صفحة 1 من 1

النظام السياسي الإسلامي ونظم الحكم الحديثة

مرسل: السبت نوفمبر 02, 2013 5:09 pm
بواسطة حمود السمير32
دأب الخطاب العلماني على معاداة الإسلام بعامة ومبادئه وأحكامه وتطبيقاتها في المجالات السياسية والاقتصادية بخاصة، وتراوحت عداوة الفكر التغريبي تلك بين غلاة النفي التعسفي لمبدأ أن الإسلام عقيدة وشريعة على طريقة علي عبد الرازق وأشباهه، وبين مهرجي الاعتراف المخادع بوجود نظام إسلامي للسياسة والاقتصاد، تمهيداً لادعاء أن ذلك النظام كان يلائم العصور الوسطى، ولم يعد يلبي احتياجات العصر، على غرار الأكثرية الساحقة من غلمان العلمنة وعبيد التغريب من أفراد وأحزاب وجماعات مشبوهة، تختلف في كل شيء وتلتقي فقط في كراهيتها للإسلام، بدليل أن فلول الشيوعية وأيتام اليسار بعد سقوط منظومتهم بزعامة الاتحاد السوفيتي انضموا إلى الفكر الرأسمالي الإمبريالي الذي كانوا يزعمون-على امتداد عقود من الزمان- أنه عدوهم الأكبر بل الأوحد!! فهذه الفئة وهي الأكثر عدداً والأعلى صوتاً، تهيج ويرتفع سعارها بالتحديد ضد صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، ولذلك تلجأ إلى الكذب والتشويه وبتر النصوص وتحريف الوقائع والتلاعب بالحقائق الثابتة.


ومن فضل الله تعالى، أن العلماء والمفكرين المسلمين في العصر الحديث، قد نسفوا تلك الأراجيف بالأدلة الناصعة عقلياً وتاريخياً، فأغنوا المكتبة الفكرية السياسية الإسلامية المعاصرة.


أما كتاب الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة، فهو إضافة نوعية قيّمة وإثراء لمكتبتنا في باب الفقه السياسي، ولاسيما أنه عمل علمي رفيع :رسالة حصل بها الباحث جمال أحمد السيد جاد المراكبي على درجة الدكتوراه في الحقوق بجامعة القاهرة.


عقد المؤلف فصلاً تمهيدياً خاصاً بالدولة الإسلامية ومراحل نموها وانتقالها من طور الدعوة إلى بناء الدولة، مع عرض لمحة موجزة عن أوضاع العرب السياسية قبل الإسلام، ليلج الكاتب إلى أصل فكرة الدولة تاريخياً، في نطاق النظريات المختلفة لتفسيرها أو اعتبارها أساساً لقيامها، ابتداء من نظريات تأليه الحاكم (الثيوقراطية) إلى نظريات القوة والغلبة والتطور العائلي والتاريخي وصولاً إلى نظرية العقد الاجتماعي.


وقبل الخوض في خصائص الدولة الإسلامية وغايتها، يبحث الدكتور المراكبي نشأة هذه الدولة في ضوء الرؤى الفقهية أهي دولة دينية أم عقدية؟ ثم يعرّفنا بنظام الحكم في الإسلام مع بيان الفرق الشاسع بين الخلافة الصحيحة والخلافة الناقصة، وموقع الخلافة من وحدة الأمة، مروراً بمفهوم دار الإسلام ودار الكفر، ثم يخلص الباحث إلى عرض رؤيته لمستقبل الوحدة الإسلامية.


ويخصص المؤلف فصلاً مستقلاً لمواقف الفرق الإسلامية من وجوب الإمامة أو جوازها (فرق الشيعة والخوارج والمعتزلة والجبرية والمشبّهة وأخيراً أهل الحق: أهل السنة والجماعة).


وبعد ذلك يدخل الكاتب في عمق قضيته، لبيان فرادة نظام الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة ونقاط التقائه ببعضها -مع الاحتفاظ له بحق الريادة والسبق-، فنطالع مصادر الشرعية السياسية الإسلامية وخصائصها وكفالتها للحقوق والحريات وموقع الشورى منها كأساس للحكم، وتفصيل لموضوعها وحدودها وأهلها وأسلوبها، ثم يعرض مسائل الطاعة وحدودها ومفهوم أولي الأمر ومناصحتهم وكيفيتها وآدابها.


وكان من المنطقي أن يقدم الكتاب نبذة عن نظم الحكم المعاصرة، ليتسنى للباحث البحث عن نقاط الوفاق والفراق بينها وبين نظام الخلافة الإسلامية، فوقف عند النظم الديموقراطية المباشرة وشبه المباشرة والبرلمانية، ثم النظم الشمولية والديكتاتوريات بأنواعها. وبعد مقارنة نظام الخلافة بكلا الصنفين الرئيسيين: الديمقراطي والشمولي، يبدأ المؤلف في تفصيل موضع نصب الخليفة والشروط المطلوبة في المرشح -بين شروط متفق عليها وأخرى مختلف فيها-، ويلي ذلك بيان طرق نصب الخليفة، ومسائل الاستخلاف والقهر، لنقرأ صلاحيات الخليفة وحدود سلطاته وحقوقه وواجباته، ومسؤولياته عن أعماله، ومساءلة الأمة له وكيفيتها وضوابطها، وأخيراً قضية عزل الخليفة وأسبابها وشروطها وسبل تنفيذها، لنصل ختاماً إلى أشد مسائل السياسة الشرعية خطورة وهي الخروج على الحاكم وقد استوفى المؤلف حالاتها المتباينة من حُرْمة وجواز مرجحاً عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم حتى لو كان ظالماً أو فاسقاً، وأن أهل الحل والعقد هم الأصل في تقرير الأمر، مع عدم إقرار الحاكم من هذا النوع على ظلمه أو فسقه أو بدعته، فوسائل الإنكار عليه -دون الخروج- كثيرة، وأما الحاكم الكافر فيجب رفضه أصلاً ويحرم الخضوع له.