منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By عبدالعزيزالعنزي36336
#64294
البشر درجات، هناك النوع الراقي والنوع متوسط الرقي كما ان هناك النوع الرخيص. وليس الرقي ودرجته أو الرخص ومداه متوقفاً على الثروة أو ما يحوزه الإنسان من أدوات ووسائل تريحه وتمنحه وقت فراغ أكبر.. ولا متوقفاً على درجة تعليمه وحدود معارفه العامة. كذلك لا يتوقف على ايمانه أو كفره.. انتسابه إلى دين أو بعده عن المعتقدات الدينية.
النوع الراقي من البشر هو الذي يستطيع ان يأكل ويشرب ويجد حاجته من الملبس والمسكن دون ان يضطر إلى الكذب كل يوم. وهذا النوع من البشر لا يصدف ان يوجد الا في المجتمعات التي تدعم الصدق وتكافئ عليه. وللأسف فإن بلادنا العربية المجيدة ليس بها من هذا النوع الا النذر اليسير، أما معظم البشر الذين تنتجهم مجتمعاتنا فكذابون بالفطرة.. كذابون من المهد إلى اللحد. البيت يعلمهم الكذب حتى يضمن لهم السلامة والأمان، والمدرسة تعلمهم الكذب حتى تضمن لهم التفوق والحصول على الشهادة، والإعلام يعلمهم الكذب من أجل ألا يتعرضوا للأذى. هكذا هو الأمر حتى ان الناس أصبحوا يقدمون ما يسمى بالكذب الاستباقي أو الكذب الذي لا تدعو الحاجة إليه.. وعلى سبيل المثال فهناك من تسأله: ماذا فعلت بالأمس؟ فيحكي لك أشياء مغايرة تماما لحقيقة ما فعله، وذلك على الرغم من ان الاجابة الحقيقية لا تتضمن ما يسوء ولن تكون مزعجة لأي أحد.. لكنه يكذب على سبيل الاحتياط لأن التجربة علمته ان الصدق في الغالب ضار وغير مطلوب!
ومن الطبيعي ان الذين يعيشون حياة من هذا النوع.. أي النوع الذي يرفل صاحبه في الكذب هم تعساء من الداخل ويحملون اكتئاباً داخلياً وأمراضاً نفسية لا أول لها ولا آخر.. هذا هو الطبيعي والمفترض. لكن يؤسفني أن أقول إن هذا ليس صحيحاً على الدوام، فالكثير من المجتمعات قليلة الحظ من الصدق والصراحة، المجتمعات التي يردد الناس فيها الأكاذيب ليل نهار ليست بالضرورة مجتمعات مكتئبة ولا مأزومة ولا تقف على حافة الغضب والثورة ولا تحلم بالتحرر والانعتاق والدخول في منظومة المجتمعات الراقية التي يستطيع المرء فيها ان يعيش وينتج ويشارك في مستقبل وطنه بجدية وفعالية. التجربة دلت على ان هناك مجتمعات كذابة وسعيدة في الوقت نفسه، وأهلها لا يجدون غضاضة في ترديد وعيش الأكاذيب في البيت والنادي والمدرسة والصحيفة. واذا كنا قد تحدثنا عن مجتمعات راقية وأخرى متوسطة الرقي وثالثة وضيعة فان التفريق لابد وان يكون واضحاً بين المجتمعات الكذابة التي اكتأب أهلها وامتلأوا بالغضب بفعل القهر والاكراه وبين المجتمعات التي تمارس الكذب بسعادة وراحة بال.. اذ ان الأولى تدخل ضمن التصنيف وتعتبر مجتمعات رخيصة أما الثانية التي لا يحزن ولا يكتئب الناس فيها بفعل الكذب مكتفين بالطعام الجيد وأجهزة تكييف الهواء فهي خارج هذا التصنيف البشري تماماً وانتماؤها الحقيقي إنما يكون لعالم الحيوان حيث القردة والماعز والخراف السعيدة!

أسامة غريب