منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#64498
أ – نتائج البحث :
وأهم النتائج وبعض الحقائق التي توصل إليها الباحث في هذه الدراسة ما يلي :
1 – إن وصف المؤمنين يخص الذين اعتقدوا عن جزم وصدقوا بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيته (من خلقه للخلق أجمعين، وتدبيره لهم وقضائه وقدره فيهم وحقه عليهم في العبودية بجميع صورها)، وبملائكته، وبجميع رسله، وبجميع كتبه، وباليوم الآخر. وما فيه من الجزاء الحق لكل عمل بشري .. وبعد بعثة الرسول الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تحقق هذا الوصف فيمن آمنوا برسالته وبما جاء من شريعة متممة للشرائع السابقة في إطار وحدة الدين الإسلامي. وسمى الله تعالى هؤلاء مسلمين منذ القدم لتسليم حياتهم له وحده.
2 – وغير المسلمين يطلق عليهم كافرين ومشركين، سواء بإنكارهم رأسا لتلك الأسس الإيمانية؛ أو باعتقادهم المكفر. وهم يشملون من لهم كتاب منزل ثم حرفوه من اليهود والنصارى بجميع طوائفها ويطلق عليهم أهل الكتاب، ومن لهم شبهة كتاب منزل من المجوس والصابئين، ومن ليس لهم كتاب منزل، ويطلق على الفريقين جميعا مشركين، ويدخل في عدادهم الملحدون والباطنيون والبهائيون والقاديانيون وكل من يعتنق معتقدا مكفرا، والمرتد عن دين الإسلام إلى أي دين آخر، أو إلى لا دينية. أما المنافقون رغم الكفر بباطنهم وجلاء علامات النفاق فيهم، فبانتمائهم الظاهر للإسلام يعاملون حسب الظاهر كمسلمين، مع وجوب الحذر من خطر النفاق وإسداء النصح لهم بأسلوب حكيم.
3 – والأصل في علاقات المسلمين بغيرهم هو السلم والمسامحة. ولا يغير العلاقة السلمية إلا ما يطرأ عليها من اعتداء غير المسلمين على نحو مباشر أو غير مباشر على حرية الدعوة، أو أحد المسلمين فوق أي شبر من الوطن الإسلامي. أما علاقة المسامحة فثابتة تحت أي ظرف من الظروف. وهي ترتكز على : الإيمان الثابت بأن الدين عند الله الإسلام، واعتبار ما سواه باطلا مع إظهار التميز في الشخصية الإسلامية، وعدم إكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام بأي وجه من الوجوه، مع وجوب عرضه عليهم دعوة وتبليغا، وتمكينهم من ممارسة تعاليم دينهم، وعدم سب ما يعبدون على أن لا يمسوا بالشعور العام.
4- ويلتزم المسلمون في علاقاتهم الإنسانية – ومن ضمنها العلاقة بغيرهم – بالمبادئ الخلقية الثابتة الواضحة المنتهية، أهمها: التكريم، والرحمة، والمحبة، والعدل، والمساواة، والمعاملة بالمثل، والتمسك بالفضيلة، والحرية، والتسامح، والتعاون، والوفاء.
5 – تتسع مجالات التعامل الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم فيما لا يمس باعتزاز المسلمين بأحقية دينهم وتميز عبودياتهم وأخلاقهم وشخصياتهم الإسلامية، ولا يمثل سبيلا لغير المسلمين عليهم؛ فإن ذلك من الولاء المحرم. ويرغب المسلمون في تقديم ما يدعم حسن المعاملة والمعايشة مع غيرهم من الصلة والعطاء المالي والمعنوي، كما يرغب في قبول هداياهم من الأشياء المباحة أصلا، وتجوز الاستعانة بهم فيما يعود بالنفع على الطرفين، وتحل مأكولاتهم غير الذبيحة لشرك متأصل في معتقدهم، كذا ومشروباتهم إذا خلصت من مادة محرمة من الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير وما يلحق به، وما أهل لغير الله به. كذا استعمال أدواتهم وأوانيهم بعد غسلها احتياطا. والخاص بأهل الكتاب لقربهم من الأسس الإيمانية الصحيحة وبالتالي إلى قلوب المسلمين تحل للمسلمين ذبيحتهم والمصاهرة مع نسائهم.
6 – يعامل الكافر بسبب الارتداد عن الإسلام بالإصرار ودونما شبهة معاملة الخائنين على الأمة والنظام فيقتل كفرا بعد استتابته مدة كافية، وتحفظ بمثل هذا الحق دول العالم قديما وحديثا في معاملتها للخونة على الشعب والنظام.
7 – لقد أنزل الله الإسلام ليكون هداية للناس أجمعين في كل مناحي حياتهم، وأن تتسيد فيها تعاليمه ونظمه. وبعد الناس عن الإسلام ومفارقتهم له لا يعني إلا المزيد من التعاسة والشقاء. وتحت ظل سيادة الإسلام وحدها تجد البشرية خلاصها وسعادتها الحقيقية، وأعظم مظاهر السيادة أن تكون الولاية بأيدي المسلمين، وتكون الشريعة هي مصدر لتشريعاتهم وسياساتهم، وبذلك تصبح الدولة إسلامية حقا.
8 – تتميز الدولة الإسلامية عن غيرها: بانبنائها على دين الله، وهدفها الرئيسي إقامة الدين وسياسة الدنيا على ضوئه تحقيقا لمصالح الناس والعدالة المطلقة بينهم وصولا إلى سعادة الدارين، وتقيد سلطاتها بمسئولية أمام الأمة عن طريق ممثليها وبالشورى في تنفيذ مطالب الدين فيما لم يرد بشأنه نص قطعي الدلالة، وتمسكها بالمثل العليا الثابتة المحددة، ومرونتها والشكل والأسلوب تمكينا للأمة من اختيار ما هو أصلح حسب تطور متطلبات الزمان.
9 – وسيادة شريعة الإسلام مطلقة لا يقتصر وجوب تحقيقها على الأوضاع الطبيعية؛ بل كذلك في الأوضاع الاستثنائية. وهي الحالات الطارئة على الفرد أو المجتمع من المحتم مواجهتها بالأحكام الاستثنائية؛ دفعا للضرر ورفعا للحرج عن المكلفين، على أن يكون الأخذ بالأحكام الاستثنائية أو الرخص بدلا من الأحكام الأصلية أو العزائم على نحو يقره الشرع، مع وجوب بذل قصارى الجهد الدؤوب للعودة إلى الأوضاع الطبييعية. والأمة المسلمة حلت بها الأوضاع التي جعلتها في حالات استثنائية بالنسبة لسيادة الشريعة، الأمر الذي تطلب الاعتراف بشرعية مظاهر الولاية الناقصة بسبب الوراثة أو الاستيلاء، أو ملاءمة الشروط المطلوبة أو قيام دولة إسلامية قطرية مقام الخلافة الإسلامية العالمية، أو قيام دويلات المسلمين القومية، كذلك تطبيق ما أمكن من أحكام الشريعة.
10 – ولاتخاذ سياسة مناسبة حيال كل موقف يتخذه الناس من دعوة الإسلام وأصحابها تقرر في الفقه الإسلامي تقسيم العالم إلى ثلاث ديار: ديار الإسلام التي تشمل في الوقت الحاضر البلاد التي تحت سلطان المسلمين سواء طبقت فيها أحكام الإسلام الاجتماعية أم لا على تكييف جمهور العلماء، كذلك مناطق المسلمين التي تحت سلطان غير المسلمين ما داموا يستطيعون إقامة حكم من أحكام الإسلام بأمان 0 مثل الشعائر والأحوال الشخصية – على تكييف أبي حنيفة. ودار العهد وهي البلاد التي يتخذ أهلها موقفا مسالما من دعوة الإسلام والمسلمين، وتتمثل في الوقت الحاضر في أغلب دول العالم لما بينها وبين دول العالم الإسلامي من عهد الأمان، سواء تم ثنائيا أو بالتزامها بميثاق الأمم المتحدة. ودار الحرب وهي التي يتخذ أهلها موقفا محاربا من دعوة الإسلام والمسلمين. وواقع تجزئة مناطق دار الإسلام بين دويلات قومية قطرية وعدم تأسيس سياستها على أساس من المصالح الإسلامية يحولان دون وجود موقف موحد بين حكوماتها من اعتبار بعض الدول غير المسلمة دار الحرب مثل: إسرائيل، والاتحاد السوفيتي، والتي ثبت تظاهرهما على المسلمين.
11- والمواطنة في الدول الإسلامية تتسع للمسلمين بإسلامهم وولائهم لجماعة المسلمين وغير المسلمين بولائهم للدولة الإسلامية. والفريقان جميعا يشكلان مجتمعا إسلاميا يجريان حياتهم الاجتماعية على النظام العام الإسلامي. وتنقطع المواطنة بما يعد خروجا على جماعة المسلمين بالارتداد عن الإسلام وتفضيل تقديم الولاء لدولة الحرب على دولة الإسلام بالنسبة للمسلمين، وبإعطاء الولاء لدولة الحرب وهتك حرمات العهد بالنسبة لغير المسلمين.
12 - جميع المواطنين في الدولة الإسلامية مكرمون على حد سواء من حيث إنسانيتهم كوضع طبيعي ومنحة ربانية، وخضوع الجميع حكاما ومحكومين لنظام العام الإسلامي لا يخل بمبدأ الحرية الدينية التي يجب إعطاؤها لغير المسلمين بتمكينهم من ممارسة عباداتهم وكل ما يلزمها من العناية بدور العبادة، وتعاطي كل ما يعتقدون حله في دينهم، وتنظيم أحوالهم الشخصية ويقف المسئولون في الدولة أمام الجميع موقف المسئولية عن توفير حقوقهم المشروعة.
13 – يشترك جميع المواطنين في التمتع بحقوق المواطنة على أساس المساواة (لغير المسلمين ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين)، إلا ما تتطلبه ضرورة احترام الخصوصيات الدينية، كما أن غير المسلمين يستثنون من الخضوع للشريعة في أمورهم الدينية. فيتمتع الجميع بحق الحماية على النفس وما يتبعها من مال وأهل وعرض من أي اعتداء، وحق توفير مقومات الحياة الكريمة، وحق العمل والكسب والتنقل الحر لتسخير طاقاتهم الإيجابية، وفرص التوظيف في الدولة، والمشاركة في تسيير دفة أمورها مع اختصاص المسلمين بمناصب الولاية سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو العسكرية.
14 – وحقوق المواطنين في الدولة الإسلامية وجدت ضماناتها في صميم الدين الإسلامي فتحظى باستقرارها في النفوس استقرار الإيمان بتعاليم الإسلام ذاتها. كما تحظى بالثبات ثبوت المقررات الشرعية التي لا تتبدل، وبتواصي المسلمين بعضهم البعض بالتزام الواجب الديني في هذا الخصوص وإزالة ما يعترض طريقه. ومصداقية ذلك محفوظة في مواقف العلماء والصالحين من أبناء الأمة طوال تاريخ التعايش بين المسلمين وغيرهم.
15 – والأجانب في الدولة الإسلامية هم غير المسلمين الذين لا يرغبون في الإقامة الدائمة على أرضها. وفي تسميتهم بالمستأمنين إشعار بتأكيد توفير الأمان لهم مدة إقامتهم فيها، ولا يقتصر ذلك على الحماية من ظلم المواطنين، بل أيضاً نصرتهم على من يحاربونهم من غير المسلمين ما داموا داخل الوطن الإسلامي. ولدخول المسلمين أرض الدولة الإسلامية بأمان أمر يسير للغاية. وذلك بوجود العلاقة السلمية بين دولتهم والدولة الإسلامية أو بتأمين من أي مواطن مسلم لهم ولو بغير طلب منهم، وتم شفهيا، دون اشتراط موافقة المسئولين في الدولة على ذلك. وتصح ذمة مواطن واحد طرديا ذمة جميع المواطنين من أدناهم إلى أعلاهم. وتحديد مدة إقامة الأجانب يتوقف على اعتبار المصلحة الذي يرجع إلى المسئولين. ويطبق على الأجانب قانون الدولة الإسلامية فيما يتعلق فقط بحقوق العباد من الحدود وغيرها عند الإمام أبي حنيفة، كذلك الحدود المتعلقة بحقوق الله عند جمهور العلماء، وللدولة خيار في الأخذ بأي من الرأيين طبقا للمصلحة القائمة والمعتبرة.
16 – يشترك جميع المواطنين في بناء الدولة وتحقيق الرفاهية العامة من خلال التزامات مالية ومعنوية مع التنوع فيما تغلب عليه الصفة الدينية فالمواطنون المسلمون هم المسئولون أساسا عن حماية المواطنين والدفاع عن الوطن بموجب وجوب الجهاد، وإنما يشارك القادرون على القتال فقط من المواطنين غير المسلمين سواء على نحو غير مباشر بدفع قدر يسير من المال بدل الحماية، أو على نحو مباشر بالانضمام في القوات الأمنية دفاعا عن الوطن وحماية للأمن لا جهادا. وعلى المسلمين إخراج زكاة أموالهم النامية بشروطها التي تراعي عدم الإجحاف بأرباب الأموال وعدم الحيف بحق الفقراء. وعلى غير المسلمين دفع الخراج؛ أي ضريبة الثروة الزراعية في مقابل العشر على المسلمين، ويستوي الجميع في سائر الالتزامات المالية التي لا تغلب عليها الصفة الدينية كجمارك ورسوم.
17 – وكل دولة غير إسلامية توصف بالدولة الواقعية سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة؛ وذلك لعدم انبناء خططها وسياستها على هدى من شريعة الله تبارك وتعالى، من خلال نصوصها ومبادئها العامة واعتبارات إسلامية في تقدير المصالح. والوضع الغالب في الدول الواقعية كالآتي: في الدول التي تحت سلطان المسلمين تقرر دستوريا كفالة حقوق جميع المواطنين على أساس من المساواة وتكافؤ الفرص بما فيها حرية العقيدة والعبادات في إطار النظام القائم، ولشمولية الحياة الدينية والعبادة في الإسلام يواجه المسلمون الحدود النسبية التي فرضها الحكام حسب سياستهم. وفي الدول ذات أغلبيات مسلمة يحكمها أقليات غير مسلمة تتعرض الأغلبية المسلمة للحرمان من الحقوق حتى من توفر الأمن على حياتهم كمسلمين، حيث سياسة الحكومة المعادية للإسلام والرامية إلى القضاء على المسلمين، أو تحجيمهم على افضل تقدير. ومما يزيد الطين بلة تحالف الطوائف غير المسلمة فيها على المسلمين في كثير من الأحيان، وفي الدول التي تحكمها أغلبيات غير مسلمة تميل معاملتها للأقليات على وجه العموم إلى التفرقة، غير أن نصيب الأقليات المسلمة أسوأ من غيرها حيث التشريد والحرمان مع التفاوت في الشدة بهذا الترتيب التصاعدي : دول ذات أغلبيات كتابية – دول ذات أغلبيات وثنية – دول ذات أغلبيات شيوعية. ومن الملحوظ ان لسبق تعاون الدول مع بعض المستعمرين الغربيين على المسلمين دخل في سوء معاملتها للأقليات المسلمة. وأن التعايش السلمي بين الأقليات الموجودة متحقق على وجه معقول، على أن التعايش بين الأقليات الكتابية والمسلمة أفضل منه بين الأقليات الوثنية والمسلمة.
18 – من حيث الشكلية وضعت الدول الواقعية بعض النصوص التشريعية المتمثلة في الدستور أو القانون كضمان لحقوق المواطنين، وبالخصوص ما يتعلق بحرية العقيدة والعبادة، ولكن مصداقية هذا الضمان التشريعي وفعاليته يتوقفان على مدى التزام الدولة بتشريعاتها، من خلال سياستها التنفيذية والسلطة القضائية. كما أن للبعد الإيماني دخل في ذلك؛ ففي الدول الشيوعية كانت ضمانات حقوق المواطنين من أصحاب الديانات – وبالخصوص المسلمون – معدومة لإلحادها وسياستها المبنية على الخدعة وتبرير الوسيلة. وفي الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي يبدو هذا الضمان ماثلا إلى حد ما مع التفاوت حسب موقف حكوماتها من التسامح الديني. وكان ضمان حرية العقيدة والعبادة أقوى في الدول التي يحكمها المسلمون منه في الدول الأخرى؛ حيث وضع في ذلك اعتبار ديني فوق اعتبار سياسي.
19 – الأصل أن كل مسلم يلتزم أحكام الإسلام كاملا ودون استثناء إلا بسبب طارئ يقره الشرع. بيد أن الوضع الراهن في أغلب البلاد المسلمة أنها لا تبني سياستها على سيادة الشريعة فينتج القصور الواضح في كثير من مجالات الالتزام الإسلامي، أهمها المجال السياسي والقانوني والاقتصادي؛ فأصبح المطلوب من المسلمين أفرادا وجماعات – وفي مقدمتهم العلماء والزعماء – رفع مستوى التزامهم بتعاليم الإسلام في المجالات التي لا يتوقف تطبيقها على قوة القانون والسلطة السياسية، كذلك السعي المستمر بكل الوسائل الصالحة لتحقيق سيادة الشريعة في الدولة.
20 – والمسلمون في البلاد غير المسلمة يلتزمون جميع أحكام الإسلام ديانة. والأحكام التي تتوقف قضاء على القانون والسلطة معلقة إلى حين حصولهم على السلطة أو قانون يسمح لهم بذلك، مع التأكيد على وجوب العمل المضني حفاظا على كيانهم الإسلامي وتعاملهم مع سائر المواطنين بها من أهل الديانات الأخرى على أساس وضعهم كمستأمنين – فيجب تلافي المساس بأمن غيرهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وأعراضهم بأي وجه من الوجوه. ويتعاونون فيما بينهم على منع وقوع العدوان من غيرهم وحصول الإنصاف من أي ظلم وقع على أحدهم، دون اللجوء إلى القتال ما داموا مستأمنين قانونا ولم يكن العداء رسميا من سياسة الدولة، إلا ما يلزم الدفاع عن النفس، ويجوز تقديم ما يعود بالنفع عليهم وعلى غيرهم إلى الدولة، أو ما لا يضرهم بمخالفته الصارخة للشريعة على الأقل، سواء يتمثل في الالتزامات مالية أو أدبية، على أن يحتفظوا بعدم الرضا بطريق هؤلاء ومنهج حياتهم. وإذا فرض عليهم وضع يستوجب الموازنة بين الأضرار المتوقعة يجوز لهم اختيار أخف الضررين وأدنى الشرين، وإن كان في ذلك عدول عن الأحكام الأصلية إلى الأحكام الاستثنائية. وهذا أمر متوقع الحدوث للمسلمين المقيمين بين أهل بلد يتخذون – موقفا محاربا منهم. ولعدم عقد الأمان بين الطرفين لا يلتزم المسلمون تأمين أهل الحرب على أنفسهم وأموالهم. ومع هذا لا يحل لهم الاعتداء إلا إذا اعتادوا عليهم عملا بمبدأ المعاملة بالمثل { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [سورة البقرة آية 194].
21 - من الثابت تاريخيا وواقعيا أن المسلمين أقدر الناس على التعايش السلمي والإيجابي مع المخالفين لهم في الدين ما داموا ملتزمين بإسلامهم الحنيف، ونظرا لطبيعة التبادل بين الأطراف المتعايشة يكون مستوى هذا التعايش متماشيا مع مدى تحقق سيادة الإسلام في المجتمع.
ب – المقترحات:
وفي ضوء النتائج المذكورة يقترح ما يلي :
أ – لما كان المسلمون اليوم في وضع لا يحسد له – بسب المؤامرات الخارجية على البلاد المسلمة، وتسيد النظام الأجنبي بها، وهيمنة غير المسلمين ونظامهم على المسلمين في البلاد غير المسلمة – كانت القوة الدافعة إلى التعايش السلمي والبنائي بين الأمم المختلفة الديانات ضعيفة، فينتج من ذلك فساد في العلاقات الإنسانية يتفاوت مداه من بلد لآخر { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } (وورد التأكيد على هذا الموضوع في سورة الحج آية 40) فالسبيل الأساسي الوحيد للارتفاع بالبشرية من هذا الفساد هو استرداد قوة الإصلاح والسلام المتمثلة في الأمة المسلمة مكانتها الطبيعية بين الأمم.
2 – وعودة هذه القوة السلمية إلى مكانتها الطبيعية لم ولن تكون بالصدفة ولا بالمنحة من غيرها. فليس هناك من سبيل إلا العمل الجماعي على رفع نوعيتها عن طريق بناء شخصية المسلمين الإسلامية المتكاملة الجوانب تكامل جوانب الإسلام نفسه وتبني مشروع التربية على شمولية الإسلام وشمولية الحياة على مستوى التصور والتطبيق والوسائل إلى هذا التطبيق. ولا ينبغي أن يترك وسط من أوساط الحياة الاجتماعية إلا وفيه سعي لإيجاد الاتجاه الإسلامي من أجل توجيهه إسلاميا بالتدرج.
3- ضرورة المزيد من الاهتمام بوضع المسلمين عامة والواقعين منهم في محنة الأغلبيات أو الأقليات على الخصوص، سواء من خلال البحوث العلمية أو المواقف السياسية أو المساعدات: مادية ومعنوية، من المسلمين في البلاد المسلمة تحسينا لوضعهم، ودفعا لمسيرتهم في بناء الأفراد إسلاميا من أجل تحقيق حياة إسلامية بإذن الله تعالى.
والله حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الرابط http://www.dorar.net/book_end/9803