هل تستطيع واشنطن التأثير في الشراكة الصينية – الإيرانية ؟
مرسل: الاثنين سبتمبر 23, 2013 12:51 am
تعد العلاقة الإستراتيجية التي تربط بين إيران والصين أحد العوامل التي تنطوي على تأثير بالغ الأهمية في التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يشكل مصدر إزعاج للعديد من الدول الإقليمية والدولية بشكل عام، والولايات المتحدة -على وجه التحديد- التي ترى في هذا النوع من العلاقات تهديدًا لأمن واستقرار المنطقة، وكذا إخلالا بالتوازنات القائمة فيها، ما يعني بالتأكيد تهديد مصالحها الحيوية في هذه المنطقة.
وفي خضم الانشغال بالتحولات الدراماتيكية التي أفرزتها ثورات الربيع العربي؛ قد يكون التقارب بين إيران والصين متواريًا إلى حدٍّ ما عن أنظار الكثيرين، أو لا يتصدر أولوية الاهتمام بالنسبة لما تموج به المنطقة من تصاعد للأحداث، بيد أن أهمية هذا التقارب لم تغب عن مؤسسة راند التي نشرت تقريرا بعنوان "الصين وإيران: العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية" لكل من اسكوت هارولد وأليريزا نادر في محاولة لتقديم فهم أعمق لطبيعة هذه العلاقات، ومدى تشابك المصالح بينهما. كما يبرز التقريرُ أيضًا التأثيرات الخارجية المحتملة على مسار تلك العلاقات في ضوء الجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لعزل إيران، والتي ستؤدي حتمًا إلى تركيز انتباه واشنطن وأوروبا على بكين.
أهمية العلاقات الصينية - الإيرانية
تكتسب دراسة العلاقات بين البلدين أهمية خاصة، انطلاقا من اعتبارات عدة:
أولها: التحولات التي تطغى على المشهد الدولي، وازدياد حدة التنافس بين القوى الدولية من جهة وتشابك علاقاتها وتعقيداتها من جهة أخرى، ما تبدو معه الشراكة بين الصين وإيران بمثابة تحدٍّ فريد من نوعه لمصالح هذه القوى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ثانيها: التداعيات المترتبة لهذه الشراكة على الساحة الإقليمية في ضوء ثورات الربيع العربي، ولا سيما الثورة السورية، بالإضافة إلى تأثيرها على التطورات التي تشهدها إيران، بعد تكثيف المجتمع الدولي ضغوطه عليها، ما يعد الموقف الأكثر حساسية الذي تواجهه منذ زمن بعيد، وما يرتبط بذلك من مصالح للدولة الصينية.
ثالثها: باتت الصين على أعتاب مرحلة جديدة من التحول الجيوسياسي والإستراتيجي، وهو ما بدا جليًّا في استعمالها للفيتو في المسألة السورية، ما يشير إلى أنها تعمل على وضع قواعد جديدة في تعاملها مع القوى الكبرى، وإبراز حضورها على المسرح الإقليمي والدولي، لا سيما في الشرق الأوسط.
أبعاد التقارب الصيني-الإيراني
في مستهل تناول العوامل التي تدفع نحو التقارب بين الصين وإيران؛ يبدأ التقرير بتأثير العامل التاريخي، فكلتا الدولتين تشتركان في الموروث الحضاري والتاريخي العظيم، ما يجعلهما متقاربتين في وجهات النظر من حيث الميل ليس فقط إلى الشعور المشترك بالعظمة الثقافية، ولكن أيضًا شعور مشترك بالإيذاء من قبل القوى الغربية؛ حيث تتشابه منظومة القيم والصور النمطية عن الذات والآخر لدى النخب الحاكمة في طهران وبكين؛ إذ تسيطر صورة الضحية على الوعي الجمعي لكليهما.وعلى الرغم من أهمية البُعد التاريخي، يبدو أنه لا يقدم تفسيرًا كافيًا لفهم دقيق لطبيعة العلاقات؛ إذ ثمة أبعاد أخرى متعددة تدفع نحو هذا التقارب، تتمثل في:
1- البعد السياسي:
بداية يمكن القول إن طهران ما بعد الثورة وجدت نفسها أمام ضرورة الانفتاح على الصين، ذلك النموذج الأمثل في مخيلة قادتها، وبالمقابل فإن بكين اختارت أن تفتح أبوابها أمام الثورة الوليدة، ما جعل العلاقات تنطلق نحو آفاقٍ أكثر رحابة، لا سيما في ظل التطورات العميقة التي بدأت تموج في بحور الأوضاع الإقليمية والدولية المتشابكة، ومن ثم كان ولا يزال الدعم الصيني يُعد من أهم الركائز التي تستند إليها السياسة الإيرانية، وهنا يرى التقرير أن هذا الحيز المهم الذي تشغله الصين في العقل السياسي الإيراني، يُعزَى إلى المدركات التالية:
أولًا: على الرغم من بعض النجاح الذي حققته إيران في تأسيس نفسها على أنها اللاعب الإقليمي المهم في المنطقة؛ فإن القلق يساورها من الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، ومن ثم ترى الصين الحليف القوي ضد عدوها الرئيسي، ألا وهو الولايات المتحدة.
ثانيًا: تنظر طهران إلى الصين باعتبارها القوة الناشئة الأكثر بروزًا على الصعيد العالمي بشكل عام، وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، وفي ضوء هذه الرؤية يبدو أن الإيرانيين يأملون في أن تفضي الطبيعة الإستراتيجية للشراكة مع الصين إلى قلب التوازن في المنطقة لصالحهم.
ثالثًا: تُعد الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران، ما يسهم في مواجهة العقوبات، فضلًا عن أنه أصبح واضحًا إلى حدٍّ كبير أن الصين قد أصبحت الحامية الدبلوماسية لها من خلال جهودها لمنع العقوبات.
رابعًا: في ضوء انخفاض مستوى دعم الحلفاء الآخرين لإيران -وخاصة روسيا- بعد التوتر الذي قفز إلى واجهة الأحداث بين البلدين في أعقاب التصويت الروسي لصالح قرار مجلس الأمن 1929، وكذا رفضها تزويد إيران بصواريخ S-300؛ أصبح جليًّا لدى الإيرانيين أن الاحتماء خلف السور الصيني قد أصبح الملاذ الأخير بالنسبة لهم.
وفي المقابل، فإن الصين لديها أيضًا ما يدفعها نحو التعاون مع إيران مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر، وخاصة في ظل العزلة التي تعاني منها، فمن جانب تنظر الصين إليها باعتبارها قوة مواجهة أمام الولايات المتحدة، وبالتالي فإن ثمة قيمة إستراتيجية في مساعدة إيران على تطوير قدراتها بما يمكنها من التصدي لهيمنتها في الخليج.
ومن جانب آخر؛ في ضوء التحديات المتعددة أمام الصين، فإن بناء علاقات مع إيران أقوى من أي وقت مضى يُمكن النظام الصيني من التوجيه الإستراتيجي لها في المنطقة، ما يعني زيادة نفوذها وفعاليتها على الصعيد الإقليمي، وبالتالي زيادة الوزن الإستراتيجي لها في الشئون الدولية.
2- البعد العسكري:
إن العلاقة بين الجانبين لا تتعلق فقط بالنفط والغاز، وهنا يستعرض التقرير التعاون العسكري كأحد الأبعاد المهمة في هذه العلاقة؛ حيث قدمت الصين مساعدات عسكرية كبيرة لإيران، كان لها دور يُعتد به في تحديث قدراتها العسكرية، سواء فيما يتعلق بالقدرات التقليدية أو بتطوير البرنامج النووي.
فبالنسبة لتحديث القدرات العسكرية التقليدية. في الوقت الذي تدهورت فيه علاقات إيران مع الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الثماني مع العراق ورفضت فيه القوى الغربية الكبرى بالإضافة إلى الاتحاد السوفيتي تزويد طهران بالمعدات العسكرية؛ برز هنا دور الصين حيث قدمت في كثير من الأحيان المبيعات العسكرية إليها بصورة غير مباشرة من خلال طرف ثالث عبر دول مثل كوريا الشمالية. ولم يتوقف الأمر عند حد تزويدها بالأسلحة الصغيرة فحسب؛ بل زودتها كذلك بالصواريخ البالستية وصواريخ كروز، ما يجوز معه الادعاء بأن الصين كان لها الدور الحاسم في انطلاق المؤسسة العسكرية لإيران.
أما فيما يتعلق بدعم القدرات النووية؛ فليس من قبيل المبالغة القول إن دعم الصين للبرنامج النووي هو الأكثر إزعاجًا للعديد من الدول؛ حيث إن جهودها كانت عاملا مهمًّا ليس فقط في تأسيس القدرات النووية الإيرانية؛ بل العمل على استمرارها وتطويرها، ويتوقف التقرير هنا عند نوعين اتخذهما هذا الدعم، هما الدعم المادي: حيث ساعدت الصين في بدء البرنامج النووي الإيراني، وعلى الرغم من إيقافها تقديم الدعم المباشر منذ عام 1997، فإنها استمرت في تقديم الدعم الدبلوماسي: ففي ظل العزلة المتزايدة لم يعد أمام إيران غير الاعتماد على الصين التي يبدو أنها لا تخيب لها ظنًّا، فبالإضافة إلى محاولاتها المستميتة لعرقلة قرارات مجلس الأمن، لا تتوانى عن العمل على إضعاف تأثير العقوبات، وما يمكن قراءته من بين السطور هنا أنها إستراتيجية متعمدة من جانب بكين لتوسيع نفوذها في هذا البلد.
وفي الواقع؛ ليس واضحًا ما إذا كان تقديم الدعم -سواء المادي أو الدبلوماسي- مرتبطًا بالهدف المتعلق بمساعدة إيران على تطوير قدراتها النووية في حد ذاته، أم ربما كان الدافع هو المزيد من الأرباح للشركات الصينية المعنية والحكومة ذاتها، لكن بغض النظر فإن التأثير النهائي هو امتلاك إيران قدرات نووية متطورة تفضي إلى التدشين المحتمل لهيمنتها على الخليج، ومن ثم يجوز الادعاء بأن القيادات الصينية ارتكزت على رؤية مفادها أن تقديم الدعم لبرنامج إيران النووي يجعلها أكثر قوة، ما يخدم في الأخير المصالح الصينية في الشرق الأوسط.
3- البُعد الاقتصادي:
تُعد الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران، ولعل ذلك يعود في جزء منه إلى أنها مستورد أساسي لموارد الطاقة، وبتعاظم معدلات التنمية زادت حاجتها لهذه الموارد، كما أن إيران منتج ضخم للطاقة، وسوق كبير لتصريف المنتجات الصينية اللازمة لإدامة معدلات التنمية المرتفعة التي تشكل الأساس لنموذجها الاقتصادي الحالي، ومن ثم يمكن القول إن النفط يحتل مكانة مركزية في العلاقات التبادلية بين الجانبين، ويشكل قاطرتها الأساسية.
ويُضاف إلى شراء النفط والغاز؛ تعد الصين أيضًا أهم لاعب أجنبي في التنقيب والاستخراج، ففي حين مورست الضغوط من قبل الولايات المتحدة على العديد من البلدان الآسيوية والأوروبية للتخلي عن استثماراتها في إيران؛ كان بمقدور الصين ملء الفراغ الذي خلفه رحيل هذه الشركات من خلال الموافقة على تطوير العديد من الحقول، وعلى رأسها حقلا النفط العملاقان أزاديجان ويادوران، بالإضافة إلى حقل غاز بارس الجنوبي العملاق.
وحقيقة الأمر؛ لم يقتصر التعاون بين الطرفين على قطاع الطاقة، فالمساهمة الصينية في مجال البنية التحتية تشكل أيضًا عنصرًا جوهريًّا للعلاقات الاقتصادية، ولعل أبرز مثال على ذلك أنه خلال الأعوام الأخيرة امتد التعاون ليشمل ما لا يقل عن 100 مشروع خاص بتطوير شبكات السكك الحديدية والأنفاق في جميع أنحاء إيران.
الشراكة الصينية-الإيرانية.. توترات محتملة
على الرغم من المصالح المتشابكة التي تربط بين الجانبين الصيني والإيراني؛ لا يخلو الأمر من بعض التوترات التي لا يمكن استبعاد تأثيرها على شكل ومتانة هذه الشراكة مستقبلا، ويعود ذلك وفقًا للتقرير إلى جملة من الأسباب، يمكن إجمالها في الآتي:
أولًا: على الرغم من العلاقة الاقتصادية الواسعة مع إيران، فإن هناك قلقا يساور الأوساط الصينية الرسمية من أن الخلاف حول القضية النووية قد وصل إلى حافة الهاوية، وهو ما كان له دورٌ في نكوص العديد من الشركات الصينية الكبرى عن تنفيذ اتفاقاتها مع إيران في الآونة الأخيرة، أو قد يكون تنفيذها لهذه الاتفاقات يتسم بالبطء، ما يفتح الباب أمام التكهنات بأن هذه خطوات تكتيكية طويلة الأجل قد تقود أي تغيير قادم في تقييم بكين لتعاونها مع إيران، تجنبًا للسقوط في براثن الضبابية التي تلف مستقبلها، عوضًا عما قد توحي بأنه قرار للحكومة المركزية لوقف أو خفض ذلك التعاون.
ثانيًا: ثمة ارتياب ينتاب بعض الإيرانيين يتعلق بالتصورات المرتبطة بفهم الأهداف التي ترنو إليها الصين، فبالنظر إلى أن إيران قد أصبحت في عزلة متزايدة، يرى البعض أن الصين تعمل على استغلال هذا الوضع من أجل انتزاع تنازلات حول فرص الاستثمار أو بشأن أسعار عقود النفط، وقد يتبادر إلى الذهن أن من يتبنى هذه النظرة هي الحركات الاصلاحية فقط، لكن في الواقع هنالك قطاعات أخرى يبدو أنها تميل بشكل متزايد لرؤية الصين باعتبارها دولة ذات طبيعة استغلالية، وهو ما يمكن أن يشكل تحديًا لمستقبل العلاقات إذا أصبحت إيران أكثر ديمقراطية.
ثالثًا: تملك الصين نفوذًا أكثر من أي دولة أخرى في إيران، لكنها أيضًا لديها الكثير لتخسره في حال توسيع نطاق العقوبات، أو في حال اندلاع مواجهة عسكرية معها، ما يجعلها تقع في موقف متناقض. ففي حين تسعى إلى التعاون الدبلوماسي مع الولايات المتحدة في قضايا منع الانتشار النووي والتنمية الاقتصادية درءًا لما قد يتمخض عنه صراعها مع إيران؛ لا يغيب عن أذهان مسئوليها حتمية الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع إيران، فما بين هذا وذاك تتأرجح الرؤية الصينية لمستقبل التعاون مع طهران.
رابعًا: يُخطئ من يظن أن العلاقة بين إيران والصين تخلو من المصالح المتعارضة حول عددٍ من القضايا التي ربما تحد من نطاق التعاون مستقبلا، بداية من الاختلاف الكبير في نهج تعامل كل منهما مع الولايات المتحدة، فبينما تتوقف قدرة الصين على التعبير عن استيائها بمدى رغبتها في الحفاظ على علاقات اقتصادية مستقرة معها، يصبغ تعامل إيران معها بصبغة صدامية، مرورًا بتخلي الصين كثيرًا عن الأيديولوجية الثورية في قضايا السياسة الخارجية، في الوقت الذي يقع فيه الكيان الثوري في القلب من سياسات إيران، ومن ثم فإن دعمها للحركات الإرهابية وحركات التمرد ينظر إليه في الصين ببعض الذعر، وانتهاء بالتوجس من المخاطر التي قد يشكلها السلوك الإيراني على هدف الصين في الحفاظ على بيئة سلمية إقليمية لتسهيل التنمية الاقتصادية المستمرة، في الوقت الذي يشكل رد فعلها السلبي على التهديدات بإغلاق مضيق هرمز مصدرًا لعدم الراحة لدى القيادة الإيرانية.
في الأخير يصح القول إنه على الرغم من متانة الشراكة بين الصين وإيران، لكنها ليست على أساس تقارب ثقافي أو ديني خاص، لذلك فهي أكثر تأثرًا بالظروف الدولية والمحلية. فبإمكان التغيرات في كلا البلدين أو في علاقاتهما مع الولايات المتحدة أن تحدث تغييرًا جذريًّا في طبيعة العلاقات بينهما.
الخيارات الأمريكية ومستقبل الشراكة
رغم التوترات التي تواجه العلاقات الإيرانية-الصينية، فإن هذه العلاقات اتسعت وتعمقت باستمرار خلال العقود الثلاثة الماضية، ولعل أحد أهم الآثار المترتبة على ذلك هو أنه باستثناء التغييرات الدراماتيكية الكبيرة مثل وقوع مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة؛ من المرجح أن تستمر العلاقات في النمو بشكل مطرد، أو على الأقل تبقى مستقرة.
ولعل من أهم المشتركات بين البلدين هي معارضة الهيمنة الأمريكية، وبعض العداء المشترك للغرب، فضلا عن اعتقاد كل منهما في الخصائص الفريدة من نوعها والإرث الحضاري والتاريخي العظيم، كما أن إيران تؤيد حق الصين في حكم شعبها وفق ما يراه الحزب الشيوعي الصيني مناسبا، في حين تدعم الصين السيادة الإيرانية التي تترجم في كثير من الأحيان إلى حقها في قمع جماعات المعارضة.
وتأسيسًا على ما تقدم؛ من غير المرجح أن تكون الولايات المتحدة قادرة على إحداث تغيير جذري في التوجه الإيراني نحو الصين؛ لأن نفوذها لدى طهران يعد معدوما، بيد أنها بالمقابل تمتلك أوراقًا للضغط يمكن استعمالها للتأثير على بكين، وذلك عبر إستراتيجية ثنائية الأبعاد وهي "إستراتيجية الضغوط والحوافز"، يشمل بُعدها الأول: ممارسة بعض الضغوط على الصين من خلال التلويح بفرض عقوبات على الشركات التي تستثمر في إيران بالتزامن مع تشجيع العديد من البلدان على زيادة صادراتها النفطية إلى الصين، وبالتالي تبديل اعتماد بكين النسبي على إيران. أما البعد الثاني: فهو حزمة الحوافز التي يمكن تقديمها لاستمالة الصين بعيدًا عن إيران، وتشمل الخيارات الممكنة في هذا الشأن رفع مستوى التعاون في العلاقات الأمريكية الصينية، وإظهار قدر أكبر من القبول لدور الصين في الشئون العالمية، والنظر بعين الاعتبار لمصالح الأمن القومي للصين.
ولكن يبدو أن الجهود الأمريكية قد أتت بنتائج عكسية؛ إذ يُنظر إليها من قبل بعض المحللين الصينيين على أنها مؤامرة على بكين، بينما يرى البعض الآخر أنها مؤشر على ضعف واشنطن تعكس حاجتها إلى مساعدة الصين، ويخطئ من يظن أن مجرد الترحيب بأن تلعب الصين دورًا أكبر على المستوى الدولي أو الاعتراف بالمصالح الجوهرية لها يُعد أمرًا كافيًا؛ إذ ثمة إشكاليتان يبرزهما التقرير ينبغي وضعهما في الحسبان لتحقيق ما ترنو إليه واشنطن، وهما:
الإشكالية الأولى: يتطلب إقناع بكين للحد من تعاونها مع إيران خطوات ملموسة، تتمثل في أن تبدأ الولايات المتحدة في التراجع عن التزامها تجاه تايوان، مع ما يعنيه ذلك من تقليص مبيعات الأسلحة إلى الجزيرة، وهي خطوة من غير المرجح أن تتخذ.
الإشكالية الثانية: يجب أن تعمل الولايات المتحدة على تحرير القيود التجارية المفروضة على السلع ذات التكنولوجيا العالية والمواد الدفاعية، وهو أمر مستبعد أيضًا لأن الصين البلد الوحيد القادر على مطابقة القوة العسكرية للولايات المتحدة هذا من جانب. ومن جانب آخر لا يبدو الكونجرس على استعداد في الوقت الحاضر لرفع القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا الدفاعية للصين التي تم سنها بعد مذبحة ميدان السلام السماوي العام 1989.
في جميع الاحتمالات؛ فإن فشل جهود الولايات المتحدة في إعادة تشكيل العلاقات الصينية الإيرانية يعكس حقيقة مفادها أن هذه العلاقات قد انتقلت إلى مرحلة من التعاون متعددة الأوجه. كما أن سيناريو تغيير سياسة الصين طويلة الأمد تجاه إيران هو على الأرجح أمر صعب للغاية. ومع ذلك لا يمكن استبعاده بشكل تام، بيد أنه يتوقف على حدوث تطورات دراماتيكية مثل تصاعد كبير في مستوى المواجهة بين واشنطن وطهران، بحيث يصبح استمرار علاقات قوية مع طهران أمرًا مكلفًا للغاية بالنسبة لبكين.
وفي خضم الانشغال بالتحولات الدراماتيكية التي أفرزتها ثورات الربيع العربي؛ قد يكون التقارب بين إيران والصين متواريًا إلى حدٍّ ما عن أنظار الكثيرين، أو لا يتصدر أولوية الاهتمام بالنسبة لما تموج به المنطقة من تصاعد للأحداث، بيد أن أهمية هذا التقارب لم تغب عن مؤسسة راند التي نشرت تقريرا بعنوان "الصين وإيران: العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية" لكل من اسكوت هارولد وأليريزا نادر في محاولة لتقديم فهم أعمق لطبيعة هذه العلاقات، ومدى تشابك المصالح بينهما. كما يبرز التقريرُ أيضًا التأثيرات الخارجية المحتملة على مسار تلك العلاقات في ضوء الجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لعزل إيران، والتي ستؤدي حتمًا إلى تركيز انتباه واشنطن وأوروبا على بكين.
أهمية العلاقات الصينية - الإيرانية
تكتسب دراسة العلاقات بين البلدين أهمية خاصة، انطلاقا من اعتبارات عدة:
أولها: التحولات التي تطغى على المشهد الدولي، وازدياد حدة التنافس بين القوى الدولية من جهة وتشابك علاقاتها وتعقيداتها من جهة أخرى، ما تبدو معه الشراكة بين الصين وإيران بمثابة تحدٍّ فريد من نوعه لمصالح هذه القوى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ثانيها: التداعيات المترتبة لهذه الشراكة على الساحة الإقليمية في ضوء ثورات الربيع العربي، ولا سيما الثورة السورية، بالإضافة إلى تأثيرها على التطورات التي تشهدها إيران، بعد تكثيف المجتمع الدولي ضغوطه عليها، ما يعد الموقف الأكثر حساسية الذي تواجهه منذ زمن بعيد، وما يرتبط بذلك من مصالح للدولة الصينية.
ثالثها: باتت الصين على أعتاب مرحلة جديدة من التحول الجيوسياسي والإستراتيجي، وهو ما بدا جليًّا في استعمالها للفيتو في المسألة السورية، ما يشير إلى أنها تعمل على وضع قواعد جديدة في تعاملها مع القوى الكبرى، وإبراز حضورها على المسرح الإقليمي والدولي، لا سيما في الشرق الأوسط.
أبعاد التقارب الصيني-الإيراني
في مستهل تناول العوامل التي تدفع نحو التقارب بين الصين وإيران؛ يبدأ التقرير بتأثير العامل التاريخي، فكلتا الدولتين تشتركان في الموروث الحضاري والتاريخي العظيم، ما يجعلهما متقاربتين في وجهات النظر من حيث الميل ليس فقط إلى الشعور المشترك بالعظمة الثقافية، ولكن أيضًا شعور مشترك بالإيذاء من قبل القوى الغربية؛ حيث تتشابه منظومة القيم والصور النمطية عن الذات والآخر لدى النخب الحاكمة في طهران وبكين؛ إذ تسيطر صورة الضحية على الوعي الجمعي لكليهما.وعلى الرغم من أهمية البُعد التاريخي، يبدو أنه لا يقدم تفسيرًا كافيًا لفهم دقيق لطبيعة العلاقات؛ إذ ثمة أبعاد أخرى متعددة تدفع نحو هذا التقارب، تتمثل في:
1- البعد السياسي:
بداية يمكن القول إن طهران ما بعد الثورة وجدت نفسها أمام ضرورة الانفتاح على الصين، ذلك النموذج الأمثل في مخيلة قادتها، وبالمقابل فإن بكين اختارت أن تفتح أبوابها أمام الثورة الوليدة، ما جعل العلاقات تنطلق نحو آفاقٍ أكثر رحابة، لا سيما في ظل التطورات العميقة التي بدأت تموج في بحور الأوضاع الإقليمية والدولية المتشابكة، ومن ثم كان ولا يزال الدعم الصيني يُعد من أهم الركائز التي تستند إليها السياسة الإيرانية، وهنا يرى التقرير أن هذا الحيز المهم الذي تشغله الصين في العقل السياسي الإيراني، يُعزَى إلى المدركات التالية:
أولًا: على الرغم من بعض النجاح الذي حققته إيران في تأسيس نفسها على أنها اللاعب الإقليمي المهم في المنطقة؛ فإن القلق يساورها من الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، ومن ثم ترى الصين الحليف القوي ضد عدوها الرئيسي، ألا وهو الولايات المتحدة.
ثانيًا: تنظر طهران إلى الصين باعتبارها القوة الناشئة الأكثر بروزًا على الصعيد العالمي بشكل عام، وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، وفي ضوء هذه الرؤية يبدو أن الإيرانيين يأملون في أن تفضي الطبيعة الإستراتيجية للشراكة مع الصين إلى قلب التوازن في المنطقة لصالحهم.
ثالثًا: تُعد الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران، ما يسهم في مواجهة العقوبات، فضلًا عن أنه أصبح واضحًا إلى حدٍّ كبير أن الصين قد أصبحت الحامية الدبلوماسية لها من خلال جهودها لمنع العقوبات.
رابعًا: في ضوء انخفاض مستوى دعم الحلفاء الآخرين لإيران -وخاصة روسيا- بعد التوتر الذي قفز إلى واجهة الأحداث بين البلدين في أعقاب التصويت الروسي لصالح قرار مجلس الأمن 1929، وكذا رفضها تزويد إيران بصواريخ S-300؛ أصبح جليًّا لدى الإيرانيين أن الاحتماء خلف السور الصيني قد أصبح الملاذ الأخير بالنسبة لهم.
وفي المقابل، فإن الصين لديها أيضًا ما يدفعها نحو التعاون مع إيران مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر، وخاصة في ظل العزلة التي تعاني منها، فمن جانب تنظر الصين إليها باعتبارها قوة مواجهة أمام الولايات المتحدة، وبالتالي فإن ثمة قيمة إستراتيجية في مساعدة إيران على تطوير قدراتها بما يمكنها من التصدي لهيمنتها في الخليج.
ومن جانب آخر؛ في ضوء التحديات المتعددة أمام الصين، فإن بناء علاقات مع إيران أقوى من أي وقت مضى يُمكن النظام الصيني من التوجيه الإستراتيجي لها في المنطقة، ما يعني زيادة نفوذها وفعاليتها على الصعيد الإقليمي، وبالتالي زيادة الوزن الإستراتيجي لها في الشئون الدولية.
2- البعد العسكري:
إن العلاقة بين الجانبين لا تتعلق فقط بالنفط والغاز، وهنا يستعرض التقرير التعاون العسكري كأحد الأبعاد المهمة في هذه العلاقة؛ حيث قدمت الصين مساعدات عسكرية كبيرة لإيران، كان لها دور يُعتد به في تحديث قدراتها العسكرية، سواء فيما يتعلق بالقدرات التقليدية أو بتطوير البرنامج النووي.
فبالنسبة لتحديث القدرات العسكرية التقليدية. في الوقت الذي تدهورت فيه علاقات إيران مع الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الثماني مع العراق ورفضت فيه القوى الغربية الكبرى بالإضافة إلى الاتحاد السوفيتي تزويد طهران بالمعدات العسكرية؛ برز هنا دور الصين حيث قدمت في كثير من الأحيان المبيعات العسكرية إليها بصورة غير مباشرة من خلال طرف ثالث عبر دول مثل كوريا الشمالية. ولم يتوقف الأمر عند حد تزويدها بالأسلحة الصغيرة فحسب؛ بل زودتها كذلك بالصواريخ البالستية وصواريخ كروز، ما يجوز معه الادعاء بأن الصين كان لها الدور الحاسم في انطلاق المؤسسة العسكرية لإيران.
أما فيما يتعلق بدعم القدرات النووية؛ فليس من قبيل المبالغة القول إن دعم الصين للبرنامج النووي هو الأكثر إزعاجًا للعديد من الدول؛ حيث إن جهودها كانت عاملا مهمًّا ليس فقط في تأسيس القدرات النووية الإيرانية؛ بل العمل على استمرارها وتطويرها، ويتوقف التقرير هنا عند نوعين اتخذهما هذا الدعم، هما الدعم المادي: حيث ساعدت الصين في بدء البرنامج النووي الإيراني، وعلى الرغم من إيقافها تقديم الدعم المباشر منذ عام 1997، فإنها استمرت في تقديم الدعم الدبلوماسي: ففي ظل العزلة المتزايدة لم يعد أمام إيران غير الاعتماد على الصين التي يبدو أنها لا تخيب لها ظنًّا، فبالإضافة إلى محاولاتها المستميتة لعرقلة قرارات مجلس الأمن، لا تتوانى عن العمل على إضعاف تأثير العقوبات، وما يمكن قراءته من بين السطور هنا أنها إستراتيجية متعمدة من جانب بكين لتوسيع نفوذها في هذا البلد.
وفي الواقع؛ ليس واضحًا ما إذا كان تقديم الدعم -سواء المادي أو الدبلوماسي- مرتبطًا بالهدف المتعلق بمساعدة إيران على تطوير قدراتها النووية في حد ذاته، أم ربما كان الدافع هو المزيد من الأرباح للشركات الصينية المعنية والحكومة ذاتها، لكن بغض النظر فإن التأثير النهائي هو امتلاك إيران قدرات نووية متطورة تفضي إلى التدشين المحتمل لهيمنتها على الخليج، ومن ثم يجوز الادعاء بأن القيادات الصينية ارتكزت على رؤية مفادها أن تقديم الدعم لبرنامج إيران النووي يجعلها أكثر قوة، ما يخدم في الأخير المصالح الصينية في الشرق الأوسط.
3- البُعد الاقتصادي:
تُعد الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران، ولعل ذلك يعود في جزء منه إلى أنها مستورد أساسي لموارد الطاقة، وبتعاظم معدلات التنمية زادت حاجتها لهذه الموارد، كما أن إيران منتج ضخم للطاقة، وسوق كبير لتصريف المنتجات الصينية اللازمة لإدامة معدلات التنمية المرتفعة التي تشكل الأساس لنموذجها الاقتصادي الحالي، ومن ثم يمكن القول إن النفط يحتل مكانة مركزية في العلاقات التبادلية بين الجانبين، ويشكل قاطرتها الأساسية.
ويُضاف إلى شراء النفط والغاز؛ تعد الصين أيضًا أهم لاعب أجنبي في التنقيب والاستخراج، ففي حين مورست الضغوط من قبل الولايات المتحدة على العديد من البلدان الآسيوية والأوروبية للتخلي عن استثماراتها في إيران؛ كان بمقدور الصين ملء الفراغ الذي خلفه رحيل هذه الشركات من خلال الموافقة على تطوير العديد من الحقول، وعلى رأسها حقلا النفط العملاقان أزاديجان ويادوران، بالإضافة إلى حقل غاز بارس الجنوبي العملاق.
وحقيقة الأمر؛ لم يقتصر التعاون بين الطرفين على قطاع الطاقة، فالمساهمة الصينية في مجال البنية التحتية تشكل أيضًا عنصرًا جوهريًّا للعلاقات الاقتصادية، ولعل أبرز مثال على ذلك أنه خلال الأعوام الأخيرة امتد التعاون ليشمل ما لا يقل عن 100 مشروع خاص بتطوير شبكات السكك الحديدية والأنفاق في جميع أنحاء إيران.
الشراكة الصينية-الإيرانية.. توترات محتملة
على الرغم من المصالح المتشابكة التي تربط بين الجانبين الصيني والإيراني؛ لا يخلو الأمر من بعض التوترات التي لا يمكن استبعاد تأثيرها على شكل ومتانة هذه الشراكة مستقبلا، ويعود ذلك وفقًا للتقرير إلى جملة من الأسباب، يمكن إجمالها في الآتي:
أولًا: على الرغم من العلاقة الاقتصادية الواسعة مع إيران، فإن هناك قلقا يساور الأوساط الصينية الرسمية من أن الخلاف حول القضية النووية قد وصل إلى حافة الهاوية، وهو ما كان له دورٌ في نكوص العديد من الشركات الصينية الكبرى عن تنفيذ اتفاقاتها مع إيران في الآونة الأخيرة، أو قد يكون تنفيذها لهذه الاتفاقات يتسم بالبطء، ما يفتح الباب أمام التكهنات بأن هذه خطوات تكتيكية طويلة الأجل قد تقود أي تغيير قادم في تقييم بكين لتعاونها مع إيران، تجنبًا للسقوط في براثن الضبابية التي تلف مستقبلها، عوضًا عما قد توحي بأنه قرار للحكومة المركزية لوقف أو خفض ذلك التعاون.
ثانيًا: ثمة ارتياب ينتاب بعض الإيرانيين يتعلق بالتصورات المرتبطة بفهم الأهداف التي ترنو إليها الصين، فبالنظر إلى أن إيران قد أصبحت في عزلة متزايدة، يرى البعض أن الصين تعمل على استغلال هذا الوضع من أجل انتزاع تنازلات حول فرص الاستثمار أو بشأن أسعار عقود النفط، وقد يتبادر إلى الذهن أن من يتبنى هذه النظرة هي الحركات الاصلاحية فقط، لكن في الواقع هنالك قطاعات أخرى يبدو أنها تميل بشكل متزايد لرؤية الصين باعتبارها دولة ذات طبيعة استغلالية، وهو ما يمكن أن يشكل تحديًا لمستقبل العلاقات إذا أصبحت إيران أكثر ديمقراطية.
ثالثًا: تملك الصين نفوذًا أكثر من أي دولة أخرى في إيران، لكنها أيضًا لديها الكثير لتخسره في حال توسيع نطاق العقوبات، أو في حال اندلاع مواجهة عسكرية معها، ما يجعلها تقع في موقف متناقض. ففي حين تسعى إلى التعاون الدبلوماسي مع الولايات المتحدة في قضايا منع الانتشار النووي والتنمية الاقتصادية درءًا لما قد يتمخض عنه صراعها مع إيران؛ لا يغيب عن أذهان مسئوليها حتمية الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع إيران، فما بين هذا وذاك تتأرجح الرؤية الصينية لمستقبل التعاون مع طهران.
رابعًا: يُخطئ من يظن أن العلاقة بين إيران والصين تخلو من المصالح المتعارضة حول عددٍ من القضايا التي ربما تحد من نطاق التعاون مستقبلا، بداية من الاختلاف الكبير في نهج تعامل كل منهما مع الولايات المتحدة، فبينما تتوقف قدرة الصين على التعبير عن استيائها بمدى رغبتها في الحفاظ على علاقات اقتصادية مستقرة معها، يصبغ تعامل إيران معها بصبغة صدامية، مرورًا بتخلي الصين كثيرًا عن الأيديولوجية الثورية في قضايا السياسة الخارجية، في الوقت الذي يقع فيه الكيان الثوري في القلب من سياسات إيران، ومن ثم فإن دعمها للحركات الإرهابية وحركات التمرد ينظر إليه في الصين ببعض الذعر، وانتهاء بالتوجس من المخاطر التي قد يشكلها السلوك الإيراني على هدف الصين في الحفاظ على بيئة سلمية إقليمية لتسهيل التنمية الاقتصادية المستمرة، في الوقت الذي يشكل رد فعلها السلبي على التهديدات بإغلاق مضيق هرمز مصدرًا لعدم الراحة لدى القيادة الإيرانية.
في الأخير يصح القول إنه على الرغم من متانة الشراكة بين الصين وإيران، لكنها ليست على أساس تقارب ثقافي أو ديني خاص، لذلك فهي أكثر تأثرًا بالظروف الدولية والمحلية. فبإمكان التغيرات في كلا البلدين أو في علاقاتهما مع الولايات المتحدة أن تحدث تغييرًا جذريًّا في طبيعة العلاقات بينهما.
الخيارات الأمريكية ومستقبل الشراكة
رغم التوترات التي تواجه العلاقات الإيرانية-الصينية، فإن هذه العلاقات اتسعت وتعمقت باستمرار خلال العقود الثلاثة الماضية، ولعل أحد أهم الآثار المترتبة على ذلك هو أنه باستثناء التغييرات الدراماتيكية الكبيرة مثل وقوع مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة؛ من المرجح أن تستمر العلاقات في النمو بشكل مطرد، أو على الأقل تبقى مستقرة.
ولعل من أهم المشتركات بين البلدين هي معارضة الهيمنة الأمريكية، وبعض العداء المشترك للغرب، فضلا عن اعتقاد كل منهما في الخصائص الفريدة من نوعها والإرث الحضاري والتاريخي العظيم، كما أن إيران تؤيد حق الصين في حكم شعبها وفق ما يراه الحزب الشيوعي الصيني مناسبا، في حين تدعم الصين السيادة الإيرانية التي تترجم في كثير من الأحيان إلى حقها في قمع جماعات المعارضة.
وتأسيسًا على ما تقدم؛ من غير المرجح أن تكون الولايات المتحدة قادرة على إحداث تغيير جذري في التوجه الإيراني نحو الصين؛ لأن نفوذها لدى طهران يعد معدوما، بيد أنها بالمقابل تمتلك أوراقًا للضغط يمكن استعمالها للتأثير على بكين، وذلك عبر إستراتيجية ثنائية الأبعاد وهي "إستراتيجية الضغوط والحوافز"، يشمل بُعدها الأول: ممارسة بعض الضغوط على الصين من خلال التلويح بفرض عقوبات على الشركات التي تستثمر في إيران بالتزامن مع تشجيع العديد من البلدان على زيادة صادراتها النفطية إلى الصين، وبالتالي تبديل اعتماد بكين النسبي على إيران. أما البعد الثاني: فهو حزمة الحوافز التي يمكن تقديمها لاستمالة الصين بعيدًا عن إيران، وتشمل الخيارات الممكنة في هذا الشأن رفع مستوى التعاون في العلاقات الأمريكية الصينية، وإظهار قدر أكبر من القبول لدور الصين في الشئون العالمية، والنظر بعين الاعتبار لمصالح الأمن القومي للصين.
ولكن يبدو أن الجهود الأمريكية قد أتت بنتائج عكسية؛ إذ يُنظر إليها من قبل بعض المحللين الصينيين على أنها مؤامرة على بكين، بينما يرى البعض الآخر أنها مؤشر على ضعف واشنطن تعكس حاجتها إلى مساعدة الصين، ويخطئ من يظن أن مجرد الترحيب بأن تلعب الصين دورًا أكبر على المستوى الدولي أو الاعتراف بالمصالح الجوهرية لها يُعد أمرًا كافيًا؛ إذ ثمة إشكاليتان يبرزهما التقرير ينبغي وضعهما في الحسبان لتحقيق ما ترنو إليه واشنطن، وهما:
الإشكالية الأولى: يتطلب إقناع بكين للحد من تعاونها مع إيران خطوات ملموسة، تتمثل في أن تبدأ الولايات المتحدة في التراجع عن التزامها تجاه تايوان، مع ما يعنيه ذلك من تقليص مبيعات الأسلحة إلى الجزيرة، وهي خطوة من غير المرجح أن تتخذ.
الإشكالية الثانية: يجب أن تعمل الولايات المتحدة على تحرير القيود التجارية المفروضة على السلع ذات التكنولوجيا العالية والمواد الدفاعية، وهو أمر مستبعد أيضًا لأن الصين البلد الوحيد القادر على مطابقة القوة العسكرية للولايات المتحدة هذا من جانب. ومن جانب آخر لا يبدو الكونجرس على استعداد في الوقت الحاضر لرفع القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا الدفاعية للصين التي تم سنها بعد مذبحة ميدان السلام السماوي العام 1989.
في جميع الاحتمالات؛ فإن فشل جهود الولايات المتحدة في إعادة تشكيل العلاقات الصينية الإيرانية يعكس حقيقة مفادها أن هذه العلاقات قد انتقلت إلى مرحلة من التعاون متعددة الأوجه. كما أن سيناريو تغيير سياسة الصين طويلة الأمد تجاه إيران هو على الأرجح أمر صعب للغاية. ومع ذلك لا يمكن استبعاده بشكل تام، بيد أنه يتوقف على حدوث تطورات دراماتيكية مثل تصاعد كبير في مستوى المواجهة بين واشنطن وطهران، بحيث يصبح استمرار علاقات قوية مع طهران أمرًا مكلفًا للغاية بالنسبة لبكين.