- الخميس أكتوبر 31, 2013 5:27 am
#64472
أسباب النزاع، ومراحل تطوره
أولاً: أسباب النزاع وتاريخه
ترجع العلاقة بين قطر والبحرين إلى القرن الثامن عشر، وذلك حين انطلقت قبائل "العتوب"، بأسطول كبير، من شبه جزيرة قطر؛ واستولت، عام 1783، على البحرين، التي كانت تابعة لسلطة الإيرانيين؛ وعرف عامئذ، بعام الفتح. وتحول الاهتمام إليها، لأرضها الغنية بالزراعة، وأشجار النخيل، ووفرة مصايد اللؤلؤ، والميناء المزدهر بحركة التجارة.
وتتألف البحرين من أرخبيل، يضم ثلاثاً وثلاثين جزيرة، أكثرها جزر صخرية صغيرة، لا أهمية لها. وأكبرها جزيرة المنامة، التي أُطلق عليها اسم البحرين. ويتمتع هذا الأرخبيل بأهمية كبرى في الخليج العربي، وصفها "ديوراند"، مساعد المقيم البريطاني في الخليج، بقوله: "إن البحرين في الخليج، كقبرص في البحر المتوسط".
أما قطر، فتقع في منتصف السّاحل الغربي للخليج. وهي، بوجه عام، مقفرة لا تصلح للزراعة؛ وتتكون من شبه جزيرة، من صخور غير وعرة، وصحراء حصوية. وقد برزت، عام 1868، إمارة مستقلة عن البحرين، التي حكمتها منذ 1766، بعد قيام القبائل القطرية بثورات متعددة، استمرت أكثر من عشرين عاماً، انتهت إلى معاهدة 1868؛ وكانت بريطانيا وراءها.
وكانت هناك حروب وعداءات، بين سكان المنطقتَين. وكانت القبائل القطرية، تدفع إتاوة سنوية، إلى شيخ البحرين. وعند قيام الحرب الأهلية في البحرين، بين عامي 1840 و1843، وما تبع ذلك من استعانة كلٍّ من الطرفيَن المتنازعين بقوة من شبه جزيرة قطر، بدأت تظهر بوضوح القوى المتنامية المتحفزة، من قبائل شبه الجزيرة، مستغلة جميع الظروف في الحصول على مغنم، أو الاستقلال بحكم نفسها. وفي عام 1867، شنَّ شيخ البحرين هجوماً على قطر، بمساعدة شيخ أبو ظبي؛ وخرّب المنامة. ولكن القطريين جمعوا جموعهم، والتقوا في جزيرة دامسة. وكانت بريطانيا تعد نفسها، إذ ذاك، حامية الخليج، فتدخلت في هذا النزاع، رادعة حكام البحرين وأبو ظبي، وعقدت معاهدة الصلح المذكورة آنفاً.
ويوجز بعض المؤرخين علاقة قطر بالبحرين، في أنها كانت سيئة، وخاصة بعد مطالبة البحرين بمدينة الزبارة، في قطر، بل المطالبة بكل التراب القطري؛ ومساعدة حكام البحرين كلَّ مناوئ لحكم قطر.
ثانيا: المناطق المتنازع فيها (اُنظر شكل المناطق قبل صدور الحكم)
ينحصر الخلاف بين الدولتين حول عدد من الجزر والأراضي الواقعة بين البلدين، وهي منطقة الزبارة في اليابسة القطرية، ومجموعة جزر حوار، وجزيرتا قطعة جرادة، وحد جنان، وهما جزيرتان صغيرتان، وفشت الديبل وفشت العزم، وعدد من الفشوت الصغيرة الأخرى. فضلاً عن مصائد الأسماك واللؤلؤ الواقعة بين البلدين، وانتهاءً بحدود المياه الإقليمية لكل دولة. ويتناول المطلب الآتي نبذاً عن أهم المناطق المتنازع عليها.
1. الزبارة
تقوم هذه المدينة على آثار قرية كبيرة على الساحل القطري، مقابل جزيرة البحرين، من جهة الجنوب. وتمتد في البحر كرأسٍ عريض. وبها بعض العيون. وتنمو فيها مراع للإبل. وتصلها مع العريش شمالاً طريق معبدة، طولها نحو 113كم. ويُذكر أن أول من عمرها، ونزل بها، الشيخ أحمد بن رزق النجدي. ورغّب الناس في سكناها، بكرمه وجوده، فأتتها العرب من كل فج ومكان؛ وأخذ الناس يتجرون في اللؤلؤ. ثم سكن فيها لفيف من قبائل القطريين، منهم قبيلة آل علي والجلاهمة والمعاودة.
غير أن تاريخها وتعميرها الحقيقي، يعود إلى عام 1766، حين نزحت أسرة آل خليفة، ممثلة في محمد بن خليفة، جد الخليفيين، حكام البحرين الحاليين، من الكويت، مع أولاده، ونزل على قبيلة آل علي، وتزوج منهم؛ وكان على جانب عظيم من الثروة والجاه. ولم يكن اختياره للزبارة من دون دراسة، فالمكان معروف للعتوب، منذ أمد بعيد، خلال إقامتهم في قطر. قبل هجرتهم إلى الكويت، ثم عرفوه، جيداً، خلال تجوالهم في الخليج، لنقل تجارتهم بين قطر والبحرين والإحساء. وكان اختيار هذا المكان لموقعه التجاري، أولاً؛ ولقربه من مغاصات اللؤلؤ، ثانياً؛ على الرغم من أن مصادر المياه والحطب كانت بعيدة عنه بمقدار فرسخ ونصف (12 كم تقريباً). واستطاع الشيخ محمد بن خليفة، أن يقوّي شوكته ونفوذه، بذكائه ودهائه، وسيرته الحسنة، وأخلاقه، وكرمه وجوده؛ وكان يقرض الناس الأموال، مقابل شرائه محصول اللؤلؤ. وزادته مصاهرته آل علي قوة ونفوذاً. وقد جعل له مقراً في "مرير"، ورفض أن يدفع الخراج إلى آل مسلم، أمراء قطر.
ومما ساعد على سرعة ازدهار الزبارة، وانتعاش التجارة فيها، اتباع آل خليفة سياسة التجارة الحرة؛ فلم يتقاضوا شيئاً من الضرائب والمكوس، إذ استوردوا البضائع من كافة الجهات، لاستهلاكهم، وأعادوا تصدير الفائض منها إلى الإحساء ونجد. وزاد تجارتها ازدهاراً حادثتان بارزتان: الأولى، الطاعون، الذي تعرضت له مدينة البصرة، عام 1772، والذي أفنى عدداً كبيراً من سكانها؛ وهرب عدد من تجارها الباقين إلى الكويت والقطيف والزبارة، حيث انتعشت الحركة التجارية في موانئها. الثانية، حصار الفرس للبصرة، عام 1775، وحكمهم إياها حتى عام 1779، ما دفع عدداً كبيراً من التجار إلى البعد عن مركز الأحداث، وشجعهم على اللجوء إلى الزبارة، التي لا تتقاضى شيئاً من الرسوم الجمركية.
ولم تكن الزبارة دائماً هانئة، بل تعرضت لمتاعب عديدة، وكان أشدّها خطراً هجوم الفرس عليها، يتقدمهم الشيخ ناصر، حاكم بوشهر والبحرين، بقوة، قوامها ألفا رجل؛ ولكنها هُزمت وتكبدت خسائر فادحة. وكان هذا النصر فاتحة عهد جديد؛ إذ شعرت القوة المنتصرة، في الزبارة بحاجتها إلى التوسع، فانطلقت صوب البحرين.
ومن الزبارة يبدأ حكم آل خليفة للبحرين؛ ومن هنا يبدأ العامل التاريخي في مطالبتهم بها؛ إذ إنها أرض أجدادهم، التي خرجوا منها، وفتحوا البحرين. ويقول "تشارلز بلجريف، المعتمد البريطاني، راوياً عن أحد شيوخ البحرين: "لو سئلت بعد الموت، فلن أجاوب إلا بكلمة زبارة". وزاد من حدة مطالبتهم بها، دخول القوات التركية قطر.
ومن الأسباب، التي تذكر على أساس صحة المطالبة بالزبارة، ما رواه حاكم البحرين للقائد البريطاني، "جرانت"، من أن قبيلة النعيم، قد وقّعت عهداً، تعترف فيه بخضوعها لحكام البحرين. وكان ذلك بحضور الكولونيل بيلي، وحاكم البحرين، يعد هذه القبيلة من رعاياه.
أما أسرة آل ثاني والقطريين، فتعد الزبارة، كذلك، مصدراً تاريخياً مهماً؛ فمنها تبدأ سلطة آل ثاني في قطر، منذ استقرارهم بها، وكان ثاني، جد الأسرة، مولوداً بها، وكان من تجار اللؤلؤ المشهورين. واستطاع، بفضل ثروته وجاهه، أن يكون وكيلاً للسّعوديين في قطر؛ فقد كان مسؤولاً عن جمع الضريبة من القبائل القطرية، وتسليمها إلى إمام السعوديين في نجد. وكان ابنه، محمد بن ثاني، حاكماً للدوحة، تحت سلطة آل خليفة. واستطاع ابنه، جاسم بن محمد بن ثاني، الحصول على الانفصال عن البحرين، بمقتضى المعاهدة المبرمة عام 1868.
ولمّا كان سكّان الزبارة من بني نعيم، غير خاضعين لسلطة آل ثاني، بل يغيرون على جيرانهم، معتمدين على تشجيع حكام البحرين، قرر الشيخ ثاني أن يقضي على قوتهم، فهجم عليهم، بقوة كبيرة، عام 1878، وحاصر قلعة مرير خمسة عشر يوماً، سقطت بعدها، وتفرق بنو نعيم بين الدوحة والبحرين؛ وانتهت الزبارة، مدينة مزدهرة، بعد هذا التاريخ.
2. جزر حُوار
مجموعة من الجزر مملوءة بالنشاط والحركة، تضم ست عشرة جزيرة متلاصقة. وسطحها جبلي مرتفع، وتبدو على شكل ربع دائرة. تبعد نحو عشرين كم، من الجنوب الشرقي لأقصى جنوب البحرين، في رأس البحر، وعلى بعد أقل من ثلاثة كم من قطر. ويمكن الوصول إليها من السواحل القطرية، على الأقدام، في حالة جزر البحر. وتقسّم إلى حوار الشمالية، وساد الجنوبية، وممزوزة، واستوحت تسميتها من الحُوار، ولد النّاقة؛ إذ إن أطرافها تتصل بسواحل قطر، وتشبه حواراً يرضع ضرع أمه. وتبدو صورة مصغرة من البحرين، تشبهها في كلِّ شيء، حتى في وجود الجبل في وسطها، وتعدها البحرين، تاريخياً، جزءاً من ممتلكات آل خليفة؛ بينما تثير قطر المشكلة، من ناحية قانونية، نظراً إلى قربها منها، فتطالب بسيادتها القانونية عليها
ويهتم البحرينيون بهذه الجزر؛ لما تمثله من ثقل جغرافي، يشكل ثلث المساحة الجبلية للبلاد؛ فعدّوها وحدها تشكل 90% من النزاع. ويرى بعض المراقبين أن حُوار، هي لب الخلاف؛ وأن البحرين، لم تكن لتقبل بأدنى من تبعيتها إليها.
أما باقي المناطق المتنازع فيها، فهي جزر صغيرة، ما كانت لها أهمية في الماضي؛ ولكن، في العصر الحديث، ظهرت فيها الثروات الطبيعية، من النفط والغاز؛ فجزيرة فشت الديبل غنية بالغاز الطبيعي، وهي متاخمة لحقل الشمال القطري. وتقع على بُعد 12 ميلاً، في اتجاه الشمال الشرقي من قطر.
وقطعة جرادة أو "فشت جرادة"، المتاخمة لحقل الشمال القطري، كذلك، والتي أعطيت للبحرين ـ تحولها دولة نفطية، وتحتضن ثالث مخزون عالمي للغاز الطبيعي. وقد كانت بيوت خبرة عالمية، ووثائق بريطانية، قد قالت، وقت الانتداب البريطاني، إن قطعة جرادة عائمة فوق بحر من النفط، والغاز الطبيعي.
ثالثا: مساحات المناطق المتنازع فيها
الزبارة: تبلغ مساحتها 193 كم2.
جزر حوار: تبلغ مساحتها 50 كم2.
فشت الديبل: تبلغ مساحته 20 كم2.
قطعة جرادة: تبلغ مساحتها 1 كم2.
جزيرة جنان: تبلغ مساحتها 1.5 كم2.
مغاصات اللؤلؤ: تبلغ مساحتها 1700 كم2.
رابعاً: مراحل النزاع وتطوره في العصر الحديث
في بداية الثلاثينات من القرن العشرين كانت الاكتشافات النفطية تسير على قدم وساق في منطقة الخليج، وكانت شركة "بتروليوم كوربويشن" من الشركات العاملة في هذه المنطقة؛ فسعت إلى معرفة مرجع جزر حُوار، وفشت الديبل؛ لتنسق مع السلطة المعنية للبحث عن النفط فيها. فكتب المندوب السامي البريطاني في الخليج إلى شيخ قطر يبلغه بضرورة النظر في مسألة ملكية جزر حُوار، وفشت الديبل، والرد على الحكومة البريطانية. وفي 20 نوفمبر 1937 أعلن مستشار البحرين "شارلز ديمبلر بلجريف" ضم جزر حُوار إلى البحرين، ووافقته الحكومة البريطانية. واحتج الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني لدى السلطات البريطانية، ورأى أن منح البحرين هذه الجزر لا يستند إلى اعتبارات قانونية أو تاريخية دقيقة، وبعث برسالة إلى الحكومة البريطانية عن طريق الحاكم البريطاني في الهند، أكد فيها أن حُوار جزء من قطر بحكم موقعها الطبيعي.
وفي عام 1937، هجمت القوات القطرية على الزبارة، وتدخلت بريطانيا، وسُوِّي النزاع، ورسّمت الحدود بينهما.
وفي عام 1947 أصدرت بريطانيا قراراً ثانياً بضم فشت الديبل، وقطعة جرادة إلى البحرين.
وفي عام 1965، طلبت قطر حل الخلاف حول الجزر ودياً، واستمرت المطالبة إلى ما بعد استقلال البلدين عن بريطانيا، عام 1971.
وعرضت قطر على البحرين، ضمن هذا الحل الودِّي، إنشاء جزيرة في المياه الإقليمية للبحرين بدلاً من حُوار، كما تقدمت باقتراحات لإبرام اتفاقيات تعاون اقتصادية بين البلدين؛ وكانت البحرين ترفض كل هذه العروض.
وفي عام 1978، توصلت الدولتان، بوساطة المملكة العربية السعودية، إلى اتفاقية، قضت بتجميد الوضع، في الجزر المتنازع فيها. ولكن النزاع ثار مجدداً، بعد أن أعلن خبراء النفط، أن حقل دخان، وهو أكبر حقول النفط في قطر، بدأ يواجه خطر تسرب احتياطيات كبيرة، في تجويفات طبيعية تحت الأرض، إلى جزر حُوار؛ ما زاد من تشبث البحرين بملكية تلك الجزر، خاصة أنها (أي البحرين) أخذت تعاني نضوب مواردها النفطية"؛ ومن ثمَّ، انخفاض عوائدها.
وأثارت البحرين المشكلة، مجدداً، حين دشنت، في أوائل 1982، إحدى سفنها الحربية، التي أطلقت عليها اسم "حُوار". وأتبعت ذلك بمناورات بحرية، بالذخيرة الحية، في جزيرة "فشت الديبل". وهي أمور عدتها قطر أعمالاً استفزازية خارقة لمعاهدة 1978. ومن ثم، بادرت إلى تدعيم قواتها الدفاعية، وبدأت بإنشاء نفق تحت البحر، يصلها بمجموعة جزر حُوار. ولكنها توقفت عن ذلك، إثر وساطة المملكة العربية السعودية.
وفي العام نفسه (1982)، صدر قرار المجلس الوزاري الخليجي، الذي يطلب من المملكة العربية السعودية مواصلة المساعي لحل الخلاف. وفي 8 مارس 1982، صدر قرار مجلس الوزراء الخليجي، القاضي بعدم اتخاذ أي إجراءات استفزازية بين الدولتَين. وفي 20 أكتوبر 1984، أعلنت البحرين تنفيذ مشروع ضخم، لردم منطقة "فشت العلقم"، لإنشاء مدينة عليها، ومد جسر، يربط البحرين بقطر.
في عام 1986، غزت قوة قطرية فشت الديبل، وألقت القبض على ثلاثين رجلاً، بينهم خمسة وعشرون من جنسيات مختلفة، تابعين لبعض الشركات المتعاقدة مع حكومة البحرين. واستنفرت قطر مدفعيتها الثقيلة، ومدافع مضادة للطائرات. وأعلنت أن المناطق البحرية، من "فشت الديبل" و"جزر حُوار"، أصبحت محظورة من الناحيتَين، البحرية والجوية.
ولم يمكن احتواء هذا الخلاف، إلا بتدخل خادم الحرَمين الشريفين. وأفرج عن المحتجزين، بعد سبعة عشر يوماً؛ وأمكن التوصل إلى تسوية بين البلدَين، لإعادة الوضع في فشت الديبل إلى ما كان عليه. وأعلنت تلك التسوية، في الرياض، في 9 مايو 1986. وتشكلت لجنة ثلاثية، برئاسة خادم الحرَمين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، وعضوية كلِّ من الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير البحرين (السّابق)، والشيخ حمد آل ثاني، أمير قطر (السّابق)؛ هدفها البحث عن حل ودي للخلاف.
وفي عام 1987، وافق الطرفان على إطار مبادئ للحل، اقترحته المملكة العربية السعودية؛ نص على أنه إذا لم تنجح المفاوضات بين الطرفَين، للتوصل إلى اتفاقية شاملة لتسوية الخلاف، يعمد الطرفان إلى إجراء مفاوضات لاحقة، لتقرير أفضل السبل للوصول إلى تسوية، من طريق القانون الدولي.
وقالت المصادر القطرية، إن خادم الحرمَين الشريفَين، بعث، عام 1987، إلى أميرَي قطر والبحرين، يعرض عليهما إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية؛ فردت قطر بالموافقة، وتلتها البحرين.
إبّان أزمة الخليج 1990/1991، أصدر الشيخ خليفة بن حمد، أمير قطر، مرسوماً أميرياً، حدد فيه امتداد المياه الإقليمية لدولة قطر إلى مسافة 44.4 كم؛ وكان ذلك يعني أن تصبح كلٌّ من جزر حٌوار وفشت الديبل وقطعة جرادة، إلى جانب عشرات من الجزر التابعة للبحرين ـ ضمن الحدود البحرية الإقليمية لقطر. وهو أمر رفضته البحرين، لكونه يمس سيادتها وحقوقها التاريخية.
وتقول البحرين إنه في عام 1990، استغلت قطر القمة الخليجية، التي عقدت في الدوحة، لبحث مسألة احتلال العراق للكويت، وهددت بالامتناع عن مناقشة المسألة، إذا لم توافق البحرين على نقل القضية إلى محكمة العدل الدولية. ونجحت في انتزاع توقيع البحرين على اتفاق المبادئ، التي اقترحها خادم الحرمَين الشريفَين، والذي بموجبه أتُيحت الفرصة أمام المملكة العربية السعودية لإيجاد حل للنزاع الحدودي بين البلدَين، على أن يسمح لكلا الطرفَين، برفع النزاع إلى محكمة العدل الدولية، في لاهاي، بهولندا.
كما كان لسلطنة عُمان، ودولة الإمارات العربية جهودهما، كذلك، في تقريب وجهات النظر، وتهدئة الأوضاع بين البلدَين. وأصبحت مسألة بت القضية في محكمة العدل أمراً لا بديل منه، إثر شد وجذب بين البلدَين. وكانت الدوحة تتمسك به، والمنامة ترفض، في البداية. وكانت قطر ترى، منذ العام 1965، أهمية عرض الموضوع على المحكمة.
في 8 يوليه 1991، توجهت قطر، متسلحة بالاتفاق الآنف، بشكل منفرد إلى محكمة العدل الدولية، حيث طالبت بتأييد رغبتها في إعلان السيادة القطرية على جزر حوُار، وجزيرتي فشت الديبل، وقطعة جرادة، وإعادة ترسيم الحدود البحرية، الفاصلة بينها وبين البحرين.
وفي 8 أغسطس 1991، تقدمت البحرين بطلب، وأتبعته بآخر، في 14 أكتوبر 1991، لدى لدى محكمة العدل؛ طعنت فيه في الأهلية، التي استندت إليها قطر، كما اعترضت على تقدم قطر بشكل منفرد إلى المحكمة الدولية. وفي الوقت نفسه، قدمت البحرين طلباً لتضمين القضية مطالبتها هي بمنطقة الزبارة، التي احتلتها قطر عام 1937، إضافة إلى مكامن اللؤلؤ ومصايد الأسماك، وبعض النقاط ذات العلاقة بالحدود.
في الأول من يوليه 1994، أصدرت المحكمة الدولية حكمها، في شأن اختصاصها بالنظر في الخلاف القطري ـ البحريني؛ فقبلت فيه الصيغة البحرينية، المطالبة بالنظر في جميع نقاط الخلاف. وحددت المحكمة يوم 30 نوفمبر 1994، موعداً نهائياً، لتقديم الطرفين كلَّ ما يتعلق بالخلاف؛ بعد أن صرفت النظر نهائياً عن الطلب القطري المنفرد.
وفي 25 سبتمبر 1996، قدمت البحرين طعناً رسمياً في الوثائق والمستندات، التي قدمتها قطر إلى المحكمة، وعددها اثنتان وثمانون وثيقة؛ على أساس أنها مزورة الأختام، والأحبار، ونوع الأوراق المستخدمة؛ وقدمت الطعن مزوداً بتقارير من خبراء بالقانون.
وفي فبراير 1999، سجّلت المحكمة، رسمياً، تخلي قطر عن الوثائق، التي ثبت أنها مزورة. وفي 29 مايو 2000، بدأت المرافعات الشفوية، في لاهاي.
في 23 يناير 1999، نشرت وسائل الإعلام، أن كلاًّ من الدولتَين، بينما المحكمة تنظر، ملف الحدود، لجأت إلى التعامل مع المناطق المتنازع فيها، على أنها جزء من ترابها الوطني. فبعد ما أعلنت قطر دوائرها الانتخابية للمجلس البلدي المركزي، ضمت منطقة الزبارة إلى الدائرة الخامسة والعشرين، وتسمى "دخان"، وشرعت الحكومة البحرينية، بتنظم رحلات سياحية يومية، إلى جزر حُوار، نفقة كلٍّ منها 16 ديناراً بحرينياً (نحو أربعين دولاراً أمريكياً)؛ وذلك في محاولة واضحة للرد على الإجراء القطري، الذي ضم منطقة الزبارة، إلى خريطة الدوائر الانتخابية.
كما أطلقت الحكومة البحرينية أسماء الجزر المتنازع فيها، على أهم الطرق والفنادق والمطاعم في المنامة؛ وذلك من أجل ترسيخ ملكية البحرين لهذه المناطق في ذهن الزائر لهذا البلد، قبل المواطن.
وأُطلق اسم "الحجيات" على عدد من المطاعم، وعلى أحد الفنادق. أما اسم الزبارة فقد أُطلق على شارع رئيسي، منذ سنوات عدة. وبعد أن أعلنت قطر دوائرها الانتخابية، احتجت البحرين على ضم المناطق المتنازع فيها، إلى خريطة تلك الدوائر الانتخابية.
بعد ذلك، أخذت الأمور تأخذ منحى ودياً؛ إذ بادر أمير قطر، الشيخ خليفة بن حمد، إلى زيارة البحرين، ونفى مصدر مسؤول، بوزارة الخارجية البحرينية، في بيان صحافي، أن تكون تلك الزيارة بغرض بحث الخلاف الحدودي بين البلدَين، والمعروض، حالياً، على محكمة العدل الدولية.
أما أمير قطر، فقد صرّح، في المنامة، أن الهدف من الزيارة، هو التقاء أمير البحرين، وتهنئته بنجاح الاستفتاء في ميثاق العمل الوطني؛ موضحاً أن البلدين انتهيا من الخلاف الحدودي بينهما، وتنتظران حكم محكمة العدل الدولية، ليبدأ تعزيز العلاقات أكثر فأكثر. ووصف العلاقات بين البلدَين بأنها جيدة، وتربطهما وشائج القربى والتواصل والمحبة.
وبث تلفزيون قطر قبيل ساعة واحدة من صدور الحكم برنامجاً يحمل اسم "مصيرنا واحد" حول التاريخ المشترك بين البحرين وقطر، مركزاً على أن قرار المحكمة ليس انتصاراً لطرفٍ على الآخر.
أولاً: أسباب النزاع وتاريخه
ترجع العلاقة بين قطر والبحرين إلى القرن الثامن عشر، وذلك حين انطلقت قبائل "العتوب"، بأسطول كبير، من شبه جزيرة قطر؛ واستولت، عام 1783، على البحرين، التي كانت تابعة لسلطة الإيرانيين؛ وعرف عامئذ، بعام الفتح. وتحول الاهتمام إليها، لأرضها الغنية بالزراعة، وأشجار النخيل، ووفرة مصايد اللؤلؤ، والميناء المزدهر بحركة التجارة.
وتتألف البحرين من أرخبيل، يضم ثلاثاً وثلاثين جزيرة، أكثرها جزر صخرية صغيرة، لا أهمية لها. وأكبرها جزيرة المنامة، التي أُطلق عليها اسم البحرين. ويتمتع هذا الأرخبيل بأهمية كبرى في الخليج العربي، وصفها "ديوراند"، مساعد المقيم البريطاني في الخليج، بقوله: "إن البحرين في الخليج، كقبرص في البحر المتوسط".
أما قطر، فتقع في منتصف السّاحل الغربي للخليج. وهي، بوجه عام، مقفرة لا تصلح للزراعة؛ وتتكون من شبه جزيرة، من صخور غير وعرة، وصحراء حصوية. وقد برزت، عام 1868، إمارة مستقلة عن البحرين، التي حكمتها منذ 1766، بعد قيام القبائل القطرية بثورات متعددة، استمرت أكثر من عشرين عاماً، انتهت إلى معاهدة 1868؛ وكانت بريطانيا وراءها.
وكانت هناك حروب وعداءات، بين سكان المنطقتَين. وكانت القبائل القطرية، تدفع إتاوة سنوية، إلى شيخ البحرين. وعند قيام الحرب الأهلية في البحرين، بين عامي 1840 و1843، وما تبع ذلك من استعانة كلٍّ من الطرفيَن المتنازعين بقوة من شبه جزيرة قطر، بدأت تظهر بوضوح القوى المتنامية المتحفزة، من قبائل شبه الجزيرة، مستغلة جميع الظروف في الحصول على مغنم، أو الاستقلال بحكم نفسها. وفي عام 1867، شنَّ شيخ البحرين هجوماً على قطر، بمساعدة شيخ أبو ظبي؛ وخرّب المنامة. ولكن القطريين جمعوا جموعهم، والتقوا في جزيرة دامسة. وكانت بريطانيا تعد نفسها، إذ ذاك، حامية الخليج، فتدخلت في هذا النزاع، رادعة حكام البحرين وأبو ظبي، وعقدت معاهدة الصلح المذكورة آنفاً.
ويوجز بعض المؤرخين علاقة قطر بالبحرين، في أنها كانت سيئة، وخاصة بعد مطالبة البحرين بمدينة الزبارة، في قطر، بل المطالبة بكل التراب القطري؛ ومساعدة حكام البحرين كلَّ مناوئ لحكم قطر.
ثانيا: المناطق المتنازع فيها (اُنظر شكل المناطق قبل صدور الحكم)
ينحصر الخلاف بين الدولتين حول عدد من الجزر والأراضي الواقعة بين البلدين، وهي منطقة الزبارة في اليابسة القطرية، ومجموعة جزر حوار، وجزيرتا قطعة جرادة، وحد جنان، وهما جزيرتان صغيرتان، وفشت الديبل وفشت العزم، وعدد من الفشوت الصغيرة الأخرى. فضلاً عن مصائد الأسماك واللؤلؤ الواقعة بين البلدين، وانتهاءً بحدود المياه الإقليمية لكل دولة. ويتناول المطلب الآتي نبذاً عن أهم المناطق المتنازع عليها.
1. الزبارة
تقوم هذه المدينة على آثار قرية كبيرة على الساحل القطري، مقابل جزيرة البحرين، من جهة الجنوب. وتمتد في البحر كرأسٍ عريض. وبها بعض العيون. وتنمو فيها مراع للإبل. وتصلها مع العريش شمالاً طريق معبدة، طولها نحو 113كم. ويُذكر أن أول من عمرها، ونزل بها، الشيخ أحمد بن رزق النجدي. ورغّب الناس في سكناها، بكرمه وجوده، فأتتها العرب من كل فج ومكان؛ وأخذ الناس يتجرون في اللؤلؤ. ثم سكن فيها لفيف من قبائل القطريين، منهم قبيلة آل علي والجلاهمة والمعاودة.
غير أن تاريخها وتعميرها الحقيقي، يعود إلى عام 1766، حين نزحت أسرة آل خليفة، ممثلة في محمد بن خليفة، جد الخليفيين، حكام البحرين الحاليين، من الكويت، مع أولاده، ونزل على قبيلة آل علي، وتزوج منهم؛ وكان على جانب عظيم من الثروة والجاه. ولم يكن اختياره للزبارة من دون دراسة، فالمكان معروف للعتوب، منذ أمد بعيد، خلال إقامتهم في قطر. قبل هجرتهم إلى الكويت، ثم عرفوه، جيداً، خلال تجوالهم في الخليج، لنقل تجارتهم بين قطر والبحرين والإحساء. وكان اختيار هذا المكان لموقعه التجاري، أولاً؛ ولقربه من مغاصات اللؤلؤ، ثانياً؛ على الرغم من أن مصادر المياه والحطب كانت بعيدة عنه بمقدار فرسخ ونصف (12 كم تقريباً). واستطاع الشيخ محمد بن خليفة، أن يقوّي شوكته ونفوذه، بذكائه ودهائه، وسيرته الحسنة، وأخلاقه، وكرمه وجوده؛ وكان يقرض الناس الأموال، مقابل شرائه محصول اللؤلؤ. وزادته مصاهرته آل علي قوة ونفوذاً. وقد جعل له مقراً في "مرير"، ورفض أن يدفع الخراج إلى آل مسلم، أمراء قطر.
ومما ساعد على سرعة ازدهار الزبارة، وانتعاش التجارة فيها، اتباع آل خليفة سياسة التجارة الحرة؛ فلم يتقاضوا شيئاً من الضرائب والمكوس، إذ استوردوا البضائع من كافة الجهات، لاستهلاكهم، وأعادوا تصدير الفائض منها إلى الإحساء ونجد. وزاد تجارتها ازدهاراً حادثتان بارزتان: الأولى، الطاعون، الذي تعرضت له مدينة البصرة، عام 1772، والذي أفنى عدداً كبيراً من سكانها؛ وهرب عدد من تجارها الباقين إلى الكويت والقطيف والزبارة، حيث انتعشت الحركة التجارية في موانئها. الثانية، حصار الفرس للبصرة، عام 1775، وحكمهم إياها حتى عام 1779، ما دفع عدداً كبيراً من التجار إلى البعد عن مركز الأحداث، وشجعهم على اللجوء إلى الزبارة، التي لا تتقاضى شيئاً من الرسوم الجمركية.
ولم تكن الزبارة دائماً هانئة، بل تعرضت لمتاعب عديدة، وكان أشدّها خطراً هجوم الفرس عليها، يتقدمهم الشيخ ناصر، حاكم بوشهر والبحرين، بقوة، قوامها ألفا رجل؛ ولكنها هُزمت وتكبدت خسائر فادحة. وكان هذا النصر فاتحة عهد جديد؛ إذ شعرت القوة المنتصرة، في الزبارة بحاجتها إلى التوسع، فانطلقت صوب البحرين.
ومن الزبارة يبدأ حكم آل خليفة للبحرين؛ ومن هنا يبدأ العامل التاريخي في مطالبتهم بها؛ إذ إنها أرض أجدادهم، التي خرجوا منها، وفتحوا البحرين. ويقول "تشارلز بلجريف، المعتمد البريطاني، راوياً عن أحد شيوخ البحرين: "لو سئلت بعد الموت، فلن أجاوب إلا بكلمة زبارة". وزاد من حدة مطالبتهم بها، دخول القوات التركية قطر.
ومن الأسباب، التي تذكر على أساس صحة المطالبة بالزبارة، ما رواه حاكم البحرين للقائد البريطاني، "جرانت"، من أن قبيلة النعيم، قد وقّعت عهداً، تعترف فيه بخضوعها لحكام البحرين. وكان ذلك بحضور الكولونيل بيلي، وحاكم البحرين، يعد هذه القبيلة من رعاياه.
أما أسرة آل ثاني والقطريين، فتعد الزبارة، كذلك، مصدراً تاريخياً مهماً؛ فمنها تبدأ سلطة آل ثاني في قطر، منذ استقرارهم بها، وكان ثاني، جد الأسرة، مولوداً بها، وكان من تجار اللؤلؤ المشهورين. واستطاع، بفضل ثروته وجاهه، أن يكون وكيلاً للسّعوديين في قطر؛ فقد كان مسؤولاً عن جمع الضريبة من القبائل القطرية، وتسليمها إلى إمام السعوديين في نجد. وكان ابنه، محمد بن ثاني، حاكماً للدوحة، تحت سلطة آل خليفة. واستطاع ابنه، جاسم بن محمد بن ثاني، الحصول على الانفصال عن البحرين، بمقتضى المعاهدة المبرمة عام 1868.
ولمّا كان سكّان الزبارة من بني نعيم، غير خاضعين لسلطة آل ثاني، بل يغيرون على جيرانهم، معتمدين على تشجيع حكام البحرين، قرر الشيخ ثاني أن يقضي على قوتهم، فهجم عليهم، بقوة كبيرة، عام 1878، وحاصر قلعة مرير خمسة عشر يوماً، سقطت بعدها، وتفرق بنو نعيم بين الدوحة والبحرين؛ وانتهت الزبارة، مدينة مزدهرة، بعد هذا التاريخ.
2. جزر حُوار
مجموعة من الجزر مملوءة بالنشاط والحركة، تضم ست عشرة جزيرة متلاصقة. وسطحها جبلي مرتفع، وتبدو على شكل ربع دائرة. تبعد نحو عشرين كم، من الجنوب الشرقي لأقصى جنوب البحرين، في رأس البحر، وعلى بعد أقل من ثلاثة كم من قطر. ويمكن الوصول إليها من السواحل القطرية، على الأقدام، في حالة جزر البحر. وتقسّم إلى حوار الشمالية، وساد الجنوبية، وممزوزة، واستوحت تسميتها من الحُوار، ولد النّاقة؛ إذ إن أطرافها تتصل بسواحل قطر، وتشبه حواراً يرضع ضرع أمه. وتبدو صورة مصغرة من البحرين، تشبهها في كلِّ شيء، حتى في وجود الجبل في وسطها، وتعدها البحرين، تاريخياً، جزءاً من ممتلكات آل خليفة؛ بينما تثير قطر المشكلة، من ناحية قانونية، نظراً إلى قربها منها، فتطالب بسيادتها القانونية عليها
ويهتم البحرينيون بهذه الجزر؛ لما تمثله من ثقل جغرافي، يشكل ثلث المساحة الجبلية للبلاد؛ فعدّوها وحدها تشكل 90% من النزاع. ويرى بعض المراقبين أن حُوار، هي لب الخلاف؛ وأن البحرين، لم تكن لتقبل بأدنى من تبعيتها إليها.
أما باقي المناطق المتنازع فيها، فهي جزر صغيرة، ما كانت لها أهمية في الماضي؛ ولكن، في العصر الحديث، ظهرت فيها الثروات الطبيعية، من النفط والغاز؛ فجزيرة فشت الديبل غنية بالغاز الطبيعي، وهي متاخمة لحقل الشمال القطري. وتقع على بُعد 12 ميلاً، في اتجاه الشمال الشرقي من قطر.
وقطعة جرادة أو "فشت جرادة"، المتاخمة لحقل الشمال القطري، كذلك، والتي أعطيت للبحرين ـ تحولها دولة نفطية، وتحتضن ثالث مخزون عالمي للغاز الطبيعي. وقد كانت بيوت خبرة عالمية، ووثائق بريطانية، قد قالت، وقت الانتداب البريطاني، إن قطعة جرادة عائمة فوق بحر من النفط، والغاز الطبيعي.
ثالثا: مساحات المناطق المتنازع فيها
الزبارة: تبلغ مساحتها 193 كم2.
جزر حوار: تبلغ مساحتها 50 كم2.
فشت الديبل: تبلغ مساحته 20 كم2.
قطعة جرادة: تبلغ مساحتها 1 كم2.
جزيرة جنان: تبلغ مساحتها 1.5 كم2.
مغاصات اللؤلؤ: تبلغ مساحتها 1700 كم2.
رابعاً: مراحل النزاع وتطوره في العصر الحديث
في بداية الثلاثينات من القرن العشرين كانت الاكتشافات النفطية تسير على قدم وساق في منطقة الخليج، وكانت شركة "بتروليوم كوربويشن" من الشركات العاملة في هذه المنطقة؛ فسعت إلى معرفة مرجع جزر حُوار، وفشت الديبل؛ لتنسق مع السلطة المعنية للبحث عن النفط فيها. فكتب المندوب السامي البريطاني في الخليج إلى شيخ قطر يبلغه بضرورة النظر في مسألة ملكية جزر حُوار، وفشت الديبل، والرد على الحكومة البريطانية. وفي 20 نوفمبر 1937 أعلن مستشار البحرين "شارلز ديمبلر بلجريف" ضم جزر حُوار إلى البحرين، ووافقته الحكومة البريطانية. واحتج الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني لدى السلطات البريطانية، ورأى أن منح البحرين هذه الجزر لا يستند إلى اعتبارات قانونية أو تاريخية دقيقة، وبعث برسالة إلى الحكومة البريطانية عن طريق الحاكم البريطاني في الهند، أكد فيها أن حُوار جزء من قطر بحكم موقعها الطبيعي.
وفي عام 1937، هجمت القوات القطرية على الزبارة، وتدخلت بريطانيا، وسُوِّي النزاع، ورسّمت الحدود بينهما.
وفي عام 1947 أصدرت بريطانيا قراراً ثانياً بضم فشت الديبل، وقطعة جرادة إلى البحرين.
وفي عام 1965، طلبت قطر حل الخلاف حول الجزر ودياً، واستمرت المطالبة إلى ما بعد استقلال البلدين عن بريطانيا، عام 1971.
وعرضت قطر على البحرين، ضمن هذا الحل الودِّي، إنشاء جزيرة في المياه الإقليمية للبحرين بدلاً من حُوار، كما تقدمت باقتراحات لإبرام اتفاقيات تعاون اقتصادية بين البلدين؛ وكانت البحرين ترفض كل هذه العروض.
وفي عام 1978، توصلت الدولتان، بوساطة المملكة العربية السعودية، إلى اتفاقية، قضت بتجميد الوضع، في الجزر المتنازع فيها. ولكن النزاع ثار مجدداً، بعد أن أعلن خبراء النفط، أن حقل دخان، وهو أكبر حقول النفط في قطر، بدأ يواجه خطر تسرب احتياطيات كبيرة، في تجويفات طبيعية تحت الأرض، إلى جزر حُوار؛ ما زاد من تشبث البحرين بملكية تلك الجزر، خاصة أنها (أي البحرين) أخذت تعاني نضوب مواردها النفطية"؛ ومن ثمَّ، انخفاض عوائدها.
وأثارت البحرين المشكلة، مجدداً، حين دشنت، في أوائل 1982، إحدى سفنها الحربية، التي أطلقت عليها اسم "حُوار". وأتبعت ذلك بمناورات بحرية، بالذخيرة الحية، في جزيرة "فشت الديبل". وهي أمور عدتها قطر أعمالاً استفزازية خارقة لمعاهدة 1978. ومن ثم، بادرت إلى تدعيم قواتها الدفاعية، وبدأت بإنشاء نفق تحت البحر، يصلها بمجموعة جزر حُوار. ولكنها توقفت عن ذلك، إثر وساطة المملكة العربية السعودية.
وفي العام نفسه (1982)، صدر قرار المجلس الوزاري الخليجي، الذي يطلب من المملكة العربية السعودية مواصلة المساعي لحل الخلاف. وفي 8 مارس 1982، صدر قرار مجلس الوزراء الخليجي، القاضي بعدم اتخاذ أي إجراءات استفزازية بين الدولتَين. وفي 20 أكتوبر 1984، أعلنت البحرين تنفيذ مشروع ضخم، لردم منطقة "فشت العلقم"، لإنشاء مدينة عليها، ومد جسر، يربط البحرين بقطر.
في عام 1986، غزت قوة قطرية فشت الديبل، وألقت القبض على ثلاثين رجلاً، بينهم خمسة وعشرون من جنسيات مختلفة، تابعين لبعض الشركات المتعاقدة مع حكومة البحرين. واستنفرت قطر مدفعيتها الثقيلة، ومدافع مضادة للطائرات. وأعلنت أن المناطق البحرية، من "فشت الديبل" و"جزر حُوار"، أصبحت محظورة من الناحيتَين، البحرية والجوية.
ولم يمكن احتواء هذا الخلاف، إلا بتدخل خادم الحرَمين الشريفين. وأفرج عن المحتجزين، بعد سبعة عشر يوماً؛ وأمكن التوصل إلى تسوية بين البلدَين، لإعادة الوضع في فشت الديبل إلى ما كان عليه. وأعلنت تلك التسوية، في الرياض، في 9 مايو 1986. وتشكلت لجنة ثلاثية، برئاسة خادم الحرَمين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، وعضوية كلِّ من الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير البحرين (السّابق)، والشيخ حمد آل ثاني، أمير قطر (السّابق)؛ هدفها البحث عن حل ودي للخلاف.
وفي عام 1987، وافق الطرفان على إطار مبادئ للحل، اقترحته المملكة العربية السعودية؛ نص على أنه إذا لم تنجح المفاوضات بين الطرفَين، للتوصل إلى اتفاقية شاملة لتسوية الخلاف، يعمد الطرفان إلى إجراء مفاوضات لاحقة، لتقرير أفضل السبل للوصول إلى تسوية، من طريق القانون الدولي.
وقالت المصادر القطرية، إن خادم الحرمَين الشريفَين، بعث، عام 1987، إلى أميرَي قطر والبحرين، يعرض عليهما إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية؛ فردت قطر بالموافقة، وتلتها البحرين.
إبّان أزمة الخليج 1990/1991، أصدر الشيخ خليفة بن حمد، أمير قطر، مرسوماً أميرياً، حدد فيه امتداد المياه الإقليمية لدولة قطر إلى مسافة 44.4 كم؛ وكان ذلك يعني أن تصبح كلٌّ من جزر حٌوار وفشت الديبل وقطعة جرادة، إلى جانب عشرات من الجزر التابعة للبحرين ـ ضمن الحدود البحرية الإقليمية لقطر. وهو أمر رفضته البحرين، لكونه يمس سيادتها وحقوقها التاريخية.
وتقول البحرين إنه في عام 1990، استغلت قطر القمة الخليجية، التي عقدت في الدوحة، لبحث مسألة احتلال العراق للكويت، وهددت بالامتناع عن مناقشة المسألة، إذا لم توافق البحرين على نقل القضية إلى محكمة العدل الدولية. ونجحت في انتزاع توقيع البحرين على اتفاق المبادئ، التي اقترحها خادم الحرمَين الشريفَين، والذي بموجبه أتُيحت الفرصة أمام المملكة العربية السعودية لإيجاد حل للنزاع الحدودي بين البلدَين، على أن يسمح لكلا الطرفَين، برفع النزاع إلى محكمة العدل الدولية، في لاهاي، بهولندا.
كما كان لسلطنة عُمان، ودولة الإمارات العربية جهودهما، كذلك، في تقريب وجهات النظر، وتهدئة الأوضاع بين البلدَين. وأصبحت مسألة بت القضية في محكمة العدل أمراً لا بديل منه، إثر شد وجذب بين البلدَين. وكانت الدوحة تتمسك به، والمنامة ترفض، في البداية. وكانت قطر ترى، منذ العام 1965، أهمية عرض الموضوع على المحكمة.
في 8 يوليه 1991، توجهت قطر، متسلحة بالاتفاق الآنف، بشكل منفرد إلى محكمة العدل الدولية، حيث طالبت بتأييد رغبتها في إعلان السيادة القطرية على جزر حوُار، وجزيرتي فشت الديبل، وقطعة جرادة، وإعادة ترسيم الحدود البحرية، الفاصلة بينها وبين البحرين.
وفي 8 أغسطس 1991، تقدمت البحرين بطلب، وأتبعته بآخر، في 14 أكتوبر 1991، لدى لدى محكمة العدل؛ طعنت فيه في الأهلية، التي استندت إليها قطر، كما اعترضت على تقدم قطر بشكل منفرد إلى المحكمة الدولية. وفي الوقت نفسه، قدمت البحرين طلباً لتضمين القضية مطالبتها هي بمنطقة الزبارة، التي احتلتها قطر عام 1937، إضافة إلى مكامن اللؤلؤ ومصايد الأسماك، وبعض النقاط ذات العلاقة بالحدود.
في الأول من يوليه 1994، أصدرت المحكمة الدولية حكمها، في شأن اختصاصها بالنظر في الخلاف القطري ـ البحريني؛ فقبلت فيه الصيغة البحرينية، المطالبة بالنظر في جميع نقاط الخلاف. وحددت المحكمة يوم 30 نوفمبر 1994، موعداً نهائياً، لتقديم الطرفين كلَّ ما يتعلق بالخلاف؛ بعد أن صرفت النظر نهائياً عن الطلب القطري المنفرد.
وفي 25 سبتمبر 1996، قدمت البحرين طعناً رسمياً في الوثائق والمستندات، التي قدمتها قطر إلى المحكمة، وعددها اثنتان وثمانون وثيقة؛ على أساس أنها مزورة الأختام، والأحبار، ونوع الأوراق المستخدمة؛ وقدمت الطعن مزوداً بتقارير من خبراء بالقانون.
وفي فبراير 1999، سجّلت المحكمة، رسمياً، تخلي قطر عن الوثائق، التي ثبت أنها مزورة. وفي 29 مايو 2000، بدأت المرافعات الشفوية، في لاهاي.
في 23 يناير 1999، نشرت وسائل الإعلام، أن كلاًّ من الدولتَين، بينما المحكمة تنظر، ملف الحدود، لجأت إلى التعامل مع المناطق المتنازع فيها، على أنها جزء من ترابها الوطني. فبعد ما أعلنت قطر دوائرها الانتخابية للمجلس البلدي المركزي، ضمت منطقة الزبارة إلى الدائرة الخامسة والعشرين، وتسمى "دخان"، وشرعت الحكومة البحرينية، بتنظم رحلات سياحية يومية، إلى جزر حُوار، نفقة كلٍّ منها 16 ديناراً بحرينياً (نحو أربعين دولاراً أمريكياً)؛ وذلك في محاولة واضحة للرد على الإجراء القطري، الذي ضم منطقة الزبارة، إلى خريطة الدوائر الانتخابية.
كما أطلقت الحكومة البحرينية أسماء الجزر المتنازع فيها، على أهم الطرق والفنادق والمطاعم في المنامة؛ وذلك من أجل ترسيخ ملكية البحرين لهذه المناطق في ذهن الزائر لهذا البلد، قبل المواطن.
وأُطلق اسم "الحجيات" على عدد من المطاعم، وعلى أحد الفنادق. أما اسم الزبارة فقد أُطلق على شارع رئيسي، منذ سنوات عدة. وبعد أن أعلنت قطر دوائرها الانتخابية، احتجت البحرين على ضم المناطق المتنازع فيها، إلى خريطة تلك الدوائر الانتخابية.
بعد ذلك، أخذت الأمور تأخذ منحى ودياً؛ إذ بادر أمير قطر، الشيخ خليفة بن حمد، إلى زيارة البحرين، ونفى مصدر مسؤول، بوزارة الخارجية البحرينية، في بيان صحافي، أن تكون تلك الزيارة بغرض بحث الخلاف الحدودي بين البلدَين، والمعروض، حالياً، على محكمة العدل الدولية.
أما أمير قطر، فقد صرّح، في المنامة، أن الهدف من الزيارة، هو التقاء أمير البحرين، وتهنئته بنجاح الاستفتاء في ميثاق العمل الوطني؛ موضحاً أن البلدين انتهيا من الخلاف الحدودي بينهما، وتنتظران حكم محكمة العدل الدولية، ليبدأ تعزيز العلاقات أكثر فأكثر. ووصف العلاقات بين البلدَين بأنها جيدة، وتربطهما وشائج القربى والتواصل والمحبة.
وبث تلفزيون قطر قبيل ساعة واحدة من صدور الحكم برنامجاً يحمل اسم "مصيرنا واحد" حول التاريخ المشترك بين البحرين وقطر، مركزاً على أن قرار المحكمة ليس انتصاراً لطرفٍ على الآخر.