرا وسوف يبقى في صدارة الطاقة واستخداماتها الصناعية والتجارية طوال القرن الواحد والعشرين.
ولذلك كانت منطقة الخليج على الدوام مطمعاً لكثير من الدول العظمى ، وأكثر بقاع الأرض عرضة للنزاعات والاضطرابات ؛ حيث تتشابك المصالح العالمية مع المطامع الإقليمية ، والتباينات العرقية والأيدلوجية ، وبالتالي فقد ارتبطت منطقة الجزيرة العربية عموماً بالتأثيرات والمتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية ، كما أصبحت الدول المطلة على الخليج العربي والمتاخمة له متأثرة بتغيرات الأوضاع الدولية أكثر من غيرها .
ولقد كانت إيران وما زالت مصدر تهديد وعدوان على منطقة الخليج العربي، بدءاً بإيران الصفوية ، ومروراً بإيران الشاهنشاهية ، وانتهاء بإيران الآيات ؛ فجميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم إيران كان يراودها حلم السيطرة على منطقة ودول الخليج العربي.
ويمكن فهم الخط العام للسياسية الإيرانية التاريخية لهذه المنطقة الحيوية من العالم من خطاب رئيس الوزراء الإيراني حلنجي ميرزا لوزير الخارجية البريطاني آنذاك (لابردين)، عندما اعترضت إيران رسميا عام (1237هـ/1822م) على عقد بريطانيا سلسلة اتفاقيات مع حاكم البحرين آنذاك الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ؛ بحكم أن البحرين تابعة لإيران، ثم طالبت إيران بنفوذها السياسي على البحرين، فردَّ وزير الخارجية البريطاني بنفي أي أحقية لإيران على الأرخبيل، بله على الخليج كله، فأجابه رئيس وزراء إيران بمذكرة تُعدُّ مفتاح فهم السياسة الإيرانية على واقعها في المنطقة، قائلا: "إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة، أن الخليج الفارسي من بداية شط العرب إلى مسقط، بجميع جزائره وموانئه بدون استثناء، ينتهي إلى فارس، بدليل أنه خليج فارسي وليس عربيا".
الثورة الإيرانية وتهديد الاستقرار في الخليج:
وبعد الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه بقيت التهديدات الإيرانية للمنطقة مصدر إزعاج لأمن المنطقة ؛ حيث نجد أن النظام الإيراني لا يزال يحتل الجزر العربية في الخليج ، وكذلك يهدد بتصدير ثورته لدول الخليج ، وتهديداته المستمرة للمطالبة بالبحرين كجزء من إيران، وبذلك حولت إيران المنطقة إلى بؤرة ساخنة من النزاعات العرقية والفتن الطائفية الأمر الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة.
أبعاد العداء الإيراني لمنطقة الخليج:
1. البعد العنصري :
إن جـزيرة الـعرب هي وطـن الإسلام ، وهو وطـن قائم على سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسُـنة الخـلفـاء الراشـدين المهـديين من بعده، والجزيرة أيضاً هي أرض العرب التي اقترن وصفها بالعروبة قبل الإسلام وبعده. وهذا وذاك، هو ما جعل الشيعة الفرس يعدونها محط العداوة الأول، لدرجة أن أبرز شعارات الثورة الخمينية في أيامها الأولى، كان: (تحرير الحرمين الشريفين من الوهابيين) ، وقد شهدت سنوات الحرب العراقية الإيرانية محاولات عديدة للإفساد في الحرمين في مواسم الحج باسم هذه الدعوة كما هو معروف.
لقد ظن المراقبون أنه بقيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979 م أن إيران قد تحولت من دولة علمانية إلى دولة دينية ، وقدروا أن ذلك سوف يغير في نظرتها إلى الخليج، ولكن الذي حدث هو أن الطموحات الإيرانية في الخليج لم تتغير لأنها محكومة بالروح الفارسية وكذلك بقواعد الجغرافية السياسية، لقد قدمت الدولة الفارسية المستقوية في هذا العصر عصبيتها لعرقها على إسلامها، ولا زالت تفاخر بفارسيتها على لغة القرآن، وتسعى جاهدة لإعادة الأمجاد الفارسية التي قضى عليها الإسلام ، ويكفي فيهم أنهم يفاخرون بالمجوسي الذي قتل عمر رضي الله عنه، ويعدونه من شهدائهم وهو لم يدخل في الإسلام ، ولم يسجد سجدة واحدة لله تعالى.
ولا زالوا يزرون بالصحابة رضي الله عنهم ويكفرونهم ويلعنونهم . وأشد ما تكون نقمتهم على عمر وسعد بن أبي وقاص – رضي الله عنهما - ؛ لأن فتح فارس، وإطفاء النار التي كانوا يعبدها أجدادهم إنما كان في خلافة عمر، بقيادة سعد – رضي الله عنهما - . ولقد أعلن ذلك صراحة شاعرهم الرودكي ؛ حيث يقول " إن الصراع والعداوة مع العرب ليس حبا بعلي والدفاع عن حقه في الخلافة، لكنه البغض والعداوة لعمر الذي كسر ظهر العجم وهدم حضارتهم".
2. البعد العقدي:
يمكن فهم البعد العقدي في علاقات إيران بالدول الخليجية في ضوء المحددات التالية :
المحدد الأول : أن الدول الخليجية دول سنية المذهب ، وبناء على هذا فهي لا تقول بإمامة أئمة الشيعة الإثني عشر ، ولا تتبنى مذهب الإمامية في الأصول والفروع .
المحدد الثاني : أن الدولة الإيرانية تتبنى المذهب الجعفري ، وتعتقد بوجوب حصر الإمامة في أئمتهم الإثني عشر ، وتعتقد في الصحابة وكثير من مسائل أصول الإيمان خلاف ما يعتقده أهل السنة والجماعة .
ويمكن بيان ذلك من خلال نصوص الدستور الإيراني ؛ فقد نصت المادة (12) من الدستور الإيراني على أن " الدين الرسمي لإيران هو الإسلام ، والمذهب الجعفري الإثنى عشري وهذه المادة تبقى للأبد غير قابلة للتغيير " عند التمعن في هذه المادة يتبين ما يلي :
1. أن الدولة الإيرانية دولة تقوم على التعصب الديني والطائفي ، والحقد الصريح نحو أهل السنة ، وتكفير كل من لا يؤمن بالأئمة الإثني عشر . قال ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق : " اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنّه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء ، واعتقادنا فيمن أقرّ بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنّه بمنزلة من أقرّ بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد " وقال المفيد:" اتفقت الإمامية على أنّ من أنكر إمامة أحد من الأئمة ،وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة ، فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار " وهذه العقيدة لم تتخل عنها الثورة الإيرانية؛ فالخميني يقول بتكفير كل المذاهب الإسلامية . فقد قال في كتابه " الأربعون حديثا " معقّباً على قول الله تعالى: " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً " ما نصه: " ومن المعلوم أن هذا الأمر يختص بشيعة أهل البيت ويحرم عنه الناس الآخرون, لأن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام, بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية " إن هذه العقيدة العنصرية هي التي تحدد السياسة الإيرانية تجاه دول الخليج .
2. أن الدولة الإيرانية تعتقد إباحة دماء أهل السنة وأموالهم بما أن الشيعة يحكمون بكفر المسلمين من أهل السنة فإنهم يبيحون دماءهم وأموالهم . وقد روى شيخهم القمي في كتابه " علل الشرائع " عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ، ولكني أتقي عليك, فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل. قلت: فما ترى في ماله؟ قال: توّه ما قدرت عليه " وعندما غدر الوزير الشيعي الطوسي بالمسلمين في بغداد وتسبب في إبادتهم على أيدي التتار, وإلغاء الخلافة, ترحم عليه علماء الشيعة من بعده, واعتبروا عمله هذا خدمة للإسلام والمسلمين. والخميني أيضاً يبارك عمل الطوسي - قتل المسلمين السنة- ويعتبره نصراً للإسلام؛إذ يقول في كتابه" الحكومة الإسلامية" : " وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين ، فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدّى الامتناع إلى قتله, إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين ؛ مثل دخول علي بن يقطين ، ونصير الدين الطوسي رحمهما الله ". وإضافة إلى إباحة دماء أهل السنة, والترحم والترضي على من يقتلهم, فإن الشيعة يبيحون أخذ أموالهم, حيث يروون عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس " وبمضمون هذا الخبر أفتى الخميني في " تحرير الوسيلة" بقوله: " والأقوى إلحاق الناصب (السني) بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم, وتعلق الخمس به ، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه ".
3. أن الدولة الإيرانية ستعتمد التدخل في كل دولة يعيش فيها طائف شيعية بحجة حماية المستضعفين . لقد نصت الفقرة (16) من االمادة الثالثة من الدستور الإيراني التي بينت الواجبات التي على حكومة جمهورية إيران على أن " تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم " فإذا أخذنا في الحسبان أن الدولة الإيرانية ترى كفر من لا يؤمن بمذهبها الجعفري وحل دمه وماله عرفنا أن المقصود بكلمة ( المسلمين ) (والمستضعفين ) المذكورتين في الفقرة الآنفة الذكر هم الشيعة . وبما أن في دول الخليج أقلية شيعية فإن الدولة الإيرانية ستعمل على التدخل في شؤون هذه الدول الداخلية بناء على عقيدتها في وجوب حماية المستضعفين .
إن الناظر بعمق لشيعة الخليج يلمس أنهم بالفعل بدؤوا فعلاً بالتحرك لأخذ مكانة أكبر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . فإنهم - وبتخطيط إيراني منظم- يحاولون الاستفادة من أي وضع يسمح لهم بالبروز .
وكذلك حاول شيعة الخليج - وبتمويل إيراني - الاستحواذ على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية غاية في الأهمية للسيطرة الاقتصادية على السوق الخليجية ؛ إذ يلاحظ أن هناك الكثير من النشاطات التجارية والشركات الاقتصادية يتحكم فيها الشيعة في منطقة الخليج، بالإضافة إلى إرسال العديد من الطلبة الإيرانيين إلى الخليج بهدف الدراسة في الأقسام والفروع الخاصة بالبتروكيمياويات واستخراج النفط والتقنيات التكنولوجية. كما أن تجار الشيعة في الخليج امتلكوا مكانة بارزة في سوق الذهب .
ولا يقتصر نشاطهم على الجانب الاقتصادي ، بل تعدى ذلك إلى اهتمامهم بالزواج المبكر ، وإقامة مهرجانات الزواج الجماعي كمحاولة لزيادة النسل، كما بدؤوا بالمطالبة ببناء الأضرحة وإقامة الحوزات الدينية. وما مطالبة مقتدى الصدر ببناء البقيع وبعض الأضرحة إلا دليل على محاولة القوم تشييع الخليج والخليجيين بالاستفادة من الأوضاع التي خلفتها سقوط بغداد. وعلى الرغم من أن الشيعة في الخليج يحرصون على تقديم أشكال الولاء والطاعة لحكام الدول التي يقطنونها الآن، لكن هذا لا ينفي تطلعهم نحو إقامة حكم ذاتي شيعي في مناطق تواجدهم ، أو حتى إقامة حكومة شيعية منفصلة . وقد صرحت مجلة الشهيد الدورية (مجلة تصدرها حركة التحرير الإسلامية في إيران) (بعددها 12 وبتاريخ 12/ 12/1987) بقولها: (إن الثورة في إيران ليست إلا الشرارة الأولى التي سوف تفجر كل المنطقة)
4. أن الدولة الإيرانية ستعمل على التدخل في شؤون الدول الخليجية والإسلامية من اجل تهيئة الظروف المناسبة لظهور مهديهم المنتظر يؤمن الشيعة بخروج المهدي المنتظر ؛ محمد بن الحسن العسكري ؛ وهو الإمام الثاني عشر عندهم ، ويطلقون عليه الحجة كما يطلقون عليه القائم . وهو حي الآن ، وينتظرون خروجه – أي ثورته- ليثوروا معه . وإذا خرج قائمهم اجتمع إليه الرافضة من جميع البلدان ، حتى الأموات منهم، ويكون اجتماعهم به في الكوفة . وسيقوم بقتل العرب ؛ وخاصة القرشيين .
إن الاعتراف بالمهدي كإمام مفترض الطاعة وقائد فعلي للأمة، من مسائل الإيمان عند الشيعة . وبلغ من خطورة هذه المسألة أن الإيمان بها شرطً لصحة الإيمان بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم في نظرهم . وقد رووا في ذلك أحاديث ؛ منها الحديث الذي يروونه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني»، وحديث «من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه فقد صدقني» وبناء على هذه العقيدة يجب أن يكون الهدف من العمل السياسي في أي مكان وزمان تهيئة البشرية، على المستوى المحلي والعالمي- تهيئة فكرية ونفسية وعملية- لظهور الإمام المنتظر. وقد جعل الخميني قيام الثورة الإيرانية وانتصارها مقدمة لظهور الإمام المهدي وإقامة دولته ؛حيث يقول: «إن ثورة إيران الإسلامية ـ بتأييد الله المنان ـ في حالة توسع على مستوى البسيطة، وإن بسطها سوف يعزل القوى الشيطانية إن شاء الله، ويهيّئ الأجواء لإقامة حكومة المستضعفين والحكومية العالمية للإمام المهدي صاحب الزمان» واعتبر أن الدولة الإيرانية هي دولة الإمام المهدي؛أي الدولة السائرة وفق تعاليمه، والممهدة لظهوره . وكثيراً ما كان يردد عبارة «بلد الإمام المهدي» في الإشارة إلى الجمهورية الإيرانية . ويشير الإمام الخميني، تبعاً لهذه الفكرة، إلى أن سكان هذه الجمهورية هم من "المنتظرين" للإمام المهدي، والانتظار الايجابي يجب أن يتجلى في تطبيق الأحكام الإسلامية ؛ حيث يقول: "ونحن المنتظرون لقدومه الميمون علينا اليوم أن نسعى بكل طاقاتنا ليسود قانون العدالة الإلهية، في دولة صاحب العصر هذه".
5. إن جميع الحكومات الخليجية والإسلامية حكومات غير شرعية من الحقائق الخطيرة أن أصل مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية التي تسمى أيضا (الجعفرية) ؛ وهو مذهب الدولة الإيرانية قائم على اعتبار جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الساعة -عدا سنوات حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه- حكومات غير شرعية، ولا يجوز لشيعي أن يدين لهؤلاء بالولاء والإخلاص من صميم قلبه، بل يداجيها مداجاة ويتقيها تقاة، لأنها كلها ما مضى منها وما هو قائم الآن وما سيقوم منها فيما بعد، حكومات مغتصبة ، والحكام الشرعيون في دين الشيعة وصميم عقيدتهم هم الأئمة الاثني عشر وحدهم، سواء تيسر لهم الحكم أو لم يباشروه، وكل من عداهم ممن تولوا مصالح المسلمين من أبي بكر وعمر إلى من بعدهم حتى الآن مهما خدموا الإسلام ، ومهما كابدوا في نشر دعوته وإعلاء كلمة الله في الأرض وتوسيع رقعة العالم الإسلامي، فإنهم مفتئتون مغتصبون إلى يوم القيامة. ولقد لوحظ في جميع أدوار التأريخ على جماهير الشيعة ومواقف خاصتهم وعامتهم من الحكومات الإسلامية أن أي حكومة إسلامية إذا كانت قوية وراسخة يتملقونها بألسنتهم عملاً بعقيدة "التقية" ليمتصوا خيراتها ويتبوؤا مراكزها ، فإذا ضعفت ، أو هوجمت من عدو انحازوا إلى صفوفه وانقلبوا عليها.
إن هذا الأصل في العقيدة الشيعية جعل الدولة الإيرانية في مواجهة عقائدية مع حكومات الدول الإسلامية ومنها الخليجية ؛ وهو ما عبر عنه الخميني بقوله : « إننا نواجه الدنيا مواجهة عقائدية ». وجاء في ديباجة دستورها، تحت عنوان «الجيش العقائدي» العبارة الآتية: «لا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أعباء رسالتها الإلهية، وهي: الجهاد في سبيل الله والنضال من أجل نشر أحكام الشريعة الإلهية في العالم» وبناء على هذه العقيدة فإن زعزعة أمن دول الخليج والدول الإسلامية كافة سيكون هدفا رئيسا من أهداف الدولة الإيرانية
إيران وعقيدة التقية:
إيران الفارسية التي تستغل مذهب التشيع لتحقيق مصالحها القومية ، تستعمل عقيدة (التقية ) ، وهي عقيدة خفية وخطيرة ، وحقيقتها عندهم أن تبدي للنواصب (يعني: أهل السنة) غير ما تخفيه في نفسك، وأن تستعمل هذه العقيدة في جميع الحالات ؛ اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا بما يحفظ عليهم أمنهم القومي ومصالحهم الخاصة، ولا يتضررون من وراء ذلك شيئاً. ولهذا فلو لاحظ الملاحظ لوجد أنَّ إيران تشتغل بالسر والخفاء أكثر مما تعمل في العلن والظهور، وأنَّ عقيدتها التي هي عندهم(تسعة أعشار دينهم) وأنَّ( من لا تقية له لا دين له) قد ساهمت مساهمة كبيرة في خدمة مصالحهم بشكل جعل الكثير من أهل السنَّة يظنونهم على ما هم عليه في الحديث الظاهري، ولكنَّ الدهاء الإيراني والذكاء الفارسي جعل كثيراً من الناس ينخدعون بهم وهم لا يدركون حقيقة عقيدتهم، حتَّى إذا ما وجدوا الفرصة مناسبة انقضوا على من كانوا يراوغونهم بشدة وجعلوا العالم يركع تحتهم ، فلن يخبئ الإيرانيون الشيعة ومراكزهم وثكناتهم الفكرية والعسكرية ، ولن يدخروا أي قوة للسيطرة على العالم الإسلامي إن تمكنوا من ذلك بقوتهم وبطشهم المعروف .
-----------------
رقم التحضير : 8
الطالب : محمود علواني
الرقم الجامعي : 429107935
المادة : التنمية السياسية (التخلف السياسي)
المصدر: د. إبراهيم الزهراني
إن هذا الأصل في العقيدة الشيعية جعل الدولة الإيرانية في مواجهة عقائدية مع حكومات الدول الإسلامية ومنها الخليجية ؛ وهو ما عبر عنه الخميني بقوله : « إننا نواجه الدنيا مواجهة عقائدية »..."
تعتبر منطقة الخليج منذ ظهور أول حضارة بشرية عليها من الطرق المائية والبحرية المهمة وملتقى حضارات الشرق القديم ، وإضافة إلى أهميتها الجغرافية والإستراتيجية فإنها تحظى أيضاً بأهمية اقتصادية بالغة وثروات نفطية وغازية تعد مصدراً رئيسياً لتغذية الطاقة على مستوى العالم ؛ حيث يحتضن باطن الأرض في الخليج أكثر من 700 مليار برميل من النفط الخام كاحتياطيات مؤكدة (65.8 %) من إجمالي الاحتياطي العالمي.
وتؤكد الدراسات المستقبلية أن المستقبل النفطي لا يزال مزدهرا وسوف يبقى في صدارة الطاقة واستخداماتها الصناعية والتجارية طوال القرن الواحد والعشرين.
ولذلك كانت منطقة الخليج على الدوام مطمعاً لكثير من الدول العظمى ، وأكثر بقاع الأرض عرضة للنزاعات والاضطرابات ؛ حيث تتشابك المصالح العالمية مع المطامع الإقليمية ، والتباينات العرقية والأيدلوجية ، وبالتالي فقد ارتبطت منطقة الجزيرة العربية عموماً بالتأثيرات والمتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية ، كما أصبحت الدول المطلة على الخليج العربي والمتاخمة له متأثرة بتغيرات الأوضاع الدولية أكثر من غيرها .
ولقد كانت إيران وما زالت مصدر تهديد وعدوان على منطقة الخليج العربي، بدءاً بإيران الصفوية ، ومروراً بإيران الشاهنشاهية ، وانتهاء بإيران الآيات ؛ فجميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم إيران كان يراودها حلم السيطرة على منطقة ودول الخليج العربي.
ويمكن فهم الخط العام للسياسية الإيرانية التاريخية لهذه المنطقة الحيوية من العالم من خطاب رئيس الوزراء الإيراني حلنجي ميرزا لوزير الخارجية البريطاني آنذاك (لابردين)، عندما اعترضت إيران رسميا عام (1237هـ/1822م) على عقد بريطانيا سلسلة اتفاقيات مع حاكم البحرين آنذاك الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ؛ بحكم أن البحرين تابعة لإيران، ثم طالبت إيران بنفوذها السياسي على البحرين، فردَّ وزير الخارجية البريطاني بنفي أي أحقية لإيران على الأرخبيل، بله على الخليج كله، فأجابه رئيس وزراء إيران بمذكرة تُعدُّ مفتاح فهم السياسة الإيرانية على واقعها في المنطقة، قائلا: "إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة، أن الخليج الفارسي من بداية شط العرب إلى مسقط، بجميع جزائره وموانئه بدون استثناء، ينتهي إلى فارس، بدليل أنه خليج فارسي وليس عربيا".
الثورة الإيرانية وتهديد الاستقرار في الخليج:
وبعد الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه بقيت التهديدات الإيرانية للمنطقة مصدر إزعاج لأمن المنطقة ؛ حيث نجد أن النظام الإيراني لا يزال يحتل الجزر العربية في الخليج ، وكذلك يهدد بتصدير ثورته لدول الخليج ، وتهديداته المستمرة للمطالبة بالبحرين كجزء من إيران، وبذلك حولت إيران المنطقة إلى بؤرة ساخنة من النزاعات العرقية والفتن الطائفية الأمر الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة.
أبعاد العداء الإيراني لمنطقة الخليج:
1. البعد العنصري :
إن جـزيرة الـعرب هي وطـن الإسلام ، وهو وطـن قائم على سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسُـنة الخـلفـاء الراشـدين المهـديين من بعده، والجزيرة أيضاً هي أرض العرب التي اقترن وصفها بالعروبة قبل الإسلام وبعده. وهذا وذاك، هو ما جعل الشيعة الفرس يعدونها محط العداوة الأول، لدرجة أن أبرز شعارات الثورة الخمينية في أيامها الأولى، كان: (تحرير الحرمين الشريفين من الوهابيين) ، وقد شهدت سنوات الحرب العراقية الإيرانية محاولات عديدة للإفساد في الحرمين في مواسم الحج باسم هذه الدعوة كما هو معروف.
لقد ظن المراقبون أنه بقيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979 م أن إيران قد تحولت من دولة علمانية إلى دولة دينية ، وقدروا أن ذلك سوف يغير في نظرتها إلى الخليج، ولكن الذي حدث هو أن الطموحات الإيرانية في الخليج لم تتغير لأنها محكومة بالروح الفارسية وكذلك بقواعد الجغرافية السياسية، لقد قدمت الدولة الفارسية المستقوية في هذا العصر عصبيتها لعرقها على إسلامها، ولا زالت تفاخر بفارسيتها على لغة القرآن، وتسعى جاهدة لإعادة الأمجاد الفارسية التي قضى عليها الإسلام ، ويكفي فيهم أنهم يفاخرون بالمجوسي الذي قتل عمر رضي الله عنه، ويعدونه من شهدائهم وهو لم يدخل في الإسلام ، ولم يسجد سجدة واحدة لله تعالى.
ولا زالوا يزرون بالصحابة رضي الله عنهم ويكفرونهم ويلعنونهم . وأشد ما تكون نقمتهم على عمر وسعد بن أبي وقاص – رضي الله عنهما - ؛ لأن فتح فارس، وإطفاء النار التي كانوا يعبدها أجدادهم إنما كان في خلافة عمر، بقيادة سعد – رضي الله عنهما - . ولقد أعلن ذلك صراحة شاعرهم الرودكي ؛ حيث يقول " إن الصراع والعداوة مع العرب ليس حبا بعلي والدفاع عن حقه في الخلافة، لكنه البغض والعداوة لعمر الذي كسر ظهر العجم وهدم حضارتهم".
2. البعد العقدي:
يمكن فهم البعد العقدي في علاقات إيران بالدول الخليجية في ضوء المحددات التالية :
المحدد الأول : أن الدول الخليجية دول سنية المذهب ، وبناء على هذا فهي لا تقول بإمامة أئمة الشيعة الإثني عشر ، ولا تتبنى مذهب الإمامية في الأصول والفروع .
المحدد الثاني : أن الدولة الإيرانية تتبنى المذهب الجعفري ، وتعتقد بوجوب حصر الإمامة في أئمتهم الإثني عشر ، وتعتقد في الصحابة وكثير من مسائل أصول الإيمان خلاف ما يعتقده أهل السنة والجماعة .
ويمكن بيان ذلك من خلال نصوص الدستور الإيراني ؛ فقد نصت المادة (12) من الدستور الإيراني على أن " الدين الرسمي لإيران هو الإسلام ، والمذهب الجعفري الإثنى عشري وهذه المادة تبقى للأبد غير قابلة للتغيير " عند التمعن في هذه المادة يتبين ما يلي :
1. أن الدولة الإيرانية دولة تقوم على التعصب الديني والطائفي ، والحقد الصريح نحو أهل السنة ، وتكفير كل من لا يؤمن بالأئمة الإثني عشر . قال ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق : " اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنّه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء ، واعتقادنا فيمن أقرّ بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنّه بمنزلة من أقرّ بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد " وقال المفيد:" اتفقت الإمامية على أنّ من أنكر إمامة أحد من الأئمة ،وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة ، فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار " وهذه العقيدة لم تتخل عنها الثورة الإيرانية؛ فالخميني يقول بتكفير كل المذاهب الإسلامية . فقد قال في كتابه " الأربعون حديثا " معقّباً على قول الله تعالى: " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً " ما نصه: " ومن المعلوم أن هذا الأمر يختص بشيعة أهل البيت ويحرم عنه الناس الآخرون, لأن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام, بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية " إن هذه العقيدة العنصرية هي التي تحدد السياسة الإيرانية تجاه دول الخليج .
2. أن الدولة الإيرانية تعتقد إباحة دماء أهل السنة وأموالهم بما أن الشيعة يحكمون بكفر المسلمين من أهل السنة فإنهم يبيحون دماءهم وأموالهم . وقد روى شيخهم القمي في كتابه " علل الشرائع " عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ، ولكني أتقي عليك, فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل. قلت: فما ترى في ماله؟ قال: توّه ما قدرت عليه " وعندما غدر الوزير الشيعي الطوسي بالمسلمين في بغداد وتسبب في إبادتهم على أيدي التتار, وإلغاء الخلافة, ترحم عليه علماء الشيعة من بعده, واعتبروا عمله هذا خدمة للإسلام والمسلمين. والخميني أيضاً يبارك عمل الطوسي - قتل المسلمين السنة- ويعتبره نصراً للإسلام؛إذ يقول في كتابه" الحكومة الإسلامية" : " وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين ، فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدّى الامتناع إلى قتله, إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين ؛ مثل دخول علي بن يقطين ، ونصير الدين الطوسي رحمهما الله ". وإضافة إلى إباحة دماء أهل السنة, والترحم والترضي على من يقتلهم, فإن الشيعة يبيحون أخذ أموالهم, حيث يروون عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس " وبمضمون هذا الخبر أفتى الخميني في " تحرير الوسيلة" بقوله: " والأقوى إلحاق الناصب (السني) بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم, وتعلق الخمس به ، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه ".
3. أن الدولة الإيرانية ستعتمد التدخل في كل دولة يعيش فيها طائف شيعية بحجة حماية المستضعفين . لقد نصت الفقرة (16) من االمادة الثالثة من الدستور الإيراني التي بينت الواجبات التي على حكومة جمهورية إيران على أن " تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم " فإذا أخذنا في الحسبان أن الدولة الإيرانية ترى كفر من لا يؤمن بمذهبها الجعفري وحل دمه وماله عرفنا أن المقصود بكلمة ( المسلمين ) (والمستضعفين ) المذكورتين في الفقرة الآنفة الذكر هم الشيعة . وبما أن في دول الخليج أقلية شيعية فإن الدولة الإيرانية ستعمل على التدخل في شؤون هذه الدول الداخلية بناء على عقيدتها في وجوب حماية المستضعفين .
إن الناظر بعمق لشيعة الخليج يلمس أنهم بالفعل بدؤوا فعلاً بالتحرك لأخذ مكانة أكبر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . فإنهم - وبتخطيط إيراني منظم- يحاولون الاستفادة من أي وضع يسمح لهم بالبروز .
وكذلك حاول شيعة الخليج - وبتمويل إيراني - الاستحواذ على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية غاية في الأهمية للسيطرة الاقتصادية على السوق الخليجية ؛ إذ يلاحظ أن هناك الكثير من النشاطات التجارية والشركات الاقتصادية يتحكم فيها الشيعة في منطقة الخليج، بالإضافة إلى إرسال العديد من الطلبة الإيرانيين إلى الخليج بهدف الدراسة في الأقسام والفروع الخاصة بالبتروكيمياويات واستخراج النفط والتقنيات التكنولوجية. كما أن تجار الشيعة في الخليج امتلكوا مكانة بارزة في سوق الذهب .
ولا يقتصر نشاطهم على الجانب الاقتصادي ، بل تعدى ذلك إلى اهتمامهم بالزواج المبكر ، وإقامة مهرجانات الزواج الجماعي كمحاولة لزيادة النسل، كما بدؤوا بالمطالبة ببناء الأضرحة وإقامة الحوزات الدينية. وما مطالبة مقتدى الصدر ببناء البقيع وبعض الأضرحة إلا دليل على محاولة القوم تشييع الخليج والخليجيين بالاستفادة من الأوضاع التي خلفتها سقوط بغداد. وعلى الرغم من أن الشيعة في الخليج يحرصون على تقديم أشكال الولاء والطاعة لحكام الدول التي يقطنونها الآن، لكن هذا لا ينفي تطلعهم نحو إقامة حكم ذاتي شيعي في مناطق تواجدهم ، أو حتى إقامة حكومة شيعية منفصلة . وقد صرحت مجلة الشهيد الدورية (مجلة تصدرها حركة التحرير الإسلامية في إيران) (بعددها 12 وبتاريخ 12/ 12/1987) بقولها: (إن الثورة في إيران ليست إلا الشرارة الأولى التي سوف تفجر كل المنطقة)
4. أن الدولة الإيرانية ستعمل على التدخل في شؤون الدول الخليجية والإسلامية من اجل تهيئة الظروف المناسبة لظهور مهديهم المنتظر يؤمن الشيعة بخروج المهدي المنتظر ؛ محمد بن الحسن العسكري ؛ وهو الإمام الثاني عشر عندهم ، ويطلقون عليه الحجة كما يطلقون عليه القائم . وهو حي الآن ، وينتظرون خروجه – أي ثورته- ليثوروا معه . وإذا خرج قائمهم اجتمع إليه الرافضة من جميع البلدان ، حتى الأموات منهم، ويكون اجتماعهم به في الكوفة . وسيقوم بقتل العرب ؛ وخاصة القرشيين .
إن الاعتراف بالمهدي كإمام مفترض الطاعة وقائد فعلي للأمة، من مسائل الإيمان عند الشيعة . وبلغ من خطورة هذه المسألة أن الإيمان بها شرطً لصحة الإيمان بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم في نظرهم . وقد رووا في ذلك أحاديث ؛ منها الحديث الذي يروونه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني»، وحديث «من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه فقد صدقني» وبناء على هذه العقيدة يجب أن يكون الهدف من العمل السياسي في أي مكان وزمان تهيئة البشرية، على المستوى المحلي والعالمي- تهيئة فكرية ونفسية وعملية- لظهور الإمام المنتظر. وقد جعل الخميني قيام الثورة الإيرانية وانتصارها مقدمة لظهور الإمام المهدي وإقامة دولته ؛حيث يقول: «إن ثورة إيران الإسلامية ـ بتأييد الله المنان ـ في حالة توسع على مستوى البسيطة، وإن بسطها سوف يعزل القوى الشيطانية إن شاء الله، ويهيّئ الأجواء لإقامة حكومة المستضعفين والحكومية العالمية للإمام المهدي صاحب الزمان» واعتبر أن الدولة الإيرانية هي دولة الإمام المهدي؛أي الدولة السائرة وفق تعاليمه، والممهدة لظهوره . وكثيراً ما كان يردد عبارة «بلد الإمام المهدي» في الإشارة إلى الجمهورية الإيرانية . ويشير الإمام الخميني، تبعاً لهذه الفكرة، إلى أن سكان هذه الجمهورية هم من "المنتظرين" للإمام المهدي، والانتظار الايجابي يجب أن يتجلى في تطبيق الأحكام الإسلامية ؛ حيث يقول: "ونحن المنتظرون لقدومه الميمون علينا اليوم أن نسعى بكل طاقاتنا ليسود قانون العدالة الإلهية، في دولة صاحب العصر هذه".
5. إن جميع الحكومات الخليجية والإسلامية حكومات غير شرعية من الحقائق الخطيرة أن أصل مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية التي تسمى أيضا (الجعفرية) ؛ وهو مذهب الدولة الإيرانية قائم على اعتبار جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الساعة -عدا سنوات حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه- حكومات غير شرعية، ولا يجوز لشيعي أن يدين لهؤلاء بالولاء والإخلاص من صميم قلبه، بل يداجيها مداجاة ويتقيها تقاة، لأنها كلها ما مضى منها وما هو قائم الآن وما سيقوم منها فيما بعد، حكومات مغتصبة ، والحكام الشرعيون في دين الشيعة وصميم عقيدتهم هم الأئمة الاثني عشر وحدهم، سواء تيسر لهم الحكم أو لم يباشروه، وكل من عداهم ممن تولوا مصالح المسلمين من أبي بكر وعمر إلى من بعدهم حتى الآن مهما خدموا الإسلام ، ومهما كابدوا في نشر دعوته وإعلاء كلمة الله في الأرض وتوسيع رقعة العالم الإسلامي، فإنهم مفتئتون مغتصبون إلى يوم القيامة. ولقد لوحظ في جميع أدوار التأريخ على جماهير الشيعة ومواقف خاصتهم وعامتهم من الحكومات الإسلامية أن أي حكومة إسلامية إذا كانت قوية وراسخة يتملقونها بألسنتهم عملاً بعقيدة "التقية" ليمتصوا خيراتها ويتبوؤا مراكزها ، فإذا ضعفت ، أو هوجمت من عدو انحازوا إلى صفوفه وانقلبوا عليها.
إن هذا الأصل في العقيدة الشيعية جعل الدولة الإيرانية في مواجهة عقائدية مع حكومات الدول الإسلامية ومنها الخليجية ؛ وهو ما عبر عنه الخميني بقوله : « إننا نواجه الدنيا مواجهة عقائدية ». وجاء في ديباجة دستورها، تحت عنوان «الجيش العقائدي» العبارة الآتية: «لا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أعباء رسالتها الإلهية، وهي: الجهاد في سبيل الله والنضال من أجل نشر أحكام الشريعة الإلهية في العالم» وبناء على هذه العقيدة فإن زعزعة أمن دول الخليج والدول الإسلامية كافة سيكون هدفا رئيسا من أهداف الدولة الإيرانية
إيران وعقيدة التقية:
إيران الفارسية التي تستغل مذهب التشيع لتحقيق مصالحها القومية ، تستعمل عقيدة (التقية ) ، وهي عقيدة خفية وخطيرة ، وحقيقتها عندهم أن تبدي للنواصب (يعني: أهل السنة) غير ما تخفيه في نفسك، وأن تستعمل هذه العقيدة في جميع الحالات ؛ اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا بما يحفظ عليهم أمنهم القومي ومصالحهم الخاصة، ولا يتضررون من وراء ذلك شيئاً. ولهذا فلو لاحظ الملاحظ لوجد أنَّ إيران تشتغل بالسر والخفاء أكثر مما تعمل في العلن والظهور، وأنَّ عقيدتها التي هي عندهم(تسعة أعشار دينهم) وأنَّ( من لا تقية له لا دين له) قد ساهمت مساهمة كبيرة في خدمة مصالحهم بشكل جعل الكثير من أهل السنَّة يظنونهم على ما هم عليه في الحديث الظاهري، ولكنَّ الدهاء الإيراني والذكاء الفارسي جعل كثيراً من الناس ينخدعون بهم وهم لا يدركون حقيقة عقيدتهم، حتَّى إذا ما وجدوا الفرصة مناسبة انقضوا على من كانوا يراوغونهم بشدة وجعلوا العالم يركع تحتهم ، فلن يخبئ الإيرانيون الشيعة ومراكزهم وثكناتهم الفكرية والعسكرية ، ولن يدخروا أي قوة للسيطرة على العالم الإسلامي إن تمكنوا من ذلك بقوتهم وبطشهم المعروف .
-----------------
رقم التحضير : 8
الطالب : محمود علواني
الرقم الجامعي : 429107935
المادة : التنمية السياسية (التخلف السياسي)