يا فرحتك يا مصر بـ «طراطيرك»!
مرسل: الاثنين يوليو 22, 2013 11:50 pm
في التسعينيات من القرن المنصرم، قدم أحمد بدير مسرحيته الشهيرة «طراطير بترتر». لم أنل شرف مشاهدتها لأكثر من سبب. الأول أنني وقتها كنت طالبا جامعيا بريئا، ولو ضبطني أحد متلبسا بدخول مسرحية من هذا النوع، فسيكون ذلك عارا تاريخيا لا يمحوه إلا الدم، وبقعة سوداء في ردائي النخبوي لا يزيلها حتى مسحوق الغسيل الذي تعلن عنه غادة عادل. ثانيا -وهذا الأهم- أنه لم يكن معي ثمن تذكرة الدخول، والتي ليست في متناول غالبية المصريين، فتلك المسرحيات العامرة بكوكتيل «البهارات» من كوميديان وراقصة ومطرب وإيفيهات هابطة ومسفة وساقطة، تنتج خصيصا لقطاع معين من السائحين العرب.
لكن قادة الانقلاب في مصر، شفاهم الله وعافاهم من الزنقة التي وضعوا أنفسهم والدولة والمنطقة كلها فيها، لم يحرمونا من شيء تمنيناه، أو أحلام أجهضها عدم وجود فلوس التذكرة. الانقلابيون يعيدون حاليا وبنجاح ساحق مسرحية «طراطير بترتر» على مسرح الأمة. العالم كله، وليس فقط السائحون العرب هواة التسلية، يشاهدون المسخرة التي تجري فصولها في المحروسة.
«الطرطور» عند أهل اللغة هو الرجل الوغد الضعيف والجمع طراطير. قال الشاعر: «قد عَلِمتْ يَشْكُرُ مَنْ غُلامُها.. إِذا الطَّراطِيرُ اقْشَعَرَّ هامُها». والطرطور هو الشخص الذي ليس له قوة.. الذي لا يملك صلاحية.. الذي ليس له رأي.. الذي ليس له معنى.. الذي لا يحل ولا يربط.. المحكوم من قبل الآخرين.. الضعيف الشخصية.. المهزوزة صورته.. الفاشل.. الناقص.. المتذبذب.. المهزوز.. الناقض.. المنتقد.. المستهتر.
أما «ترتر» فالمقصود منه في المسرحية، هو تلك الحبات الصغيرة المكورة التي توضع على ملابس النساء، لتعطيها بريقا ولمعانا. إذن نحن أمام «طراطير» تلمع بالترتر.
الشاهد أن السادة المنقلبين، وضعوا مجموعة من الطراطير في المناصب العليا بالدولة. الواحد منهم صوريا رجل كبارة، «ملو هدومه»، لكنه في الحقيقة لا يحل ولا يربط. ينتظر الأوامر ممن تعطف عليه وأجلسه على كرسي منصبه. عندما شاهدت في التلفزيون قبل أيام توزيع غنائم الانقلاب، وتشكيل حكومة العار وحلف أيمانات القسم بالإخلاص للوطن وسلامة أراضيه والدستور والقانون، تأكدت أن مصر بعون الله دخلت مرحلة «الطرطرة الجماعية». أما عن حكاية الإخلاص للوطن والقانون، التي كان «يحزق» من يرددها، فهي صعبة التطبيق. كان غيرك أشطر يا طرطور منك له. من أتى بكم سبق وحلف القسم نفسه، لكنه حنث به وأدخل إلى مصر المستقرة شبح الحرب الأهلية، وبالتالي يعرض سلامة أراضيها للخطر.
من مشاهد المسرحية التي تتفوق على مسرحية أحمد بدير سخرية، أن من يلتقي كبار الضيوف الأجانب أولا، ليس رأس الدولة بحسب ما تقتضي قواعد البروتوكول، بينما باقي المسؤولين المفترض أنهم كبار يجلسون مثل الشطار في المنزل. هم مثل أمينة زوجة سي السيد أحمد عبدالجواد التي تنتظر إشارة من أصبعه لتتكلم.
بهارات المسرحية القديمة انتقلت مع نوع من تحسين الخدمة إلى المسرحية الجديدة. الكوميديان موجود والإيفيهات على قفا من يشيل. هل هناك كوميديا أفضل مما يقدم المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية، وهل ثمة إيفيهات أكثر إضحاكا مما يتلفظ به: «الجمهورية الجديدة»، «الرئاسة تقف على مسافة واحدة و (دافئة) من جميع الأطراف». أضحك الله سنك سيادة المستشار.
وبالنسبة للغناء، فالمؤكد أن حضرتك تسمع كل ساعة أحد أفراد نخبتنا الميمونة، وهو يغني على الشعب، ويحاول إيهامه أن ما جرى ليس انقلابا، وكأن من عزل مرسي وجاء بالطراطير، كان يمزح معنا بالكاميرا الخفية، وسيقول لنا بعدها: «عليكو واحد.. لو تحبوا نذيع قولوا ذيع».
وعن الرقص فلا تسلني. الراقصون على عينك يا تاجر. يتمايلون طربا على صوت حركات بيادات العسكر. لسان حالهم: «وأنا اللي قلبي عشان يدق مستني دقة خطوتك». وبعد إعلان الانقلاب رسميا خلعوا برقع الحياء. رقصوا «ستربتيز». دخلوا في سباقات عارية نيلاً للرضا السامي. الفلول انتشوا وأعادوا طلاء وجوههم بلون عصر كبيرهم مبارك. الليبراليون كشفوا عن سحنتهم الحقيقية الديكتاتورية الرافضة للديمقراطية إذا أتت بغيرهم، والكارهة للصناديق لو أفرزت نتائج على غير هواهم. اليساريون نسوا ما صدعونا به طوال تاريخهم عن تحريمهم المطلق لـ «عسكرة» الدولة، وارتموا في أحضان «الأفرول» ففاز بالوزارة من فاز.
وبشأن الابتذال، فيكفي ما تسمعه في إعلام الدولة ومن إعلاميي أمن الدولة في الصحف والفضائيات الخاصة، ومن رجال دين على شاكلة حسن البارودي في «الزوجة الثانية»، من اتهامات فاجرة بحق المعتصمين رافضي الذل والعبودية المشرقين في سماء ميدان رابعة العدوية. إن أطهر من أنجبت مصر يتعرضون لعملية قتل معنوي من أقذر من أنجبت مصر.
هذا ملخص للمسرحية التي تشهدها مصر بنجاح عظيم، منذ يوم الأربعاء 3 يوليو 2013. أما مشهد الختام فيظهر فيه كل طرطور، متقمصا شخصية حمدي أحمد «محجوب عبدالدايم» في «القاهرة 30». ينتظر أسفل العمارة، حتى تنتهي زوجته العرفية «سعاد حسني» من لقاء الباشا «أحمد مظهر».
«محجوب» ما زال على حاله، بينما والده يصرخ: يا خيبة أملي فيك.. محجوب مات.. مات.. مات!!
شريف عبدالغني
لكن قادة الانقلاب في مصر، شفاهم الله وعافاهم من الزنقة التي وضعوا أنفسهم والدولة والمنطقة كلها فيها، لم يحرمونا من شيء تمنيناه، أو أحلام أجهضها عدم وجود فلوس التذكرة. الانقلابيون يعيدون حاليا وبنجاح ساحق مسرحية «طراطير بترتر» على مسرح الأمة. العالم كله، وليس فقط السائحون العرب هواة التسلية، يشاهدون المسخرة التي تجري فصولها في المحروسة.
«الطرطور» عند أهل اللغة هو الرجل الوغد الضعيف والجمع طراطير. قال الشاعر: «قد عَلِمتْ يَشْكُرُ مَنْ غُلامُها.. إِذا الطَّراطِيرُ اقْشَعَرَّ هامُها». والطرطور هو الشخص الذي ليس له قوة.. الذي لا يملك صلاحية.. الذي ليس له رأي.. الذي ليس له معنى.. الذي لا يحل ولا يربط.. المحكوم من قبل الآخرين.. الضعيف الشخصية.. المهزوزة صورته.. الفاشل.. الناقص.. المتذبذب.. المهزوز.. الناقض.. المنتقد.. المستهتر.
أما «ترتر» فالمقصود منه في المسرحية، هو تلك الحبات الصغيرة المكورة التي توضع على ملابس النساء، لتعطيها بريقا ولمعانا. إذن نحن أمام «طراطير» تلمع بالترتر.
الشاهد أن السادة المنقلبين، وضعوا مجموعة من الطراطير في المناصب العليا بالدولة. الواحد منهم صوريا رجل كبارة، «ملو هدومه»، لكنه في الحقيقة لا يحل ولا يربط. ينتظر الأوامر ممن تعطف عليه وأجلسه على كرسي منصبه. عندما شاهدت في التلفزيون قبل أيام توزيع غنائم الانقلاب، وتشكيل حكومة العار وحلف أيمانات القسم بالإخلاص للوطن وسلامة أراضيه والدستور والقانون، تأكدت أن مصر بعون الله دخلت مرحلة «الطرطرة الجماعية». أما عن حكاية الإخلاص للوطن والقانون، التي كان «يحزق» من يرددها، فهي صعبة التطبيق. كان غيرك أشطر يا طرطور منك له. من أتى بكم سبق وحلف القسم نفسه، لكنه حنث به وأدخل إلى مصر المستقرة شبح الحرب الأهلية، وبالتالي يعرض سلامة أراضيها للخطر.
من مشاهد المسرحية التي تتفوق على مسرحية أحمد بدير سخرية، أن من يلتقي كبار الضيوف الأجانب أولا، ليس رأس الدولة بحسب ما تقتضي قواعد البروتوكول، بينما باقي المسؤولين المفترض أنهم كبار يجلسون مثل الشطار في المنزل. هم مثل أمينة زوجة سي السيد أحمد عبدالجواد التي تنتظر إشارة من أصبعه لتتكلم.
بهارات المسرحية القديمة انتقلت مع نوع من تحسين الخدمة إلى المسرحية الجديدة. الكوميديان موجود والإيفيهات على قفا من يشيل. هل هناك كوميديا أفضل مما يقدم المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية، وهل ثمة إيفيهات أكثر إضحاكا مما يتلفظ به: «الجمهورية الجديدة»، «الرئاسة تقف على مسافة واحدة و (دافئة) من جميع الأطراف». أضحك الله سنك سيادة المستشار.
وبالنسبة للغناء، فالمؤكد أن حضرتك تسمع كل ساعة أحد أفراد نخبتنا الميمونة، وهو يغني على الشعب، ويحاول إيهامه أن ما جرى ليس انقلابا، وكأن من عزل مرسي وجاء بالطراطير، كان يمزح معنا بالكاميرا الخفية، وسيقول لنا بعدها: «عليكو واحد.. لو تحبوا نذيع قولوا ذيع».
وعن الرقص فلا تسلني. الراقصون على عينك يا تاجر. يتمايلون طربا على صوت حركات بيادات العسكر. لسان حالهم: «وأنا اللي قلبي عشان يدق مستني دقة خطوتك». وبعد إعلان الانقلاب رسميا خلعوا برقع الحياء. رقصوا «ستربتيز». دخلوا في سباقات عارية نيلاً للرضا السامي. الفلول انتشوا وأعادوا طلاء وجوههم بلون عصر كبيرهم مبارك. الليبراليون كشفوا عن سحنتهم الحقيقية الديكتاتورية الرافضة للديمقراطية إذا أتت بغيرهم، والكارهة للصناديق لو أفرزت نتائج على غير هواهم. اليساريون نسوا ما صدعونا به طوال تاريخهم عن تحريمهم المطلق لـ «عسكرة» الدولة، وارتموا في أحضان «الأفرول» ففاز بالوزارة من فاز.
وبشأن الابتذال، فيكفي ما تسمعه في إعلام الدولة ومن إعلاميي أمن الدولة في الصحف والفضائيات الخاصة، ومن رجال دين على شاكلة حسن البارودي في «الزوجة الثانية»، من اتهامات فاجرة بحق المعتصمين رافضي الذل والعبودية المشرقين في سماء ميدان رابعة العدوية. إن أطهر من أنجبت مصر يتعرضون لعملية قتل معنوي من أقذر من أنجبت مصر.
هذا ملخص للمسرحية التي تشهدها مصر بنجاح عظيم، منذ يوم الأربعاء 3 يوليو 2013. أما مشهد الختام فيظهر فيه كل طرطور، متقمصا شخصية حمدي أحمد «محجوب عبدالدايم» في «القاهرة 30». ينتظر أسفل العمارة، حتى تنتهي زوجته العرفية «سعاد حسني» من لقاء الباشا «أحمد مظهر».
«محجوب» ما زال على حاله، بينما والده يصرخ: يا خيبة أملي فيك.. محجوب مات.. مات.. مات!!
شريف عبدالغني