الاضرار البيئية للحرب العالمية الاولى
مرسل: الخميس أكتوبر 24, 2013 10:19 pm
الحرب العالمية الثانية التي ختمت فصلها الأخير باستخدام السلاح النووي على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين مخلفة دمارا بشريا وبيئيا لا يمكن حصرهما؛ فإن دور الحرب العالمية الأولى كمعول هدم بيئي لم يتم تسليط الضوء عليه بالقدر الكافي. إن من السهل على المتابع الوصول إلى أية معلومات تتعلق بالأضرار البيئية للحرب العالمية الثانية، بينما لا يعثر على ما يشير إلى العوامل البيئية حين يطلع على البحوث التي تناولت الحرب العالمية الأولى بالدرس والتحليل.
يبدو للوهلة الأولى أن هذا التغييب راجع إلى تركيز تلك الدراسات على أحداث سياسية اقترنت بتلك الحرب وغيرت وجه التاريخ المعاصر كسقوط آخر قياصرة روسيا وولادة الاتحاد السوفييتي وعقد معاهدة سايكس- بيكو التي تحكمت بالخارطة السياسية لبلدان الشرق الأوسط، إضافة إلى هزيمة ثلاث من كبرى الإمبراطوريات: ألمانيا القيصرية، الإمبراطورية الاسترو- هنغارية، والدولة العثمانية. لهذا الإغفال غير المقصود مبرراته إذ يشي واقع الحال إلى أن اهتمام الباحثين بالمخاطر البيئية جاء متأخرا نسبيا، وتزامن مع التدهور التدريجي للبيئة بدء من حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. حتى «صحوة» الخمسينات والستينات مرت مرور الكرام على أثر العمليات الحربية على الواقع البيئي للكرة الأرضية. غير أن ذلك التجاهل المؤسس على غياب تام أو شبه تام للمنظور البيئي في التعامل مع نشاط هادم كالحرب؛ لا يعني عدم وجود الظاهرة. فمن الطبيعي أن حفر الجرذي لأحد السدود، ليبدو أقل ضجيجا من قذيفة مدفع محشوة بالبارود، مع أن الدمار التقويض في كلتا الحالتين واقع لا محالة. نحن نعلم، من خلال الدراسات والإحصائيات، أن الحرب العالمية الأولى خلفت 16 مليون قتيلا، على وجه التقريب، في شتى بقاع العالم، ناهيك عن ملايين الجرحى والمعوقين. وربما نعلم بالعدد التقريبي لخسائر الأطراف المتحاربة أرضا وسلاحا وواقعا لوجستيا، لكننا لا نملك معلومات موسعة عما أحدثته الأنشطة العسكرية لتلك الحرب من دمار برا وبحرا وجوا، إلا ما ندر. هذا بغض النظر عن النتائج الكارثية المستقبلية التي طالت جل بقاع الدنيا.
غاز وخنادق
يأتي حفر الخنادق، على امتداد آلاف الكيلومترات، لاسيما على الجبهة الأوروبية وكذلك استخدام الغاز السام، في طليعة الممارسات التي برزت إبان الحرب العالمية الأولى. لقد دشنت تلك الحرب أحداثها باستخدام وسائل مبتكرة - لم تستخدم من قبل - ثم عملت على تطويرها تلبية للحاجات العاجلة وللضرورات الميدانية الحربية لحرب لا تبقي ولا تذر! لقد استخدم الفرنسيون الغاز المسيل للدموع منذ المراحل الأولى للحرب أي في سنة 1914، ليأتي الرد ألمانياً حيث استخدم غاز الكلورين للمرة الأولى في 1915 ضد القوات الفرنسية الإنجليزية انتهاكا لبنود اتفاقية «هاغ» Hague، ثم ليرد الحلفاء بالمثل ولكن بغاز سام أكثر تطورا. وفيما يتعلق بالجانب الألماني فإن استخدام الغاز السام جاء كمحصلة لنمو القوة الصناعية الألمانية، جنبا إلى جنب تعاظم المد الأيديولوجي القومي الذي تشبع بالأفكار الفلسفية لنيتشه وهيغل والتي تبنت مبدأ القوة ومفهوم الإنسان السوبرمان. لقد خصص قيصر ألمانيا ويلهلم الثاني مصادر تمويل كبرى لدعم الترسانة الحربية الألمانية وبالأخص من خلال دعم الأسطول البحري الإمبراطوري. وكان من الواضح أن الوضع السياسي السائد في ألمانيا القيصرية كان ميالا للتصعيد كمحصلة للصراعات الإقليمية قبل وبعد بسمارك، إنما كان فقط بحاجة إلى شرارة؛ وخزة دبوس، لم يأل الصربي غافريلو برنسيب جهدا في توفيرها غداة اغتياله لولي عهد النمسا الأرشيدوق فرديناند في سيراجيفو في 28-6-1914. ومع توسع رقعة المعارك الحربية شرعت «انفلونزا» الحرب التي شنتها ألمانيا على الجبهة الأوروبية الغربية بالانتشار لتصل إلى كل بقعة من بقاع الأرض: أفريقيا، دول البلقان، الشرق الأوسط، الهند، بلاد الأناضول، روسيا وشرقي آسيا والمحيطين الأطلسي والباسيفيكي.
الأسلحة الكيميائية عبر التاريخ
تقول الاساطير الاغريقية إن هرقل عمل على تسميم السهام التي كان يطلقها على أعدائه بأن يطليها بمصل الربة هيدرا، كما أشارت الإلياذة والأوديسة كلتاهما إلى قيام الجانبين المتحاربين بتسميم سهام أحدهما الآخر. أما الاستخدام الأقدم للغاز في الحروب فيرجع تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد وبالضبط إبان الحرب البيلوبونيزية بين أبناء أثينا والإسبارطيين. لقد قام الجيش الإسبارطي الذي كان يحاصر آنذاك، إحدى القصبات التابعة للعاصمة أثينا، بوضع مزيج من الخشب والزفت والكبريت تحت أسوار المدينة المحاصرة على أمل أن تعمل الأبخرة على شل حركة أبناء أثينا. ولم تنفرد إسبرطة باستخدام التكتيكات غير التقليدية في ذلك المضمار إذ يقال إن صولون الإغريقي قد استخدم جذور أزهار «الخربق» لتسميم مياه نهر «بلايستروس» في حصار مدينة «كيرا». أما القبائل الجرمانية، فلكي تحمي نفسها من هجمات القوات الرومانية المتكررة، قامت بتسميم الأسوار التي يتحصن وراءها الخصم، ما حدا بالمشرعين الرومان إلى إصدار قانون أن «الحرب تخاض بالأسلحة لا بالسموم». وهو القانون نفسه الذي انتهكه الرومان أنفسهم بتسميم مدن الأناضول المحاصرة في القرن الثاني قبل الميلاد.
سير المعارك: عينات عشوائية
22 أبريل 1915 عن تقرير المراسل ويل أروين من جريدة نيويورك تربيون نورد العنوان الرئيس التالي: «الجيش الألماني يشن هجوما بالغاز السام على خطوط الحلفاء» تقرير آخر:27 -أبريل 1915بولونيا: «إن البخار الذي أطلقه الألمان ضد القوات الفرنسية بالقرب من بيريز، مخالف لبنود اتفاقية هاغ، مدخلا عاملا جديدا في الحرب. لقد سبق هجوم الخميس الماضي تصاعد سحابة رمادية اللون تميل للاخضرار القزحي اللمعان. وترسب البخار على أرض المعركة بشكل بركة ضبابية اتجهت إلى الخنادق الفرنسية بفعل قوة الريح. وأدى تأثيره إلى ضرب حاد من النعاس والإغماء أعقبه انهيار تام في القوى البدنية، وهو ما أفضى إلى تسميم الأجواء وشل الجبهة الفرنسة بالكامل». وبعيدا عن المعارك البرية والخنادق التي تجاوزت في الامتداد ألوف الكيلومترات؛ ما شوه أدمة الأرض الأوروبية وبقية جبهات القتال، فإن المعارك البحرية التي شنها الجانبان كانت أشد ضراوة وتدميرا للبيئة البحرية. ففي الثامن والعشرين من آب؟ أغسطس 1914 شنت البحرية البريطانية سلسلة هجمات على الدوريات البحرية الألمانية في الشمال الغربي للبلاد. كانت تلك في طليعة المعارك البحرية التي أسست لفصول ملتهبة على أكبر مسطحين مائيين هما المحيطان الأطلسي والباسيفيكي. تقول الإحصائيات إن ما لايقل عن 5000 سفينة تجارية وحربية أغرقت من قبل غواصات اليو بوت الألمانية، أضف لذلك العدد 178 غواصة ألمانية تم إغراقها على أيدي الحلفاء.لقد عمد البريطانيون إلى تلغيم مئات الكيلومترات من السواحل الألمانية مسببة أضرارا بليغة للبيئة البحرية، وهو المثال الذي سيتكرر في أكثر من مدينة ساحلية في شتى الأصقاع حيث دارت أشرس المعارك آنذاك.
دروس وعبر
إنها دعوة لإعادة فتح ملفات الحرب العالمية الأولى ضمن منظور بيئي يعتمد القرائن والتقارير والمقارنات بالتعشيق مع الفترة التي سبقت تلك الحرب ومع الحرب العالمية الثانية إذ شهدت الحربان سباقا محموما في مضمار التسلح أحال الكرة الأرضية إلى مخزن هائل لشتى أنواع الأسلحة.كما أن الحرب الأولى شهدت استخدامات واسعة النطاق للأسلحة الكيمياوية بدءاً بالغاز السام، إضافة إلى أن الأطراف المتصارعة أدخلوا وطوروا أنواعا مختلفة من الأسلحة كالدبابة والطائرة والمنطاد والمدفع المتحرك على سكة والذي يبلغ مداه مائة الكيلومترا، والاستخدام الأول لحاملة الطائرات وغيرها. إنما هذه بضعة أمثلة من واقع مئات بل ألوف الابتكارات ذات الطابع التدميري. واقع الحال يوحي بأن الحرب العالمية الأولى أسست لعدد من التقاليد العسكرية التي أدت بالتالي إلى وقوع الحرب العالمية الثانية، بل إنها السلسلة الأولى في أحداث قابلة كان سيشهدها الإنسان حتى بعد هزيمة هتلر. باختصار كانت الحرب العالمية الأولى صراعا بين تكتيكات القرن التاسع عشر وتقنيات القرن العشرين، وكانت بمثابة الاختبار المبكر للوجه السيء للثورة الصناعية فشتان ما بين اختراع «مصباح» إضاءة يضيء صفا مدرسيا أو قاعة عمليات بمستشفى ما، وبين قنبلة تعمل باليورانيوم المنضب!.
يبدو للوهلة الأولى أن هذا التغييب راجع إلى تركيز تلك الدراسات على أحداث سياسية اقترنت بتلك الحرب وغيرت وجه التاريخ المعاصر كسقوط آخر قياصرة روسيا وولادة الاتحاد السوفييتي وعقد معاهدة سايكس- بيكو التي تحكمت بالخارطة السياسية لبلدان الشرق الأوسط، إضافة إلى هزيمة ثلاث من كبرى الإمبراطوريات: ألمانيا القيصرية، الإمبراطورية الاسترو- هنغارية، والدولة العثمانية. لهذا الإغفال غير المقصود مبرراته إذ يشي واقع الحال إلى أن اهتمام الباحثين بالمخاطر البيئية جاء متأخرا نسبيا، وتزامن مع التدهور التدريجي للبيئة بدء من حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. حتى «صحوة» الخمسينات والستينات مرت مرور الكرام على أثر العمليات الحربية على الواقع البيئي للكرة الأرضية. غير أن ذلك التجاهل المؤسس على غياب تام أو شبه تام للمنظور البيئي في التعامل مع نشاط هادم كالحرب؛ لا يعني عدم وجود الظاهرة. فمن الطبيعي أن حفر الجرذي لأحد السدود، ليبدو أقل ضجيجا من قذيفة مدفع محشوة بالبارود، مع أن الدمار التقويض في كلتا الحالتين واقع لا محالة. نحن نعلم، من خلال الدراسات والإحصائيات، أن الحرب العالمية الأولى خلفت 16 مليون قتيلا، على وجه التقريب، في شتى بقاع العالم، ناهيك عن ملايين الجرحى والمعوقين. وربما نعلم بالعدد التقريبي لخسائر الأطراف المتحاربة أرضا وسلاحا وواقعا لوجستيا، لكننا لا نملك معلومات موسعة عما أحدثته الأنشطة العسكرية لتلك الحرب من دمار برا وبحرا وجوا، إلا ما ندر. هذا بغض النظر عن النتائج الكارثية المستقبلية التي طالت جل بقاع الدنيا.
غاز وخنادق
يأتي حفر الخنادق، على امتداد آلاف الكيلومترات، لاسيما على الجبهة الأوروبية وكذلك استخدام الغاز السام، في طليعة الممارسات التي برزت إبان الحرب العالمية الأولى. لقد دشنت تلك الحرب أحداثها باستخدام وسائل مبتكرة - لم تستخدم من قبل - ثم عملت على تطويرها تلبية للحاجات العاجلة وللضرورات الميدانية الحربية لحرب لا تبقي ولا تذر! لقد استخدم الفرنسيون الغاز المسيل للدموع منذ المراحل الأولى للحرب أي في سنة 1914، ليأتي الرد ألمانياً حيث استخدم غاز الكلورين للمرة الأولى في 1915 ضد القوات الفرنسية الإنجليزية انتهاكا لبنود اتفاقية «هاغ» Hague، ثم ليرد الحلفاء بالمثل ولكن بغاز سام أكثر تطورا. وفيما يتعلق بالجانب الألماني فإن استخدام الغاز السام جاء كمحصلة لنمو القوة الصناعية الألمانية، جنبا إلى جنب تعاظم المد الأيديولوجي القومي الذي تشبع بالأفكار الفلسفية لنيتشه وهيغل والتي تبنت مبدأ القوة ومفهوم الإنسان السوبرمان. لقد خصص قيصر ألمانيا ويلهلم الثاني مصادر تمويل كبرى لدعم الترسانة الحربية الألمانية وبالأخص من خلال دعم الأسطول البحري الإمبراطوري. وكان من الواضح أن الوضع السياسي السائد في ألمانيا القيصرية كان ميالا للتصعيد كمحصلة للصراعات الإقليمية قبل وبعد بسمارك، إنما كان فقط بحاجة إلى شرارة؛ وخزة دبوس، لم يأل الصربي غافريلو برنسيب جهدا في توفيرها غداة اغتياله لولي عهد النمسا الأرشيدوق فرديناند في سيراجيفو في 28-6-1914. ومع توسع رقعة المعارك الحربية شرعت «انفلونزا» الحرب التي شنتها ألمانيا على الجبهة الأوروبية الغربية بالانتشار لتصل إلى كل بقعة من بقاع الأرض: أفريقيا، دول البلقان، الشرق الأوسط، الهند، بلاد الأناضول، روسيا وشرقي آسيا والمحيطين الأطلسي والباسيفيكي.
الأسلحة الكيميائية عبر التاريخ
تقول الاساطير الاغريقية إن هرقل عمل على تسميم السهام التي كان يطلقها على أعدائه بأن يطليها بمصل الربة هيدرا، كما أشارت الإلياذة والأوديسة كلتاهما إلى قيام الجانبين المتحاربين بتسميم سهام أحدهما الآخر. أما الاستخدام الأقدم للغاز في الحروب فيرجع تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد وبالضبط إبان الحرب البيلوبونيزية بين أبناء أثينا والإسبارطيين. لقد قام الجيش الإسبارطي الذي كان يحاصر آنذاك، إحدى القصبات التابعة للعاصمة أثينا، بوضع مزيج من الخشب والزفت والكبريت تحت أسوار المدينة المحاصرة على أمل أن تعمل الأبخرة على شل حركة أبناء أثينا. ولم تنفرد إسبرطة باستخدام التكتيكات غير التقليدية في ذلك المضمار إذ يقال إن صولون الإغريقي قد استخدم جذور أزهار «الخربق» لتسميم مياه نهر «بلايستروس» في حصار مدينة «كيرا». أما القبائل الجرمانية، فلكي تحمي نفسها من هجمات القوات الرومانية المتكررة، قامت بتسميم الأسوار التي يتحصن وراءها الخصم، ما حدا بالمشرعين الرومان إلى إصدار قانون أن «الحرب تخاض بالأسلحة لا بالسموم». وهو القانون نفسه الذي انتهكه الرومان أنفسهم بتسميم مدن الأناضول المحاصرة في القرن الثاني قبل الميلاد.
سير المعارك: عينات عشوائية
22 أبريل 1915 عن تقرير المراسل ويل أروين من جريدة نيويورك تربيون نورد العنوان الرئيس التالي: «الجيش الألماني يشن هجوما بالغاز السام على خطوط الحلفاء» تقرير آخر:27 -أبريل 1915بولونيا: «إن البخار الذي أطلقه الألمان ضد القوات الفرنسية بالقرب من بيريز، مخالف لبنود اتفاقية هاغ، مدخلا عاملا جديدا في الحرب. لقد سبق هجوم الخميس الماضي تصاعد سحابة رمادية اللون تميل للاخضرار القزحي اللمعان. وترسب البخار على أرض المعركة بشكل بركة ضبابية اتجهت إلى الخنادق الفرنسية بفعل قوة الريح. وأدى تأثيره إلى ضرب حاد من النعاس والإغماء أعقبه انهيار تام في القوى البدنية، وهو ما أفضى إلى تسميم الأجواء وشل الجبهة الفرنسة بالكامل». وبعيدا عن المعارك البرية والخنادق التي تجاوزت في الامتداد ألوف الكيلومترات؛ ما شوه أدمة الأرض الأوروبية وبقية جبهات القتال، فإن المعارك البحرية التي شنها الجانبان كانت أشد ضراوة وتدميرا للبيئة البحرية. ففي الثامن والعشرين من آب؟ أغسطس 1914 شنت البحرية البريطانية سلسلة هجمات على الدوريات البحرية الألمانية في الشمال الغربي للبلاد. كانت تلك في طليعة المعارك البحرية التي أسست لفصول ملتهبة على أكبر مسطحين مائيين هما المحيطان الأطلسي والباسيفيكي. تقول الإحصائيات إن ما لايقل عن 5000 سفينة تجارية وحربية أغرقت من قبل غواصات اليو بوت الألمانية، أضف لذلك العدد 178 غواصة ألمانية تم إغراقها على أيدي الحلفاء.لقد عمد البريطانيون إلى تلغيم مئات الكيلومترات من السواحل الألمانية مسببة أضرارا بليغة للبيئة البحرية، وهو المثال الذي سيتكرر في أكثر من مدينة ساحلية في شتى الأصقاع حيث دارت أشرس المعارك آنذاك.
دروس وعبر
إنها دعوة لإعادة فتح ملفات الحرب العالمية الأولى ضمن منظور بيئي يعتمد القرائن والتقارير والمقارنات بالتعشيق مع الفترة التي سبقت تلك الحرب ومع الحرب العالمية الثانية إذ شهدت الحربان سباقا محموما في مضمار التسلح أحال الكرة الأرضية إلى مخزن هائل لشتى أنواع الأسلحة.كما أن الحرب الأولى شهدت استخدامات واسعة النطاق للأسلحة الكيمياوية بدءاً بالغاز السام، إضافة إلى أن الأطراف المتصارعة أدخلوا وطوروا أنواعا مختلفة من الأسلحة كالدبابة والطائرة والمنطاد والمدفع المتحرك على سكة والذي يبلغ مداه مائة الكيلومترا، والاستخدام الأول لحاملة الطائرات وغيرها. إنما هذه بضعة أمثلة من واقع مئات بل ألوف الابتكارات ذات الطابع التدميري. واقع الحال يوحي بأن الحرب العالمية الأولى أسست لعدد من التقاليد العسكرية التي أدت بالتالي إلى وقوع الحرب العالمية الثانية، بل إنها السلسلة الأولى في أحداث قابلة كان سيشهدها الإنسان حتى بعد هزيمة هتلر. باختصار كانت الحرب العالمية الأولى صراعا بين تكتيكات القرن التاسع عشر وتقنيات القرن العشرين، وكانت بمثابة الاختبار المبكر للوجه السيء للثورة الصناعية فشتان ما بين اختراع «مصباح» إضاءة يضيء صفا مدرسيا أو قاعة عمليات بمستشفى ما، وبين قنبلة تعمل باليورانيوم المنضب!.