صفحة 1 من 1

الدبلوماسية الوقائية

مرسل: الثلاثاء نوفمبر 05, 2013 10:50 pm
بواسطة حمود السمير32
الدبلوماسية الوقائية :
تركز الدبلوماسية الوقائية أساساً على تحديد النزاعات الناشئة والرد عليها بغية تجنب وقوع أعمال عنف. فوفقاً للمدافعين عن هذه الدبلوماسية الوقائية، يسهل حل النزاعات قبل أن تصل إلى مرحلة العنف. فمتى انفجر نزاع عنيف، يصعب للغاية وضع حد له. وهكذا، تُزهق الأرواح، وتتولد موجات جديدة من الكراهية، وتقع الأضرار الجسيمة. ومن جهة أخرى، يقول بعض العلماء إن النزاع قد لا ينضج حلاً إلا بعد الوصول إلى «حائط مسدود » يصبح الوضع معه لا يطاق بالنسبة إلى الفريقين إضافة إلى تكاليفه الباهظة. ومع بلوغ الحائط المسدود، يكون كل من الفريقين قد تكبد خسائر فادحة فيسعى يائساً إلى تسوية. عندئذ، تبدو الحلول التي كانت غير مقبولة سابقاً مستساغة مقابل الألم الذي يعانيه الفريقان، أو من المتوقع أن يعانيه كل منهما في المستقبل. وعادة ما يمر وقت طويل، سنوات في أكثر الأحيان، قبل أن يصل النزاع الشديد إلى حائط مسدود. وفي هذه الأثناء، يتكبد الفريقان خسائر جمة.
تمنح الدبلوماسية الوقائية فرصة تجنب الكثير من الألم والضرر الناجمين عن نزاع عنيف وعن حالة «الحائط المسدود » التي غالباً ما تتبع أعمال العنف. وقد يبدو تدخل فريق ثالث )مثل الدول أو المنظمات الدولية( جد فاعل في وقت مبكر. فقبل أن يستحيل النزاع عنفاً، تكون المسائل العالقة أقل حجماً وتعقيداً، ولا تكون تعبئة الفريقين وانحيازهما وتسليحهما في حالتها القصوى. وبما أن الدماء لم تهرق بعد، لا تتصاعد حدة الشعور بالغبن، والرغبة في الانتقام. ولم يبدأ الفريقان بعد تجريح واحدهما الآخر ووضعه في أنماط مقولبة؛ ولا يزال القادة المعتدلون ممسكين بزمام الميول المتطرفة. ولا يندفع الفريقان بدرجة كبيرة لتحقيق الانتصار ذلك أن الحل الوسط لن يكلف خسارة ماء الوجه.
ولكن قد تنشأ صعوبة عند تطبيق الدبلوماسية الوقائية، وهي أنه غالباً ما تتوافر نافذة ضيقة للغاية يمكن من خلالها أن يتجنب الفريقان وقوع أعمال عنف. وفي المراحل الأولى من النزاع، يصعب تمييز مدى خطورة الوضع فلا ينشأ أي حافز للتدخل. إضافة إلى ذلك، قد يولد التدخل قبل أوانه حالة نزاع حقيقية وحتى متأزمة في أذهان الفريقين المتنازعين، كما ومن الممكن أن يساهم أي تدخل مبكر لا يأخذ في الحسبان الظروف المحلية، وحاجات الفريقين ومصالحهما وطبيعة النزاع في توسيع الهوة بين الفريقين بدلاً من تضييقها. على سبيل
المثال، إذا بدا أن جهات خارجية ومنظمات دولية تشرع المطالبات الوطنية الداعية إلى الحق في__
206
تقرير المصير في بداية النزاع، فقد تشرع أيضاً الحملات المتطرفة وتقوض السلطة السياسية القائمة. ولكن في الوقت نفسه، إذا انتظرت الجهات الخارجية وقتاً أكثر من اللازم، يمكن أن يتم تخطي الخط الأحمر نحو أعمال العنف قبل اللجوء إلى الدبلوماسية الوقائية. وما إن يتم تخطي هذا الخط حتى تتوانى مساعي حل النزاع على نحو خطير، إن لم نقل إنها تضيع. لذلك يعتبر التوقيت المناسب للجوء إلى الدبلوماسية الوقائية عنصراً أساسياً وفرصة يمكن تفويتها في عملية حل النزاعات.
وتتطلب الدبلوماسية الوقائية أولاً التيقظ إلى «الإنذار المبكر » لكشف الظروف التي قد تؤدي إلى وقوع نزاع عنيف. وقد تمثل المظاهرات وأعمال الشغب مؤشرات على هذا الإنذار المبكر كما تكون الحال مع أعمال القمع التي تقوم بها الحكومات لامتصاص التمرد. وقد تهدد الأطراف المتنازعة نفسها السلام الذي شهدته أو عرفته. وتظهر هذه الإنذارات عادة في خضم النزاعات بين الدول أو في داخلها. ومن بين الإنذارات الأهم لنزاع ناشئ، نداءات تحررية وحدوية تحث على الانفصال والاتحاد بدولة أخرى، وكذلك التهديدات بتوسيع نطاق نزاع
دائر ليشمل دول مجاورة، وأعمال التمرد العشوائية التي يقوم بها أفراد تابعون لمجموعات وأقليات راديكالية ضد مؤسسات الدولة أو ممثليها بالإضافة إلى إشارات تدخل خارجي محتمل وغير مشروع في النزاعات الداخلية الدائرة.
لا يكفي الإنذار المبكر وحده للقيام بالرد المناسب. فالقدرة على التمييز بين إنذار بنزاع حقيقي وإنذار خاطئ شرط أساسي. هذا يعني أن مشكلة الدبلوماسية الوقائية ليست في عدم القدرة على تحديد الإشارات المحتملة لوقوع نزاع بل في فهم مثل هذه الظروف بشكل كاف يسمح بتوقع احتمال انفجار أي منها وتحولها إلى نزاع، إضافة إلى توقع موعد انفجارها.
ومهما كانت نية كل من الدول والمنظمات المتعددة الأطراف حسنة، فإنها قد تثير سخط الجماهير من خلال إطلاق إنذارات مبالغ فيها عن احتمال وقوع أعمال عنف ليست موجودة أصلاً، كما يمكنها أن تستبعد أطرافاً إذا حاولت التدخل في وضع لا يبدو أنه يبرر التدخل الخارجي المبكر. وقد تضعف إرادتها وتستنفد مواردها المحدودة من جراء تدخلها في نزاعات عدة لا يمكنها تولي أمرها في آن معاً.
207
وما أن يتم الاعتراف بأزمة ناشئة، تقع المشكلة التالية التي غالباً ما تكون أصعب وهي إقناع الأطراف المتنازعة بدخول مفاوضات مباشرة في ما بينها أو السماح لجهة أجنبية بالتدخل. وقد لا يسهل بالضرورة الإنذار المبكر الرد السريع. فقد تأخذ الدبلوماسية الوقائية أشكالاً عدة مثل الاعتراضات الدبلوماسية الشفهية، والتنديد، وفرض العقوبات والإشراف على تنفيذ الاتفاقيات بشكل فاعل والتحقق منها، وحفظ السلام، والقيام بالمساعي الحميدة، وأشكال أخرى من الوساطة يجريها فريق ثالث. انظر أيضاً: الأزمة؛ الأمم المتحدة؛ بناء السلام؛ الحروب من النوع الثالث؛ حفظ السلام؛ الدبلوماسية؛ منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وفي غضون سنوات قليلة، أصبحت أعداد عمليات حفظ السلام التي قامت بها الأمم المتحدة عشرين ضعف ما كانت عليه، وصارت ميزانية حفظ السلام الدولية أربعة أضعاف ما كانت عليه، لبتلغ 4 مليارات دولار أمريكي، كما إن أعداد قوات حفظ السلام التي نشرت حول العالم طالت أرقاماً عالية جداً لتبلغ حوالى 80 ألف جندي. وفي عام 1993 ، صار ينظر إلى آلاف الجنود من أصحاب القبعات الزرقاء على أنهم أدوات خلاص في مناطق كالكويت والصومال والبوسنة ومنطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا الوسطى. كان هؤلاء الجنود هم التعبير الواضح عن رغبة إدارة كلينتون الشديدة بتطبيق سياسة تعدد الأطراف التوكيدية، كما سمّتها مادلين ألبرايت سفيرة الولايات المتحدة آنذاك في المنظمة العالمية.