مذبحة قانا ١٩٩٦
مرسل: السبت نوفمبر 02, 2013 10:27 am
مذبحة قانا (18 أبريل 1996)، وردود الفعل العربية والدولية
أ. الموقف الإسرائيلي
في الثامن عشر من أبريل، وفي اليوم الثامن للعدوان الإسرائيلي، قامت إسرائيل بأكثر العمليات الإرهابية اتساعاً ووحشية، ضد مدنيين عزل، ورجال مقاومة، يمارسون حقهم الطبيعي، والمشروع، في الدفاع عن بلدهم. فقد ارتكبت القوات الإسرائيلية مذبحة جديدة، ضد المدنيين في جنوبي لبنان، راح ضحيتها أكثر من مائة قتيل، وجرح نحو 105 آخرين[1]، بعد هجوم مركز بالمدفعية، على معسكر للنازحين من قرى الجنوب اللبناني، في مقر كتيبة تابعة لدولة فيجي Fiji " "، تعمل ضمن قوات حفظ السلام الدولية. كما أدى القصف، أيضاً، إلى مصرع 4 جنود من الكتيبة الفيجية. وأكّد تيمور جوكسيل، المتحدث باسم القوات الدولية في لبنان، أن قائد الكتيبة الفيجية، اتصل بالقيادة الدولية، للإبلاغ عن قصف عنيف لموقعه، وطلب ضرورة التحرك الفوري، لوقف القصف الإسرائيلي المجنون. وهرعت سيارات الإسعاف إلى الموقع، لإجلاء الضحايا. وطلبت قيادة القوات الدولية مساعدة الوحدات المختلفة. وهكذا، أصبحت مذبحة قانا وصمة عار جديدة على جبين إسرائيل، التي لم تجِد سوى مقر للأمم المتحدة، للقيام بقصفه بضراوة بالغة.
وفي الوقت عينه، الذي تمت فيه مذبحة قانا، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف مدينة النبطية اللبنانية، والقرى المحيطة بها. وتركز القصف في منازل المدينة، مما أدى إلى تدمير منزلين تدميراً كاملاً، ومقتل 11 مواطن، بينهم تسعة من أسرة واحدة، وأربعة أطفال، منهم طفل، عمره ثلاثة أيام، وجرح 6 أفراد آخرين.
كما أطلقت القوات البحرية الإسرائيلية 25 صاروخاً على الطريق الساحلي، المؤدي إلى صيدا، مما أدى إلى تعطيل حركة السير في مداخل المدينة الشمالية. وفي الوقت الذي اشتعلت فيه النيران في موقع قانا، والذي امتلأ بالدماء، عرض التليفزيون الإسرائيلي مشاهد لعشرات الدبابات، من نوع "ميركافاMerkava"، وهي تدخل المنطقة المحتلة في جنوبي لبنان. وقد ادعت إسرائيل، في البداية، أن القصف المدفعي، جاء نتيجة خطأ في حسابات أفراد وحدة المدفعية. ولكن أكد شهود عيان (كما جاء بعد ذلك في مذكرة الأمم المتحدة)، أن طائرة إسرائيلية، كانت تدير نيران المدفعية، مما يدل على أن القصف كان متعمداً، وأن "مذبحة قانا" كانت مخططة، وهي إحدى سمات السياسة الإسرائيلية بدءاً من مذبحة دير ياسين، وحتى مذبحة صبرا وشاتيلا، مروراً بأسلوب حرب الاستنزاف، ضد الجبهة المصرية؛ إذ كانت تقصف مدن القناة، حتى تضطر القيادة العسكرية المصرية إلى تخفيف وطأة قصفها للمواقع العسكرية الإسرائيلية.
وأيّاً كانت التبريرات الإسرائيلية، فإن مجرد قصف معسكر، يرفع علم الأمم المتحدة، هو جريمة ضد العالم أجمع، وليس ضد لبنان أو حزب الله فقط.
ب. موقف حزب الله
رد مقاتلو حزب الله على المذبحة، بقصف شمالي إسرائيل، برشقات جديدة من صواريخ الكاتيوشا. مما أسفر عن إصابة امرأة إسرائيلية بجروح، وحدوث خسائر مادية، في إحدى قرى منطقة الجليل('إذاعة بيروت، في 18 أبريل 1996.
ج. أحداث المذبحة، كما رواها بعض النّاجين منها
(1) قال الشيخ سعد بلهاس، وهو مواطن من الجنوب اللبناني: "في ثانية واحدة، فقدتُ كل شيء. لقد فقدتُ 14 من أبنائي وأحفادي وزوجتي، في ثانية واحدة. لا أرغب في الحياة، أبلغوا الأطباء، أن يتركوني أموت. تلك كانت كلمات هذا المواطن، الذي لجأ هو وعائلته إلى مواقع القوات الدولية، في بلدة قانا، التي شهدت المذبحة الإسرائيلية. وقال بلهاس، الذي أصيب بشظية في صدره، أثناء قيام المصورين بالتقاط الصور له: "كفى. اذهبوا إلى مقر القوات الدولية والتقطوا الصور لأشلاء الضحايا، التي التصقت بالجدران".
(2) أمّا حسين شوقي، المواطن اللبناني فيقول: "لقد كان بين ذراعَي طفل، ومات بسبب اندفاع شظية في جسده. لقد كنا نسير على أيادٍ وأرجل ورؤوس متناثرة في كل مكان من موقع القوة الدولية. إننا لن ننسى أبداً هذا الإرهاب الإسرائيلي".
(3) أمّا المواطن اللبناني، محمد شوقي، الذي فقَد والدته وإخوته الستة، فيقول: "عندما سقطت القذيفة الأولى، انهار الجدار علينا، وطار رأس سيدة، كانت تقف إلى جواري. كما تحول رجل، إلى يساري، إلى كومة أشلاء. لقد شاهدت أمي وإخوتي الستة يُقتلون".
(4) أمّا فاطمة إسماعيل، فتقول: "لقد كنت أجري كالمجنونة، بحثاً عن طفلي، في حين كانت قدماي منغمستين في برك من الدماء".
(5) ويقول فادي جابر، وهو يبكي: "سقطت سيدة، إلى جواري، مغشياً عليها، فمددت يدي، لكي أسند رأسها، فسقط مخّها في يدي".
(6) أمّا أحد ضباط القوة الدولية فقد قال، وهو يقوم برفع بقايا اللحم البشري: "إن كل ما يحدث هنا، هو بشع، ولا أستطيع أن أصف مدى بشاعته". قالها الضابط الدولي، قبل أن يجهش بالبكاء.
(7) وذكر مدير أحد المستشفيات في لبنان، أن لديه 4 أطفال، لا تُّعرف أسماؤهم، ولا يُعرف آباؤهم، ومن ثمّ، فقد أطلقنا عليهم حروفاً بدل الأسماء: الطفل أ، الطفل ب، والطفل ج. أمّا الطفل الرابع، فسميناه طفل الهليوكوبتر، لأن إحدى الطائرات العمودية، تسببت بقطع إحدى ساقيه، وأصبح في غيبوبة. وهم جميعاً أقرب إلى الموت منهم إلى الحياة.
(8) أحد عناصر الإسعاف، الذي رفع الأنقاض في قانا، قال: "لقد شاهدت أكواماً من أشلاء الضحايا. واستحال التمييز، بسبب اختلاط الأشلاء. مما أدى إلى أن نقوم بتعبئتهم في أكياس من النايلون، ووضعهم في سيارات للنقل. أما الجرحى منهم، فهم مجموعة من الأطفال، الذين اختفى أهلهم تماماً، ولعلهم تطايروا مع الأشلاء، التي تطايرت".
ثانيا: المواقف وردود الفعل، الدولية والعربية والإسرائيلية، إزاء أحداث قانا
وضح للعالم، بعد هذه المذبحة، أن هذا العنف الوحشي، الذي تعرض له اللبنانيون، لا يمكن أن يبرره سقوط بعض صواريخ الكاتيوشا، تطلقها عناصر حزب الله على شمالي إسرائيل؛ لأن ما فعلته إسرائيل، لم يكن سوى انتقام وحشي، ودموي، ضد شعب بريء، لا يريد سوى استعادة الجزء المحتل من أرضه.
1. الموقف الدولي
أ. الموقف الأمريكي
دعا الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، جميع الأطراف لوقف إطلاق النار، فوراً. وطلب من وزير خارجيته، وارن كريستوفر، التوجه إلى المنطقة للعمل على وقف القتال. وأشارت المصادر الأمريكية إلى أن دينيس روس، المنسق الأمريكي لعملية السلام، هو في طريقه إلى المنطقة، تمهيداً لزيارة كريستوفر.
ب. الموقف الفرنسي
وجّه الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، نداءً رسمياً إلى إسرائيل، بضرورة الاستجابة لوقف إطلاق النار. كما اجتمع وزير الخارجية الفرنسي مع شيمون بيريز، لبحث إعادة الهدوء إلى لبنان. وفي هذا الإطار، تم الاتفاق على لقاء شيراك كلينتون، في موسكو، في 19 أبريل، من أجل التنسيق بين البلدين، لوقف القتال في لبنان.
ج. الموقف الروسي
انتقد يفجيني بريماكوف Yevgeny Primakov، وزير خارجية روسيا، إسرائيل. وأعرب عن قلقه لتدهور الوضع في لبنان، مشيراً إلى أنه على اتصال مع المسؤولين في فرنسا ولبنان وسورية، لمحاولة إيجاد حل للأزمة.
2. الموقف العربي
أ. الموقف العربي بشكل عام
أثبتت عمليات "عناقيد الغضب"، القصور الكبير على الجانب العربي، وهو ما مكّـن إسرائيل من تحقيق هدفها، إضافة إلى ضعف قوة الضغط العربي على المجتمع الدولي، لتوضيح وجهة النظر العربية، تجاه وضع حرب الإبادة الإسرائيلية في الحسبان، قـبل اتخاذ المجتمع الدولي لموقفه المتواطئ، بالتغاضي أو الصمت عمّا تفعله إسرائيل في لبنان. ناهيك من غياب القوة الاقتصادية العربية، أو العجـز عن اسـتخدام عوامل قوّتها الاستخدام الأمثل في مصلحة القضايا العربية، مما سمح للبعض بالحديث عن الشـرق أوسطية، بدلاً من الحديث عن سوق عربية، تتعامل مع التكتلات الاقتصادية الدولية، من موقف القوة والمساواة، فضلاً عن فقْد سلاح النفط العربي لقوته الضاغطة، التي حققت أقصى أثر لها، في أعقاب حرب 1973، بعد أن استوعبت دول الغرب هذا الدرس.
وهكذا، أصبح الطريق مفتوحاً أمام إسرائيل، لممارسة كل أنواع الصلف والقتل، من دون رادع من المجتمع العالمي، ولا ردود فعل قوية، ومؤثرة، من الطرف العربي.
ب. الموقفان، المصري والسعودي
بعث الرئيس حسني مبارك برسالتين إلى الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز، في إطار الجهود المصرية المكثفة، لاحتواء الوضع المتفجر في لبنان. تناولت الرسالتان تطورات الأوضاع في لبنان، وتصعيد العنف في المنطقة، وضرورة التدخل السريع لوقف العلميات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، لتهدئة الأوضاع، وإنقاذ مسيرة السلام.
وفي الوقت نفسه، تسلم الرئيس مبارك رسالة من خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، خلال استقباله الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، الذي صرح بأنه جرى، خلال المقابلة، استعراض نتائج اجتماع مجلس الجامعة العربية، حول لبنان، والعدوان الإسرائيلي المستمر ضد الشعب اللبناني. وأكد الأمير سعود الفيصل، أن الحل الأمثل، هو تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم (425). ودان الوزير السعودي قيام إسرائيل بضرب المدنيين، ووصفه بأنه تصعيد خطير للموقف. وأعلن أن المملكة تتحرك، على كافة المحاور، من أجل وقف إطلاق النار، كما أنها لا تمانع في عقد مؤتمر قمة عربي.
وأعلن وزير الخارجية المصري، عمرو موسى، أن مقتل المدنيين دليل على خطر الموقف. وقال إن مصر، بصفتها الدولة العربية العضو في مجلس الأمن، تساند المطلب اللبناني بإصدار قرار، يلزم إسرائيل بدفع تعويضات إلى لبنان عن الدمار الذي لحق به. كما أكد أن استخدام العنف بهذا الشكل، وضرب المدنيين، يخرجان عن أي نظام قانوني، ويُعَدّان خرقاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
ج. الموقف اللبناني، والمقترحات لحل الأزمة المتصاعدة
أمّا الموقف اللبناني، فقد جاء واضحاً على لسان رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان، حين قال: "إن الدولة اللبنانية، لا تستطيع منع حزب الله من العمل المسلح، لأنه يمثل المقاومة ضد الاحتلال. فمثل هذا التصرف، فيما لو تم، يعني أن الحكومة، ستجعل الوضع مريحاً لسلطة الاحتلال الإسرائيلي ". كما أوضح رئيس الوزراء اللبناني ـ الذي يقود سياسة أعمار بلاده ـ أن الاحتلال هو مبرر المقاومة. وكل من الطرفين يعطي للآخر مبرراً للوجود، وإنه من الصعب القضاء على مقاومة وطنية، في ظل احتلال عسكري. أمّا إذا انسحبت إسرائيل، فسيتحمل لبنان مسؤولية تجريد المقاومة من السلاح، وضمان أمن المنطقة. فالواقع أن لبنان يرفض الخيار المطروح عليه، وهو إمّا الاستمرار في تلقي ضـربات إسرائيل، أو الدخول في حرب أهلية، من خلال القتال مع حزب الله ونزع سلاحه. ويتناسى أصحاب هـذا الخيار، أن لبنان، في ظل الظروف، التي يعيشها، يعتقد أن إسرائيل تعمل لتحقيق عدة أهداف، من أجل خلق فتنة داخلية، وضرب مسيرة إعادة بناء لبنان، من طريق تدمير المؤسسات والمرافق، وإصابة النشاط الاقتصادي بالشلل، إضافة إلى خلق مناطق خالية من السكان، وزيادة الأعباء، التي تواجهها الحكومة.
وعن حزب الله، يقول رفيق الحريري: إن حزب الله أصبح الرابح، دائماً، في معركته ضد إسرائيل، مستثمراً حالة الاستياء العامة بعمليات التدمير، التي تقوم بها القوات الإسرائيلية. والدليل على ذلك، أنه استطاع أن يجند، منذ عام 1982، عناصر عديدة، كما استمد مشروعيته السياسية من واقع كسبه لموقعه المميز، إزاء كل التنظيمات اللبنانية.
وعن "عناقيد الغضب" يقول رئيس الوزراء اللبناني: " إن " عناقيد الغضب " زادت من الحقد والكراهية، في نفوس الشعب اللبناني، تجاه إسرائيل. وهو أمر سينعكس، سلباً، على التعايش، في المستقبل، بين البلدين".
لقد بات واضحاً، لدى الشعب اللبناني، أن العدوان الإسرائيلي، يستهدف لبنان بأسره، في سيادته على أرضه، وفي حقه في مياهه، كما يستهدف دوره المستقبلي في المنطقة. وإن العمليات العسكرية الإسرائيلية، ضد المنشآت المدنية والاقتصادية اللبنانية، دليل ساطع على هذا التوجه الإسرائيلي، بل إن هذا العدوان، قد أتى بنتائج، عززت الوحدة الوطنية، والمناعة الداخلية، في مواجهة العدوان. وأصبح الشعار، الذي يرفعه اللبنانيون، بكل طوائفهم وفئاتهم: " لا أمن لشمالي إسرائيل، إلا بالانسحاب من جنوبي لبنان ".
ويؤكد الحريري، أن حل هذه المشكلة، يكمن في ثلاثة أمور:
(1) الأمر الأول
وقف إطلاق النار، من الفور. وتطبيق "اتفاق التفاهم"، الذي توصل إليه حزب الله وإسرائيل، بواسطة واشنطن، عام 1993، وهو المعروف باسم "اتفاق الكاتيوشا"، الذي يقضي بعدم ضرب المدنيين في الجانبين.
(2) الأمر الثاني
هو البدء في تنفيذ قرار مجلس الأمن، الداعي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الشريط المحتل في جنوبي لبنان. فـإذا طبقت إسرائيل قرار مجلس الأمن الرقم (425)، وانسحبت من لبنان، فإن الجيش اللبناني، سيكون مسؤولاً عن ضمان الأمن في الجنوب اللبناني.
(3) الأمر الثالث
هو استئناف المفاوضات بين إسرائيل، من جانب، وسورية ولبنان، من جانب آخر، من أجل التوصل إلى اتفاق سلام شامل في المنطقة؛ فسرعة الاتفاق على الانسحاب من الجولان وجنوبي لبنان، ستوقف المقاومة المسلحة على نحو ما تؤكده الدولة اللبنانية نفسها.
وعن الموقف الأمريكي، قال الحريري: إنه من الواضح، أن إسرائيل في عدوانها هذا، لم تتحرك من فراغ. ولكنها حصلت على تأييد أمريكي غير محدود لعملياتها في لبنان. وقد ظهر ذلك واضحا في التصريحات الأمريكية، التي ألقـت اللوم على لبنان وسورية، من دون أي حسبان لحقيقة استمرار إسرائيل في احتلال الأراضي اللبنانية، ولا لحجم الفعل الإسرائيلي، الذي يتعدى، بأي معيار، مواجهة عنف حزب الله، لكي يوقع الإرهاب والعنف الشاملين على الشعب اللبناني كله. كما أن الموقف الأمريكي، المنحـاز تماماً إلى إسرائيل، في مجلس الأمن، يثبت أن هناك اتفاقاً مسبقاً على هذا العدوان. ويؤيد ذلك عدم بدء التحرك السياسي الأمريكي، من أجل وقف إطلاق النار، إلا بعد مذبحة قانا، وبعد مرور ثمانية أيام من القصف الإسرائيلي المستمر، ضد مدن الجنوب اللبناني وقراه.
3. الموقف الإسرائيلي
بعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الإسرائيلي، اعترف شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأن قصف المدنيين اللبنانيين خطأ مؤسف. وحمّل حزب الله مسؤولية سقوط ضحايا من المدنيين. وادعى أن الحزب، قام بإطلاق صواريخ الكاتيوشا، من قاذف بالقرب من معسكر قانا، مما دفع القوات الإسرائيلية إلى قصف المنطقة. وأكد بيريز أن العمليات العسكرية، ستستمر في لبنان، حتى تتوقف هجمات حزب الله بصواريخ الكاتيوشا.
وذكرت إذاعة إسرائيل، أن الاجتماع أعطى الضوء الأخضر لبيريز، للتفاوض من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في لبنان.
وقال بيريز في مؤتمر صحفي، في تل أبيب: "إذا لم يمنع السوريون واللبنانيون هجمات حزب الله، فإنهم سيتسببون بكارثة للبنان". ورداً على تعليق حول مقتل تسعة مدنيين من عائلة واحدة، في مدينة النبطية، من جراء القصف الإسرائيلي، قال بيريز: "كان ينبغي أن تكون المدينة خالية من سكانها. وزعم أن القوات الإسرائيلية، تقصف المنازل، التي يطلق حزب الله منها صواريخ الكاتيوشا، وأن القوات الإسرائيلية، لا تقصف المباني كيفما اتفق".
ورداً على ادعاءات بيريز، نفى حزب الله وجود قواعد له بالقرب من قانا، أو بالقرب من قيادة القوات الدولية في لبنان.
ثالثاً: مجلس الأمن ومذبحة قانا
تقدمت مصر إلى مجلس الأمن بقرار، باسم المجموعة العربية. وأصرت على ضرورة اتخاذ المجلس موقفاً إيجابياً، وفورياً، لوقف هذه الاعتداءات. في حين أكد مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة ضرورة طرح مشروع القرار، الذي تقدمت به مصر، للتصويت في مجلس الأمن. وأوضح أن لبنان طلب عقد اجتماع عاجل للجمعية العامة للأمم المتحدة، لبحث العدوان الإسرائيلي.
وشهدت أروقة مجلس الأمن ضغوطاً دولية متزايدة، للدعوة إلى وقف إطلاق النار في لبنان. بينما ذكرت مصادر دبلوماسية أمريكية، أن واشنطن ستحاول تعطيل أي إجراء للمجلس. كما أبدى مندوبا روسيا وبريطانيا تحفظهما من المشروع العربي، المطالب بإدانة إسرائيل، لأنه لم يشر إلى هجمات حزب الله على شمالي إسرائيل.
أ. الموقف الإسرائيلي
في الثامن عشر من أبريل، وفي اليوم الثامن للعدوان الإسرائيلي، قامت إسرائيل بأكثر العمليات الإرهابية اتساعاً ووحشية، ضد مدنيين عزل، ورجال مقاومة، يمارسون حقهم الطبيعي، والمشروع، في الدفاع عن بلدهم. فقد ارتكبت القوات الإسرائيلية مذبحة جديدة، ضد المدنيين في جنوبي لبنان، راح ضحيتها أكثر من مائة قتيل، وجرح نحو 105 آخرين[1]، بعد هجوم مركز بالمدفعية، على معسكر للنازحين من قرى الجنوب اللبناني، في مقر كتيبة تابعة لدولة فيجي Fiji " "، تعمل ضمن قوات حفظ السلام الدولية. كما أدى القصف، أيضاً، إلى مصرع 4 جنود من الكتيبة الفيجية. وأكّد تيمور جوكسيل، المتحدث باسم القوات الدولية في لبنان، أن قائد الكتيبة الفيجية، اتصل بالقيادة الدولية، للإبلاغ عن قصف عنيف لموقعه، وطلب ضرورة التحرك الفوري، لوقف القصف الإسرائيلي المجنون. وهرعت سيارات الإسعاف إلى الموقع، لإجلاء الضحايا. وطلبت قيادة القوات الدولية مساعدة الوحدات المختلفة. وهكذا، أصبحت مذبحة قانا وصمة عار جديدة على جبين إسرائيل، التي لم تجِد سوى مقر للأمم المتحدة، للقيام بقصفه بضراوة بالغة.
وفي الوقت عينه، الذي تمت فيه مذبحة قانا، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف مدينة النبطية اللبنانية، والقرى المحيطة بها. وتركز القصف في منازل المدينة، مما أدى إلى تدمير منزلين تدميراً كاملاً، ومقتل 11 مواطن، بينهم تسعة من أسرة واحدة، وأربعة أطفال، منهم طفل، عمره ثلاثة أيام، وجرح 6 أفراد آخرين.
كما أطلقت القوات البحرية الإسرائيلية 25 صاروخاً على الطريق الساحلي، المؤدي إلى صيدا، مما أدى إلى تعطيل حركة السير في مداخل المدينة الشمالية. وفي الوقت الذي اشتعلت فيه النيران في موقع قانا، والذي امتلأ بالدماء، عرض التليفزيون الإسرائيلي مشاهد لعشرات الدبابات، من نوع "ميركافاMerkava"، وهي تدخل المنطقة المحتلة في جنوبي لبنان. وقد ادعت إسرائيل، في البداية، أن القصف المدفعي، جاء نتيجة خطأ في حسابات أفراد وحدة المدفعية. ولكن أكد شهود عيان (كما جاء بعد ذلك في مذكرة الأمم المتحدة)، أن طائرة إسرائيلية، كانت تدير نيران المدفعية، مما يدل على أن القصف كان متعمداً، وأن "مذبحة قانا" كانت مخططة، وهي إحدى سمات السياسة الإسرائيلية بدءاً من مذبحة دير ياسين، وحتى مذبحة صبرا وشاتيلا، مروراً بأسلوب حرب الاستنزاف، ضد الجبهة المصرية؛ إذ كانت تقصف مدن القناة، حتى تضطر القيادة العسكرية المصرية إلى تخفيف وطأة قصفها للمواقع العسكرية الإسرائيلية.
وأيّاً كانت التبريرات الإسرائيلية، فإن مجرد قصف معسكر، يرفع علم الأمم المتحدة، هو جريمة ضد العالم أجمع، وليس ضد لبنان أو حزب الله فقط.
ب. موقف حزب الله
رد مقاتلو حزب الله على المذبحة، بقصف شمالي إسرائيل، برشقات جديدة من صواريخ الكاتيوشا. مما أسفر عن إصابة امرأة إسرائيلية بجروح، وحدوث خسائر مادية، في إحدى قرى منطقة الجليل('إذاعة بيروت، في 18 أبريل 1996.
ج. أحداث المذبحة، كما رواها بعض النّاجين منها
(1) قال الشيخ سعد بلهاس، وهو مواطن من الجنوب اللبناني: "في ثانية واحدة، فقدتُ كل شيء. لقد فقدتُ 14 من أبنائي وأحفادي وزوجتي، في ثانية واحدة. لا أرغب في الحياة، أبلغوا الأطباء، أن يتركوني أموت. تلك كانت كلمات هذا المواطن، الذي لجأ هو وعائلته إلى مواقع القوات الدولية، في بلدة قانا، التي شهدت المذبحة الإسرائيلية. وقال بلهاس، الذي أصيب بشظية في صدره، أثناء قيام المصورين بالتقاط الصور له: "كفى. اذهبوا إلى مقر القوات الدولية والتقطوا الصور لأشلاء الضحايا، التي التصقت بالجدران".
(2) أمّا حسين شوقي، المواطن اللبناني فيقول: "لقد كان بين ذراعَي طفل، ومات بسبب اندفاع شظية في جسده. لقد كنا نسير على أيادٍ وأرجل ورؤوس متناثرة في كل مكان من موقع القوة الدولية. إننا لن ننسى أبداً هذا الإرهاب الإسرائيلي".
(3) أمّا المواطن اللبناني، محمد شوقي، الذي فقَد والدته وإخوته الستة، فيقول: "عندما سقطت القذيفة الأولى، انهار الجدار علينا، وطار رأس سيدة، كانت تقف إلى جواري. كما تحول رجل، إلى يساري، إلى كومة أشلاء. لقد شاهدت أمي وإخوتي الستة يُقتلون".
(4) أمّا فاطمة إسماعيل، فتقول: "لقد كنت أجري كالمجنونة، بحثاً عن طفلي، في حين كانت قدماي منغمستين في برك من الدماء".
(5) ويقول فادي جابر، وهو يبكي: "سقطت سيدة، إلى جواري، مغشياً عليها، فمددت يدي، لكي أسند رأسها، فسقط مخّها في يدي".
(6) أمّا أحد ضباط القوة الدولية فقد قال، وهو يقوم برفع بقايا اللحم البشري: "إن كل ما يحدث هنا، هو بشع، ولا أستطيع أن أصف مدى بشاعته". قالها الضابط الدولي، قبل أن يجهش بالبكاء.
(7) وذكر مدير أحد المستشفيات في لبنان، أن لديه 4 أطفال، لا تُّعرف أسماؤهم، ولا يُعرف آباؤهم، ومن ثمّ، فقد أطلقنا عليهم حروفاً بدل الأسماء: الطفل أ، الطفل ب، والطفل ج. أمّا الطفل الرابع، فسميناه طفل الهليوكوبتر، لأن إحدى الطائرات العمودية، تسببت بقطع إحدى ساقيه، وأصبح في غيبوبة. وهم جميعاً أقرب إلى الموت منهم إلى الحياة.
(8) أحد عناصر الإسعاف، الذي رفع الأنقاض في قانا، قال: "لقد شاهدت أكواماً من أشلاء الضحايا. واستحال التمييز، بسبب اختلاط الأشلاء. مما أدى إلى أن نقوم بتعبئتهم في أكياس من النايلون، ووضعهم في سيارات للنقل. أما الجرحى منهم، فهم مجموعة من الأطفال، الذين اختفى أهلهم تماماً، ولعلهم تطايروا مع الأشلاء، التي تطايرت".
ثانيا: المواقف وردود الفعل، الدولية والعربية والإسرائيلية، إزاء أحداث قانا
وضح للعالم، بعد هذه المذبحة، أن هذا العنف الوحشي، الذي تعرض له اللبنانيون، لا يمكن أن يبرره سقوط بعض صواريخ الكاتيوشا، تطلقها عناصر حزب الله على شمالي إسرائيل؛ لأن ما فعلته إسرائيل، لم يكن سوى انتقام وحشي، ودموي، ضد شعب بريء، لا يريد سوى استعادة الجزء المحتل من أرضه.
1. الموقف الدولي
أ. الموقف الأمريكي
دعا الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، جميع الأطراف لوقف إطلاق النار، فوراً. وطلب من وزير خارجيته، وارن كريستوفر، التوجه إلى المنطقة للعمل على وقف القتال. وأشارت المصادر الأمريكية إلى أن دينيس روس، المنسق الأمريكي لعملية السلام، هو في طريقه إلى المنطقة، تمهيداً لزيارة كريستوفر.
ب. الموقف الفرنسي
وجّه الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، نداءً رسمياً إلى إسرائيل، بضرورة الاستجابة لوقف إطلاق النار. كما اجتمع وزير الخارجية الفرنسي مع شيمون بيريز، لبحث إعادة الهدوء إلى لبنان. وفي هذا الإطار، تم الاتفاق على لقاء شيراك كلينتون، في موسكو، في 19 أبريل، من أجل التنسيق بين البلدين، لوقف القتال في لبنان.
ج. الموقف الروسي
انتقد يفجيني بريماكوف Yevgeny Primakov، وزير خارجية روسيا، إسرائيل. وأعرب عن قلقه لتدهور الوضع في لبنان، مشيراً إلى أنه على اتصال مع المسؤولين في فرنسا ولبنان وسورية، لمحاولة إيجاد حل للأزمة.
2. الموقف العربي
أ. الموقف العربي بشكل عام
أثبتت عمليات "عناقيد الغضب"، القصور الكبير على الجانب العربي، وهو ما مكّـن إسرائيل من تحقيق هدفها، إضافة إلى ضعف قوة الضغط العربي على المجتمع الدولي، لتوضيح وجهة النظر العربية، تجاه وضع حرب الإبادة الإسرائيلية في الحسبان، قـبل اتخاذ المجتمع الدولي لموقفه المتواطئ، بالتغاضي أو الصمت عمّا تفعله إسرائيل في لبنان. ناهيك من غياب القوة الاقتصادية العربية، أو العجـز عن اسـتخدام عوامل قوّتها الاستخدام الأمثل في مصلحة القضايا العربية، مما سمح للبعض بالحديث عن الشـرق أوسطية، بدلاً من الحديث عن سوق عربية، تتعامل مع التكتلات الاقتصادية الدولية، من موقف القوة والمساواة، فضلاً عن فقْد سلاح النفط العربي لقوته الضاغطة، التي حققت أقصى أثر لها، في أعقاب حرب 1973، بعد أن استوعبت دول الغرب هذا الدرس.
وهكذا، أصبح الطريق مفتوحاً أمام إسرائيل، لممارسة كل أنواع الصلف والقتل، من دون رادع من المجتمع العالمي، ولا ردود فعل قوية، ومؤثرة، من الطرف العربي.
ب. الموقفان، المصري والسعودي
بعث الرئيس حسني مبارك برسالتين إلى الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز، في إطار الجهود المصرية المكثفة، لاحتواء الوضع المتفجر في لبنان. تناولت الرسالتان تطورات الأوضاع في لبنان، وتصعيد العنف في المنطقة، وضرورة التدخل السريع لوقف العلميات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، لتهدئة الأوضاع، وإنقاذ مسيرة السلام.
وفي الوقت نفسه، تسلم الرئيس مبارك رسالة من خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، خلال استقباله الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، الذي صرح بأنه جرى، خلال المقابلة، استعراض نتائج اجتماع مجلس الجامعة العربية، حول لبنان، والعدوان الإسرائيلي المستمر ضد الشعب اللبناني. وأكد الأمير سعود الفيصل، أن الحل الأمثل، هو تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم (425). ودان الوزير السعودي قيام إسرائيل بضرب المدنيين، ووصفه بأنه تصعيد خطير للموقف. وأعلن أن المملكة تتحرك، على كافة المحاور، من أجل وقف إطلاق النار، كما أنها لا تمانع في عقد مؤتمر قمة عربي.
وأعلن وزير الخارجية المصري، عمرو موسى، أن مقتل المدنيين دليل على خطر الموقف. وقال إن مصر، بصفتها الدولة العربية العضو في مجلس الأمن، تساند المطلب اللبناني بإصدار قرار، يلزم إسرائيل بدفع تعويضات إلى لبنان عن الدمار الذي لحق به. كما أكد أن استخدام العنف بهذا الشكل، وضرب المدنيين، يخرجان عن أي نظام قانوني، ويُعَدّان خرقاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
ج. الموقف اللبناني، والمقترحات لحل الأزمة المتصاعدة
أمّا الموقف اللبناني، فقد جاء واضحاً على لسان رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان، حين قال: "إن الدولة اللبنانية، لا تستطيع منع حزب الله من العمل المسلح، لأنه يمثل المقاومة ضد الاحتلال. فمثل هذا التصرف، فيما لو تم، يعني أن الحكومة، ستجعل الوضع مريحاً لسلطة الاحتلال الإسرائيلي ". كما أوضح رئيس الوزراء اللبناني ـ الذي يقود سياسة أعمار بلاده ـ أن الاحتلال هو مبرر المقاومة. وكل من الطرفين يعطي للآخر مبرراً للوجود، وإنه من الصعب القضاء على مقاومة وطنية، في ظل احتلال عسكري. أمّا إذا انسحبت إسرائيل، فسيتحمل لبنان مسؤولية تجريد المقاومة من السلاح، وضمان أمن المنطقة. فالواقع أن لبنان يرفض الخيار المطروح عليه، وهو إمّا الاستمرار في تلقي ضـربات إسرائيل، أو الدخول في حرب أهلية، من خلال القتال مع حزب الله ونزع سلاحه. ويتناسى أصحاب هـذا الخيار، أن لبنان، في ظل الظروف، التي يعيشها، يعتقد أن إسرائيل تعمل لتحقيق عدة أهداف، من أجل خلق فتنة داخلية، وضرب مسيرة إعادة بناء لبنان، من طريق تدمير المؤسسات والمرافق، وإصابة النشاط الاقتصادي بالشلل، إضافة إلى خلق مناطق خالية من السكان، وزيادة الأعباء، التي تواجهها الحكومة.
وعن حزب الله، يقول رفيق الحريري: إن حزب الله أصبح الرابح، دائماً، في معركته ضد إسرائيل، مستثمراً حالة الاستياء العامة بعمليات التدمير، التي تقوم بها القوات الإسرائيلية. والدليل على ذلك، أنه استطاع أن يجند، منذ عام 1982، عناصر عديدة، كما استمد مشروعيته السياسية من واقع كسبه لموقعه المميز، إزاء كل التنظيمات اللبنانية.
وعن "عناقيد الغضب" يقول رئيس الوزراء اللبناني: " إن " عناقيد الغضب " زادت من الحقد والكراهية، في نفوس الشعب اللبناني، تجاه إسرائيل. وهو أمر سينعكس، سلباً، على التعايش، في المستقبل، بين البلدين".
لقد بات واضحاً، لدى الشعب اللبناني، أن العدوان الإسرائيلي، يستهدف لبنان بأسره، في سيادته على أرضه، وفي حقه في مياهه، كما يستهدف دوره المستقبلي في المنطقة. وإن العمليات العسكرية الإسرائيلية، ضد المنشآت المدنية والاقتصادية اللبنانية، دليل ساطع على هذا التوجه الإسرائيلي، بل إن هذا العدوان، قد أتى بنتائج، عززت الوحدة الوطنية، والمناعة الداخلية، في مواجهة العدوان. وأصبح الشعار، الذي يرفعه اللبنانيون، بكل طوائفهم وفئاتهم: " لا أمن لشمالي إسرائيل، إلا بالانسحاب من جنوبي لبنان ".
ويؤكد الحريري، أن حل هذه المشكلة، يكمن في ثلاثة أمور:
(1) الأمر الأول
وقف إطلاق النار، من الفور. وتطبيق "اتفاق التفاهم"، الذي توصل إليه حزب الله وإسرائيل، بواسطة واشنطن، عام 1993، وهو المعروف باسم "اتفاق الكاتيوشا"، الذي يقضي بعدم ضرب المدنيين في الجانبين.
(2) الأمر الثاني
هو البدء في تنفيذ قرار مجلس الأمن، الداعي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الشريط المحتل في جنوبي لبنان. فـإذا طبقت إسرائيل قرار مجلس الأمن الرقم (425)، وانسحبت من لبنان، فإن الجيش اللبناني، سيكون مسؤولاً عن ضمان الأمن في الجنوب اللبناني.
(3) الأمر الثالث
هو استئناف المفاوضات بين إسرائيل، من جانب، وسورية ولبنان، من جانب آخر، من أجل التوصل إلى اتفاق سلام شامل في المنطقة؛ فسرعة الاتفاق على الانسحاب من الجولان وجنوبي لبنان، ستوقف المقاومة المسلحة على نحو ما تؤكده الدولة اللبنانية نفسها.
وعن الموقف الأمريكي، قال الحريري: إنه من الواضح، أن إسرائيل في عدوانها هذا، لم تتحرك من فراغ. ولكنها حصلت على تأييد أمريكي غير محدود لعملياتها في لبنان. وقد ظهر ذلك واضحا في التصريحات الأمريكية، التي ألقـت اللوم على لبنان وسورية، من دون أي حسبان لحقيقة استمرار إسرائيل في احتلال الأراضي اللبنانية، ولا لحجم الفعل الإسرائيلي، الذي يتعدى، بأي معيار، مواجهة عنف حزب الله، لكي يوقع الإرهاب والعنف الشاملين على الشعب اللبناني كله. كما أن الموقف الأمريكي، المنحـاز تماماً إلى إسرائيل، في مجلس الأمن، يثبت أن هناك اتفاقاً مسبقاً على هذا العدوان. ويؤيد ذلك عدم بدء التحرك السياسي الأمريكي، من أجل وقف إطلاق النار، إلا بعد مذبحة قانا، وبعد مرور ثمانية أيام من القصف الإسرائيلي المستمر، ضد مدن الجنوب اللبناني وقراه.
3. الموقف الإسرائيلي
بعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الإسرائيلي، اعترف شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأن قصف المدنيين اللبنانيين خطأ مؤسف. وحمّل حزب الله مسؤولية سقوط ضحايا من المدنيين. وادعى أن الحزب، قام بإطلاق صواريخ الكاتيوشا، من قاذف بالقرب من معسكر قانا، مما دفع القوات الإسرائيلية إلى قصف المنطقة. وأكد بيريز أن العمليات العسكرية، ستستمر في لبنان، حتى تتوقف هجمات حزب الله بصواريخ الكاتيوشا.
وذكرت إذاعة إسرائيل، أن الاجتماع أعطى الضوء الأخضر لبيريز، للتفاوض من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في لبنان.
وقال بيريز في مؤتمر صحفي، في تل أبيب: "إذا لم يمنع السوريون واللبنانيون هجمات حزب الله، فإنهم سيتسببون بكارثة للبنان". ورداً على تعليق حول مقتل تسعة مدنيين من عائلة واحدة، في مدينة النبطية، من جراء القصف الإسرائيلي، قال بيريز: "كان ينبغي أن تكون المدينة خالية من سكانها. وزعم أن القوات الإسرائيلية، تقصف المنازل، التي يطلق حزب الله منها صواريخ الكاتيوشا، وأن القوات الإسرائيلية، لا تقصف المباني كيفما اتفق".
ورداً على ادعاءات بيريز، نفى حزب الله وجود قواعد له بالقرب من قانا، أو بالقرب من قيادة القوات الدولية في لبنان.
ثالثاً: مجلس الأمن ومذبحة قانا
تقدمت مصر إلى مجلس الأمن بقرار، باسم المجموعة العربية. وأصرت على ضرورة اتخاذ المجلس موقفاً إيجابياً، وفورياً، لوقف هذه الاعتداءات. في حين أكد مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة ضرورة طرح مشروع القرار، الذي تقدمت به مصر، للتصويت في مجلس الأمن. وأوضح أن لبنان طلب عقد اجتماع عاجل للجمعية العامة للأمم المتحدة، لبحث العدوان الإسرائيلي.
وشهدت أروقة مجلس الأمن ضغوطاً دولية متزايدة، للدعوة إلى وقف إطلاق النار في لبنان. بينما ذكرت مصادر دبلوماسية أمريكية، أن واشنطن ستحاول تعطيل أي إجراء للمجلس. كما أبدى مندوبا روسيا وبريطانيا تحفظهما من المشروع العربي، المطالب بإدانة إسرائيل، لأنه لم يشر إلى هجمات حزب الله على شمالي إسرائيل.