- الثلاثاء يوليو 23, 2013 12:54 am
#64043
الوحدة المصرية السورية في الوثائق البريطانية
د. هدى جمال عبد الناصر
خرجت مصر بانتصار سياسي في1956 بعد فشل العدوان الثلاثي عليها, وهنا بدأت مخططات جديدة بهدف تحقيق ما عجز السلاح عن فرضه, فأصبحت منطقة الشرق الأوسط محور صراع سياسي ضاريا بين الغرب وقوى التحرر العربية. وتكشف الوثائق البريطانية تلك المخططات وتسجل تفاصيل ذلك الصراع, وبصفة خاصة خلال معركة الأحلاف العسكرية, وبعد تحقيق الوحدة المصرية السورية, وخلال مرحلة المد التحرري العربي الذي ساندته مصر بكل قواها في اليمن والخليج وجنوب شبه الجزيرة العربية.
فبالرغم من استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وبريطانيا منذ العدوان الثلاثي في1956, فإن الوثائق البريطانية تحتوي علي معلومات دقيقة توضح اهتمام بريطانيا والغرب عموما بتتبع عملية الوحدة, كما تكشف ـ وهو الأهم ـ مدى خطورة الوحدة المصرية السورية ليس فقط علي المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الأوسط, بل أيضا علي مصالح الكتلة الشرقية التي وقفت من الوحدة منذ البداية موقفا معاديا.
وأخطر ما في الوثائق البريطانية المتعلقة بالوحدة المصرية السورية التفاصيل التي ذكرت عن مخططات الدول الغربية لمنع انضمام أي من الدول العربية الأخرى الى دولة الوحدة, ومختلف الوسائل التي استخدمت من أجل تحقيق هذا الهدف. فلقد قدم الغرب الدعم المالي والعسكري للدول المجاورة لمصر وسوريا, بالإضافة الي تغذية شكوك جميع دول المنطقة في الدولة العربية الوليدة. وكانت بريطانيا هي المحرك الرئيسي لإثارة مخاوف كل من العراق ولبنان والأردن من احتمال تعرضهم لهجوم عسكري من جانب الجمهورية العربية المتحدة.
وتوضح الوثائق البريطانية تفاصيل الدور الذي قامت به بريطانيا لمنع انضمام الأردن الي الجمهورية العربية المتحدة من خلال نقلها معلومات مضللة إلي الملك حسين عن تقديم جمال عبد الناصر الدعم إلى مجموعة من القوات المسلحة الأردنية للقيام بانقلاب عسكري ضده في17 أغسطس1958. وقد طلبت الحكومة البريطانية من سفيرها في الأردن ضرورة مقابلة الملك حسين بصورة عاجلة, وتقديم النصح له بطلب المساعدة العسكرية من بريطانيا لحماية عرشه من أي انقلاب عسكري ضده تقوم الجمهورية العربية المتحدة بتدبيره, واقناعه ـ في نفس الوقت ـ بأن الوجود العسكري البريطاني في الأردن يسهم في استقرار المنطقة.
وقد أكد ذلك سلوين لويد ـ وزير الخارجية البريطانية ـ للسفير الفرنسي في لندن في23 يوليو1958 بقوله: إن انضمام الأردن الي الجمهورية العربية المتحدة يلحق ضررا شديدا بالمصالح الإنجليزية والغربية في المنطقة, كما أنه يضع الجيش المصري علي حدود إسرائيل من ثلاث جبهات, وهذا قد يدفع إسرائيل الي القيام بعمل عسكري ضد الأردن أو الاستيلاء على الضفة الغربية على الأقل.
وتفضح الوثائق البريطانية أيضا الضغوط الضخمة على لبنان من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لكي يقبل الوجود العسكري الأمريكي على أراضيه, تحت زعم حمايته من هجوم مسلح تقوم به قوات الجمهورية العربية المتحدة. وقد تزامن ذلك مع حملة دعائية منظمة ضد دولة الوحدة في أوساط المسيحيين اللبنانيين كي لا يوافقوا علي اقتراح بعض الطوائف السنية بالانضمام الى الوحدة.
وفي نفس الوقت لعبت بريطانيا دورا كبيرا في إثارة مخاوف العراق من دولة الوحدة, بدعوى احتمال قيامها بغزوها عسكريا.
وتكشف الوثائق البريطانية عن مقابلة بين نوري السعيد ـ رئيس وزراء العراق ـ وسلوين لويد في لندن في أغسطس1958, أيد فيها الأخير مقترحات نوري السعيد بضرورة إجهاض الوحدة بين مصر وسوريا, على أن يكون الانفصال ناجما من تحرك سوري منفرد يحظى بدعم دول الجوار. وأضاف نوري السعيد أنه ينبغي إقامة اتحاد فيدرالي بديل بين كل من العراق وسوريا والأردن ولبنان, وأوضح ان الهدف من ذلك هو عزل مصر داخل حدودها فقط, وتوجيه ضربة قاضية لدور مصر العربي.
وفي واقع الأمر لقد اعتبرت الدول الكبرى قيام الوحدة المصرية السورية انقلابا خطيرا في منطقة الشرق الأوسط يهدد مصالحها تهديدا مباشرا, مما حفز هارولد ماكميلان ـ رئيس الوزراء البريطاني ـ إلى دعوة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وفرنسا لاجتماع قمة رباعي يتم خارج نطاق الأمم المتحدة لمناقشة أزمة الشرق الأوسط, كما كان يطلق عليها في ملفات وزارة الخارجية البريطانية! ويتضح من الوثائق البريطانية كيف تلاقت مصالح كل من الكتلتين الشرقية والغربية ضد تجربة الوحدة المصرية السورية. فقد انتقد الاتحاد السوفيتي القيود التي فرضها جمال عبد الناصر على الشيوعيين الذين قاموا بأنشطة معادية للوحدة منذ بدايتها, ولقد كان ذلك هو السبب الرئيسي في الخلاف الشديد الذي حدث بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفيتي, والذي بلغ ذروته في 1959 .
وبالطبع حظي انفصال سوريا عن مصر وانتهاء تجربة الوحدة الأولى في التاريخ الحديث في28 سبتمبر1961 بمساحة كبيرة من الوثائق البريطانية, فقد أوردت رصدا دقيقا لكل جوانب الوضع الداخلي والخارجي في كل من مصر وسوريا, يتضح منه تبني بريطانيا مطالب بعض الفئات السورية التي أضيرت من القوانين الاشتراكية التي صدرت في يوليو 1961 وتكشف هذه الوثائق ايضا عن أن غالبية الدول الغربية ـ وبعض دول المنطقة ـ قابلت الانفصال بارتياح شديد, بل إن الملك حسين قرر التدخل عسكريا إلي جانب حركة الانفصال في سوريا اذا اتخذ جمال عبد الناصر قرارا باستخدام القوة العسكرية للحفاظ على دولة الوحدة, كما تعهدت لبنان بتقديم الدعم في حدود الممكن للحركة الانفصالية.
أما إسرائيل فقد حذرها السفير الأمريكي في تل أبيب بضرورة مراعاة أقصى درجات ضبط النفس تجاه الأحداث في سوريا. وتشير إحدى الوثائق إلى مقابلة بين السفير البريطاني في تل أبيب ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية, أكد فيها الجانبان أن انفصال سوريا عن مصر يمثل ضربة شديدة للفكر الثوري في منطقة الشرق الأوسط, مما يوفر فرصة ملائمة تماما لكلا الدولتين للتعاون معا لمحاصرة مصر ومنعها من مد نفوذها علي هذا النحو مرة أخرى.
وحتى الآن لم يكشف النقاب بعد عن الدور البريطاني في إتمام عملية الانفصال, نظرا لأن هناك50 ملفا كاملة ستبقى مغلقة لمدة50 عاما استثناء من قاعدة فتح الوثائق البريطانية بعد ثلاثين عاما, بالاضافة الي وجود4 ملفات مغلقة إلى عام 2055, وهي تتعلق بالسياسة البريطانية تجاه الجمهورية العربية المتحدة.
د. هدى جمال عبد الناصر
خرجت مصر بانتصار سياسي في1956 بعد فشل العدوان الثلاثي عليها, وهنا بدأت مخططات جديدة بهدف تحقيق ما عجز السلاح عن فرضه, فأصبحت منطقة الشرق الأوسط محور صراع سياسي ضاريا بين الغرب وقوى التحرر العربية. وتكشف الوثائق البريطانية تلك المخططات وتسجل تفاصيل ذلك الصراع, وبصفة خاصة خلال معركة الأحلاف العسكرية, وبعد تحقيق الوحدة المصرية السورية, وخلال مرحلة المد التحرري العربي الذي ساندته مصر بكل قواها في اليمن والخليج وجنوب شبه الجزيرة العربية.
فبالرغم من استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وبريطانيا منذ العدوان الثلاثي في1956, فإن الوثائق البريطانية تحتوي علي معلومات دقيقة توضح اهتمام بريطانيا والغرب عموما بتتبع عملية الوحدة, كما تكشف ـ وهو الأهم ـ مدى خطورة الوحدة المصرية السورية ليس فقط علي المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الأوسط, بل أيضا علي مصالح الكتلة الشرقية التي وقفت من الوحدة منذ البداية موقفا معاديا.
وأخطر ما في الوثائق البريطانية المتعلقة بالوحدة المصرية السورية التفاصيل التي ذكرت عن مخططات الدول الغربية لمنع انضمام أي من الدول العربية الأخرى الى دولة الوحدة, ومختلف الوسائل التي استخدمت من أجل تحقيق هذا الهدف. فلقد قدم الغرب الدعم المالي والعسكري للدول المجاورة لمصر وسوريا, بالإضافة الي تغذية شكوك جميع دول المنطقة في الدولة العربية الوليدة. وكانت بريطانيا هي المحرك الرئيسي لإثارة مخاوف كل من العراق ولبنان والأردن من احتمال تعرضهم لهجوم عسكري من جانب الجمهورية العربية المتحدة.
وتوضح الوثائق البريطانية تفاصيل الدور الذي قامت به بريطانيا لمنع انضمام الأردن الي الجمهورية العربية المتحدة من خلال نقلها معلومات مضللة إلي الملك حسين عن تقديم جمال عبد الناصر الدعم إلى مجموعة من القوات المسلحة الأردنية للقيام بانقلاب عسكري ضده في17 أغسطس1958. وقد طلبت الحكومة البريطانية من سفيرها في الأردن ضرورة مقابلة الملك حسين بصورة عاجلة, وتقديم النصح له بطلب المساعدة العسكرية من بريطانيا لحماية عرشه من أي انقلاب عسكري ضده تقوم الجمهورية العربية المتحدة بتدبيره, واقناعه ـ في نفس الوقت ـ بأن الوجود العسكري البريطاني في الأردن يسهم في استقرار المنطقة.
وقد أكد ذلك سلوين لويد ـ وزير الخارجية البريطانية ـ للسفير الفرنسي في لندن في23 يوليو1958 بقوله: إن انضمام الأردن الي الجمهورية العربية المتحدة يلحق ضررا شديدا بالمصالح الإنجليزية والغربية في المنطقة, كما أنه يضع الجيش المصري علي حدود إسرائيل من ثلاث جبهات, وهذا قد يدفع إسرائيل الي القيام بعمل عسكري ضد الأردن أو الاستيلاء على الضفة الغربية على الأقل.
وتفضح الوثائق البريطانية أيضا الضغوط الضخمة على لبنان من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لكي يقبل الوجود العسكري الأمريكي على أراضيه, تحت زعم حمايته من هجوم مسلح تقوم به قوات الجمهورية العربية المتحدة. وقد تزامن ذلك مع حملة دعائية منظمة ضد دولة الوحدة في أوساط المسيحيين اللبنانيين كي لا يوافقوا علي اقتراح بعض الطوائف السنية بالانضمام الى الوحدة.
وفي نفس الوقت لعبت بريطانيا دورا كبيرا في إثارة مخاوف العراق من دولة الوحدة, بدعوى احتمال قيامها بغزوها عسكريا.
وتكشف الوثائق البريطانية عن مقابلة بين نوري السعيد ـ رئيس وزراء العراق ـ وسلوين لويد في لندن في أغسطس1958, أيد فيها الأخير مقترحات نوري السعيد بضرورة إجهاض الوحدة بين مصر وسوريا, على أن يكون الانفصال ناجما من تحرك سوري منفرد يحظى بدعم دول الجوار. وأضاف نوري السعيد أنه ينبغي إقامة اتحاد فيدرالي بديل بين كل من العراق وسوريا والأردن ولبنان, وأوضح ان الهدف من ذلك هو عزل مصر داخل حدودها فقط, وتوجيه ضربة قاضية لدور مصر العربي.
وفي واقع الأمر لقد اعتبرت الدول الكبرى قيام الوحدة المصرية السورية انقلابا خطيرا في منطقة الشرق الأوسط يهدد مصالحها تهديدا مباشرا, مما حفز هارولد ماكميلان ـ رئيس الوزراء البريطاني ـ إلى دعوة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وفرنسا لاجتماع قمة رباعي يتم خارج نطاق الأمم المتحدة لمناقشة أزمة الشرق الأوسط, كما كان يطلق عليها في ملفات وزارة الخارجية البريطانية! ويتضح من الوثائق البريطانية كيف تلاقت مصالح كل من الكتلتين الشرقية والغربية ضد تجربة الوحدة المصرية السورية. فقد انتقد الاتحاد السوفيتي القيود التي فرضها جمال عبد الناصر على الشيوعيين الذين قاموا بأنشطة معادية للوحدة منذ بدايتها, ولقد كان ذلك هو السبب الرئيسي في الخلاف الشديد الذي حدث بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفيتي, والذي بلغ ذروته في 1959 .
وبالطبع حظي انفصال سوريا عن مصر وانتهاء تجربة الوحدة الأولى في التاريخ الحديث في28 سبتمبر1961 بمساحة كبيرة من الوثائق البريطانية, فقد أوردت رصدا دقيقا لكل جوانب الوضع الداخلي والخارجي في كل من مصر وسوريا, يتضح منه تبني بريطانيا مطالب بعض الفئات السورية التي أضيرت من القوانين الاشتراكية التي صدرت في يوليو 1961 وتكشف هذه الوثائق ايضا عن أن غالبية الدول الغربية ـ وبعض دول المنطقة ـ قابلت الانفصال بارتياح شديد, بل إن الملك حسين قرر التدخل عسكريا إلي جانب حركة الانفصال في سوريا اذا اتخذ جمال عبد الناصر قرارا باستخدام القوة العسكرية للحفاظ على دولة الوحدة, كما تعهدت لبنان بتقديم الدعم في حدود الممكن للحركة الانفصالية.
أما إسرائيل فقد حذرها السفير الأمريكي في تل أبيب بضرورة مراعاة أقصى درجات ضبط النفس تجاه الأحداث في سوريا. وتشير إحدى الوثائق إلى مقابلة بين السفير البريطاني في تل أبيب ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية, أكد فيها الجانبان أن انفصال سوريا عن مصر يمثل ضربة شديدة للفكر الثوري في منطقة الشرق الأوسط, مما يوفر فرصة ملائمة تماما لكلا الدولتين للتعاون معا لمحاصرة مصر ومنعها من مد نفوذها علي هذا النحو مرة أخرى.
وحتى الآن لم يكشف النقاب بعد عن الدور البريطاني في إتمام عملية الانفصال, نظرا لأن هناك50 ملفا كاملة ستبقى مغلقة لمدة50 عاما استثناء من قاعدة فتح الوثائق البريطانية بعد ثلاثين عاما, بالاضافة الي وجود4 ملفات مغلقة إلى عام 2055, وهي تتعلق بالسياسة البريطانية تجاه الجمهورية العربية المتحدة.