أصل الهوية واكتساب الجنسية
مرسل: الاثنين يوليو 22, 2013 6:13 am
المصدر: الأهرام اليومى بقلم: مصطفى الفقى
د. مصطفى الفقى
لا يختلف اثنان على القيمة الفكرية والثقافية والأخلاقية للمستشار «طارق البشري» فهو ينتمى إلى بيت علم ودين كما ظل طوال حياته شامخًا لا يلين، وقد اقتربت منه وتأثرت به واستقر فى وجدانى تقدير كبير له واحترام شديد لشخصه، وليسمح لى وقد تأثرت بكتابه الشهير عن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر منذ أن كانت فصوله مقالاتٍ فى مجلة «الكاتب» وهى دورية ثقافية يسارية الطابع أطاح بها من كانوا لا يريدونها منذ عدة عقود ـ وهو الذى كتب مقدمة كتابى عن «الأقباط فى السياسة المصرية» فزاده قيمة وأكسبه مكانة، ليسمح لى أستاذنا بأن أختلف معه فى موضوع التزيد الواضح عند تعقب سلامة «الجنسية المصرية» لمرشحى الرئاسة، مع تسليمى بأن ذلك شرط لا يختلف عليه اثنان، فالرئيس يجب أن يكون مصريًا خالصًا لا تشوبه شائبة على نحو لا يؤدى إلى تعارض المصالح واصطدام الإرادات وأن يكون من أبوين مصريين أيضًا ولكن الذى يعنينى هنا هو مسألة تعقب الجنسية بالاكتساب للوالدين وأقرباء الدرجة الأولى خصوصًا وأن ذلك قد أصبح سيفًا مسلطًا على رقاب بعض المرشحين وثغرة تتسرب منها الطعون دون سند من الحق والقانون بل وعلى نحو قد تجاوز ماهو معمول به فى معظم دساتير الدول الأخرى وشروطها فيمن يترشح لذلك المنصب الرفيع، وأنا أوافق أستاذنا «طارق البشري» بغير جدال فى أنه إذا كانت مثل هذه الشروط تطبق على الدبلوماسى الشاب أو الضابط الصغير وبعض المناصب القضائية الرفيعة فإن الأجدى والأولى أن تنطبق شروط أكثر دقة وأشد إحكامًا فيما يتصل بمنصب «رئيس الجمهورية»، ولنا هنا بعض الملاحظات نضعها بين يدى أستاذنا ورفاقه من جمهرة فقهاء القانون على الساحة المصرية الآن:
أولاً: إننا لا نختلف مع كل «الشراح» الذين وقفوا أمام جنسية الشخص وأبويه شريطة أن يكون المقصود بذلك هو «الجنسية الأصلية» وليست «المكتسبة» فيما يخص الأبوين على الأقل، أما الشخص المرشح لذلك المنصب الرفيع فلا يمكن أن تشوبه شائبة ولو بحصوله على جنسية بالاكتساب، وقد رأى البعض من خبراء الجوازات والجنسية أن حمل «جواز سفر» لدولة معينة لا يعنى بالضرورة أن يكون حامله متمتعًا بجنسيتها، فالجنسية انتماء بينما حمل «جواز السفر» يمكن أن يكون مسألة وقتية طلبًا للجوء سياسى أو سببًا لتيسيرات إدارية ومعاملة أفضل من الناحية الإجرائية، نعود مرة أخرى لنؤكد أن المرشح لرئاسة الدولة يجب أن يكون مصريًا خالصًا لا تشوبه شائبة كما أن أبويه يتمتعان بها إلا إذا كان أحدهما قد اكتسبها لظرف خاص وقد نمى إلى علمى أن والدة المرشح الذى جرى إقصاؤه قد حصلت على الجنسية قبيل وفاتها طلبًا للعلاج الطبى وتفاديًا لنفقاته الباهظة على القادمين إلى «الولايات المتحدة الأمريكية» وهنا يجب أن يقف المشرِّع وقفة عادلة تفرق بوضوح بين من كانت جنسية أبويه الأصلية «غير مصرية» وبين من يكتسبونها لأسباب «لوجيستية».
ثانيًا: قال تعالى فى محكم تنزيله (وإبراهيم الذى وفى ألا تزر وازرة وزر أخري) فلا يمكن أن أعاقب شخصًا بسبب تصرف لأحد أبويه مثل حيازة الجنسية من دولة أجنبية ـ وهو أمر قد يحدث بغير إرادة الشخص ذاته ـ وهل يمكن أن نعاقب مرشحًا لمجرد أن له شقيقًا يحمل جنسية دولة أجنبية اعتمادًا على أحاديث مرسلة وأقوال غير موثقة؟ إننى أرى أن التزيد فى موضوع الجنسية والحصول عليها أمر مطلوب لأنه من ضوابط التوصيف الوظيفى للمنصب الرفيع، ولكننى أطالب وبوضوح بضرورة التفرقة بين من يحمل جنسية أصلية ومن اكتسبها من الأبوين والإخوة والأخوات والزوجات، وفى ظنى أن حرمان مكتسب الجنسية الأجنبية من التقدم للوظائف السيادية هو أمر يحتاج إلى إعادة نظر خصوصًا إذا أبدى استعداده للتنازل عنها علنًا.
ثالثًا: لقد تابعت بشغف أطروحة متميزة للحصول على درجة الدكتوراة تقدم بها اللواء «عادل عفيفي» رئيس مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية منذ عدة سنوات وهو الآن رئيس «حزب سلفي» ووكيل للجنة «حقوق الإنسان» فى البرلمان المصري، ولقد كتب الدكتور «عادل عفيفي» فى أطروحته مدافعًا بالدليل والحجة عن حقوق مزدوجى الجنسية فى عضوية البرلمان إذ يكفى أن نتأمل البرلمانات الأوروبية لنجد من بين أعضائها من حصلوا على جنسية تلك الدول بالاكتساب فقط! فما بالك بمن لا تزال جنسيته مصرية وإن كان قد أضاف إليها؟! ويعتمد الدكتور «عفيفي» فى رأيه على روح قانون الهجرة المصرى وما كفله من حقوق لمن هاجر وعاد وليس من حصل فقط على جنسية دولة أخرى دون إجراءات هجرة كاملة! وإذا كنا نتحدث عن قضية الولاء لمزدوجى الجنسية فإن تجربتى الشخصية سفيرًا لبلادى فى العاصمة النمساوية علمتنى أن المصريين فى الخارج أشد عاطفة وأكثر اقترابًا من الوطن أحيانًا ممن يقيمون فيه!
رابعًا: لقد حسم الدستور الأمريكى القضية برمتها فجعل معيار المواطنة الكاملة مستمدًا من موقعة المولد على الأرض الأمريكية دون غيرها، ولقد حرم هذا الشرط رجلاً بحجم «هنرى كسينجر» صاحب العقلية المتوهجة ـ مهما اختلفنا معه ـ من الوصول إلى «البيت الأبيض»، فلم تحجبه لا يهوديته ولا جنسية أبويه «الألمانية» ولكن لأنه لم يولد على أرض أمريكية! ولماذا نذهب بعيدًا؟ إن والد «باراك أوباما» قد هبط الولايات المتحدة الأمريكية فى مطلع الستينيات فقط ثم أصبح ابنه اليوم رئيسًا لأكبر دولة فى العالم!
إننى لا أكتب هذه السطور دعمًا لأشخاص بعينهم أو مساندة لأجندة بذاتها كما أننى لم أحمل جنسية غير المصرية فى حياتى ولن أحمل غيرها حتى الممات، ولكن الحق أحق أن يتبع لذلك أقول كلمتى مجردة من أى هوى إلى أن تستقر لدينا مبادئ ثابتة وأفكار واضحة ورؤى شاملة، وأختتم مقالى بتحية ذلك القاضى الفاضل والمؤرخ العميق والقانونى المخضرم المستشار "طارق البشري" الذى رفض ـ ذات يوم ـ طلبًا لرئيس الدولة فى النظام السابق تمسكًا منه بمبدأ واحترامًا لقانون، وكنت على ذلك من الشاهدين!.
د. مصطفى الفقى
لا يختلف اثنان على القيمة الفكرية والثقافية والأخلاقية للمستشار «طارق البشري» فهو ينتمى إلى بيت علم ودين كما ظل طوال حياته شامخًا لا يلين، وقد اقتربت منه وتأثرت به واستقر فى وجدانى تقدير كبير له واحترام شديد لشخصه، وليسمح لى وقد تأثرت بكتابه الشهير عن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر منذ أن كانت فصوله مقالاتٍ فى مجلة «الكاتب» وهى دورية ثقافية يسارية الطابع أطاح بها من كانوا لا يريدونها منذ عدة عقود ـ وهو الذى كتب مقدمة كتابى عن «الأقباط فى السياسة المصرية» فزاده قيمة وأكسبه مكانة، ليسمح لى أستاذنا بأن أختلف معه فى موضوع التزيد الواضح عند تعقب سلامة «الجنسية المصرية» لمرشحى الرئاسة، مع تسليمى بأن ذلك شرط لا يختلف عليه اثنان، فالرئيس يجب أن يكون مصريًا خالصًا لا تشوبه شائبة على نحو لا يؤدى إلى تعارض المصالح واصطدام الإرادات وأن يكون من أبوين مصريين أيضًا ولكن الذى يعنينى هنا هو مسألة تعقب الجنسية بالاكتساب للوالدين وأقرباء الدرجة الأولى خصوصًا وأن ذلك قد أصبح سيفًا مسلطًا على رقاب بعض المرشحين وثغرة تتسرب منها الطعون دون سند من الحق والقانون بل وعلى نحو قد تجاوز ماهو معمول به فى معظم دساتير الدول الأخرى وشروطها فيمن يترشح لذلك المنصب الرفيع، وأنا أوافق أستاذنا «طارق البشري» بغير جدال فى أنه إذا كانت مثل هذه الشروط تطبق على الدبلوماسى الشاب أو الضابط الصغير وبعض المناصب القضائية الرفيعة فإن الأجدى والأولى أن تنطبق شروط أكثر دقة وأشد إحكامًا فيما يتصل بمنصب «رئيس الجمهورية»، ولنا هنا بعض الملاحظات نضعها بين يدى أستاذنا ورفاقه من جمهرة فقهاء القانون على الساحة المصرية الآن:
أولاً: إننا لا نختلف مع كل «الشراح» الذين وقفوا أمام جنسية الشخص وأبويه شريطة أن يكون المقصود بذلك هو «الجنسية الأصلية» وليست «المكتسبة» فيما يخص الأبوين على الأقل، أما الشخص المرشح لذلك المنصب الرفيع فلا يمكن أن تشوبه شائبة ولو بحصوله على جنسية بالاكتساب، وقد رأى البعض من خبراء الجوازات والجنسية أن حمل «جواز سفر» لدولة معينة لا يعنى بالضرورة أن يكون حامله متمتعًا بجنسيتها، فالجنسية انتماء بينما حمل «جواز السفر» يمكن أن يكون مسألة وقتية طلبًا للجوء سياسى أو سببًا لتيسيرات إدارية ومعاملة أفضل من الناحية الإجرائية، نعود مرة أخرى لنؤكد أن المرشح لرئاسة الدولة يجب أن يكون مصريًا خالصًا لا تشوبه شائبة كما أن أبويه يتمتعان بها إلا إذا كان أحدهما قد اكتسبها لظرف خاص وقد نمى إلى علمى أن والدة المرشح الذى جرى إقصاؤه قد حصلت على الجنسية قبيل وفاتها طلبًا للعلاج الطبى وتفاديًا لنفقاته الباهظة على القادمين إلى «الولايات المتحدة الأمريكية» وهنا يجب أن يقف المشرِّع وقفة عادلة تفرق بوضوح بين من كانت جنسية أبويه الأصلية «غير مصرية» وبين من يكتسبونها لأسباب «لوجيستية».
ثانيًا: قال تعالى فى محكم تنزيله (وإبراهيم الذى وفى ألا تزر وازرة وزر أخري) فلا يمكن أن أعاقب شخصًا بسبب تصرف لأحد أبويه مثل حيازة الجنسية من دولة أجنبية ـ وهو أمر قد يحدث بغير إرادة الشخص ذاته ـ وهل يمكن أن نعاقب مرشحًا لمجرد أن له شقيقًا يحمل جنسية دولة أجنبية اعتمادًا على أحاديث مرسلة وأقوال غير موثقة؟ إننى أرى أن التزيد فى موضوع الجنسية والحصول عليها أمر مطلوب لأنه من ضوابط التوصيف الوظيفى للمنصب الرفيع، ولكننى أطالب وبوضوح بضرورة التفرقة بين من يحمل جنسية أصلية ومن اكتسبها من الأبوين والإخوة والأخوات والزوجات، وفى ظنى أن حرمان مكتسب الجنسية الأجنبية من التقدم للوظائف السيادية هو أمر يحتاج إلى إعادة نظر خصوصًا إذا أبدى استعداده للتنازل عنها علنًا.
ثالثًا: لقد تابعت بشغف أطروحة متميزة للحصول على درجة الدكتوراة تقدم بها اللواء «عادل عفيفي» رئيس مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية منذ عدة سنوات وهو الآن رئيس «حزب سلفي» ووكيل للجنة «حقوق الإنسان» فى البرلمان المصري، ولقد كتب الدكتور «عادل عفيفي» فى أطروحته مدافعًا بالدليل والحجة عن حقوق مزدوجى الجنسية فى عضوية البرلمان إذ يكفى أن نتأمل البرلمانات الأوروبية لنجد من بين أعضائها من حصلوا على جنسية تلك الدول بالاكتساب فقط! فما بالك بمن لا تزال جنسيته مصرية وإن كان قد أضاف إليها؟! ويعتمد الدكتور «عفيفي» فى رأيه على روح قانون الهجرة المصرى وما كفله من حقوق لمن هاجر وعاد وليس من حصل فقط على جنسية دولة أخرى دون إجراءات هجرة كاملة! وإذا كنا نتحدث عن قضية الولاء لمزدوجى الجنسية فإن تجربتى الشخصية سفيرًا لبلادى فى العاصمة النمساوية علمتنى أن المصريين فى الخارج أشد عاطفة وأكثر اقترابًا من الوطن أحيانًا ممن يقيمون فيه!
رابعًا: لقد حسم الدستور الأمريكى القضية برمتها فجعل معيار المواطنة الكاملة مستمدًا من موقعة المولد على الأرض الأمريكية دون غيرها، ولقد حرم هذا الشرط رجلاً بحجم «هنرى كسينجر» صاحب العقلية المتوهجة ـ مهما اختلفنا معه ـ من الوصول إلى «البيت الأبيض»، فلم تحجبه لا يهوديته ولا جنسية أبويه «الألمانية» ولكن لأنه لم يولد على أرض أمريكية! ولماذا نذهب بعيدًا؟ إن والد «باراك أوباما» قد هبط الولايات المتحدة الأمريكية فى مطلع الستينيات فقط ثم أصبح ابنه اليوم رئيسًا لأكبر دولة فى العالم!
إننى لا أكتب هذه السطور دعمًا لأشخاص بعينهم أو مساندة لأجندة بذاتها كما أننى لم أحمل جنسية غير المصرية فى حياتى ولن أحمل غيرها حتى الممات، ولكن الحق أحق أن يتبع لذلك أقول كلمتى مجردة من أى هوى إلى أن تستقر لدينا مبادئ ثابتة وأفكار واضحة ورؤى شاملة، وأختتم مقالى بتحية ذلك القاضى الفاضل والمؤرخ العميق والقانونى المخضرم المستشار "طارق البشري" الذى رفض ـ ذات يوم ـ طلبًا لرئيس الدولة فى النظام السابق تمسكًا منه بمبدأ واحترامًا لقانون، وكنت على ذلك من الشاهدين!.