تأثيرالتدخل الدولي بمالي في الجماعات المسلحة بالساحل والصحرا
مرسل: الثلاثاء سبتمبر 24, 2013 8:35 pm
تطلع الكثيرون إلى الضربات العسكرية التي وجهتها القوات الدولية بقيادة فرنسا في شمال مالي للجماعات الإرهابية باعتبارها ستمثل معالجة حاسمة لهذه الجماعات، وستؤدي إلى إضعافها، والقضاء عليها، وتقييد فرص الجماعات الإرهابية الأخرى في الأقاليم الإفريقية أمام تحقيق أهدافها، ونشر أفكارها المتطرفة، أو محاولة تكوين "إمارة إسلامية" تكون نواة لزعزعة الاستقرار في أرجاء القارة الإفريقية والمنطقة العربية ككل.
معطيات أساسية
إلا أن هذه التطلعات بالقضاء على الجماعات المتشددة في منطقة الساحل والصحراء قد تجاهلت معطيات عدة أهمها:
أولا: حالة الفوضى التي شهدتها دول الشمال الإفريقي عقب ما عرف بـ"ثورات الربيع العربي" وما نجم عنها من سقوط الأنظمة الرافضة لمشاركة التيارات الإسلامية ومن ينتمون إليها في السلطة، وما ترتب على هذه الحالة من نتائج غير محسوبة العواقب. فمن ناحية أصبحت التيارات الإسلامية شريكًا فعليًّا في السلطة في هذه الدول، بل واستحوذت على السلطة في بعضها، وعلى الرغم من أن بعض جماعات التيار الإسلامي تتسم بالاعتدال وترفض الإرهاب، فإنها سمحت للجماعات المتشددة بالمشاركة في العملية السياسية، نظرًا لوجود تقارب أيديولوجي في أفكار كافة الجماعات التي تنتمي إلى هذا التيار، وأن الثورات الشعبية جاءت لمنع حالة الإقصاء التي عاشتها بعض الجماعات في ظل الأنظمة السابقة، ومن ثم عجزت السلطات الحاكمة في بعض دول الشمال عن التعامل مع تطرف بعض هذه الجماعات نتيجة رفض أعضاء في السلطة الحاكمة وصم هذه الجماعات بالإرهاب.
وقد ظهر هذا الأمر بصورة جلية في تونس وتعامل السلطات الحاكمة مع جماعة أنصار الشريعة، والتي أعلنت الحكومة التونسية مؤخرًا تصنيفها كتنظيم إرهابي، وأكدت تورطها في عمليات اغتيال المعارضيْن السياسييْن محمد البراهمي وشكري بلعيد وعدد من أفراد الجيش التونسي، وقد أوضحت بعض المصادر الأمنية التونسية أن المؤسسة الأمنية مقيدة بتوجيهات حكومية، وهذا يفسر الإخفاقات الأمنية في التصدي للإرهاب في تونس.
ومن ناحية أخرى، تم الإفراج والعفو عن أعداد كبيرة من العناصر المتطرفة ، هذا بالإضافة إلى قيام الجماعات الإرهابية في يوليو الماضي باقتحام السجون في عدد من الدول، وفرار الآلاف من الإرهابيين. فقد اقتحم مسلحون أحد سجون بنغازى في شرق ليبيا، وأطلقوا سراح ألف من السجناء، وأعلنت القاعدة في جزيرة العرب مسئوليتها عن اقتحام سجن أبو غريب وسجن التاجي العراقيين قرب بغداد، مطلقين مئات السجناء الخطرين من العناصر الإرهابية، هذا إلى جانب أحد السجون في باكستان، وأدى ذلك إلى إصدار الإنتربول نشرة دولية لتوقيفهم، وفي جمهورية النيجر تمت مهاجمة عدد من السجون والمقار الأمنية، وإطلاق سراح سجناء بالقوة.
ثانيًا: أدى التدخل الدولي في مالي إلى فرار عناصر إرهابية، ودخولها إلى الدول المجاورة لمالي، وانضمام بعض هذه العناصر للجماعات الإرهابية القائمة على أراضي هذه الدول، ومشاركتها في العمليات الانتقامية ضد الدول الإفريقية المشاركة في الحملة العسكرية على شمال مالي, أو حتى الدول التي لم تتمكن من منع هذه الحملة مثل الجزائر، التي تعرضت لعملية إرهابية كبيرة عند حدودها الجنوبية عقب التدخل الدولي مباشرة في مالي في يناير الماضي، وراح ضحيتها أكثر من 30 قتيلا، كما تعرضت النيجر في 23 مايو 2013 لهجومين انتحاريين للمرة الأولى في تاريخها استهدفا معسكر أغاديز في الشمال، وموقعًا لمجموعة أريفا النووية الفرنسية في أرليت (200 كلم شمالا) وأسفرا عن عشرين قتيلا، معظمهم جنود نيجريون.
وتبنت كل من حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وهي إحدى الجماعات الإرهابية في شمال مالي، ومجموعة "الموقعون بالدماء" التي يتزعمها أحد قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مختار بلمختار، الهجومين. وأعلنت الحركتان أن هذه العملية جاءت كانتقام من حكومة النيجر بسبب مشاركتها في التدخل العسكري في مالي.
ثالثًا: لم تقف حدود قوة الجماعات الإرهابية عند النجاح في التمركز في مناطق بعينها مثل شمال مالي، أو نشر عناصرها داخل دول الساحل والشمال الإفريقي؛ بل سعت هذه الجماعات إلى الاندماج لتكوين تنظيمات أكبر، فخلال شهر أغسطس الماضي اندمجت حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا مع كتيبة "الملثمون" التابعة لتنظيم القاعدة، وكونتا تنظيمًا أُطلق عليه اسم "المرابطون"، حيث تشير الجهات الأمنية في عدة دول منها الجزائر إلى تحضير هذا التنظيم لعملية إرهابية كبرى ضد أهداف في دول الميدان الأربع (الجزائر، النيجر، موريتانيا، مالي) وأهداف غربية في تونس والمغرب وليبيا وصولا إلى مصر. وأشارت ذات المصادر إلى أن ميلاد حركة "المرابطون" يهدف للحصول على ولاء الإرهابيين في تونس وليبيا والخلايا النائمة في المغرب والناشطين في مصر، من أجل خلق تنظيم دولي كبير، وهو ما عبر عنه بيان "المرابطون" من أن مجال نشاطها من "النيل إلى المحيط".
كما تلقت مصالح الأمن الجزائرية معلومات حول وجود مبعوثين لتنظيم القاعدة الدولي في الساحل، وأن تأسيس جماعة المرابطين جاء برعاية هؤلاء المبعوثين، وأكدت هذه المعلومات أن الظواهري أوفد أحد رجال ثقته إلى شمال إفريقيا، يعتقد أنه ليبي الجنسية لعدة اعتبارات، أولها الخلاف الذي نشب بين عبد المالك دروكدال زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأمراء جبهة النصرة ودولة العراق في سوريا، بسبب شبكات تجنيد الجهاديين في تونس والجزائر. وقد طلب دروكدال في بيان أصدره تنظيم القاعدة في بلاد المغرب قبل أشهر قليلة، من الجهاديين عدم الذهاب إلى سوريا، ثم الإخفاقات العسكرية المتتالية للجماعات السلفية في شمال مالي، وعجزها عن التصدي للقوات الفرنسية، والذي أرجعته القاعدة إلى ما أسمته "تشتت المجاهدين وغياب إمارة موحدة للجهاد في شمال مالي"، حيث توزع المسلحون السلفيون على 4 منظمات، هي: التوحيد والجهاد، والقاعدة في بلاد المغرب، وأنصار الدين، وكتيبة الملثمون، وهو ما قلل من تأثيرهم.
ورغم دخول كل من "أنصار الدين" و"التوحيد والجهاد" و"الملثمون" تحت لواء مجلس شورى المجاهدين، كانت بلا قيادة موحدة تضبط أداءها العسكري والأمني في الميدان.كما ربط متابعون للشأن الأمني في الساحل الإعلان عن تأسيس الكيان الجديد بعدة تطورات إقليمية ودولية، أهمها التحركات في تونس وليبيا والوضع في مصر بعد 30 يونيو، وهو ما يعني أن المنظمة الجديدة سيكون لها دور ما في الأحداث في مناطق خارج النطاق الجغرافي المعروف بالنسبة للساحل والمغرب العربي، وتقع إلى الشرق من ميدان النشاط التقليدي لـتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
استنتاجات أولية
ووفقًا لهذه المعطيات يمكن التأكيد على مجموعة من الاستنتاجات المتعلقة بتحركات الجماعات الإرهابية في النطاق الجغرافي الذي يمتد من الصومال شرقًا حتى السنغال غربًا يضاف إليه امتدادات إقليم الشمال الإفريقي:
أولا: أن الضربات العسكرية التي قادتها فرنسا في شمال مالي ضد الجماعات الإرهابية قد أدت إلى إضعاف بعض هذه الجماعات، وفرار بعض عناصرها إلى الحدود مع الدول المجاورة لمالي، ولكن سرعان ما استعادت هذه الجماعات قوتها، بل وشرعت في تشكيل أذرع جديدة لها في بعض الدول الإفريقية بالاعتماد على مجموعة من الدعائم:
- الإمدادات التي تتلافاها من الجماعات الإرهابية المتواجدة في الإقليم، وخاصة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يرتبط بفروع تنظيم القاعدة في مناطق أخرى في المنطقة العربية وإفريقيا.
- هشاشة الحدود، وكثرة الفراغات الأمنية، وضعف السلطات المحلية والإقليمية أمام التصدي لتحركات هذه الجماعات في القارة، لذلك تنظر هذه الجماعات إلى المرحلة الراهنة على أنها فرصة ذهبية ترغب في استغلالها لتنفيذ أهدافها.
- دعمت الفوضى التي أعقبت الاحتجاجات الشعبية في الدول العربية من قدرات هذه الجماعات، سواء من الناحية التسليحية أو البشرية، فكانت الجماعات الإرهابية هي المستفيد الأول من ترسانة الأسلحة الليبية التي انتشرت عقب سقوط نظام القذافي، بحيث أصبحت ليبيا مصدرًا مهددًا للأمن لكل الدول المجاورة لها، كما زادت أعداد الشباب المنضمين إلى هذه الجماعات وخاصة من تونس.
ثانيًا: بروز دول كحلقات ضعيفة يمكن استغلالها من قبل التنظيمات الإرهابية في هذه المرحلة مثل تونس وليبيا، فقد أكد الرئيس الجزائري بوتفليقة في تعليقه على الأحداث الإرهابية في تونس على تكون مثلث جديد للإرهاب تشكل بعد التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي بين أربعة دول هي: تونس، ليبيا، النيجر، الجزائر، إلا أن تونس وليبيا هما الحلقة الأضعف في هذا المثلث نظرًا للظروف الأمنية التي تعيشها الدولتان عقب الثورات، حيث نمت الأنشطة الإرهابية بصورة سريعة في تونس، وتحولت هذه الدولة إلى معبر للأسلحة ومصدر للمقاتلين المدربين، وخاصة بعد سماح السلطات الرسمية ولو بصورة غير معلنة على ذهاب متطوعين للانضمام للجيش الحر في سوريا، وهو ما سمح بتدريب هؤلاء الشباب على العمليات القتالية.
وقد دمرت العمليات العسكرية في مالي معسكرين للجماعات الإرهابية تم إعدادهما لتدريب تونسيين ومصريين، وقد غادر الإرهابيون هذين المعسكرين إلى بلدانهم ضمن مخطط لتنظيمات القاعدة تسميه "الانتقال من أرض الإعداد إلى أرض الجهاد"، وخلال العملية الإرهابية في عين أميناس في الجزائر قتل 32 إرهابيًّا من بينهم 11 تونسيًّا، كما قدم المسئول الإعلامي لجماعة "أنصار الدين" بمالي شكره في حوار مع جريدة القدس للجهاديين التونسيين لدعمهم الجماعات الإسلامية بمالي، وهذا الاستعداد لدى الشباب التونسي للانضمام للجماعات الإرهابية ليس بالأمر الجديد على المجتمع التونسي، فقد شارك التونسيون في جهاد الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي، وقٌتل القيادي الأفغاني أحمد شاه مسعود على أيدي مسلحين تونسيين، كما يشارك التونسيون في الصراع في العراق، وينضمون إلى الجماعات الإرهابية هناك. كما أعلن الاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن في بداية شهر سبتمبر أن تونس تحولت إلى "أرض جهاد" بالنسبة لتنظيم أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
أما ليبيا فقد تحولت بعد إسقاط نظام القذافي إلى مخزن كبير للسلاح من كافة أنواعه، حيث تشكل على سبيل المثال ومعها السودان المصدر الأساسي لتهريب السلاح إلى مصر، وعاشت مناطق كثيرة في ليبيا عقب الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية في بنغازى أجواء مضطربة، استغلها تنظيم القاعدة في نشر عناصره في بعض الجيوب لبسط النفوذ والسيطرة على البلاد، وفككت السلطات الأمنية في تونس أكثر من خلية لشباب تونسيين يعتزمون الرحيل إلى ليبيا لتلقي تدريبات قتالية هناك، كما استقبلت ليبيا عددًا من قيادات تنظيم القاعدة في اليمن.
ويرى العديد من الخبراء أن الجنوب الليبي أصبح خلال الأشهر الأخيرة من المعاقل التي أعادت فيها الخلايا الإرهابية تنظيم صفوفها بعد إخراج الجماعات الإسلامية المسلحة من شمال مالي، لذلك لا تستبعد السلطات الأمنية في الجزائر تعرض ليبيا لتدخل عسكري دولي على غرار ما حدث في شمال مالي.
ثالثًا: يكشف الصعود المتنامي للجماعات الإرهابية أن معالجة نمو هذه الجماعات يعتمد على محورين، محور أمني يمنع انتشار هذه الجماعات وتغلغلها لأقاليم ومناطق أخرى، ومحور تنموي، لأن السخط العام هو الذي يحرك الأفراد للانضمام لهذه الجماعات، وخاصة من فئة الشباب، وهذا السخط ينجم عن زيادة معدلات الفقر والبطالة، ونقص الخدمات الحكومية، مع استمرار ضعف الحكومات، وعجزها عن السيطرة على الحدود، أو منع تسلل الأفراد والأسلحة خلالها، مع انتشار للدعاة المسيسين الذين لا ينتمون للمؤسسات الدينية الرسمية، ويروجون لخطابات متشددة إزاء التعامل مع الأحداث التي تشهدها المنطقة والسلطات الأمنية، حيث يتشابه هذا الخطاب إلى حد بعيد مع ما كان يستخدمه المجاهدون الأفغان ضد قوات الاحتلال السوفيتية أو المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث يساعد هؤلاء الدعاة في نشر الأفكار المتشددة التي تهدف إلى تكوين جبهات لـلـ"جهاد" ضد المجتمعات المسلمة أولا، وإدخال السلطات الأمنية للدول الإفريقية في اختبارات تحد من قدراتها وتضعفها.
كما تظهر في هذا السياق أهمية تفعيل آليات مكافحة الإرهاب الخاصة بالدول الإفريقية المعروفة بـ"دول الميدان" التي تتعلق بتبادل المعلومات، ورصد التدفقات المالية من ممارسات غير مشروعة مثل تجارة المخدرات، والقيام بعمليات عسكرية مشتركة، مع توفير جهاز قضائي جديد لمعالجة قضايا الإرهاب، وتحديد المسئوليات الأمنية.
معطيات أساسية
إلا أن هذه التطلعات بالقضاء على الجماعات المتشددة في منطقة الساحل والصحراء قد تجاهلت معطيات عدة أهمها:
أولا: حالة الفوضى التي شهدتها دول الشمال الإفريقي عقب ما عرف بـ"ثورات الربيع العربي" وما نجم عنها من سقوط الأنظمة الرافضة لمشاركة التيارات الإسلامية ومن ينتمون إليها في السلطة، وما ترتب على هذه الحالة من نتائج غير محسوبة العواقب. فمن ناحية أصبحت التيارات الإسلامية شريكًا فعليًّا في السلطة في هذه الدول، بل واستحوذت على السلطة في بعضها، وعلى الرغم من أن بعض جماعات التيار الإسلامي تتسم بالاعتدال وترفض الإرهاب، فإنها سمحت للجماعات المتشددة بالمشاركة في العملية السياسية، نظرًا لوجود تقارب أيديولوجي في أفكار كافة الجماعات التي تنتمي إلى هذا التيار، وأن الثورات الشعبية جاءت لمنع حالة الإقصاء التي عاشتها بعض الجماعات في ظل الأنظمة السابقة، ومن ثم عجزت السلطات الحاكمة في بعض دول الشمال عن التعامل مع تطرف بعض هذه الجماعات نتيجة رفض أعضاء في السلطة الحاكمة وصم هذه الجماعات بالإرهاب.
وقد ظهر هذا الأمر بصورة جلية في تونس وتعامل السلطات الحاكمة مع جماعة أنصار الشريعة، والتي أعلنت الحكومة التونسية مؤخرًا تصنيفها كتنظيم إرهابي، وأكدت تورطها في عمليات اغتيال المعارضيْن السياسييْن محمد البراهمي وشكري بلعيد وعدد من أفراد الجيش التونسي، وقد أوضحت بعض المصادر الأمنية التونسية أن المؤسسة الأمنية مقيدة بتوجيهات حكومية، وهذا يفسر الإخفاقات الأمنية في التصدي للإرهاب في تونس.
ومن ناحية أخرى، تم الإفراج والعفو عن أعداد كبيرة من العناصر المتطرفة ، هذا بالإضافة إلى قيام الجماعات الإرهابية في يوليو الماضي باقتحام السجون في عدد من الدول، وفرار الآلاف من الإرهابيين. فقد اقتحم مسلحون أحد سجون بنغازى في شرق ليبيا، وأطلقوا سراح ألف من السجناء، وأعلنت القاعدة في جزيرة العرب مسئوليتها عن اقتحام سجن أبو غريب وسجن التاجي العراقيين قرب بغداد، مطلقين مئات السجناء الخطرين من العناصر الإرهابية، هذا إلى جانب أحد السجون في باكستان، وأدى ذلك إلى إصدار الإنتربول نشرة دولية لتوقيفهم، وفي جمهورية النيجر تمت مهاجمة عدد من السجون والمقار الأمنية، وإطلاق سراح سجناء بالقوة.
ثانيًا: أدى التدخل الدولي في مالي إلى فرار عناصر إرهابية، ودخولها إلى الدول المجاورة لمالي، وانضمام بعض هذه العناصر للجماعات الإرهابية القائمة على أراضي هذه الدول، ومشاركتها في العمليات الانتقامية ضد الدول الإفريقية المشاركة في الحملة العسكرية على شمال مالي, أو حتى الدول التي لم تتمكن من منع هذه الحملة مثل الجزائر، التي تعرضت لعملية إرهابية كبيرة عند حدودها الجنوبية عقب التدخل الدولي مباشرة في مالي في يناير الماضي، وراح ضحيتها أكثر من 30 قتيلا، كما تعرضت النيجر في 23 مايو 2013 لهجومين انتحاريين للمرة الأولى في تاريخها استهدفا معسكر أغاديز في الشمال، وموقعًا لمجموعة أريفا النووية الفرنسية في أرليت (200 كلم شمالا) وأسفرا عن عشرين قتيلا، معظمهم جنود نيجريون.
وتبنت كل من حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وهي إحدى الجماعات الإرهابية في شمال مالي، ومجموعة "الموقعون بالدماء" التي يتزعمها أحد قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مختار بلمختار، الهجومين. وأعلنت الحركتان أن هذه العملية جاءت كانتقام من حكومة النيجر بسبب مشاركتها في التدخل العسكري في مالي.
ثالثًا: لم تقف حدود قوة الجماعات الإرهابية عند النجاح في التمركز في مناطق بعينها مثل شمال مالي، أو نشر عناصرها داخل دول الساحل والشمال الإفريقي؛ بل سعت هذه الجماعات إلى الاندماج لتكوين تنظيمات أكبر، فخلال شهر أغسطس الماضي اندمجت حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا مع كتيبة "الملثمون" التابعة لتنظيم القاعدة، وكونتا تنظيمًا أُطلق عليه اسم "المرابطون"، حيث تشير الجهات الأمنية في عدة دول منها الجزائر إلى تحضير هذا التنظيم لعملية إرهابية كبرى ضد أهداف في دول الميدان الأربع (الجزائر، النيجر، موريتانيا، مالي) وأهداف غربية في تونس والمغرب وليبيا وصولا إلى مصر. وأشارت ذات المصادر إلى أن ميلاد حركة "المرابطون" يهدف للحصول على ولاء الإرهابيين في تونس وليبيا والخلايا النائمة في المغرب والناشطين في مصر، من أجل خلق تنظيم دولي كبير، وهو ما عبر عنه بيان "المرابطون" من أن مجال نشاطها من "النيل إلى المحيط".
كما تلقت مصالح الأمن الجزائرية معلومات حول وجود مبعوثين لتنظيم القاعدة الدولي في الساحل، وأن تأسيس جماعة المرابطين جاء برعاية هؤلاء المبعوثين، وأكدت هذه المعلومات أن الظواهري أوفد أحد رجال ثقته إلى شمال إفريقيا، يعتقد أنه ليبي الجنسية لعدة اعتبارات، أولها الخلاف الذي نشب بين عبد المالك دروكدال زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأمراء جبهة النصرة ودولة العراق في سوريا، بسبب شبكات تجنيد الجهاديين في تونس والجزائر. وقد طلب دروكدال في بيان أصدره تنظيم القاعدة في بلاد المغرب قبل أشهر قليلة، من الجهاديين عدم الذهاب إلى سوريا، ثم الإخفاقات العسكرية المتتالية للجماعات السلفية في شمال مالي، وعجزها عن التصدي للقوات الفرنسية، والذي أرجعته القاعدة إلى ما أسمته "تشتت المجاهدين وغياب إمارة موحدة للجهاد في شمال مالي"، حيث توزع المسلحون السلفيون على 4 منظمات، هي: التوحيد والجهاد، والقاعدة في بلاد المغرب، وأنصار الدين، وكتيبة الملثمون، وهو ما قلل من تأثيرهم.
ورغم دخول كل من "أنصار الدين" و"التوحيد والجهاد" و"الملثمون" تحت لواء مجلس شورى المجاهدين، كانت بلا قيادة موحدة تضبط أداءها العسكري والأمني في الميدان.كما ربط متابعون للشأن الأمني في الساحل الإعلان عن تأسيس الكيان الجديد بعدة تطورات إقليمية ودولية، أهمها التحركات في تونس وليبيا والوضع في مصر بعد 30 يونيو، وهو ما يعني أن المنظمة الجديدة سيكون لها دور ما في الأحداث في مناطق خارج النطاق الجغرافي المعروف بالنسبة للساحل والمغرب العربي، وتقع إلى الشرق من ميدان النشاط التقليدي لـتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
استنتاجات أولية
ووفقًا لهذه المعطيات يمكن التأكيد على مجموعة من الاستنتاجات المتعلقة بتحركات الجماعات الإرهابية في النطاق الجغرافي الذي يمتد من الصومال شرقًا حتى السنغال غربًا يضاف إليه امتدادات إقليم الشمال الإفريقي:
أولا: أن الضربات العسكرية التي قادتها فرنسا في شمال مالي ضد الجماعات الإرهابية قد أدت إلى إضعاف بعض هذه الجماعات، وفرار بعض عناصرها إلى الحدود مع الدول المجاورة لمالي، ولكن سرعان ما استعادت هذه الجماعات قوتها، بل وشرعت في تشكيل أذرع جديدة لها في بعض الدول الإفريقية بالاعتماد على مجموعة من الدعائم:
- الإمدادات التي تتلافاها من الجماعات الإرهابية المتواجدة في الإقليم، وخاصة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يرتبط بفروع تنظيم القاعدة في مناطق أخرى في المنطقة العربية وإفريقيا.
- هشاشة الحدود، وكثرة الفراغات الأمنية، وضعف السلطات المحلية والإقليمية أمام التصدي لتحركات هذه الجماعات في القارة، لذلك تنظر هذه الجماعات إلى المرحلة الراهنة على أنها فرصة ذهبية ترغب في استغلالها لتنفيذ أهدافها.
- دعمت الفوضى التي أعقبت الاحتجاجات الشعبية في الدول العربية من قدرات هذه الجماعات، سواء من الناحية التسليحية أو البشرية، فكانت الجماعات الإرهابية هي المستفيد الأول من ترسانة الأسلحة الليبية التي انتشرت عقب سقوط نظام القذافي، بحيث أصبحت ليبيا مصدرًا مهددًا للأمن لكل الدول المجاورة لها، كما زادت أعداد الشباب المنضمين إلى هذه الجماعات وخاصة من تونس.
ثانيًا: بروز دول كحلقات ضعيفة يمكن استغلالها من قبل التنظيمات الإرهابية في هذه المرحلة مثل تونس وليبيا، فقد أكد الرئيس الجزائري بوتفليقة في تعليقه على الأحداث الإرهابية في تونس على تكون مثلث جديد للإرهاب تشكل بعد التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي بين أربعة دول هي: تونس، ليبيا، النيجر، الجزائر، إلا أن تونس وليبيا هما الحلقة الأضعف في هذا المثلث نظرًا للظروف الأمنية التي تعيشها الدولتان عقب الثورات، حيث نمت الأنشطة الإرهابية بصورة سريعة في تونس، وتحولت هذه الدولة إلى معبر للأسلحة ومصدر للمقاتلين المدربين، وخاصة بعد سماح السلطات الرسمية ولو بصورة غير معلنة على ذهاب متطوعين للانضمام للجيش الحر في سوريا، وهو ما سمح بتدريب هؤلاء الشباب على العمليات القتالية.
وقد دمرت العمليات العسكرية في مالي معسكرين للجماعات الإرهابية تم إعدادهما لتدريب تونسيين ومصريين، وقد غادر الإرهابيون هذين المعسكرين إلى بلدانهم ضمن مخطط لتنظيمات القاعدة تسميه "الانتقال من أرض الإعداد إلى أرض الجهاد"، وخلال العملية الإرهابية في عين أميناس في الجزائر قتل 32 إرهابيًّا من بينهم 11 تونسيًّا، كما قدم المسئول الإعلامي لجماعة "أنصار الدين" بمالي شكره في حوار مع جريدة القدس للجهاديين التونسيين لدعمهم الجماعات الإسلامية بمالي، وهذا الاستعداد لدى الشباب التونسي للانضمام للجماعات الإرهابية ليس بالأمر الجديد على المجتمع التونسي، فقد شارك التونسيون في جهاد الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي، وقٌتل القيادي الأفغاني أحمد شاه مسعود على أيدي مسلحين تونسيين، كما يشارك التونسيون في الصراع في العراق، وينضمون إلى الجماعات الإرهابية هناك. كما أعلن الاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن في بداية شهر سبتمبر أن تونس تحولت إلى "أرض جهاد" بالنسبة لتنظيم أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
أما ليبيا فقد تحولت بعد إسقاط نظام القذافي إلى مخزن كبير للسلاح من كافة أنواعه، حيث تشكل على سبيل المثال ومعها السودان المصدر الأساسي لتهريب السلاح إلى مصر، وعاشت مناطق كثيرة في ليبيا عقب الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية في بنغازى أجواء مضطربة، استغلها تنظيم القاعدة في نشر عناصره في بعض الجيوب لبسط النفوذ والسيطرة على البلاد، وفككت السلطات الأمنية في تونس أكثر من خلية لشباب تونسيين يعتزمون الرحيل إلى ليبيا لتلقي تدريبات قتالية هناك، كما استقبلت ليبيا عددًا من قيادات تنظيم القاعدة في اليمن.
ويرى العديد من الخبراء أن الجنوب الليبي أصبح خلال الأشهر الأخيرة من المعاقل التي أعادت فيها الخلايا الإرهابية تنظيم صفوفها بعد إخراج الجماعات الإسلامية المسلحة من شمال مالي، لذلك لا تستبعد السلطات الأمنية في الجزائر تعرض ليبيا لتدخل عسكري دولي على غرار ما حدث في شمال مالي.
ثالثًا: يكشف الصعود المتنامي للجماعات الإرهابية أن معالجة نمو هذه الجماعات يعتمد على محورين، محور أمني يمنع انتشار هذه الجماعات وتغلغلها لأقاليم ومناطق أخرى، ومحور تنموي، لأن السخط العام هو الذي يحرك الأفراد للانضمام لهذه الجماعات، وخاصة من فئة الشباب، وهذا السخط ينجم عن زيادة معدلات الفقر والبطالة، ونقص الخدمات الحكومية، مع استمرار ضعف الحكومات، وعجزها عن السيطرة على الحدود، أو منع تسلل الأفراد والأسلحة خلالها، مع انتشار للدعاة المسيسين الذين لا ينتمون للمؤسسات الدينية الرسمية، ويروجون لخطابات متشددة إزاء التعامل مع الأحداث التي تشهدها المنطقة والسلطات الأمنية، حيث يتشابه هذا الخطاب إلى حد بعيد مع ما كان يستخدمه المجاهدون الأفغان ضد قوات الاحتلال السوفيتية أو المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث يساعد هؤلاء الدعاة في نشر الأفكار المتشددة التي تهدف إلى تكوين جبهات لـلـ"جهاد" ضد المجتمعات المسلمة أولا، وإدخال السلطات الأمنية للدول الإفريقية في اختبارات تحد من قدراتها وتضعفها.
كما تظهر في هذا السياق أهمية تفعيل آليات مكافحة الإرهاب الخاصة بالدول الإفريقية المعروفة بـ"دول الميدان" التي تتعلق بتبادل المعلومات، ورصد التدفقات المالية من ممارسات غير مشروعة مثل تجارة المخدرات، والقيام بعمليات عسكرية مشتركة، مع توفير جهاز قضائي جديد لمعالجة قضايا الإرهاب، وتحديد المسئوليات الأمنية.