منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#64046


لوقت امتد لاكثر من سبعون عاما ظل القوميون العرب ولا زالوا يؤمنون ويرددون في ادبياتهم وكتاباتهم بفكرة الاتحاد والوحدة العربية الكبرى التي تضم جميع العرب تحت دولة وكيان واحد مستقل متجانس ذا قيادة وقوة وكلمة وحركة واحده ، مؤكدين في السياق نفسه ان العرب كقومية مؤهلين لهذه الفكرة وتحقيقها كونهم امة تنبع من اصل واحد وثقافة ولغة ودين وتراث وتقاليد وعمق فكري واجتماعي واحد .

الا انهم وان صدقوا في هذا الوصف والتحليل ظاهريا فقد جانبهم الصواب تاريخيا واجتماعيا وتكوينيا .. فالتاريخ يؤكد بان العرب منذ نشاتهم قبل ما يقارب 800 عام قبل الميلاد لم يجتمعوا في كيان او وحده واحدة من اي نوع او شكل بل بالعكس كانوا قبائل مشتته تتنازع فيما بينها للبقاء فكما هو معروف فإن الموارد والثروات التي تقدمها الصحراء قليلة إن لم تكن معدومة في كثير من الاحيان خصوصا الماء لذلك كان مبدأ القوة والكثرة هو الاساس في التعامل بين القبائل والبقاء للاقوى وليس بالضرورة الاصلح ، وهو العنصر الاساس ايضا لضمان الاستفاده القصوى من هذه الموارد فالاقوى هو الذي يحصل على اكبر قدر واكثره لذلك تجد القبائل في حال استنفار دائم ، تحسبا لاي طارئ من اي نوع فهي لا تتردد في دعوة ابنائها او المنتمين اليها لارتكاب اي فعل حتى المشين إن لزم الامر للبقاء وبالطبع يكون من غير الممكن او المنطقي ان تتشارك قبيلة بما تملك بعد ان بذلت في الحصول عليه جهدا وربما دما مع قبيلة اخرى حتى ولو كانت ذات رحم وصلة دم وهي صورة من صور الانانية وحب الذات والاستحواذية والبخل وهذا ينقلنا الى الجانب الاجتماعي في عالم البدو ، فالعصبية القبليه تشكل مرجع الانتماء والولاء لكل قبيله وهي مرجعية اقوى واشد واكثر تجذرا في الشخصية البدوية من اي مرجع او انتماء ذلك كون البدوي نظرا لوجوده في بيئه صحراوية مفتوحه تكثر فيها الاخطار وتتنوع التهديدات يشعر دائما بالخوف من القادم وهو يدرك ان سيفه لن يكون بامكانه حل مشاكله دائما او الدفاع عنه منفردا طوال الوقت فكان لابد من قوة دعم مسانده عدة وعددا ، وعليه فمن هو افضل من الابناء والاخوة وابناء العم والخال والاصهار للقيام بهذه المهمة لذا فهو ينشأ على ان القبيله وافرادها اهم من كل شيئ وهي عماد وجوده واستمراره في الحياة ، على باطل بني هذا الاستمرارام كان على حق ، شكل من اشكال تكريس مبدا العنصرية والتمييز وتنمية الشعور بالطبقية .

فترى حياة الفرد فيها تدور وتنتهي حول هذه النقطه تحديدا لذا قلما ترى في تلك القبائل قبل الاسلام رجل لا يسعى لتعدد الزيجات والتفاخر بذكورته وعدد ذريته لرفد القبيلة بالعامل البشري المقاتل الضامن لبقائها واستمر هذا الامر حتى بعد الاسلام ولو بحدود .

وفي مرحلة لاحقة تتحول هذه العلاقة الى ما يشبة علاقة العاشق بمعشوقه او حبيبه حيث يلغى العقل امام مصلحة العشيرة ورغباتها واحتياجاتها وطموحاتها بل تتضائل الى درجة العدم اية فضيلة او خلق ان لزم الامر لذلك تجد في كثير من اعراف واخلاقيات العرب قبل الاسلام وربما في مراحل ما بعد الراشدين سلوكيات بشعة تصل الى حد السقوط كالغزو والسطو والاعتداء او السلب والسبي وحتى القتل وهذا في النهاية يوصلنا الى التكوين النفسي والاخلاقي للبدوي .

فالصحراء الجدبة القاحلة الموغلة في الوحشية والقسوة لابد وان تطبع اثارها على شخصية الانسان الذي يتواجد فيها منذ ولادته وحتى مماته وهنا تنطبق فعلا وقولا مقولة "المرء ابن بيئته " وبالفعل كان العربي ابن بيئته بكل قسوتها ووحشيتها وشحت مواردها وامكانياتها فشب الغالب من العرب قاسيا في طبعه متوحشا في مسلكه معلولا في اخلاقه شحيحا ، انانيا ، عنصري النزعه ، كسول ، خامل الفكر ، متهور فوضوي لا يحسن التعاطي مع الحياة ، انطوائي ، كثير الخداع والكذب بلا مروءة او حتى غيرة في بعض الاحيان " يتضح ذلك في بعض صور الزواج بما يسمى الاستبضاع " ولم ينجو من كل ما سبق الا قلة وهم من كان يستنكر هذه الافعال والصفات والسلوكيات وربما كان يجد في البحث للخلاص منها .

ومما سبق فإن هذه العوامل مجتمعة اضف الى ذلك ضعف الحالة الثقافية والفكرية والهوية الحضارية او قل انعدامها قبل الاسلام والعزلة الاجتماعية الاختيارية للمجتمع البدوي وعدم تمازجه مع ما حوله او اتصاله لما هو اكثر من التجارة والبيئة الفقيرة بقلة مواردها كل ذلك ادى ان يظل العرب ضمن فكرة الشتات دون الانتقال لفكرة الوحدة ولو حتى تقليدا لما حولهم من حضارات او مجتمعات كالفرس والروم حتى جاء الاسلام ليحدث في العرب ما لم يتمكنوا ان يحدثوه بأنفسهم فوحدهم بعد ان كانوا شراذم وهذب اخلاقهم ورمم انسانيتهم وجمع كلمتهم بعد ان نزع عنهم عباءة البداوة وفكرها وتراثها واستبدلها بفكر الاسلام وثقافته الحضارية الانسانية وكان ذلك فقط لاول ثلاثة عقود ليس الا ثم عادوا برغبتهم سيرتهم الاولى من التناحر والتقاتل بل اشد وانكى وإن لم يتشرذموا او يتفرقوا مباشرة بل اخذ هذا العامل كثيرا من الوقت حتى تحقق فيهم مع نهاية سقوط الدولة العباسية ذلك لان الانتماء والولاء العشائري القبلي بكل اعرافه وتقاليده كان اقوى حتى من الاسلام في نفوس غالب العرب ممن دخل فيه وهو ما يزال متواصلا كفكر وثقافة وعادات وتقاليد وتراث كامل حتى يومنا هذا وتجده في ابشع صوره في كل الدول العربية وعلاقتها ببعضها البعض والتي لا تزال تمارس هذه الثقافة البدوية بإصرار وتزمت في كل مناحي الحياة بدئا من الاسرة وانتهائا بأنظمة الحكم .

واخيرا فإن الحديث عن وحدة العرب او امكانية اتحادهم انما هو ضرب من إضاعة الوقت والجهد ناهيك عن انه خيال لا اساس له من الصحة تاريخيا او انيا كون المقوم الاساس الذي يمكن ان يبنى عليه هكذا فعل لا يوجد مطلقا في العرب فلا يكفي ان نتشارك في اللغة او التاريخ او العادات والتقاليد والاصل بل حتى الدين لا يكون مهما في اي وحده دون اهم مرتكز وهو التخلص من ثقافة الاقصاء والاعتداء والعنصرية والانانية والبخل والوحشية وكل ما يخالف الفطرة الانسانية وما نشأت عليه العرب في جاهليتها وهو ما تمثله البداوة وثقافتها وتراثها القبلي العشائري السقيم ، حينها فقط يمكن الحديث عن الوحدة ولنا في الاوربيين اصدق مثال على هذا الامر فبرغم اختلافهم في كل شيئ تقريبا الا انهم اشتركوا ولو بنسب متفاوته في هويتهم الثقافية ورؤياهم الحضارية الانسانية والتي تقترب مما يدعو اليه الاسلام لذلك اتحدوا .