صفحة 1 من 1

ماكس فيبر

مرسل: الاثنين يوليو 22, 2013 5:37 am
بواسطة محمد العمر 13
ولقد ولد ماكس فيبر في إبريل 1864 في إيرفرت Erfert بألمانيا من أسرة بروتستانتية وعرف أجداده لأبيه بأنهم ( لوثريون) نسبة إلى المصلح الديني المعروف مارتن لوثر ( 1483-1546) ولقد طردوا من النمسا بسبب معتقداتهم وعندما وصلوا إلى بيلفيلد Bielefield اشتغلوا بالتجارة حتى أصبحوا من أشهر تجارها، وكان والده محامياً عمل بالسياسة في عهد بسمارك وظل لعدة سنوات عضواً في الريشناخ ( البرلمان) ولقد أثار ذلك عند فيبر الوعي بأهمية العمل السياسي، ولقد بدأ في دراسة الاقتصاد منذ عام 1882 حيث إلتقى بأفكار آدم سميث وغيره ولقد حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد وكان موضوع الرسالة " الشركات التجارية في العصور الوسطى" وتوضح الرسالة تحوله من التاريخ القانوني إلى التاريخ الاقتصادي , وبعد حصوله على الدكتوراه قام بتدريس القانون في جامعة برلين عام 1892 وعمل أستاذاً للسياسة عام 1894 وأستاذاً للإقتصاد عام 1897 ، ولقد أصيب بإنهيار عصبي حاد أقعده عن نشاطه الأكاديمي في سنة 1900 ولم يستطع العودة إلى التدريس إلى عام 1918 خلال الحرب العالية الأولى.
ويلاحظ أن فيبر لم يحترف علم الإجتماع إلا قبل وفاته بعامين ، ولقد توفي عام 1920 قبل أن يتم مؤلفة الأساسي الذي يدخل في ميدان النظرية الإجتماعية وهو الإقتصاد والمجتمع Economics and Society لذلك كانت إحدى المهام الصعبة في سنة 1922 هي جمع شتات هذا المؤلف بعد أن تركها فيبر في صورتها المبدأية.

تصور فيبر للبيروقراطية Bureaucratization :
كثير من الناس يحملون كلمة بيروقراطية عكس معناها حيث أن الناس تربط مفهوم البيروقراطية بمفهوم الروتين وإن كان الأمر في الأساس عكس ذلك تماماً حيث أن البروقراطية إنما تستهدف إلغاء الطابع الشخصي من حيث توزيع الأعمال أو طرق أدائها أو تقييم الأداء. وبمعنى آخر فإن البيروقراطية هي مجموعة النظم واللوائح التي تحدد السلوك التنظيمي كما يجب أن يكون إعتقاداً بأن هذا السلوك يمثل أفضل سلوك يمكن التنظيم من تحقيق أهدافه وإعتقاداً بأن هذه اللوائح هي ضمان لحماية التنظيم من الفساد والتسيب والإنحراف.

وبمعنى آخر فإن كلمة بيروقراطية تعني وببساطة البناء الاجتماعي المتسلسل لإدارة التنظيمات الضخمة بطريقة سليمة وبكفاءة وفعالية وبطريقة غير شخصية. وهو يشير إلى التغيرات التي تحدث في المنظمات الرسمية أو الأهلية بطريقة صحيحة لصنع القرارات لتحقيق الكفاءة والفعالية وتحقيق الأهداف. ونظراً للزيادة الكبيرة والتعقيدات في حجم المنظمات فإنها تكون في حاجة إلى تنسيق لتحقيق مزيد من الفاعلية والتي تصل إلى أقصى درجاتها عندما يكون هناك سيطرة تامة للإدارة والأدوار محددة وواضحة وكذا الحقوق والواجبات.

ويرى أن العالم القديم قد عرف البيروقراطية ويظهر ذلك بصورة جلية في مصر القديمة وبابل والصين والهند ومع تقدم المجتمعات وإزدياد حاجات البشر ظهرت الحاجة إلى وجود منظمات متخصصة ومع إزدياد التقدم ظهرت المنظمات كبيرة الحجم ومنها ظهر مفهوم البيروقراطية بمعناه العلمي والذي وضعه عالم الإجتماع المشهور ماكس فيبر .

فالبيروقراطية ترتبط بالمنظمات كبيرة الحجم وهذا المنظمات تتميز بتعقد المشاكل التنظيمية والإدارية التي تواجهها فمن ناحية نجد أن العمل مقسم إلى أجزاء صغيرة وأن العمل الواحد يقوم به مجموعة من الأفراد ومن ناحية أخرى يضم التنظيم مستويات إدارية متعددة تجعل عملية الإتصال رأسياً وأفقياً في منتهى الصعوبة.

ومن ناحية ثالثة فإن العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين لا تصبح علاقة شخصية ومباشرة بحيث تصعب عملية تقييم كفاءة المرؤوسين . وفي ظل هذا المناخ التنظيمي المعقد يصبح من الضروري وجود لوائح ونظم وقواعد تحكم عملية تحديد الخطوط الفاصلة بين مختلف التخصصات ضماناً لعدم حدوث التضارب والإحتكاك بين الوحدات التنظيمية ويصبح من الضروري أيضاً وجود مسالك محددة للإتصال الرسمي تحددها الإدارة العليا وبهذه الوسيلة تتجرد الوظائف من شتى المؤشرات الشخصية التي قد تؤثر في أداء شاغلها لها.

والبيروقراطية طبقاً للمعنى السابق ضرورة حيوية لجميع المنظمات كبيرة الحجم وإذا أمكن تحويل المثالية إلى واقع فإنه تصبح أفضل شكل تنظيمي ممكن ولكن الذي يحدث عادة هو التمادي في تطبيق اللوائح والتماسك الحرفي بها .ومع طول تعدد العاملين في هذا المناخ ومع صعوبة تعديل اللوائح بما يتمشى مع التغيرات والمؤشرات التي سيتعرض لها التنظيم يزحف مرض الجمود إلى السلوك التنظيمي وتصبح المبادرات الشخصية شيئاً نادراً أو مخالفاً للتعليمات واللوائح. ومن ثم تبدأ الآثار السلبية للبيروقراطية في الظهور .

ولو حاولنا تتبع النظريات الكبرى للبيروقراطية لوجدنا أن مفهوم البيروقراطية لم يكن يشغل مكاناً بارزاً في فكر ماركس . وإن كان هذا لا ينكر أن ماركس قد درس مفهوم البيروقراطية واستخدمه في نطاق محدد تمثل في دراسة لجهاز الدولة وإدارتها كما طور أفكاره عنها حينما كان بصدد نقد فلسفة هيجل في الدولة فالجهاز الإداري في رأي هيجل يحقق الصلة الدائمة بين الدولة والمجتمع حيث يعتبر التنظيم البيروقراطي هو القنطرة التي تربط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ويعتبر موقف ماركس من البيروقراطية وثيق الصلة بمعالجته لفكرة الإغتراب ذلك المفهوم الذي يشير إلى كافة الظروف والأوضاع التي تجعل البشر يبتعدون عن حياة البساطة الأولية بحيث ينفصل الإنسان عن بيئته الطبيعية التي تعد جزءاً منها وتنطبق فكرة الإغتراب تماماً على البيروقراطية من وجهة نظر ماركس حيث حققت البيروقراطية كياناً مستقلاً بعيداً عن سيطرة الإنسان ومحاولة فرض سيادتها عليه.

حيث يؤكد ماركس أن البيروقراطية كتنظيم تحطم كفاءة الفرد وتعوق قدرته على المبادأة والإبداع والتخيل وتحمل المسؤولية فماركس إعتبر البيروقراطية أداة الطبقة الرأسمالية لتدعيم مصالحها ولذلك فإن قيام ثورة البروليتاريا وظهور المجتمع اللاطبقي سوف يحكم جهاز الدولة البيروقراطية .

ويعتبر موقف لينين من البيروقراطية مشابهاً لموقف ماركس حيث إعتقد أن البيروقراطية ستشهد إنهياراً تدريجياً عندما تتأسس ديكتاتورية البروليتاريا لأن الصراع ضد البيروقراطية سيكون من المهام الرئيسية للثورة.

وتعتبر إسهامات ماكس فيبر في هذا المجال كبيرة حيث أنه إستطاع أن يصوغ نظرية محددة للبيروقراطية تعتبر من النظريات الكبرى حيث كان فيبر مهتماً في دراسته للبيروقراطية بتحليل التغير الذي طرأ على التنظيم الإجتماعي في المجتمع الحديث فضلاً عن توضيح الخصائص أو المقومات النموذجية للتنظيمات الرسمية التي أصبحت تمثل أكثر أشكال التنظيم شيوعاً في هذا المجتمع ولذا فإنه كتاباته تعتبر قاعدة لنوعين من الدراسات هي الدراسات التاريخية التي تتبع التحول الواضح نحو البيروقراطية والبحوث الإمبيريقية التي تناولت أبعاد التنظيمات وخصائصها البنائية.

وترتكز تحليلات فيبر للبيروقراطية على تصوره لطبيعة علاقات القوة في المجتمع كما إهتم بنموذج لعلاقة القوة وهو ما أطلق عليه مصطلح السلطة وهو علاقة القوة بين الحاكم والأفراد حيث أن ممارسة السلطة على أعداد من الأفراد تقتضي وجود هيئة إدارية قادرة على تنفيذ الأوامر وتحقيق الصلة الدائمة بين الرؤساء والمرؤوسين وهكذا حاول فيبر أن يضح نماذج السلطة وفقاً لمعيارين هما : الإعتقاد في شرعية السلطة ووجود الجهاز الإداري الملائم.

ولقد ميز فيبر بين ثلاثة نماذج مثالية للسلطة تعتمد على تصورات مختلفة للشرعية هي :

1- السلطة الملهمة

2- السلطة التقليدية

3- السلطة القانونية

كما إهتم فيبر باستخدام مصطلح " التحول نحو البيروقراطية " إستخداماً واسعاً حيث أن هذا التحول مرتبط بظهور أنماط للسلوك والتفكير تشيع في كافة مجالات الحياة الإجتماعية نتيجة إنتشار النزعة العقلية ، تلك التي تشير إلى الإحاطة النظرية بأبعاد الواقع من خلال مفاهيم محددة ومجردة والتوجيه المنظم نحو تحقيق هدف أو غاية معينة بعد دراسة كافة الوسائل الممكنة والمفاضلة بينها .

ومن نتائج هذا التصور للعقلانية إزدهار العلم وإزدياد الإعتماد عليه كنسق فكري يوجه السلوك والعمل بدلاً من الإعتماد على التفسيرات والقيم والأفكار الغيبية والميتافيزيقية . فالفكرة المحورية وراء تحليله التاريخي تتمثل في الصراع بين الإلهام الذي يشير إلى إبتكار أو تجديد نتيجة قوى تلقائية تظهر في المجتمع وتتحكم في مساره وبين الروتين أو النظام الدقيق القائم على أسس معروفة وخطة محددة من قبل فليس من شك أن القيادة الملهمة قوة ثورية في العملية التاريخية.


علم إجتماع الديني عند فيبر :

قد ماكس فيبر مجموعة من الدراسات يمكن أن تدخل تحت علم الإجتماع الديني لعل من أهمها تلك الدراسة التي حاول فيها أن يناهض الفكر الماركسي في أساسه وجوهره والتي تقع تحت عنوان الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية ، ثم قام فيبر بعد ذلك بدراسات مقارنة تناولت الأديان الكبرى والعلاقة بين الظروف الإجتماعية والإقتصادية من جهة والإتجاهات الدينية من جهة أخرى.

وعن الدور الذي الذي يلعبه الدين من خلال دراسات فيبر فإن ريمون آرون يقول " إن نقطة الإنطلاق في دراسات فيبر عن علم الإجتماع الديني هما فيب إعتقاده بأن فهم أي إتجاه يحتاج من الباحث إلى إدراك تصور الفاعل للوجود بأكمله" إذ في ضوء هذا الإعتقاد حدد فيبر التساؤل الآتي لكي يجيب عليه دراساته .

إلى أي مدى تؤثر التصورات الدينية عن العالم والوجود في السلوك الإقتصادي لكافة المجتمعات : ويقول ( Aron, 1970) إن ماكس فيبر في دراسته لتأثير الأخلاق البروتستانتينية على الرأسمالية كان يريد أن يؤكد قضيتين هما :

1- أن سلوك الأفراد في مختلف المجتمعات يفهم في إطار تصورهم العام للوجود وتعتبر المعتقدات الدينية وتفسيرها إحدى هذا التصورات للعالم والتي تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات بما في ذلك السلوك الإقتصادي.

2- إن التصورات الدينية هي بالفعل إحدى محددات السلوك الإقتصادي ومن ثم فهي تعد من أسباب تغير هذا السلوك .


على أن فيبر لم يعالج الجوانب المختلفة للدين بوصفه ظاهرة إجتماعية بل إكتفى بدراسة الأخلاقيات الإقتصادية للدين ويقصد منها ما يؤكد عليه الدين من قيم إقتصادية .
ويرى فيبر أن الرأسمالية الحديثة تمثل في حقيقة الأمر ظاهرة فريدة تنحصر خصائصها الأساسية فيما يلي: المشروع الإقتصادي القائم على التنظيم العقلي والذي تتم إدارته وفقاً لمبادئ علمية والثروات الخاصة والإنتاج من أجل السوق، والإنتاج للجماهير وعن طريقهم والإنتاج من أجل المال والحماس المتزايد والروح المعنوية العالية والكفاءة في العمل تلك التي تتطلب تفرغاً كاملاً من الفرد ليزاول مهنته أو عمله وهذا التفرغ يجعل من العمل المهني هدفاً ومطلباً رئيسياً في حياة الفرد وهذه الأخلاق المهنية تعتبر من السمات الواضحة لروح الرأسمالية الحديثة.

بيد أن الرأسمالية تتطلب كذلك وجود أفراد يتميزون بخصائص سيكولوجية معينة وظروف اجتماعية معينة فالتنظيم الرأسمالي لا يتحقق في مجتمع يتسم أفراده بالكسل ويتمسكون بمعتقدات خرافية ويتميزن بعدم الكفاءة كذلك فلابد من توافر مجموعة من الظروف إلى جانب الخصائص السيكولوجية التي ذكرها وهذه الظروف هي رأس مال عقلي وإدارة للعمل وإمتلاك كل وسائل الإنتاج وتوفر وسيلة للإنتاج وشيوع قانون عقلي وإزدياد العمل الحر وتسويق لمنتجات العمل.

ويذهب فيبر إلى أن ينيامين فرانكلين قد عبر بصدق عن السمات السيكولوجية اللازمة لوجود النظام الرأسمالي مثل أن الأمانة هي أفضل سياسة ، والحساب الدقيق ضرورة لأي عمل ، السلوك المنظم ، المثابرة ، الكفاية ، الصدق والإخلاص.