الصفوة السياسية
مرسل: الأحد سبتمبر 29, 2013 9:46 pm
يُشير مفهوم الصفوة، بشكل عام، إلى جماعة من الأشخاص يشغلون مراكز النفوذ والسيطرة في مجتمع معين. ويُستخدم بشكل أكثر تحديداً للإشارة إلى النفوذ الذي تمارسه هذه الجماعة؛ خاصة القلة الحاكمة في مجال محدد. لذلك تكون "الصفوة" أكثر الطبقات هيبة وأثراً. وقد يُشير المصطلح أيضاً إلى أعلى فئة في أحد ميادين التنافس، ومن ثم تتألف الصفوة من المبرزين المتفوقين بالقياس إلى غيرهم، ولذلك فهم يعدون قادة في ميدان معين. وبهذا المعنى تكون هناك صفوة سياسية، وصفوة في الفن، وصفوة علمية ودينية... إلخ. وللصفوة تأثير مهم في تشكيل القيم، وفي تحديد اتجاهات قطاعات المجتمع التي تمثلها، أو الميادين التي برزت فيها.
وقد ميّز علماء الاجتماع، من أمثال بارتيو وموسكا وميشيلز، بين الحكام والمحكومين، أو بين الأقلية ذات السلطة أو القوة، وبين الأغلبية التي لا تتمتع بها. كما طرح العلماء تعريفاً واسعاً للصفوة لا يرتبط بالضرورة بفكرة السيطرة السياسية، بل يشير إلى أي جماعة من الأفراد معروفة اجتماعياً ذات خصائص لها قيمة محددة كالمقدرة العقلية أو الوضع الإداري المرتفع أو القوة العسكرية أو القوة الأخلاقية ـ تؤدي إلى درجة عالية من الهيبة والنفوذ الواسع.
ويعد فلفريدو باريتو من أكثر علماء الاجتماع اهتماماً بمفهوم الصفوة. وقد استخدم باريتو مصطلح "التباين الاجتماعي" للإشارة إلى حقيقة اختلاف الناس في خصائصهم الفيزيقية والأخلاقية والفكرية، بحيث يتفوق بعضهم على الآخرين، فيما يتعلق بهذه الخصائص. وعلى هذا الأساس استخدم باريتو مفهوم "الصفوة" للإشارة إلى التفوق في مجالات الذكاء، والطابع، والمهارة، والقدرة، والقوة... إلخ. وعلى الرغم من اعترافه بإمكان حصول بعض الأفراد على لقب "الصفوة"، دون امتلاكهم للصفات التي تؤهلهم لذلك، إلا أنه أكد ـ في الوقت نفسه ـ أن الذين يتميزون بخصائص الصفوة سوف يشكلون بالضرورة صفوة مقبلة.
كما يحاول باريتو أن يضع مفهوماً آخر للصفوة بوصفها الفئة التي تحكم، ويسميها "الصفوة الحاكمة" The Ruling Class. أما التعريف الأشمل لمفهوم الصفوة لدى باريتو، فهي تعني "ذلك العدد الصغير من الأفراد الذين نجحوا في مجالات النشاط الاجتماعي، ووصلوا إلى مرتبة أعلى في الهرم أو التدرج المهني"؛ فرجل الأعمال الناجح والسياسي الناجح، كل أولئك ينتمون عند باريتو إلى الصفوة؛ فالسمة المشتركة بين الأمثلة التي يتحدث عنها باريتو هي النجاح والتفوق.
أما موسكا، فقد نظر إلى مفهوم الصفوة من زاوية مختلفة إلى حد ما. يذكر موسكا أن كل المجتمعات الإنسانية عبر تاريخها انقسمت إلى طبقة حاكمة قليلة العدد، وطبقات محكومة كثيرة العدد. ويسلم موسكا بأن الجماهير تستطيع ممارسة الضغوط على الحكام، وتنشأ هذه الضغوط نتيجة لاستياء الجماهير من بعض السياسات التي تنفذها الصفوة الحاكمة. وقد يؤدي هذا الموقف إلى الإطاحة بالطبقة الحاكمة، وفي هذه الحالة تظهر إلى حيز الوجود طبقة حاكمة من بين الجماهير تتبنى سياسة جديدة، أكثر تلاؤماً مع مصالح الشعب. ويعتقد موسكا أن قوة الطبقة الحاكمة تنبع من أنها تشكل أقلية منظمة في مواجهة أغلبية غير منظمة. وقد أكد موسكا أن الصفوة الحاكمة لا تكتسب قوتها من طبيعة تنظيمها فقط، بل أيضاً من خصائصها المادية والفكرية والأخلاقية، التي تميزها عن الأغلبية المحكومة. ويذهب موسكا بعد ذلك إلى أن القانون النفسي الذي يجبر الناس على النضال من أجل التفوق، يؤدي في النهاية إلى ظهور القلة الحاكمة، تلك التي تتحكم بفضل قدرتها التنظيمية وخصائصها الفردية في القوى الاجتماعية المختلفة.
وقد حدد توم بوتومور Bottomor الصفوة بأنها "القلة التي تحكم المجتمع"، تلك القلة ليست جماعة وظيفية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، إلا أنها تنطوي، في الوقت نفسه، على أهمية اجتماعية كبيرة تستحق بها أن تُمنح اصطلاحاً محدداً. ومن ثم فإنه يستخدم مصطلح الطبقة الحاكمة للإشارة إلى تلك الجماعات، التي تمارس القوة أو التأثير السياسي، أو التي تكون موجهة أساساً إلى الكفاح من أجل الحصول على القيادة السياسية.
يرى لازويل Lasswell، أن الصفوة تتكون من ذوي النفوذ والسلطة الذين يملكون مقاليد القوة في أي جهاز سياسي أو إداري، وهؤلاء يشملون القيادة والتشكيلات أو التكوينات الاجتماعية، التي ينحدر منها هؤلاء القادة السياسيون، والتي من خلالها يُقدر ويُحسب كل شيء خلال فترة زمنية محددة.
"الصفوة" هي أقلية من الشعب تستحوذ على عملية اتخاذ غالبية القرارات المؤثرة داخل المجتمع؛ ونظراً لاتساع مجالات القرارات فإنها تؤثر على المظاهر العامة للمجتمع أيضاً، ويكون ذلك بوجه خاص في مجال القرارات السياسية. ولذا، فإن للصفوة من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أية جماعة أخرى في المجتمع بأسره، ومن ثم فهي في تصور بعض الناس مصدر القيم ومنبع المعايير والاتجاهات، ومن ثم فهي العامل الأساسي لتحقيق التماسك الاجتماعي.
وقد ميز بعضهم في هذا السياق بين حكم الصّفوة وحكم الطبقة Class Ruling. ويركز المفهوم الأول على أسلوب الاختيار لمن يضطلعون بمهام الحكم والإدارة؛ بينما يركز المفهوم الثاني على أسلوب توصيفهم. وتفترض الصفوة وجود توافق حركي بين أعضائها ـ سواء بشكل مقصود أو غير مقصود ـ حفاظاً على وضعهم الاجتماعي أو امتيازاتهم السياسية. ويثير الحديث عن الصفوة موضوعات معينة، مثل: شرعية الصفوة، بمعنى الأسس التي تُبنى عليها ممارستها للسلطة، ومسألة دوران الصفوة، التي تشير إلى درجة انفتاح الصفوة أمام عناصر جديدة أو انغلاقها على عناصر بينها فترات زمنية قد تطول.
ويميل عدد ليس قليل من علماء الاجتماع المعاصرين إلى التمييز بين "الصفوات" المختلفة، طبقاً لطبيعة القوى والنشاطات التي تسيطر عليها. فعلى سبيل المثال، ميز ناديل Nadel بين ثلاثة أنماط من الصفوات هي: الصفوات الاجتماعية، والصفوات المتخصصة، والصفوات الحاكمة.
فالصفوات الاجتماعية تمارس تأثيراً غير مباشر؛ فهي لا تحتكر اتخاذ القرارات، ولكن يرجع مصدر قوتها إلى محاكاة الناس لقادتها.
أما الصفوات الحاكمة، فتضم القادة السياسيون الذين يمارسون قوتهم من خلال وضعهم القانوني واحتكار اتخاذ القرارات.
وأخيراً الصفوات المتخصصة، التي تضم القطاعات العليا من ذوي المهن الفنية العليا، كالأطباء والمحامين والمهندسين.
وتختلف طبيعة الصفوات باختلاف مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات؛ فالصفوات في مجتمع كالمجتمع المصري تختلف بطبيعة الحال عن قريناتها في المجتمع الأمريكي. بل إنه في داخل المجتمع الواحد قد تختلف الصفوات من فترة لأخرى؛ ففي المجتمع المصري ظهرت صفوات معينة خلال فترة الاستعمار الإنجليزي، مثل كبار ملاك الأراضي وأصحاب المشروعات الصناعية وكبار موظفي الحكومة، ثم ما لبثت هذه الصفوات أن تعرضت لمؤثرات مهمة بعد الحصول على الاستقلال السياسي وقيام ثورة يوليه 1952. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الصفوات القديمة وظهور صفوات جديدة تتلاءم مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ويتفق رايت ميلز مع بيرنهام، في أن مكانة الصفوة وبناءها لا يتوقفان على مواهب الأفراد أو خصائصهم السيكولوجية؛ ولكنهما يتحددان في ضوء البناء الاجتماعي الاقتصادي لمجتمع معين. وقد نظر ميلز إلى الصفوة من خلال المؤسسات المهمة أو الإستراتيجية في المجتمع الأمريكي، ورأى أن قادة هذه المؤسسات في مجالات الجيش والصناعة والحكومة يشكلون صفوة على المستوى القومي، بحيث تنشأ بينهم صلات وروابط وثيقة. ويذهب رايت ميلز إلى أن هذه الروابط تكون في أوج قوتها حينما يتبادل الأفراد فيما بينهم الوظائف العليا الممثلة لقطاعات المجتمع المختلفة. وهنا يفضل ميلز استخدام تعبير "صفوة القوة" Power Elite، للإشارة إلى أولئك الذين يشغلون الأوضاع القيادية، كرؤساء الشركات والقادة السياسيين، والقادة العسكريين. ويرى أن الصفوة هي التي تتخذ القرارات المصيرية مُبقية الجماهير في حالة سكون وهدوء، مستعينة لتحقيق ذلك بمدح الجماهير وخداعها والتفنن في الترويح عنها؛ وفضلاً عن ذلك كشف ميلز عن الفساد المتفشي داخل الصفوة ذاتها، وهو فساد يعود إلى الحالة التي لا تكون فيها الجماهير منظمة تنظيماً دقيقاً، يسمح لها باتخاذ القرارات الملائمة.
وأخيراً، يمكن تعريف الصفوة السياسية بشكل محدد بوصفها أقلية مسيطرة تتحكم في القرارات السياسية والاقتصادية، ويخضع الأغلبية لهذه القرارات. وللصفوة من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أي جماعة أخرى في المجتمع بأسره، ولذلك فهي تتمتع بمكانة اجتماعية متميزة داخل المجتمع.
وقد ميّز علماء الاجتماع، من أمثال بارتيو وموسكا وميشيلز، بين الحكام والمحكومين، أو بين الأقلية ذات السلطة أو القوة، وبين الأغلبية التي لا تتمتع بها. كما طرح العلماء تعريفاً واسعاً للصفوة لا يرتبط بالضرورة بفكرة السيطرة السياسية، بل يشير إلى أي جماعة من الأفراد معروفة اجتماعياً ذات خصائص لها قيمة محددة كالمقدرة العقلية أو الوضع الإداري المرتفع أو القوة العسكرية أو القوة الأخلاقية ـ تؤدي إلى درجة عالية من الهيبة والنفوذ الواسع.
ويعد فلفريدو باريتو من أكثر علماء الاجتماع اهتماماً بمفهوم الصفوة. وقد استخدم باريتو مصطلح "التباين الاجتماعي" للإشارة إلى حقيقة اختلاف الناس في خصائصهم الفيزيقية والأخلاقية والفكرية، بحيث يتفوق بعضهم على الآخرين، فيما يتعلق بهذه الخصائص. وعلى هذا الأساس استخدم باريتو مفهوم "الصفوة" للإشارة إلى التفوق في مجالات الذكاء، والطابع، والمهارة، والقدرة، والقوة... إلخ. وعلى الرغم من اعترافه بإمكان حصول بعض الأفراد على لقب "الصفوة"، دون امتلاكهم للصفات التي تؤهلهم لذلك، إلا أنه أكد ـ في الوقت نفسه ـ أن الذين يتميزون بخصائص الصفوة سوف يشكلون بالضرورة صفوة مقبلة.
كما يحاول باريتو أن يضع مفهوماً آخر للصفوة بوصفها الفئة التي تحكم، ويسميها "الصفوة الحاكمة" The Ruling Class. أما التعريف الأشمل لمفهوم الصفوة لدى باريتو، فهي تعني "ذلك العدد الصغير من الأفراد الذين نجحوا في مجالات النشاط الاجتماعي، ووصلوا إلى مرتبة أعلى في الهرم أو التدرج المهني"؛ فرجل الأعمال الناجح والسياسي الناجح، كل أولئك ينتمون عند باريتو إلى الصفوة؛ فالسمة المشتركة بين الأمثلة التي يتحدث عنها باريتو هي النجاح والتفوق.
أما موسكا، فقد نظر إلى مفهوم الصفوة من زاوية مختلفة إلى حد ما. يذكر موسكا أن كل المجتمعات الإنسانية عبر تاريخها انقسمت إلى طبقة حاكمة قليلة العدد، وطبقات محكومة كثيرة العدد. ويسلم موسكا بأن الجماهير تستطيع ممارسة الضغوط على الحكام، وتنشأ هذه الضغوط نتيجة لاستياء الجماهير من بعض السياسات التي تنفذها الصفوة الحاكمة. وقد يؤدي هذا الموقف إلى الإطاحة بالطبقة الحاكمة، وفي هذه الحالة تظهر إلى حيز الوجود طبقة حاكمة من بين الجماهير تتبنى سياسة جديدة، أكثر تلاؤماً مع مصالح الشعب. ويعتقد موسكا أن قوة الطبقة الحاكمة تنبع من أنها تشكل أقلية منظمة في مواجهة أغلبية غير منظمة. وقد أكد موسكا أن الصفوة الحاكمة لا تكتسب قوتها من طبيعة تنظيمها فقط، بل أيضاً من خصائصها المادية والفكرية والأخلاقية، التي تميزها عن الأغلبية المحكومة. ويذهب موسكا بعد ذلك إلى أن القانون النفسي الذي يجبر الناس على النضال من أجل التفوق، يؤدي في النهاية إلى ظهور القلة الحاكمة، تلك التي تتحكم بفضل قدرتها التنظيمية وخصائصها الفردية في القوى الاجتماعية المختلفة.
وقد حدد توم بوتومور Bottomor الصفوة بأنها "القلة التي تحكم المجتمع"، تلك القلة ليست جماعة وظيفية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، إلا أنها تنطوي، في الوقت نفسه، على أهمية اجتماعية كبيرة تستحق بها أن تُمنح اصطلاحاً محدداً. ومن ثم فإنه يستخدم مصطلح الطبقة الحاكمة للإشارة إلى تلك الجماعات، التي تمارس القوة أو التأثير السياسي، أو التي تكون موجهة أساساً إلى الكفاح من أجل الحصول على القيادة السياسية.
يرى لازويل Lasswell، أن الصفوة تتكون من ذوي النفوذ والسلطة الذين يملكون مقاليد القوة في أي جهاز سياسي أو إداري، وهؤلاء يشملون القيادة والتشكيلات أو التكوينات الاجتماعية، التي ينحدر منها هؤلاء القادة السياسيون، والتي من خلالها يُقدر ويُحسب كل شيء خلال فترة زمنية محددة.
"الصفوة" هي أقلية من الشعب تستحوذ على عملية اتخاذ غالبية القرارات المؤثرة داخل المجتمع؛ ونظراً لاتساع مجالات القرارات فإنها تؤثر على المظاهر العامة للمجتمع أيضاً، ويكون ذلك بوجه خاص في مجال القرارات السياسية. ولذا، فإن للصفوة من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أية جماعة أخرى في المجتمع بأسره، ومن ثم فهي في تصور بعض الناس مصدر القيم ومنبع المعايير والاتجاهات، ومن ثم فهي العامل الأساسي لتحقيق التماسك الاجتماعي.
وقد ميز بعضهم في هذا السياق بين حكم الصّفوة وحكم الطبقة Class Ruling. ويركز المفهوم الأول على أسلوب الاختيار لمن يضطلعون بمهام الحكم والإدارة؛ بينما يركز المفهوم الثاني على أسلوب توصيفهم. وتفترض الصفوة وجود توافق حركي بين أعضائها ـ سواء بشكل مقصود أو غير مقصود ـ حفاظاً على وضعهم الاجتماعي أو امتيازاتهم السياسية. ويثير الحديث عن الصفوة موضوعات معينة، مثل: شرعية الصفوة، بمعنى الأسس التي تُبنى عليها ممارستها للسلطة، ومسألة دوران الصفوة، التي تشير إلى درجة انفتاح الصفوة أمام عناصر جديدة أو انغلاقها على عناصر بينها فترات زمنية قد تطول.
ويميل عدد ليس قليل من علماء الاجتماع المعاصرين إلى التمييز بين "الصفوات" المختلفة، طبقاً لطبيعة القوى والنشاطات التي تسيطر عليها. فعلى سبيل المثال، ميز ناديل Nadel بين ثلاثة أنماط من الصفوات هي: الصفوات الاجتماعية، والصفوات المتخصصة، والصفوات الحاكمة.
فالصفوات الاجتماعية تمارس تأثيراً غير مباشر؛ فهي لا تحتكر اتخاذ القرارات، ولكن يرجع مصدر قوتها إلى محاكاة الناس لقادتها.
أما الصفوات الحاكمة، فتضم القادة السياسيون الذين يمارسون قوتهم من خلال وضعهم القانوني واحتكار اتخاذ القرارات.
وأخيراً الصفوات المتخصصة، التي تضم القطاعات العليا من ذوي المهن الفنية العليا، كالأطباء والمحامين والمهندسين.
وتختلف طبيعة الصفوات باختلاف مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات؛ فالصفوات في مجتمع كالمجتمع المصري تختلف بطبيعة الحال عن قريناتها في المجتمع الأمريكي. بل إنه في داخل المجتمع الواحد قد تختلف الصفوات من فترة لأخرى؛ ففي المجتمع المصري ظهرت صفوات معينة خلال فترة الاستعمار الإنجليزي، مثل كبار ملاك الأراضي وأصحاب المشروعات الصناعية وكبار موظفي الحكومة، ثم ما لبثت هذه الصفوات أن تعرضت لمؤثرات مهمة بعد الحصول على الاستقلال السياسي وقيام ثورة يوليه 1952. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الصفوات القديمة وظهور صفوات جديدة تتلاءم مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ويتفق رايت ميلز مع بيرنهام، في أن مكانة الصفوة وبناءها لا يتوقفان على مواهب الأفراد أو خصائصهم السيكولوجية؛ ولكنهما يتحددان في ضوء البناء الاجتماعي الاقتصادي لمجتمع معين. وقد نظر ميلز إلى الصفوة من خلال المؤسسات المهمة أو الإستراتيجية في المجتمع الأمريكي، ورأى أن قادة هذه المؤسسات في مجالات الجيش والصناعة والحكومة يشكلون صفوة على المستوى القومي، بحيث تنشأ بينهم صلات وروابط وثيقة. ويذهب رايت ميلز إلى أن هذه الروابط تكون في أوج قوتها حينما يتبادل الأفراد فيما بينهم الوظائف العليا الممثلة لقطاعات المجتمع المختلفة. وهنا يفضل ميلز استخدام تعبير "صفوة القوة" Power Elite، للإشارة إلى أولئك الذين يشغلون الأوضاع القيادية، كرؤساء الشركات والقادة السياسيين، والقادة العسكريين. ويرى أن الصفوة هي التي تتخذ القرارات المصيرية مُبقية الجماهير في حالة سكون وهدوء، مستعينة لتحقيق ذلك بمدح الجماهير وخداعها والتفنن في الترويح عنها؛ وفضلاً عن ذلك كشف ميلز عن الفساد المتفشي داخل الصفوة ذاتها، وهو فساد يعود إلى الحالة التي لا تكون فيها الجماهير منظمة تنظيماً دقيقاً، يسمح لها باتخاذ القرارات الملائمة.
وأخيراً، يمكن تعريف الصفوة السياسية بشكل محدد بوصفها أقلية مسيطرة تتحكم في القرارات السياسية والاقتصادية، ويخضع الأغلبية لهذه القرارات. وللصفوة من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أي جماعة أخرى في المجتمع بأسره، ولذلك فهي تتمتع بمكانة اجتماعية متميزة داخل المجتمع.