صعود الصين وتراجع الغرب
مرسل: الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:46 pm
ترتيب جديد للعالم: صعود الصين وتراجع الغرب
مارتن جاك
يتحدث كثيرون عن انتقال مركز القوة من الغرب إلى الشرق، ولكن كتاباً مثيراً للتفكير، ألفه الكاتب مارتن جاك (Martin Jacques) بعنوان: «عندما تحكم الصين العالم- When China rules the world»، يتخطى ذلك بإعلانه أن الصين، في القرن الحادي والعشرين، لن تكون مزدهرة فحسب، ولكنها ستحقق ذلك على حساب الولايات المتحدة. ويقول الكاتب: «أتوقع، وأعتقد أننا نشهد بداية تراجع أمريكا، أي تراجعها بما هي أمة تتمتع بسيطرة اقتصادية على العالم. وأعتقد أن جزءاً من الأزمة الحالية، أو سبب حدوثها، يكمن في عجز الولايات المتحدة عن المحافظة على استمرارية النظام الاقتصادي العالمي الذي كانت مهندسته وسيدته. إنها مشكلة عويصة. وإن المديونية الراهنة، المديونية المتعددة، تعني أنها لم تعد تستطيع القيام بذلك أبداً». ويعتقد الكاتب، استناداً إلى ذلك، أن الصين، مع أنها «لاعب غير متحمس»، سوف «تنجرّ إلى هذه العملية شاءت أم أبت». وبفضل براعتها الاقتصادية الحالية الفائقة التي لا تظهر أي علامة من علامات التباطؤ، فإننا سنشعر ببعض الآثار الجدية والعميقة». «سيفقد الدولار وضعه كعملة احتياطية مع مرور الوقت، لأن أمريكا لم تعد قادرة على المحافظة على وضعها. تماماً كما حدث مع بريطانيا في مطلع القرن الماضي عندما انهار نظام الذهب بسبب ضعف اقتصاد بريطانيا الذي لم يعد يحتمل ذلك الوضع. وأعتقد أن الأمر نفسه سيحدث للولايات المتحدة مع مرور الوقت؛ ويمكنكم أن تروا سلفاً البدايات الأولى لهذا الوضع. وأعتقد أيضاً أن الرينمينبي، وهو العملة الصينية، سيكون المرشح الأوفر حظاً للحلول محل الدولار كعملة احتياطية». يخطو الصينيون سلفاً الخطوات الأولى نحو جعل الرينمينبي عملة قابلة للتحويل، مما سيؤدي، كما يقول جاك، إلى «إضعاف النظام الحالي كله». ويوقن جاك، كما شرح في كتابه بالتفصيل، أن صعود الصين مع تبوئها مركز «حامل وقائد العالم الجديد» لن يشبه صعود الغرب. «أعتقد أن افتراضاً في الغرب يسود حالياً، أو ساد سابقاً، مفاده أن الصين ستصبح مثلنا تماماً عندما تتحول إلى دولة حديثة. وإذا كنتم تعتقدون أنها ستصبح مثلنا تماماً، فهي ستصبح مجرد بلد غربي آخر. وأنا شخصياً أعتقد أنه تصور خاطئ كلياً». وهو يشرح ذلك في كتابه قائلاً إن الصين حصيلة تاريخ وثقافة يربطها القليل، إن لم نقل إنه لا يربطها شيء، بالتاريخ والثقافة الغربيين. ويضيف إننا عندما نلغي تأثير التاريخ والثقافة ونختزل العالم إلى مجرد قضايا اقتصادية وتقنية، يمكننا استنتاج أن الصين ستصبح كالدول الغربية. يعتقد جاك، مستشهداً بمثال عن حق التصويت الشامل الذي «يرجح أن تتبناه الصين»، أن المشهد الأخير سيكشف أنه مختلف تماماً عنه في الغرب، بسبب أن فكرة الديمقراطية حتى في اليابان، وهي الأمة الأسيوية الأولى التي تتمتع باقتصاد متطور بصورة كاملة، لم تستوطن فعلياً لدى الشعب، بل لدى الدولة فحسب. وجهاز الدولة في الصين هو قلب الصين، وكان كذلك لمئات، إن لم نقل لآلاف السنين. ولذلك، أعتقد أن اعتماد حق التصويت الشامل في مثل هذه الظروف سيظل ينتج تركيبة سلطة مختلفة عما نعرفه في الغرب».في حين أصبحت الصين تدريجياً أكثر انفتاحاً وشفافية، وحيث لا يسود «حكم القانون، بل الحكم بالقانون» في كثير من المناطق، ستتأثر الديمقراطية الصينية كثيراً بإرث البلد الذي تمتد جذوره لخمسة آلاف عام. والمغزى هو أن الصين، رغم ما يبدو عليها من تطور، لا تزال بلداً نامياً من نواح كثيرة.
ويشرح جاك ذلك: «علينا أن نتذكر أن الصين، مهما كان تطورها مبهراً، فإنها لم تتجاوز كثيراً في الواقع نصف الطريق في مسيرة ثورتها الصناعية أو قفزتها الاقتصادية، مهما يكن التعبير الذي ترغب في استخدامه. لقد كان المحرك الأكبر لهذا النمو هو انتقال العمل من الأرياف إلى المدن، وما زال أمام ذلك وقت طويل. ولهذا فإن الناس الذين يقولون (حسنا، لعل الصين اقتربت من الحد الأقصى لنموها) أو (لعلها تضاهي اليابان) مخطئون، لأن الوضع مختلف. لا تزال الصين، إلى حد بعيد، بلداً نامياً وفقيراً جداً في معظم أجزائه». وحتى في العام 2050، الذي يتوقع بعض المحللين أن يصبح فيه حجم الاقتصاد الصيني ضعفي نظيره الأمريكي، فإن جاك يعتقد أن دخل الفرد في الصين سيبقى مساوياً تقريباً لنصف دخل الفرد في الولايات المتحدة. ولكن هذا لا يلغي التوقعات الاقتصادية لكل من غولدمان ساكس Goldman Sachs وبرايس ووتر هاوس كوبرز PricewaterhouseCoopers وغيرهم ممن يتوقعون أيضاً أن يتخطى الاقتصاد الصيني الحجم الاقتصادي للولايات المتحدة بحلول العام 2027. ويسعى جاك إلى مجرد الإشارة إلى أن الصين ستدير سباقها بشروطها الخاصة. وهو يطرح مثالاً على تحفظ الصين على مؤسستين ماليتين كبيرتين هما: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. «ما الذي يضطر الصين لوضع مبالغ كبيرة من المال في مؤسسة ليس لها أي سيطرة عليها؛ إنها لن تفعل ذلك! لقد منحت بالفعل شيئاً بعد قمة دول مجموعة العشرين، وبادرت مؤخراً إلى دفع المال لها. ولكن هذه المجموعة لا تزال مؤسسة أمريكية ـ غربية، وما زالت تخدم هذه المصالح». «وكذلك البنك الدولي أيضاً: إذا أخذنا إفريقيا مثلاً نجد أن حجم القروض والمساعدات الصينية لإفريقيا يفوق القروض والمساعدات التي قدمها البنك الدولي. ولذلك يمكنك أن ترى سلفاً أن تغيراً بدأ يحدث، مجرد بداية، في أسلوب عمل النظام الاقتصادي العالمي. لذلك، فإن الصين تسير نحو السيطرة بدءاً من النصف الأخير من القرن الحادي والعشرين. ولكن هل تقوى على تسيّد الساحة، كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا عندما كانتا قوتين ماليتين مسيطرتين؟ «سيأخذ هذا وقتاً طويلاً، لأن الصين ليست في وضع يسمح لها بلعب مثل هذا الدور الذي لعبته الولايات المتحدة، ولأنها بلد نامٍ. إنه وضع جديد تماماً. لقد كان مركز القوة في الماضي وفي الحقبة الصناعية ومنذ مطلع القرن التاسع عشر ينتقل دائماً بين دول متطورة نسبياً». لكن من جهة أخرى، وبافتراض أن الصين ستصبح شديدة القوة والاختلاف، فمن الصعب استبعاد فكرة أن صعودها، بعد مرور بعض الوقت، سيعلن ولادة نظام عالمي جديد. «قد يحدث تغير ثنائي المسار، إصلاح بطيء للمؤسسات الموجودة حالياً وبروز مؤسسات جديدة. ولكننا في نهاية المطاف، سنحصل على نوع جديد من إطار العمل المؤسساتي.
المصدر / الاقتصادية الالكترونية
الاثنين 15 ربيع الأول 1431 هـ. الموافق 01 مارس 2010 العدد 5985
الرابط/
http://www.aleqt.com/2010/03/01/article_356779.html
مارتن جاك
يتحدث كثيرون عن انتقال مركز القوة من الغرب إلى الشرق، ولكن كتاباً مثيراً للتفكير، ألفه الكاتب مارتن جاك (Martin Jacques) بعنوان: «عندما تحكم الصين العالم- When China rules the world»، يتخطى ذلك بإعلانه أن الصين، في القرن الحادي والعشرين، لن تكون مزدهرة فحسب، ولكنها ستحقق ذلك على حساب الولايات المتحدة. ويقول الكاتب: «أتوقع، وأعتقد أننا نشهد بداية تراجع أمريكا، أي تراجعها بما هي أمة تتمتع بسيطرة اقتصادية على العالم. وأعتقد أن جزءاً من الأزمة الحالية، أو سبب حدوثها، يكمن في عجز الولايات المتحدة عن المحافظة على استمرارية النظام الاقتصادي العالمي الذي كانت مهندسته وسيدته. إنها مشكلة عويصة. وإن المديونية الراهنة، المديونية المتعددة، تعني أنها لم تعد تستطيع القيام بذلك أبداً». ويعتقد الكاتب، استناداً إلى ذلك، أن الصين، مع أنها «لاعب غير متحمس»، سوف «تنجرّ إلى هذه العملية شاءت أم أبت». وبفضل براعتها الاقتصادية الحالية الفائقة التي لا تظهر أي علامة من علامات التباطؤ، فإننا سنشعر ببعض الآثار الجدية والعميقة». «سيفقد الدولار وضعه كعملة احتياطية مع مرور الوقت، لأن أمريكا لم تعد قادرة على المحافظة على وضعها. تماماً كما حدث مع بريطانيا في مطلع القرن الماضي عندما انهار نظام الذهب بسبب ضعف اقتصاد بريطانيا الذي لم يعد يحتمل ذلك الوضع. وأعتقد أن الأمر نفسه سيحدث للولايات المتحدة مع مرور الوقت؛ ويمكنكم أن تروا سلفاً البدايات الأولى لهذا الوضع. وأعتقد أيضاً أن الرينمينبي، وهو العملة الصينية، سيكون المرشح الأوفر حظاً للحلول محل الدولار كعملة احتياطية». يخطو الصينيون سلفاً الخطوات الأولى نحو جعل الرينمينبي عملة قابلة للتحويل، مما سيؤدي، كما يقول جاك، إلى «إضعاف النظام الحالي كله». ويوقن جاك، كما شرح في كتابه بالتفصيل، أن صعود الصين مع تبوئها مركز «حامل وقائد العالم الجديد» لن يشبه صعود الغرب. «أعتقد أن افتراضاً في الغرب يسود حالياً، أو ساد سابقاً، مفاده أن الصين ستصبح مثلنا تماماً عندما تتحول إلى دولة حديثة. وإذا كنتم تعتقدون أنها ستصبح مثلنا تماماً، فهي ستصبح مجرد بلد غربي آخر. وأنا شخصياً أعتقد أنه تصور خاطئ كلياً». وهو يشرح ذلك في كتابه قائلاً إن الصين حصيلة تاريخ وثقافة يربطها القليل، إن لم نقل إنه لا يربطها شيء، بالتاريخ والثقافة الغربيين. ويضيف إننا عندما نلغي تأثير التاريخ والثقافة ونختزل العالم إلى مجرد قضايا اقتصادية وتقنية، يمكننا استنتاج أن الصين ستصبح كالدول الغربية. يعتقد جاك، مستشهداً بمثال عن حق التصويت الشامل الذي «يرجح أن تتبناه الصين»، أن المشهد الأخير سيكشف أنه مختلف تماماً عنه في الغرب، بسبب أن فكرة الديمقراطية حتى في اليابان، وهي الأمة الأسيوية الأولى التي تتمتع باقتصاد متطور بصورة كاملة، لم تستوطن فعلياً لدى الشعب، بل لدى الدولة فحسب. وجهاز الدولة في الصين هو قلب الصين، وكان كذلك لمئات، إن لم نقل لآلاف السنين. ولذلك، أعتقد أن اعتماد حق التصويت الشامل في مثل هذه الظروف سيظل ينتج تركيبة سلطة مختلفة عما نعرفه في الغرب».في حين أصبحت الصين تدريجياً أكثر انفتاحاً وشفافية، وحيث لا يسود «حكم القانون، بل الحكم بالقانون» في كثير من المناطق، ستتأثر الديمقراطية الصينية كثيراً بإرث البلد الذي تمتد جذوره لخمسة آلاف عام. والمغزى هو أن الصين، رغم ما يبدو عليها من تطور، لا تزال بلداً نامياً من نواح كثيرة.
ويشرح جاك ذلك: «علينا أن نتذكر أن الصين، مهما كان تطورها مبهراً، فإنها لم تتجاوز كثيراً في الواقع نصف الطريق في مسيرة ثورتها الصناعية أو قفزتها الاقتصادية، مهما يكن التعبير الذي ترغب في استخدامه. لقد كان المحرك الأكبر لهذا النمو هو انتقال العمل من الأرياف إلى المدن، وما زال أمام ذلك وقت طويل. ولهذا فإن الناس الذين يقولون (حسنا، لعل الصين اقتربت من الحد الأقصى لنموها) أو (لعلها تضاهي اليابان) مخطئون، لأن الوضع مختلف. لا تزال الصين، إلى حد بعيد، بلداً نامياً وفقيراً جداً في معظم أجزائه». وحتى في العام 2050، الذي يتوقع بعض المحللين أن يصبح فيه حجم الاقتصاد الصيني ضعفي نظيره الأمريكي، فإن جاك يعتقد أن دخل الفرد في الصين سيبقى مساوياً تقريباً لنصف دخل الفرد في الولايات المتحدة. ولكن هذا لا يلغي التوقعات الاقتصادية لكل من غولدمان ساكس Goldman Sachs وبرايس ووتر هاوس كوبرز PricewaterhouseCoopers وغيرهم ممن يتوقعون أيضاً أن يتخطى الاقتصاد الصيني الحجم الاقتصادي للولايات المتحدة بحلول العام 2027. ويسعى جاك إلى مجرد الإشارة إلى أن الصين ستدير سباقها بشروطها الخاصة. وهو يطرح مثالاً على تحفظ الصين على مؤسستين ماليتين كبيرتين هما: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. «ما الذي يضطر الصين لوضع مبالغ كبيرة من المال في مؤسسة ليس لها أي سيطرة عليها؛ إنها لن تفعل ذلك! لقد منحت بالفعل شيئاً بعد قمة دول مجموعة العشرين، وبادرت مؤخراً إلى دفع المال لها. ولكن هذه المجموعة لا تزال مؤسسة أمريكية ـ غربية، وما زالت تخدم هذه المصالح». «وكذلك البنك الدولي أيضاً: إذا أخذنا إفريقيا مثلاً نجد أن حجم القروض والمساعدات الصينية لإفريقيا يفوق القروض والمساعدات التي قدمها البنك الدولي. ولذلك يمكنك أن ترى سلفاً أن تغيراً بدأ يحدث، مجرد بداية، في أسلوب عمل النظام الاقتصادي العالمي. لذلك، فإن الصين تسير نحو السيطرة بدءاً من النصف الأخير من القرن الحادي والعشرين. ولكن هل تقوى على تسيّد الساحة، كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا عندما كانتا قوتين ماليتين مسيطرتين؟ «سيأخذ هذا وقتاً طويلاً، لأن الصين ليست في وضع يسمح لها بلعب مثل هذا الدور الذي لعبته الولايات المتحدة، ولأنها بلد نامٍ. إنه وضع جديد تماماً. لقد كان مركز القوة في الماضي وفي الحقبة الصناعية ومنذ مطلع القرن التاسع عشر ينتقل دائماً بين دول متطورة نسبياً». لكن من جهة أخرى، وبافتراض أن الصين ستصبح شديدة القوة والاختلاف، فمن الصعب استبعاد فكرة أن صعودها، بعد مرور بعض الوقت، سيعلن ولادة نظام عالمي جديد. «قد يحدث تغير ثنائي المسار، إصلاح بطيء للمؤسسات الموجودة حالياً وبروز مؤسسات جديدة. ولكننا في نهاية المطاف، سنحصل على نوع جديد من إطار العمل المؤسساتي.
المصدر / الاقتصادية الالكترونية
الاثنين 15 ربيع الأول 1431 هـ. الموافق 01 مارس 2010 العدد 5985
الرابط/
http://www.aleqt.com/2010/03/01/article_356779.html