أدوات السياسة الخارجية
مرسل: الأربعاء أكتوبر 23, 2013 12:42 pm
الدولة عادة ما تترجم مقدرتها على تحقيق الهدف من خلال استخدامها لوسائل مختلفة أهمها: الدبلوماسية، القوات المسلحة، الدعاية، الأدوات الاقتصادية.
الدبلوماسية: Diplomacy
يقصد بالدبلوماسية عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار إدارتها لعلاقاتها الدولية. ويعرفها . . . "جورج كينان" بأنها "عملية الاتصال بين الحكومات".
والدبلوماسية الفعالة هي الدبلوماسية التي تدعمها وسائل السياسة الخارجية الأخرى وبالذات القوات المسلحة والأدوات الاقتصادية. فبدون دعم تلك الوسائل ستكون فعالية الدبلوماسية محدودة إن لم تكن معدومة.
القوات المسلحة: Military Power
تعتبر القوات المسلحة إحدى الوسائل الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية وإحدى المقومات الأساسية لنجاح الدبلوماسية.
ورغم أن القوات المسلحة تعتبر باهظة التكاليف إذا ما قورنت بالدبلوماسية وغير مرغوب في استخدامها في المجتمع الدولي كوسيلة لتحقيق الأهداف الخارجية، إلا أنها مع ذلك تحظى باهتمام بالغ لدى حكومات المجتمع الدولي ذلك أن الأداة العسكرية "تهيئ خلفية من الثقة والاستقرار لعمل الدبلوماسية وأن التفاوض من مركز القوة حكمة سليمة، إذ لا يمكن لدولة لا تسندها قوة عسكرية أن تمتنع عن إعطاء تنازلات تضر بمصالحها الحيوية إذا تعرضت لضغوط وتهديدات ليس بوسعها أن تقاومها".
و القوات المسلحة تستخدم في أكثر من مظهر واحد. فبالإضافة إلى استخدامها التقليدي ونعنى به الاستخدام الفعلي وقت الحرب للدفاع أو الهجوم، تستخدم القوات المسلحة أيضاً وقت السلم للضغط والردع وما يترتب عليهما من رضوخ الأطراف الأخرى وتحقيق المصالح القومية.
إن استخدام القوات المسلحة كوسيلة للضغط والردع وقت السلم هو الذي يبرر النفقات الباهظة عليها ويزيد من قناعة المواطن العادي بأهمية النفقات وتحمل آثارها.
فعدم دخول القوات المسلحة في حرب دفاعية أو هجومية لا يعني توقف فاعليتها، بل إن استخدام القوات المسلحة في السلم للضغط والردع يفوق استخدامها في الحرب ذلك أن القتال استثناء والسلام هو القاعدة.
كما أن الضغط والردع، إذا تم من خلالهما تحقيق الهدف القومي، أكثر جدوى من الحرب حيث أنهما لن يكلفا الموطن والمواطن أي عبء إضافي في حين أن الحرب سيترتب عليها خسائر إضافية للوطن والمواطن وحجم هذه الخسائر يتوقف على طول أمد الحرب ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها.
الدعاية: Propaganda
تعني الدعاية أي محاولة منظمة للتأثير على عقول وعواطف وسلوك جماعة معينة تحقيقاً لهدف عام معين. والدعاية تشترك مع الدبلوماسية في أنها نشاط كلامي بالدرجة الأولى، غير أنها تختلف عن الدبلوماسية في أنها توجه إلى شعوب الدول الأخرى لا إلى حكوماتها.
ولكي تكون الدعاية ناجحة وفعالة يجب أن يتوفر بها عدد من الشروط الأساسية. يجب أن تتسم أولاً بالبساطة في العرض حتى يمكن فهمها بدون جهد من قبل القارئ والمستمع العادي. فكلما كانت الدعاية بسيطة كلما زاد تأثيرها في عامة الجماهير وحققت بذلك الأهداف المرجوة منها.
كما يجب أن تتسم الدعاية بالقدرة على جذب انتباه القارئ أو المستمع وإثارة اهتمامه. وكلما كانت الدعاية مرتبطة بالواقع الذي تعيشه الجماهير كلما قوي جذبها للانتباه. ذلك أن الجماهير دائماً معنية بواقعها. وبالإضافة إلى الاهتمام بواقع الجماهير يجب الاهتمام بتحريك عواطفهم. لأن تحريك العواطف يساعد على إثارة الاهتمام بالمادة الدعائية.
والدعاية لكي تكون مقبولة يجب أن تكون إلى حد ما معقولة. أي أن المادة الدعائية يجب أن لا تخلو من الصحة. ذلك أن الكذبة المطلقة ليس من السهل بيعها للجماهير، لأن الجماهير حينما تتلقى أي مادة دعائية تحاول مقارنتها إلى حد ما بالواقع للتأكد من مدى صحتها النسبية. ولا يشترك أن تكون كل المادة الدعائية صحيحة.
وحتى تحقق الدعاية التأثير المنشود في عقول وعواطف وسلوك الجماهير يجب أن تكون المادة الدعائية متفقة في المضمون، ذلك أن التناقض في المضمون يؤدي إلى التشكيك في المادة الدعائية.
فإذا كان هدف الإعلام السعودي مثلاً تقديم مادة دعائية ضد دولة معادية فيجب أن يكون مضمون المادة متناسقاً في الراديو والصحافة والتلفزيون فإذا وجد الجمهور المخاطب، مثلاً أن خبر الإذاعة الدعائي تؤكده الصحافة ويدعمه التلفزيون. فإن هذا سيزيد من قناعة الجمهور المخاطب بصحة الخبر. أما إذا قدمت الإذاعة خبراً إذاعياً، وقدمت الصحف نفس الخبر لكن في مضمون يختلف، وتجاهل التلفزيون الخبر كلية فإن هذا سيدفع المواطن إلى التشكيك في الخبر.
ولترسيخ المادة الدعائية في أذهان الجماهير المخاطبة لابد من تكرارها بحيث تظهر للجمهور المخاطب وكأنها حقيقة مسلم بها. فتقديم المادة الدعائية مرة أو مرتين لا يكفي، بل لابد من تكرارها عدة مرات وفي كافة الوسائل الإعلامية: الإذاعة، والصحافة، والتلفزيون.
الاستراتيجيات الدعائية:
وفي مجال الاستراتيجيات الدعائية يمكن أن نميز بين نوعين من الاستراتيجيات. الاستراتيجية الموضوعية أو استراتيجية الحقيقة Strategy of Truth واستراتيجية الكذبة الكبرى Strategy of Big Lie.
الاستراتيجية الموضوعية تعني تقديم المادة الإعلامية للمستمع أو القارئ بشكل إخباري يراعى فيه أكبر قدر من الدقة والموضوعية ومن ثم يترك له مهمة استنتاج مغزى أو دلالة الخبر الإعلامي.
واستراتيجية الموضوعية مبنية على أساس أن تقديم المعلومات الصحيحة ذو أهمية سياسية خاصة لمواطن الدول ذات الإعلام الموجه والتي تحجب عن مواطنيها كثيراً من الحقائق الإعلامية. كما أن لهذه الاستراتيجية ميزة كبرى تتمثل في اجتذاب القراء والمستمعين الذين يحرصون على الحصول على معلومات صحيحة تساعدهم على تصحيح الأخبار المغلوطة والمشكوك فيها والتي تقدم لهم في الداخل.
أما استراتيجية الكذبة الكبرى فهي تعني تحريف أو تشويه المادة الإعلامية من أجل التلاعب بالرأي العام الموجه نحوه الدعاية.
ولقد استعمل الإعلام النازي هذه الاستراتيجية بفعالية معتمداً على الفكرة التي عرضها "هتلر" في كتابه كفاحي وهي أن الكذبة إذا كانت كذبة كبرى ورددت ترديداً كافياً فسوف تصدقها الجماهير تصديقاً جزئياً على الأقل إذ أن أكثر الناس يفتقرون إلى سعة الأفق اللازمة لإدراك أن ترديد تصريحات ما لا يعني صحتها.
الأدوات الاقتصادية: Eeconomic Instruments
احتلت الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية مكانة هامة في العلاقات الدولية المعاصرة. وهذه الأهمية للأدوات الاقتصادية جاءت من عاملين:
الأول، احتلال الرفاهية الاقتصادية لشعوب المجتمع الدولي مكانة بارزة في سلم أولويات الأهداف القومية للحكومات المعاصرة. لقد أصبحت المشاكل الاقتصادية مثل البطالة، والتضخم، ونقص المواد الغذائية قضايا هامة تشغل بال الحكومات المعاصرة، إذ أن بقاءها في السلطة يعتمد على قدرتها في حل هذه المشاكل.
أما العامل الثاني، فهو زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول وما يترتب على هذا الاعتماد من زيادة في أهمية وأولوية الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية.
تعتبر التعريفات الجمركية Tariffs من أهم وأقدم الأدوات الاقتصادية. وتفرض التعريفات الجمركية لأهداف مختلفة.
فقد تفرض كوسيلة للحصول على إيرادات مالية، حيث أن الدولة التي تعاني من مشاكل مالية تجد التعريفة وسيلة للحصول على إيرادات تساهم في دعم الميزانية العامة للدولة.
وقد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة لحماية المنتجات الوطنية، إذ أن فرض التعريفة الجمركية على السلع المستوردة سيزيد في سعرها ويحد من منافستها للمنتجات المحلية.
كما قد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة للانتقام ضد دولة، حيث أن فرض التعريفة الجمركية على المواد المستوردة من دولة معينة سيؤدي بطريقة غير مباشرة إلى الحد من الاستيراد منها ووضع العوائق أمام منتجاتها.
ثم هناك القيود النقدية Currency Regulations وتعني تولي الحكومة بنفسها الإشراف على ما يصرف من نقد في الخارج سواء لشراء سلع أو خدمات أو للسياحة والاستثمار.
وحينما تمارس الحكومة إجراء القيد النقدي فهي تتولى بنفسها الإشراف على منح التراخيص الخاصة بتحويل العملات للخارج وشراء العملات الصعبة مثل الدولار والجنيه الإسترليني.
والحكومات تلجأ عادة لفرض القيود النقدية لحماية ميزان مدفوعاتها، وهو البيان الإجمالي السنوي الذي يصور إيرادات الدولة من الخارج ومدفوعات الدولة إلى الخارج.
وقد تستخدم الدولة الحظر الاقتصادي Embargo كأداة للسياسة الخارجية. والحظر يعني عدم تصدير سلعة معينة إلى دولة أو دول محددة لأسباب سياسية أو اقتصادية.
وقد يكون الحضر كلياً أي منعاً شاملاً لتصدير السلعة أو جزئياً أي منع تصدير السلعة بنسبة معينة مثال ذلك الحظر الجزئي الذي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط على تصدير النفط لأمريكا وبعض الدول الغربية خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973.
وعلى خلاف الحظر قد يكون الأجراء الاقتصادي المتبع هو المقاطعة Boycott. والمقاطعة تعني رفض استيراد السلع التي تنتجها دولة أو شركة معينة.
وهي تفرض أما لاعتبارات اقتصادية أو سياسية لكنها كثيراً ما تفرض لاعتبارات سياسية مثل مقاطعة الدول العربية لإسرائيل والشركات الأجنبية التي تصنع فيها.
كذلك يعتبر الاندماج الاقتصادي Economic Integration أداة من أدوات السياسة الخارجية إذ أنه عن طريق هذا الاندماج تحقق الدول بعض المكاسب الاقتصادية وتواجه به التحديات الاقتصادية التي ترفعها لها دول وتكتلات أجنبية.
كما أن الاندماج الاقتصادي قد يكون خطوة نحو اندماج سياسي كما كانت الفكرة عند قيام السوق الأوربية المشتركة حيث كان المؤسسون لها يتوقعون أن تؤدي الوحدة الاقتصادية إلى وحدة سياسية. لكن مبدأ السيادة القومية وتوسع دول السوق حال دون تحقيق هذه التوقعات وبقيت السوق مجرد وحدة اقتصادي.
وقد تستخدم الدولة تجميد الأرصدة أو تأميمها كاجراء اقتصادي لتحقيق هدف سياسي. وهذا الأجراء يعني تجميد أو تأميم الأرصدة والموجودات لدولة أجنبية داخل إقليم الدولة التي تلجا إلى مثل هذا الشكل من الإجراءات الاقتصادية.
والتجميد يعني عدم السماح لدولة أجنبية باستخدام أرصدتها وموجوداتها داخل إقليم الدولة التي اتخذت إجراء التجميد حتى تستجيب الدولة الأجنبية للمطالب السياسية أو الاقتصادية المطلوب منها. مثال لذلك تجميد أمريكا للأرصدة والموجودات الإيرانية خلال أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979م.
وقد يكون الإجراء الاقتصادي المتبع هو تخفيض قيمة العملة المحلية. والتخفيض إجراء اقتصادي تلجأ إليه الدولة لتشجيع صادراتها إلى الدول الأخرى، حيث أن التخفيض في قيمة العملة يؤدي إلى تقليل ثمن المنتجات المحلية في الخارج وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب عليها.
وهناك أداة اقتصادية أكثر فعالية في الساحة الخارجية ونعني بها المساعدات الخارجية Foreign Aid.
والمساعدات الخارجية أول من استخدمها الدول الغنية والقوية في المجتمع الدولي وبالذات الدول الغربية حيث وجدت هذه الدول أن المساعدات الخارجية وسيلة فعالة لاحتواء المد الشيوعي وبسط النفوذ الغربي في الدول النامية.
لكن منذ منتصف الستينات بدأت الدول النامية الغنية تستخدم المساعدات الخارجية كوسيلة لتحقيق أهداف خارجية مختلفة.
أخيراً تلجأ، الدول ذات الموارد المالية المحدودة إلى المساعدات الفنية Technical Assistance كأداة للسياسة الخارجية، حيث تقوم الدولة المقدمة للمساعدات الفنية بتقديم الخبرات الفنية في مجالات فنية مختلفة مثل الزراعة، الصحة، الصناعة، والتعليم.
الدبلوماسية: Diplomacy
يقصد بالدبلوماسية عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار إدارتها لعلاقاتها الدولية. ويعرفها . . . "جورج كينان" بأنها "عملية الاتصال بين الحكومات".
والدبلوماسية الفعالة هي الدبلوماسية التي تدعمها وسائل السياسة الخارجية الأخرى وبالذات القوات المسلحة والأدوات الاقتصادية. فبدون دعم تلك الوسائل ستكون فعالية الدبلوماسية محدودة إن لم تكن معدومة.
القوات المسلحة: Military Power
تعتبر القوات المسلحة إحدى الوسائل الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية وإحدى المقومات الأساسية لنجاح الدبلوماسية.
ورغم أن القوات المسلحة تعتبر باهظة التكاليف إذا ما قورنت بالدبلوماسية وغير مرغوب في استخدامها في المجتمع الدولي كوسيلة لتحقيق الأهداف الخارجية، إلا أنها مع ذلك تحظى باهتمام بالغ لدى حكومات المجتمع الدولي ذلك أن الأداة العسكرية "تهيئ خلفية من الثقة والاستقرار لعمل الدبلوماسية وأن التفاوض من مركز القوة حكمة سليمة، إذ لا يمكن لدولة لا تسندها قوة عسكرية أن تمتنع عن إعطاء تنازلات تضر بمصالحها الحيوية إذا تعرضت لضغوط وتهديدات ليس بوسعها أن تقاومها".
و القوات المسلحة تستخدم في أكثر من مظهر واحد. فبالإضافة إلى استخدامها التقليدي ونعنى به الاستخدام الفعلي وقت الحرب للدفاع أو الهجوم، تستخدم القوات المسلحة أيضاً وقت السلم للضغط والردع وما يترتب عليهما من رضوخ الأطراف الأخرى وتحقيق المصالح القومية.
إن استخدام القوات المسلحة كوسيلة للضغط والردع وقت السلم هو الذي يبرر النفقات الباهظة عليها ويزيد من قناعة المواطن العادي بأهمية النفقات وتحمل آثارها.
فعدم دخول القوات المسلحة في حرب دفاعية أو هجومية لا يعني توقف فاعليتها، بل إن استخدام القوات المسلحة في السلم للضغط والردع يفوق استخدامها في الحرب ذلك أن القتال استثناء والسلام هو القاعدة.
كما أن الضغط والردع، إذا تم من خلالهما تحقيق الهدف القومي، أكثر جدوى من الحرب حيث أنهما لن يكلفا الموطن والمواطن أي عبء إضافي في حين أن الحرب سيترتب عليها خسائر إضافية للوطن والمواطن وحجم هذه الخسائر يتوقف على طول أمد الحرب ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها.
الدعاية: Propaganda
تعني الدعاية أي محاولة منظمة للتأثير على عقول وعواطف وسلوك جماعة معينة تحقيقاً لهدف عام معين. والدعاية تشترك مع الدبلوماسية في أنها نشاط كلامي بالدرجة الأولى، غير أنها تختلف عن الدبلوماسية في أنها توجه إلى شعوب الدول الأخرى لا إلى حكوماتها.
ولكي تكون الدعاية ناجحة وفعالة يجب أن يتوفر بها عدد من الشروط الأساسية. يجب أن تتسم أولاً بالبساطة في العرض حتى يمكن فهمها بدون جهد من قبل القارئ والمستمع العادي. فكلما كانت الدعاية بسيطة كلما زاد تأثيرها في عامة الجماهير وحققت بذلك الأهداف المرجوة منها.
كما يجب أن تتسم الدعاية بالقدرة على جذب انتباه القارئ أو المستمع وإثارة اهتمامه. وكلما كانت الدعاية مرتبطة بالواقع الذي تعيشه الجماهير كلما قوي جذبها للانتباه. ذلك أن الجماهير دائماً معنية بواقعها. وبالإضافة إلى الاهتمام بواقع الجماهير يجب الاهتمام بتحريك عواطفهم. لأن تحريك العواطف يساعد على إثارة الاهتمام بالمادة الدعائية.
والدعاية لكي تكون مقبولة يجب أن تكون إلى حد ما معقولة. أي أن المادة الدعائية يجب أن لا تخلو من الصحة. ذلك أن الكذبة المطلقة ليس من السهل بيعها للجماهير، لأن الجماهير حينما تتلقى أي مادة دعائية تحاول مقارنتها إلى حد ما بالواقع للتأكد من مدى صحتها النسبية. ولا يشترك أن تكون كل المادة الدعائية صحيحة.
وحتى تحقق الدعاية التأثير المنشود في عقول وعواطف وسلوك الجماهير يجب أن تكون المادة الدعائية متفقة في المضمون، ذلك أن التناقض في المضمون يؤدي إلى التشكيك في المادة الدعائية.
فإذا كان هدف الإعلام السعودي مثلاً تقديم مادة دعائية ضد دولة معادية فيجب أن يكون مضمون المادة متناسقاً في الراديو والصحافة والتلفزيون فإذا وجد الجمهور المخاطب، مثلاً أن خبر الإذاعة الدعائي تؤكده الصحافة ويدعمه التلفزيون. فإن هذا سيزيد من قناعة الجمهور المخاطب بصحة الخبر. أما إذا قدمت الإذاعة خبراً إذاعياً، وقدمت الصحف نفس الخبر لكن في مضمون يختلف، وتجاهل التلفزيون الخبر كلية فإن هذا سيدفع المواطن إلى التشكيك في الخبر.
ولترسيخ المادة الدعائية في أذهان الجماهير المخاطبة لابد من تكرارها بحيث تظهر للجمهور المخاطب وكأنها حقيقة مسلم بها. فتقديم المادة الدعائية مرة أو مرتين لا يكفي، بل لابد من تكرارها عدة مرات وفي كافة الوسائل الإعلامية: الإذاعة، والصحافة، والتلفزيون.
الاستراتيجيات الدعائية:
وفي مجال الاستراتيجيات الدعائية يمكن أن نميز بين نوعين من الاستراتيجيات. الاستراتيجية الموضوعية أو استراتيجية الحقيقة Strategy of Truth واستراتيجية الكذبة الكبرى Strategy of Big Lie.
الاستراتيجية الموضوعية تعني تقديم المادة الإعلامية للمستمع أو القارئ بشكل إخباري يراعى فيه أكبر قدر من الدقة والموضوعية ومن ثم يترك له مهمة استنتاج مغزى أو دلالة الخبر الإعلامي.
واستراتيجية الموضوعية مبنية على أساس أن تقديم المعلومات الصحيحة ذو أهمية سياسية خاصة لمواطن الدول ذات الإعلام الموجه والتي تحجب عن مواطنيها كثيراً من الحقائق الإعلامية. كما أن لهذه الاستراتيجية ميزة كبرى تتمثل في اجتذاب القراء والمستمعين الذين يحرصون على الحصول على معلومات صحيحة تساعدهم على تصحيح الأخبار المغلوطة والمشكوك فيها والتي تقدم لهم في الداخل.
أما استراتيجية الكذبة الكبرى فهي تعني تحريف أو تشويه المادة الإعلامية من أجل التلاعب بالرأي العام الموجه نحوه الدعاية.
ولقد استعمل الإعلام النازي هذه الاستراتيجية بفعالية معتمداً على الفكرة التي عرضها "هتلر" في كتابه كفاحي وهي أن الكذبة إذا كانت كذبة كبرى ورددت ترديداً كافياً فسوف تصدقها الجماهير تصديقاً جزئياً على الأقل إذ أن أكثر الناس يفتقرون إلى سعة الأفق اللازمة لإدراك أن ترديد تصريحات ما لا يعني صحتها.
الأدوات الاقتصادية: Eeconomic Instruments
احتلت الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية مكانة هامة في العلاقات الدولية المعاصرة. وهذه الأهمية للأدوات الاقتصادية جاءت من عاملين:
الأول، احتلال الرفاهية الاقتصادية لشعوب المجتمع الدولي مكانة بارزة في سلم أولويات الأهداف القومية للحكومات المعاصرة. لقد أصبحت المشاكل الاقتصادية مثل البطالة، والتضخم، ونقص المواد الغذائية قضايا هامة تشغل بال الحكومات المعاصرة، إذ أن بقاءها في السلطة يعتمد على قدرتها في حل هذه المشاكل.
أما العامل الثاني، فهو زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول وما يترتب على هذا الاعتماد من زيادة في أهمية وأولوية الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية.
تعتبر التعريفات الجمركية Tariffs من أهم وأقدم الأدوات الاقتصادية. وتفرض التعريفات الجمركية لأهداف مختلفة.
فقد تفرض كوسيلة للحصول على إيرادات مالية، حيث أن الدولة التي تعاني من مشاكل مالية تجد التعريفة وسيلة للحصول على إيرادات تساهم في دعم الميزانية العامة للدولة.
وقد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة لحماية المنتجات الوطنية، إذ أن فرض التعريفة الجمركية على السلع المستوردة سيزيد في سعرها ويحد من منافستها للمنتجات المحلية.
كما قد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة للانتقام ضد دولة، حيث أن فرض التعريفة الجمركية على المواد المستوردة من دولة معينة سيؤدي بطريقة غير مباشرة إلى الحد من الاستيراد منها ووضع العوائق أمام منتجاتها.
ثم هناك القيود النقدية Currency Regulations وتعني تولي الحكومة بنفسها الإشراف على ما يصرف من نقد في الخارج سواء لشراء سلع أو خدمات أو للسياحة والاستثمار.
وحينما تمارس الحكومة إجراء القيد النقدي فهي تتولى بنفسها الإشراف على منح التراخيص الخاصة بتحويل العملات للخارج وشراء العملات الصعبة مثل الدولار والجنيه الإسترليني.
والحكومات تلجأ عادة لفرض القيود النقدية لحماية ميزان مدفوعاتها، وهو البيان الإجمالي السنوي الذي يصور إيرادات الدولة من الخارج ومدفوعات الدولة إلى الخارج.
وقد تستخدم الدولة الحظر الاقتصادي Embargo كأداة للسياسة الخارجية. والحظر يعني عدم تصدير سلعة معينة إلى دولة أو دول محددة لأسباب سياسية أو اقتصادية.
وقد يكون الحضر كلياً أي منعاً شاملاً لتصدير السلعة أو جزئياً أي منع تصدير السلعة بنسبة معينة مثال ذلك الحظر الجزئي الذي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط على تصدير النفط لأمريكا وبعض الدول الغربية خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973.
وعلى خلاف الحظر قد يكون الأجراء الاقتصادي المتبع هو المقاطعة Boycott. والمقاطعة تعني رفض استيراد السلع التي تنتجها دولة أو شركة معينة.
وهي تفرض أما لاعتبارات اقتصادية أو سياسية لكنها كثيراً ما تفرض لاعتبارات سياسية مثل مقاطعة الدول العربية لإسرائيل والشركات الأجنبية التي تصنع فيها.
كذلك يعتبر الاندماج الاقتصادي Economic Integration أداة من أدوات السياسة الخارجية إذ أنه عن طريق هذا الاندماج تحقق الدول بعض المكاسب الاقتصادية وتواجه به التحديات الاقتصادية التي ترفعها لها دول وتكتلات أجنبية.
كما أن الاندماج الاقتصادي قد يكون خطوة نحو اندماج سياسي كما كانت الفكرة عند قيام السوق الأوربية المشتركة حيث كان المؤسسون لها يتوقعون أن تؤدي الوحدة الاقتصادية إلى وحدة سياسية. لكن مبدأ السيادة القومية وتوسع دول السوق حال دون تحقيق هذه التوقعات وبقيت السوق مجرد وحدة اقتصادي.
وقد تستخدم الدولة تجميد الأرصدة أو تأميمها كاجراء اقتصادي لتحقيق هدف سياسي. وهذا الأجراء يعني تجميد أو تأميم الأرصدة والموجودات لدولة أجنبية داخل إقليم الدولة التي تلجا إلى مثل هذا الشكل من الإجراءات الاقتصادية.
والتجميد يعني عدم السماح لدولة أجنبية باستخدام أرصدتها وموجوداتها داخل إقليم الدولة التي اتخذت إجراء التجميد حتى تستجيب الدولة الأجنبية للمطالب السياسية أو الاقتصادية المطلوب منها. مثال لذلك تجميد أمريكا للأرصدة والموجودات الإيرانية خلال أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979م.
وقد يكون الإجراء الاقتصادي المتبع هو تخفيض قيمة العملة المحلية. والتخفيض إجراء اقتصادي تلجأ إليه الدولة لتشجيع صادراتها إلى الدول الأخرى، حيث أن التخفيض في قيمة العملة يؤدي إلى تقليل ثمن المنتجات المحلية في الخارج وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب عليها.
وهناك أداة اقتصادية أكثر فعالية في الساحة الخارجية ونعني بها المساعدات الخارجية Foreign Aid.
والمساعدات الخارجية أول من استخدمها الدول الغنية والقوية في المجتمع الدولي وبالذات الدول الغربية حيث وجدت هذه الدول أن المساعدات الخارجية وسيلة فعالة لاحتواء المد الشيوعي وبسط النفوذ الغربي في الدول النامية.
لكن منذ منتصف الستينات بدأت الدول النامية الغنية تستخدم المساعدات الخارجية كوسيلة لتحقيق أهداف خارجية مختلفة.
أخيراً تلجأ، الدول ذات الموارد المالية المحدودة إلى المساعدات الفنية Technical Assistance كأداة للسياسة الخارجية، حيث تقوم الدولة المقدمة للمساعدات الفنية بتقديم الخبرات الفنية في مجالات فنية مختلفة مثل الزراعة، الصحة، الصناعة، والتعليم.