مهام الملحق العسكري
مرسل: الخميس أكتوبر 17, 2013 7:59 am
تتعدد مهام الملحق العسكري في الدولة المعتمد لديها، وتتوقف كفاءة تحقيقها على عدة أمور:
أولها: نشاط الملحق العسكري، وإدراكه لأهمية عمله، وأسلوبه في متابعة الأحداث، واتصالاته بالمسؤولين العسكريين في الدولة، وأقرانه من الملحقين الأجانب.
وثانيها: مساندة دولته له، ووضعها الثقة الكاملة في أعماله، وتزويده دائماً بالاحتياجات التي تساعد على تحقيق مهامه، واستجابتها لمطالبه، في تحسين العلاقات.
وثالثها: استعداد الدولة المعتمد لديها، في التعاون من أجل وجود أرضية مشتركة بينها وبين دولة الملحق، وتشجيع الملحق العسكري في الانطلاق نحو تحسين العلاقات، من خلال إجراءات عملية، يشعر بها الملحق، وتستجيب لها دولته.
ورابعها: علاقة الملحق العسكري بسفارته، ويجب أن تكون العلاقة حسنة بالقدر الكافي، ويكون هناك تنسيق وتكامل من أجل مصلحة الدولة، ذلك أن الحرب الخفية التي تحدث في بعض الأحوال، بين السفارة، والملحقية العسكرية من أجل التنافس ـ وليس التكامل ـ تؤدي باستمرار إلى فشل المهمة الرئيسية للاثنين معا.
وخامسها: أن يكون تنظيم المكتب الإداري للملحق العسكري، متناسباً مع حجم المهام التي ينجزها، ويكون تصنيف العاملين ومستواهم العلمي والإداري، على القدر الذي يحتاجه تنفيذ تلك المهام، وإلا أصبحوا عبئاً على الملحق العسكري نفسه.
وسادسها: هي الناحية الاجتماعية للملحق العسكري، كما أن زوجة الملحق العسكري، تقع عليها مهام كبيرة في معاونته على تنفيذ مهامه، إدارياً، وبروتوكولياً، وإذا كان الحس السياسي ينقصها، فقد تصبح عبئاً عليه، ومعوقاً في تنفيذ مهامه.
إن من المهام الأخرى، التي تقع تحت المسؤولية المباشرة للملحق العسكري، تجاه العسكريين في الدولة المضيفة، أو نحو أبناء وطنه، أو الملحقين الأجانب، أو الاحتفال بالأعياد القومية العسكرية وغيرها، ما يمكن حصره في الآتي:
أولاً: المهمة الأولى، تطوير العلاقات العسكرية بين دولة الملحق، والدولة المعتمد لديها
تأتي هذه المهمة في مقدمة المهام والواجبات، ذلك أن النظام العالمي الجديد، الذي يتسم بالانفتاح والتكتلات الكبرى، والتقنية المتقدمة، يتطلب تعاوناً من أجل الحفاظ على الأمن القومي والوطني والإقليمي، والعالمي. ومن هذا التوجه، تنطلق مهمة الملحق العسكري، لزيادة أواصر التعاون في المجال العسكري. وينقسم هذا المجال إلى العديد من المجالات الفرعية، التي قد يكلف الملحق العسكري من دولته بتنفيذ بعضها، بينما يأتي بعضها من مبادرات الملحق نفسه، ومتابعته لميدان العمل، بعد اكتسابه ثقة السلطات العسكرية في الدولة، أو قد يأتي نتيجة مطالب الدولة المعتمد لديها، وهي تنشد التعاون مع دولة الملحق. وفي كل الأحوال، فإن شخصية الملحق، وقدرته على الإقناع، وحضوره المستمر في ميدان الأحداث، يكون له التأثير الأكبر في تطوير العلاقات العسكرية بين الدولتين.
1. والخطوة الأولى في تطوير العلاقات
هي بناء الثقة في المجال العسكري بين الدولتين، وتأكيد روح الود والعمل المشترك، وهي خطوة يجب أن يخطط لها الملحق العسكري جيداً، بالتنسيق مع دولته، من خلال فتح قنوات اتصال شرعية للتحاور، وتبادل الزيارات، والاتصالات المباشرة، أو من خلال رسائل يحملها الملحق العسكري للطرفين.
وطبقاً لقدرة الدولة المعتمد لديها الملحق العسكري وإمكاناتها، فهناك العديد من الإجراءات التي ينبغي أن تُتخذ لتقوية العلاقات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أ. مشاركة دولة الملحق في المناسبات القومية والعسكرية، والاحتفالات التي تقيمها القوات المسلحة، في الدولة المعتمد لديها، على أن تكون المشاركة قوية وفعالة، ويقع العبء الأكبر في ذلك على الملحق العسكري، الذي عليه متابعة تلك المناسبات، والتخطيط للمشاركة فيها، والتنسيق مع العسكريين في دولته لتحديد أسلوب المشاركة (هل بشخصه ـ أو إرسال وفد عسكري ـ أو تقديم هدايا ـ أو عرض خدمات لإنجاح المناسبة...الخ)، والمشاركة بهذا الأسلوب تعمق أواصر الصداقة من خلال استمراريتها.
ب. المشاركة في التخفيف من آثار الأزمات، التي قد تحدث في المجال العسكري أو المدني للدولة. وإن كان هذا الإجراء يُعد امتداداً للعرف الدبلوماسي، الذي تتبعه دول العالم طبقاً لمبدأ المشاركة في تخفيف الكوارث الإنسانية، إلاّ أن أسلوب إجراءات التنسيق، وسبق الملحق العسكري في التّعرف على مطالب الدولة لتخفيف تلك الآثار، وإبلاغ دولته بها، ومسارعة دولته في الاستجابة لكل المطالب أو بعضها، تؤدى إلى تعميق الصداقة.
ج. سعي الملحق العسكري، لتوقيع بروتوكول لتبادل الزيارات بين الوفود العسكرية للدولتين، على أن، تكون الوفود العسكرية من دولة الملحق، التي تتبادل الزيارات، على مستوى عال من الكفاءة والعلم العسكري، والإلمام م بقواعد البروتوكول، حتى تترك أثراً حسناً في نفوس العسكريين من الدولة المعتمد لديها الملحق العسكري.
د. تبادل الهدايا بين الملحق العسكري، وبعض المسؤولين العسكريين في الدولة المعتمد لديها، في المناسبات الرسمية من شأنه إحداث نوع من الألفة، التي تنعكس بدورها على تحسين العلاقات في المجال العسكري.
وإجراءات الملحق العسكري في تبادل الثقة، وتأكيد أواصر التعاون، يجب أن تكون على درجة عالية من السّرية، ولا تكون مصدراً لتبادل الحديث أو تبادل المعلومات، بينه وبين الملحقين الأجانب الآخرين، لأن هذا من شأنه، إحباط تلك الثقة من خلال منافسة الملحقين العسكريين الآخرين له، أو من خلال إجراءات تتخذها بعض دول "الضد"، لإيقاف التنسيق والتعاون، بين الدولتين.
2. الخطوة الثانية في تطوير العلاقات
هي التعاون والتنسيق العسكري في المجالات المختلفة، وهى خطوة قد تلي الخطوة الأولى في بناء الثقة، وقد تسير معها على المستوى نفسه، وفي التوقيت ذاته. والتعاون العسكري، على مختلف المستويات، هو سمة العصر، ولا يأخذ درجة "التحالف" إلاّ بعد مروره بخطوات سياسية طويلة، ولكنه أمر مطلوب في عصر السماوات المفتوحة، والتقنيات العالية، والخبرات في المجالات المختلفة، ووسائل المواصلات بإمكانياتها الضخمة. وهناك العديد من مجالات التعاون العسكري، التي تتطلع إليها الدول بمختلف قدراتها، وعقائدها القتالية، التي تحاول أن تجد أرضاً مشتركة مع أكبر عدد من الدول لتحقيق هذا التنسيق، والتعاون. ويكون دور الملحق العسكري هنا، المتابعة الجيدة لميدان العمل، والتعرف العميق بأهداف الدولة المعتمد لديها من خطوات التعاون والتنسيق، ويربط ذلك بإمكانيات دولته، وتطلعاتها لمثل هذا التعاون، ومن ثم يمكنه مدّ الجسور بين الدولتين في هذا المجال، الذي يبدؤه بعرض الأمر على سلطات دولته، ثم التنسيق مع الدولة المعتمد لديها، ثم تبدأ الوفود العسكرية في العمل على تحقيق هذا التعاون. ومن أهم المجالات التي يمكن التعاون من خلالها ما يأتي:
أ. التدريبات المشتركة
وهو نوع من التدريبات، يتم خلاله تبادل الخبرات، سواء في أسلوب نقل القوات، أو التخطيط العسكري، أو أساليب القتال، أو مسارح الحرب، أو إمكانيات الأسلحة المستخدمة، أو العقائد القتالية، أو أساليب القيادة والسيطرة، أو خطط المناورة وغيرها من المجالات. وهذا النوع من التدريب اتسعت مجالاته حالياً على مستوى العالم، خصوصاً ما بين الدول الكبرى، التي تشمل إستراتيجياتها أطراف العالم، وبين الدول ذات الأهمية الإستراتيجية الخاصة، على المستوى الإقليمي والدولي. ولم يبق مقتصراً على دولتين فقط، ولكن اتسعت مجالاته ليشترك العديد من الدول في تدريب واحد. (مثال لذلك، التدريبات المشتركة "النجم الساطع ـ 99" التي جرت على أرض مصر، واشتركت فيها 11 دولة بقوات، وراقبتها وفود من 37 دولة)، وهذه التدريبات المشتركة، سواء على المستوى الثنائي، أو المتعدد، سوف تزيد من أواصر التعاون والتنسيق.
ب. التبادل العلمي للخبرات
يتحدد في تبادل المؤلفات العسكرية، والأبحاث، والنشرات العلمية، وحضور دورات تدريبية لأفراد عسكريين في المعاهد العسكرية، بالتبادل بين الدولتين، أو الاستفادة من التقدم العلمي لإحداهما في تدريب عناصر من الدولة الأخرى. وفي هذا الجانب، فإن الملحق العسكري، يجب أن يكون على دراية تامة بسياسة دولته العسكرية، فيما يخص استقبال متدربين، وفي أي المعاهد يتم قبولهم. كذلك معرفة احتياجات دولته إلى إرسال بعثات تدريبية في العلوم الحديثة، ومن خلال معرفته بميدان العمل يُنسّق في هذا المجال. ومن خلال الخبرات المتوفرة لدى الدولة في المجال العسكري، فإن العديد من الدول، تخطط لزيادة تأثيرها الإقليمي من خلال إرسال خبراء إلى الدول الأخرى، واستقبال متدربين في معاهدها. ومن خلال "الخبراء والمتدربين" تتصاعد أواصر الصداقة في المجال العسكري.
ومن هذا التبادل استفادت إسرائيل، في تسخير جهودها - من خلال ملحقيها العسكريين، أو من خلال أي نوع من أنواع التمثيل العسكري في سفاراتها في الخارج (في حالة عدم وجود ملحق عسكري)، من أجل تحقيق أقصى قدر من التعاون. وقد نجح هؤلاء الملحقون العسكريون، في تحقيق أقصى تعاون مع المؤسسات العسكرية في الدول الغربية، التي تدعم إسرائيل، كذلك نجحوا في الدول المتوسطة القدرة، أما نجاحهم الأكبر فكان في الدول النامية والفقيرة، حيث كان التعاون الإسرائيلي في المجال العسكري بمثابة نوع من التغلغل لصالح إسرائيل، واستغلوا في ذلك المواقف المتوترة في تلك البلاد، وحاجة الأنظمة إلى الأمن.
ج. التعاون في مجال التسليح
وهذا المجال يُعد على درجة عالية من الأهمية، حيث تتطلع جميع الدول دائماً، إلى تحديث ترساناتها العسكرية، أو تسويق ما تصنعه، ويقع جزء كبير من هذه السياسة على عاتق الملحق العسكري، بصفته العين العسكرية لدولته في الدولة الأخرى. ومجال التسليح، لا يقتصر على بيع أو شراء الأسلحة، ولكن يتعدى ذلك بكثير، وهو على سبيل المثال لا الحصر كالآتي:
(1) تبادل تقنية الّتصنيع العسكري، وتبادل الخبرات المشتركة في البحوث المتقدمة.
(2) التّصنيع المشترك لسلاح معين توصلت فيه الدولتان إلى درجة متقدمة من الأبحاث، أو تريد إحداهما مشاركة الأخرى في نفقات التصنيع المشترك (مثل ما تفعله إسرائيل في التصنيع المشترك للأسلحة المتقدمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وللأسلحة الأخرى، مع العديد من الدول مثل تركيا).
(3) إجراء الصّيانة للمعدات العسكرية، لإحدى الدول، باستغلال إمكانيات الدولة الأخرى، وتتبلور صورة تلك الصيانة، في إجراء عمرات الطّائرات، والصواريخ، والمعدات الثقيلة.... الخ.
(4) شراء قطع الغيار.
(5) تدريب الكوادر الفنية المتخصصة.
(6) تطوير الأسلحة والمعدات القديمة، وربما يكون هذا المجال، هو الذي تسعى إليه بعض الدول، التي وصلت إلى درجة متقدمة من التكنولوجيا، (مثل ما حدث في تطوير الطائرات F-4 لتركيا، وتحديث الطائرات السوفيتية في الهند، ورومانيا، وتطوير طائرات الإنذار المبكر للصين).
فضلاً عن العديد من المجالات الأخرى، مثل تطوير المصانع، وتطوير أجهزة القياس، وتطوير المواد الأولية، ومجالات الاتصالات، والقيادة والسيطرة…… الخ.
د. تنسيق مجال المعونات العسكرية بصورها المختلفة
التي تقدمها الدول الغنية، أو المؤثرة في إقليمها إلى الدول النامية، أو الدول الحليفة. وتتعدد صور هذه المساعدات، سواء من خلال خبراء أو بعثات تعليمية، أو فائض سلاح، أو معونات خاصة بزيادة إجراءات الأمن، أو الحد من الكوارث أو البيئة في المجال العسكري. وهنا يبرز دور الملحق العسكري. (إذا كان من الدول المتلقية لتلك المعونات)، في أن يحصل على أكبر قدر منها لدولته.
3. والخطوة الثالثة في تحسين العلاقات
هي الارتقاء بالعلاقات العسكرية، بحيث تنعكس آثارها على العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وهي خطوة رئيسية، تأتي في أعقاب الخطوتين السابقتين، ويكون المسؤولون الرئيسيون في الدولة هم الذين يخططون لها، ويكون الملحق العسكري، هو المنسق الرئيسي، بالتعاون مع السفير المعتمد لدى الدولة.
وانعكاس العلاقات العسكرية على العلاقات الدبلوماسية بين الدول، سمة سائدة على مستوى العالم، مثال ذلك، اشتراك العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية في حرب تحرير الكويت (1990 - 1991).
ثانياً: المهمة الثانية، هي المعلومات
إن المعلومات، التي يجمعها الملحق العسكري، ويرسلها إلى دولته، حق مشروع تنفّذه البعثات الدبلوماسية في الدول المعتمد لديها هذه البعثات، طبقاً لما ورد في اتفاقية فيينا في المادة 41. وأهمية المعلومات، أنها مطلب رئيسي لتقدير الموقف السياسي والعسكري، من أجل اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. وهذه المعلومات تجعل دولة الملحق العسكري، متابعة للأحداث، التي قد تؤثر على مصالحها، أو أمنها القومي، وتمكنها من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمينها ومواجهة أي عدائيات محتملة، أو كوارث متوقعة. كما تساعدها هذه المعلومات، في اتخاذ مواقف سياسية أو إنسانية، لمعاونة أو تأييد الدولة المعتمد لديها الملحق، إذا كانت تواجه أزمة من الأزمات.
وقد كفلت اتفاقية فيينا حق جمع المعلومات لجميع البعثات الدبلوماسية، ومكاتبها المختلفة. أي أن الملحق العسكري في دولة ما، ونظيره من تلك الدولة، المعتمد في دولته (دولة الملحق العسكري)، يجمعان في الوقت نفسه، المعلومات عن الدولة الأخرى، كل فيما يخصه لصالح دولته، وطبقاً للمهام المكلف بها. ويتحدد حجم وتصنيف المعلومات، طبقاً لمطالب الإدارة العسكرية التابع لها الملحق العسكري في دولته، وتلك المطالب، تتعدد أيضاً، طبقاً لحجم العلاقات القائمة بين الدولتين في المجال العسكري والإرادة السياسية لتطوير تلك العلاقات مستقبلاً، وأهمية الدولة إستراتيجياً، وتأثيرها في المجال الإقليمي، والتوجهات السياسية والعسكرية للدولة، وما إلى ذلك من عوامل ومؤثرات.
والمعلومات التي تُجمع، يجب أن يفتح لها ملف في دولة الملحق، ويتم استكمالها تراكمياً، وتطويرها طبقاً للمتغيرات السائدة عالمياً وإقليمياً، وأن يستفاد منها دوماً، من أجل تطوير العلاقات.
وهناك سؤال يُطرح دائماً حول حفظ وأرشفة تلك المعلومات، وهل من المفضل أن يحتفظ الملحق العسكري في مكتبه بصورة من المعلومات، التي يرسلها إلى قاعدته، أو يكوّن أرشيفاً في مكتبه؟ والإجابة محسومة لدى الدول المتقدمة، وهي ترى أن المعلومات دائماً تحفظ في دولة الملحق فقط، ومن غير المفيد أن يحتفظ الملحق بصور منها في مكتبه، أو ينظّم أرشيفاً لتلك المعلومات، لأن مكتبه عرضة باستمرار للتفتيش السري بواسطة استخبارات الدولة المعتمد لديها. كذلك قد يُخشى من تسرب تلك الوثائق، عن طريق بعض العاملين في المكتب، فضلاً عن أن التخلص من الكميات الكبيرة من تلك الوثائق، عند حدوث أزمة سياسية، (تجعل الملحق العسكري شخصاً غير مرغوب فيه)، قد تُشكل عبئاً كبيراً عليه، وعلى سفارة دولته. لذلك لا يحتفظ الملحق العسكري في مكتبه، إلاّ بالقدر القليل من الأساسيات، التي تساعده فقط على تنفيذ مهامه.
وقبل الحديث عن تصنيف المعلومات، التي يعمل الملحق العسكري على جمعها، يُطرح سؤال جوهري هو: هل الملحق العسكري جاسوس لدولته في الدولة الأخرى؟ ـ والإجابة نفي ذلك تماماً، حتى لو رأى بعضهم أن عمل الملحق العسكري فيه نوع من الجاسوسية، ذلك أن مهامه ـ لو أداها بصورة طبيعية وشفافية، فإنها تصبح أعمق بكثير من تلك المقولة. ولو حدث أن عمل الملحق العسكري في مجال الجاسوسية، فما أسرع ما ينكشف أمره، لأنه شخص اعتباري مراقب، بينما الجاسوس يجب أن يكون شخصاً سرياً غير معروف للسلطات. كما أن انكشاف أمر الملحق العسكري "الجاسوس"، ستترتب عليه أزمة دبلوماسية عارمة. لذلك فإن الدول بكل اتجاهاتها تحرص على إبعاد تلك الشبهة عن ملحقيها العسكريين، أما وظيفة الملحق العسكري في تجميع المعلومات، وإخطار دولته بها، فهي حق مشروع، تعلمه سلطات الدولة المعتمد لديها، ومراقبته، تُعد من قبيل التعرف على اتجاهات دولته، في نوع وحجم المعلومات المطلوبة، وأسلوب الملحق في الحصول عليها، هو الأساس الذي يؤدي إلى التشكك في نشاطه (ومراقبته)، لتحديد مشروعيته، وهل تعدى على حقوق الآخرين، أو أخل بوظيفته الدبلوماسية؟. وكلها أحكام قد توجه للملحق العسكري، الذي تتهمه الدولة المعتمد لديها، بممارسة أفعال غير مشروعة للحصول على المعلومات. ومن أشهر هذه القضايا ما حدث في عقد السبعينيات من القرن العشرين، عندما طُرحت قضية الغانية الإنجليزية "كريستين كيلر"، التي كانت على علاقة غير مشروعة في وقت واحد، مع كل من وزير الدفاع البريطاني "بروفيميو"، والملحق العسكري السوفييتي في لندن - وقد توصلت الاستخبارات البريطانية إلى تلك العلاقة بعد فترة من نشوئها، واتهمت الفتاة، بأنها نقلت أسراراً حصلت عليها من وزير الدفاع البريطاني، إلى الملحق العسكري السوفييتي، وكانت فضيحة كبيرة، أدت إلى استقالة الوزير البريطاني، وإلى طرد الملحق العسكري السوفييتي، وإلى الحكم بسجن "الغانية" على اعتبار أنها عملت جاسوسة للسوفيت.
كما كانت هناك قضية أخرى في لندن أيضاً، عندما تمكن الملحق العسكري المصري في الستينيات من القرن العشرين، استجابة لمطلب أحد العاملين في أرشيف وزارة الدفاع البريطاني، من تقديم مبلغ مالي للحصول على وثائق عن إستراتيجية بريطانيا العظمى شرق السويس، بعد حرب العدوان الثلاثي عام 1956. وقد سارعت مصر، بسحب الملحق العسكري، قبل أن يُكتشف أمره، ونشرت أجزاء من إستراتيجية بريطانيا شرق السويس، في جريدة الأهرام القاهرية، لإحباط تلك الإستراتيجية التي كانت سوف تضر بالأمن القومي العربي بالكامل، مما أثار ضجة في وزارة الحرب البريطانية، عن تسرب تلك الوثائق الإستراتيجية المهمة.
وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى، منها حصول الملحق العسكري المصري في باريس على خطة تحركات القوات الفرنسية، قبل وقوع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وإرسالها إلى مصر بخطاب مع الملحق الصحفي بالسفارة، حتى لا يثير الشكوك حوله. كذلك فعل الملحق العسكري المصري في تركيا، الذي حصل على معلومات مؤكدة عن العدوان وتفصيلات الحشود، وأبلغها فوراً ببرقية شفرية إلى السلطات المصرية.
ولذلك تحرص الدول المتقدمة، على أن تنظم بصفة دورية، للملحقين العسكريين المعتمدين لديها، رحلات، أو ندوات، أو لقاءات مع مسؤولين كبار، أو مشاهدة مناورات عسكرية رئيسية. وهى في ذلك تحقق لهفتهم في الحصول على معلومات، ولكن بطريقة مسيطر عليها، وهذا يمثل نوعاً من سيكولوجية التأثير في مجال العمل، وربما يقنع الكثير من الملحقين العسكريين، على الاعتماد في الحصول على المعلومات، على تلك اللقاءات والزيارات، علاوة على المصادر العلنية في وسائل الإعلام، بينما تقتنع الدولة المضيفة، بأنها تُعطي جرعات من المعلومات، بالقدر الذي تسمح به الظروف، إضافة إلى أنها تبلغ رسالات نفسية، مطلوب إرسالها في توقيتات معينة لخدمة إستراتيجيتها (غير المعلنة).
أولها: نشاط الملحق العسكري، وإدراكه لأهمية عمله، وأسلوبه في متابعة الأحداث، واتصالاته بالمسؤولين العسكريين في الدولة، وأقرانه من الملحقين الأجانب.
وثانيها: مساندة دولته له، ووضعها الثقة الكاملة في أعماله، وتزويده دائماً بالاحتياجات التي تساعد على تحقيق مهامه، واستجابتها لمطالبه، في تحسين العلاقات.
وثالثها: استعداد الدولة المعتمد لديها، في التعاون من أجل وجود أرضية مشتركة بينها وبين دولة الملحق، وتشجيع الملحق العسكري في الانطلاق نحو تحسين العلاقات، من خلال إجراءات عملية، يشعر بها الملحق، وتستجيب لها دولته.
ورابعها: علاقة الملحق العسكري بسفارته، ويجب أن تكون العلاقة حسنة بالقدر الكافي، ويكون هناك تنسيق وتكامل من أجل مصلحة الدولة، ذلك أن الحرب الخفية التي تحدث في بعض الأحوال، بين السفارة، والملحقية العسكرية من أجل التنافس ـ وليس التكامل ـ تؤدي باستمرار إلى فشل المهمة الرئيسية للاثنين معا.
وخامسها: أن يكون تنظيم المكتب الإداري للملحق العسكري، متناسباً مع حجم المهام التي ينجزها، ويكون تصنيف العاملين ومستواهم العلمي والإداري، على القدر الذي يحتاجه تنفيذ تلك المهام، وإلا أصبحوا عبئاً على الملحق العسكري نفسه.
وسادسها: هي الناحية الاجتماعية للملحق العسكري، كما أن زوجة الملحق العسكري، تقع عليها مهام كبيرة في معاونته على تنفيذ مهامه، إدارياً، وبروتوكولياً، وإذا كان الحس السياسي ينقصها، فقد تصبح عبئاً عليه، ومعوقاً في تنفيذ مهامه.
إن من المهام الأخرى، التي تقع تحت المسؤولية المباشرة للملحق العسكري، تجاه العسكريين في الدولة المضيفة، أو نحو أبناء وطنه، أو الملحقين الأجانب، أو الاحتفال بالأعياد القومية العسكرية وغيرها، ما يمكن حصره في الآتي:
أولاً: المهمة الأولى، تطوير العلاقات العسكرية بين دولة الملحق، والدولة المعتمد لديها
تأتي هذه المهمة في مقدمة المهام والواجبات، ذلك أن النظام العالمي الجديد، الذي يتسم بالانفتاح والتكتلات الكبرى، والتقنية المتقدمة، يتطلب تعاوناً من أجل الحفاظ على الأمن القومي والوطني والإقليمي، والعالمي. ومن هذا التوجه، تنطلق مهمة الملحق العسكري، لزيادة أواصر التعاون في المجال العسكري. وينقسم هذا المجال إلى العديد من المجالات الفرعية، التي قد يكلف الملحق العسكري من دولته بتنفيذ بعضها، بينما يأتي بعضها من مبادرات الملحق نفسه، ومتابعته لميدان العمل، بعد اكتسابه ثقة السلطات العسكرية في الدولة، أو قد يأتي نتيجة مطالب الدولة المعتمد لديها، وهي تنشد التعاون مع دولة الملحق. وفي كل الأحوال، فإن شخصية الملحق، وقدرته على الإقناع، وحضوره المستمر في ميدان الأحداث، يكون له التأثير الأكبر في تطوير العلاقات العسكرية بين الدولتين.
1. والخطوة الأولى في تطوير العلاقات
هي بناء الثقة في المجال العسكري بين الدولتين، وتأكيد روح الود والعمل المشترك، وهي خطوة يجب أن يخطط لها الملحق العسكري جيداً، بالتنسيق مع دولته، من خلال فتح قنوات اتصال شرعية للتحاور، وتبادل الزيارات، والاتصالات المباشرة، أو من خلال رسائل يحملها الملحق العسكري للطرفين.
وطبقاً لقدرة الدولة المعتمد لديها الملحق العسكري وإمكاناتها، فهناك العديد من الإجراءات التي ينبغي أن تُتخذ لتقوية العلاقات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أ. مشاركة دولة الملحق في المناسبات القومية والعسكرية، والاحتفالات التي تقيمها القوات المسلحة، في الدولة المعتمد لديها، على أن تكون المشاركة قوية وفعالة، ويقع العبء الأكبر في ذلك على الملحق العسكري، الذي عليه متابعة تلك المناسبات، والتخطيط للمشاركة فيها، والتنسيق مع العسكريين في دولته لتحديد أسلوب المشاركة (هل بشخصه ـ أو إرسال وفد عسكري ـ أو تقديم هدايا ـ أو عرض خدمات لإنجاح المناسبة...الخ)، والمشاركة بهذا الأسلوب تعمق أواصر الصداقة من خلال استمراريتها.
ب. المشاركة في التخفيف من آثار الأزمات، التي قد تحدث في المجال العسكري أو المدني للدولة. وإن كان هذا الإجراء يُعد امتداداً للعرف الدبلوماسي، الذي تتبعه دول العالم طبقاً لمبدأ المشاركة في تخفيف الكوارث الإنسانية، إلاّ أن أسلوب إجراءات التنسيق، وسبق الملحق العسكري في التّعرف على مطالب الدولة لتخفيف تلك الآثار، وإبلاغ دولته بها، ومسارعة دولته في الاستجابة لكل المطالب أو بعضها، تؤدى إلى تعميق الصداقة.
ج. سعي الملحق العسكري، لتوقيع بروتوكول لتبادل الزيارات بين الوفود العسكرية للدولتين، على أن، تكون الوفود العسكرية من دولة الملحق، التي تتبادل الزيارات، على مستوى عال من الكفاءة والعلم العسكري، والإلمام م بقواعد البروتوكول، حتى تترك أثراً حسناً في نفوس العسكريين من الدولة المعتمد لديها الملحق العسكري.
د. تبادل الهدايا بين الملحق العسكري، وبعض المسؤولين العسكريين في الدولة المعتمد لديها، في المناسبات الرسمية من شأنه إحداث نوع من الألفة، التي تنعكس بدورها على تحسين العلاقات في المجال العسكري.
وإجراءات الملحق العسكري في تبادل الثقة، وتأكيد أواصر التعاون، يجب أن تكون على درجة عالية من السّرية، ولا تكون مصدراً لتبادل الحديث أو تبادل المعلومات، بينه وبين الملحقين الأجانب الآخرين، لأن هذا من شأنه، إحباط تلك الثقة من خلال منافسة الملحقين العسكريين الآخرين له، أو من خلال إجراءات تتخذها بعض دول "الضد"، لإيقاف التنسيق والتعاون، بين الدولتين.
2. الخطوة الثانية في تطوير العلاقات
هي التعاون والتنسيق العسكري في المجالات المختلفة، وهى خطوة قد تلي الخطوة الأولى في بناء الثقة، وقد تسير معها على المستوى نفسه، وفي التوقيت ذاته. والتعاون العسكري، على مختلف المستويات، هو سمة العصر، ولا يأخذ درجة "التحالف" إلاّ بعد مروره بخطوات سياسية طويلة، ولكنه أمر مطلوب في عصر السماوات المفتوحة، والتقنيات العالية، والخبرات في المجالات المختلفة، ووسائل المواصلات بإمكانياتها الضخمة. وهناك العديد من مجالات التعاون العسكري، التي تتطلع إليها الدول بمختلف قدراتها، وعقائدها القتالية، التي تحاول أن تجد أرضاً مشتركة مع أكبر عدد من الدول لتحقيق هذا التنسيق، والتعاون. ويكون دور الملحق العسكري هنا، المتابعة الجيدة لميدان العمل، والتعرف العميق بأهداف الدولة المعتمد لديها من خطوات التعاون والتنسيق، ويربط ذلك بإمكانيات دولته، وتطلعاتها لمثل هذا التعاون، ومن ثم يمكنه مدّ الجسور بين الدولتين في هذا المجال، الذي يبدؤه بعرض الأمر على سلطات دولته، ثم التنسيق مع الدولة المعتمد لديها، ثم تبدأ الوفود العسكرية في العمل على تحقيق هذا التعاون. ومن أهم المجالات التي يمكن التعاون من خلالها ما يأتي:
أ. التدريبات المشتركة
وهو نوع من التدريبات، يتم خلاله تبادل الخبرات، سواء في أسلوب نقل القوات، أو التخطيط العسكري، أو أساليب القتال، أو مسارح الحرب، أو إمكانيات الأسلحة المستخدمة، أو العقائد القتالية، أو أساليب القيادة والسيطرة، أو خطط المناورة وغيرها من المجالات. وهذا النوع من التدريب اتسعت مجالاته حالياً على مستوى العالم، خصوصاً ما بين الدول الكبرى، التي تشمل إستراتيجياتها أطراف العالم، وبين الدول ذات الأهمية الإستراتيجية الخاصة، على المستوى الإقليمي والدولي. ولم يبق مقتصراً على دولتين فقط، ولكن اتسعت مجالاته ليشترك العديد من الدول في تدريب واحد. (مثال لذلك، التدريبات المشتركة "النجم الساطع ـ 99" التي جرت على أرض مصر، واشتركت فيها 11 دولة بقوات، وراقبتها وفود من 37 دولة)، وهذه التدريبات المشتركة، سواء على المستوى الثنائي، أو المتعدد، سوف تزيد من أواصر التعاون والتنسيق.
ب. التبادل العلمي للخبرات
يتحدد في تبادل المؤلفات العسكرية، والأبحاث، والنشرات العلمية، وحضور دورات تدريبية لأفراد عسكريين في المعاهد العسكرية، بالتبادل بين الدولتين، أو الاستفادة من التقدم العلمي لإحداهما في تدريب عناصر من الدولة الأخرى. وفي هذا الجانب، فإن الملحق العسكري، يجب أن يكون على دراية تامة بسياسة دولته العسكرية، فيما يخص استقبال متدربين، وفي أي المعاهد يتم قبولهم. كذلك معرفة احتياجات دولته إلى إرسال بعثات تدريبية في العلوم الحديثة، ومن خلال معرفته بميدان العمل يُنسّق في هذا المجال. ومن خلال الخبرات المتوفرة لدى الدولة في المجال العسكري، فإن العديد من الدول، تخطط لزيادة تأثيرها الإقليمي من خلال إرسال خبراء إلى الدول الأخرى، واستقبال متدربين في معاهدها. ومن خلال "الخبراء والمتدربين" تتصاعد أواصر الصداقة في المجال العسكري.
ومن هذا التبادل استفادت إسرائيل، في تسخير جهودها - من خلال ملحقيها العسكريين، أو من خلال أي نوع من أنواع التمثيل العسكري في سفاراتها في الخارج (في حالة عدم وجود ملحق عسكري)، من أجل تحقيق أقصى قدر من التعاون. وقد نجح هؤلاء الملحقون العسكريون، في تحقيق أقصى تعاون مع المؤسسات العسكرية في الدول الغربية، التي تدعم إسرائيل، كذلك نجحوا في الدول المتوسطة القدرة، أما نجاحهم الأكبر فكان في الدول النامية والفقيرة، حيث كان التعاون الإسرائيلي في المجال العسكري بمثابة نوع من التغلغل لصالح إسرائيل، واستغلوا في ذلك المواقف المتوترة في تلك البلاد، وحاجة الأنظمة إلى الأمن.
ج. التعاون في مجال التسليح
وهذا المجال يُعد على درجة عالية من الأهمية، حيث تتطلع جميع الدول دائماً، إلى تحديث ترساناتها العسكرية، أو تسويق ما تصنعه، ويقع جزء كبير من هذه السياسة على عاتق الملحق العسكري، بصفته العين العسكرية لدولته في الدولة الأخرى. ومجال التسليح، لا يقتصر على بيع أو شراء الأسلحة، ولكن يتعدى ذلك بكثير، وهو على سبيل المثال لا الحصر كالآتي:
(1) تبادل تقنية الّتصنيع العسكري، وتبادل الخبرات المشتركة في البحوث المتقدمة.
(2) التّصنيع المشترك لسلاح معين توصلت فيه الدولتان إلى درجة متقدمة من الأبحاث، أو تريد إحداهما مشاركة الأخرى في نفقات التصنيع المشترك (مثل ما تفعله إسرائيل في التصنيع المشترك للأسلحة المتقدمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وللأسلحة الأخرى، مع العديد من الدول مثل تركيا).
(3) إجراء الصّيانة للمعدات العسكرية، لإحدى الدول، باستغلال إمكانيات الدولة الأخرى، وتتبلور صورة تلك الصيانة، في إجراء عمرات الطّائرات، والصواريخ، والمعدات الثقيلة.... الخ.
(4) شراء قطع الغيار.
(5) تدريب الكوادر الفنية المتخصصة.
(6) تطوير الأسلحة والمعدات القديمة، وربما يكون هذا المجال، هو الذي تسعى إليه بعض الدول، التي وصلت إلى درجة متقدمة من التكنولوجيا، (مثل ما حدث في تطوير الطائرات F-4 لتركيا، وتحديث الطائرات السوفيتية في الهند، ورومانيا، وتطوير طائرات الإنذار المبكر للصين).
فضلاً عن العديد من المجالات الأخرى، مثل تطوير المصانع، وتطوير أجهزة القياس، وتطوير المواد الأولية، ومجالات الاتصالات، والقيادة والسيطرة…… الخ.
د. تنسيق مجال المعونات العسكرية بصورها المختلفة
التي تقدمها الدول الغنية، أو المؤثرة في إقليمها إلى الدول النامية، أو الدول الحليفة. وتتعدد صور هذه المساعدات، سواء من خلال خبراء أو بعثات تعليمية، أو فائض سلاح، أو معونات خاصة بزيادة إجراءات الأمن، أو الحد من الكوارث أو البيئة في المجال العسكري. وهنا يبرز دور الملحق العسكري. (إذا كان من الدول المتلقية لتلك المعونات)، في أن يحصل على أكبر قدر منها لدولته.
3. والخطوة الثالثة في تحسين العلاقات
هي الارتقاء بالعلاقات العسكرية، بحيث تنعكس آثارها على العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وهي خطوة رئيسية، تأتي في أعقاب الخطوتين السابقتين، ويكون المسؤولون الرئيسيون في الدولة هم الذين يخططون لها، ويكون الملحق العسكري، هو المنسق الرئيسي، بالتعاون مع السفير المعتمد لدى الدولة.
وانعكاس العلاقات العسكرية على العلاقات الدبلوماسية بين الدول، سمة سائدة على مستوى العالم، مثال ذلك، اشتراك العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية في حرب تحرير الكويت (1990 - 1991).
ثانياً: المهمة الثانية، هي المعلومات
إن المعلومات، التي يجمعها الملحق العسكري، ويرسلها إلى دولته، حق مشروع تنفّذه البعثات الدبلوماسية في الدول المعتمد لديها هذه البعثات، طبقاً لما ورد في اتفاقية فيينا في المادة 41. وأهمية المعلومات، أنها مطلب رئيسي لتقدير الموقف السياسي والعسكري، من أجل اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. وهذه المعلومات تجعل دولة الملحق العسكري، متابعة للأحداث، التي قد تؤثر على مصالحها، أو أمنها القومي، وتمكنها من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمينها ومواجهة أي عدائيات محتملة، أو كوارث متوقعة. كما تساعدها هذه المعلومات، في اتخاذ مواقف سياسية أو إنسانية، لمعاونة أو تأييد الدولة المعتمد لديها الملحق، إذا كانت تواجه أزمة من الأزمات.
وقد كفلت اتفاقية فيينا حق جمع المعلومات لجميع البعثات الدبلوماسية، ومكاتبها المختلفة. أي أن الملحق العسكري في دولة ما، ونظيره من تلك الدولة، المعتمد في دولته (دولة الملحق العسكري)، يجمعان في الوقت نفسه، المعلومات عن الدولة الأخرى، كل فيما يخصه لصالح دولته، وطبقاً للمهام المكلف بها. ويتحدد حجم وتصنيف المعلومات، طبقاً لمطالب الإدارة العسكرية التابع لها الملحق العسكري في دولته، وتلك المطالب، تتعدد أيضاً، طبقاً لحجم العلاقات القائمة بين الدولتين في المجال العسكري والإرادة السياسية لتطوير تلك العلاقات مستقبلاً، وأهمية الدولة إستراتيجياً، وتأثيرها في المجال الإقليمي، والتوجهات السياسية والعسكرية للدولة، وما إلى ذلك من عوامل ومؤثرات.
والمعلومات التي تُجمع، يجب أن يفتح لها ملف في دولة الملحق، ويتم استكمالها تراكمياً، وتطويرها طبقاً للمتغيرات السائدة عالمياً وإقليمياً، وأن يستفاد منها دوماً، من أجل تطوير العلاقات.
وهناك سؤال يُطرح دائماً حول حفظ وأرشفة تلك المعلومات، وهل من المفضل أن يحتفظ الملحق العسكري في مكتبه بصورة من المعلومات، التي يرسلها إلى قاعدته، أو يكوّن أرشيفاً في مكتبه؟ والإجابة محسومة لدى الدول المتقدمة، وهي ترى أن المعلومات دائماً تحفظ في دولة الملحق فقط، ومن غير المفيد أن يحتفظ الملحق بصور منها في مكتبه، أو ينظّم أرشيفاً لتلك المعلومات، لأن مكتبه عرضة باستمرار للتفتيش السري بواسطة استخبارات الدولة المعتمد لديها. كذلك قد يُخشى من تسرب تلك الوثائق، عن طريق بعض العاملين في المكتب، فضلاً عن أن التخلص من الكميات الكبيرة من تلك الوثائق، عند حدوث أزمة سياسية، (تجعل الملحق العسكري شخصاً غير مرغوب فيه)، قد تُشكل عبئاً كبيراً عليه، وعلى سفارة دولته. لذلك لا يحتفظ الملحق العسكري في مكتبه، إلاّ بالقدر القليل من الأساسيات، التي تساعده فقط على تنفيذ مهامه.
وقبل الحديث عن تصنيف المعلومات، التي يعمل الملحق العسكري على جمعها، يُطرح سؤال جوهري هو: هل الملحق العسكري جاسوس لدولته في الدولة الأخرى؟ ـ والإجابة نفي ذلك تماماً، حتى لو رأى بعضهم أن عمل الملحق العسكري فيه نوع من الجاسوسية، ذلك أن مهامه ـ لو أداها بصورة طبيعية وشفافية، فإنها تصبح أعمق بكثير من تلك المقولة. ولو حدث أن عمل الملحق العسكري في مجال الجاسوسية، فما أسرع ما ينكشف أمره، لأنه شخص اعتباري مراقب، بينما الجاسوس يجب أن يكون شخصاً سرياً غير معروف للسلطات. كما أن انكشاف أمر الملحق العسكري "الجاسوس"، ستترتب عليه أزمة دبلوماسية عارمة. لذلك فإن الدول بكل اتجاهاتها تحرص على إبعاد تلك الشبهة عن ملحقيها العسكريين، أما وظيفة الملحق العسكري في تجميع المعلومات، وإخطار دولته بها، فهي حق مشروع، تعلمه سلطات الدولة المعتمد لديها، ومراقبته، تُعد من قبيل التعرف على اتجاهات دولته، في نوع وحجم المعلومات المطلوبة، وأسلوب الملحق في الحصول عليها، هو الأساس الذي يؤدي إلى التشكك في نشاطه (ومراقبته)، لتحديد مشروعيته، وهل تعدى على حقوق الآخرين، أو أخل بوظيفته الدبلوماسية؟. وكلها أحكام قد توجه للملحق العسكري، الذي تتهمه الدولة المعتمد لديها، بممارسة أفعال غير مشروعة للحصول على المعلومات. ومن أشهر هذه القضايا ما حدث في عقد السبعينيات من القرن العشرين، عندما طُرحت قضية الغانية الإنجليزية "كريستين كيلر"، التي كانت على علاقة غير مشروعة في وقت واحد، مع كل من وزير الدفاع البريطاني "بروفيميو"، والملحق العسكري السوفييتي في لندن - وقد توصلت الاستخبارات البريطانية إلى تلك العلاقة بعد فترة من نشوئها، واتهمت الفتاة، بأنها نقلت أسراراً حصلت عليها من وزير الدفاع البريطاني، إلى الملحق العسكري السوفييتي، وكانت فضيحة كبيرة، أدت إلى استقالة الوزير البريطاني، وإلى طرد الملحق العسكري السوفييتي، وإلى الحكم بسجن "الغانية" على اعتبار أنها عملت جاسوسة للسوفيت.
كما كانت هناك قضية أخرى في لندن أيضاً، عندما تمكن الملحق العسكري المصري في الستينيات من القرن العشرين، استجابة لمطلب أحد العاملين في أرشيف وزارة الدفاع البريطاني، من تقديم مبلغ مالي للحصول على وثائق عن إستراتيجية بريطانيا العظمى شرق السويس، بعد حرب العدوان الثلاثي عام 1956. وقد سارعت مصر، بسحب الملحق العسكري، قبل أن يُكتشف أمره، ونشرت أجزاء من إستراتيجية بريطانيا شرق السويس، في جريدة الأهرام القاهرية، لإحباط تلك الإستراتيجية التي كانت سوف تضر بالأمن القومي العربي بالكامل، مما أثار ضجة في وزارة الحرب البريطانية، عن تسرب تلك الوثائق الإستراتيجية المهمة.
وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى، منها حصول الملحق العسكري المصري في باريس على خطة تحركات القوات الفرنسية، قبل وقوع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وإرسالها إلى مصر بخطاب مع الملحق الصحفي بالسفارة، حتى لا يثير الشكوك حوله. كذلك فعل الملحق العسكري المصري في تركيا، الذي حصل على معلومات مؤكدة عن العدوان وتفصيلات الحشود، وأبلغها فوراً ببرقية شفرية إلى السلطات المصرية.
ولذلك تحرص الدول المتقدمة، على أن تنظم بصفة دورية، للملحقين العسكريين المعتمدين لديها، رحلات، أو ندوات، أو لقاءات مع مسؤولين كبار، أو مشاهدة مناورات عسكرية رئيسية. وهى في ذلك تحقق لهفتهم في الحصول على معلومات، ولكن بطريقة مسيطر عليها، وهذا يمثل نوعاً من سيكولوجية التأثير في مجال العمل، وربما يقنع الكثير من الملحقين العسكريين، على الاعتماد في الحصول على المعلومات، على تلك اللقاءات والزيارات، علاوة على المصادر العلنية في وسائل الإعلام، بينما تقتنع الدولة المضيفة، بأنها تُعطي جرعات من المعلومات، بالقدر الذي تسمح به الظروف، إضافة إلى أنها تبلغ رسالات نفسية، مطلوب إرسالها في توقيتات معينة لخدمة إستراتيجيتها (غير المعلنة).