صفحة 1 من 1

الاقباط

مرسل: السبت نوفمبر 09, 2013 10:38 pm
بواسطة بدر العويد (333)
يذكر أن الأقباط في عصر محمد علي باشا –مؤسس مصر الحديثة- تمتعوا بسياسة التسامح وروح المساواة بين جميع المصريين منذ توليه حكم مصر سنة 1805. عندما نركز على هذا التسامح إنما نقف تجاه التاريخ فننظر إلى ما قبل عصر محمد علي حيث نجد التحدي السافر لشعور الأقباط في كل أرض مصر. ولكن ها نحن نرى عند وصول محمد علي للسلطة التي تولاها في عصر مضطرب غاية الاضطراب حيث كانت خزينة الدولة خاوية من المال، نجد محمد علي بدأ في اتباع سياسة تسامح فقضى على التفرقة بين القبطي والمسلم لأن كلاهما يستطيعان أن يقدما للبلاد أحسن الخدمات. كما اتجهت سياسة محمد علي إلى مساواة تامة بين المسلمين والأقباط في الحقوق والواجبات فعين أقباطا مأمورين لمراكز برديس والفشن بالوجه القبلي وديرمواس وبهجورة والشرقية. لقد اتبع محمد علي هذه السياسة لسعة أفقه وهذا هو سر تفوقه وتوفيقه. وتجدر الملاحظة هنا أن تعيين أقباط مأمورين مراكز هو بمثابة تعيين محافظين للمحافظات الآن.

لم تلبث هذه السياسة التي اتبعها محمد علي تجاه الأقباط أن أتت ثمارها فانتشرت روح المساواة بين جميع المصريين في جميع القرى المصرية وتعاون المسلمون والمسيحيون تعاونا صادقا من أجل مجد الوطن. وهكذا ظل الأقباط طوال عصر محمد علي عنصرا في بحر الأمة المصرية التي تعيش في سلام ولم تقع بهم إلا اضطهادات خفيفة جدا لا تذكر. (وطنية الكنيسة القبطية للراهب القمص أنطونيوس الأنطوني ص 367-368). ولا ينسى الأقباط أنه في عهده الزاهر ألغى محمد علي قيد الزي الذي كان مفروضا على الأقباط في العصور السابقة. كما لا ننسى أيضا أن عصر محمد علي يعتبر من أزهى العصور التي مرت بالكنيسة القبطية حيث ألغى كل القيود التي كانت تفرض على الأقباط لممارسة طقوسهم الدينية ولم يرفض للأقباط أي طلب تقدموا به لبناء أو إصلاح الكنائس. وتحدى قصر عابدين عددا كبيرا من الأوامر الخاصة بالكنائس سواء لتعمير الكنائس أو مساعدتهم في ذلك أو الاستعجال في تنفيذها. وقد تعددت هذه الأوامر لبناء الكنائس في عهود سعيد باشا والخديوي إسماعيل باشا (كتاب أقباط ومسلمون للدكتور جاك تاجر ص 232-233) كان محمد علي أول حاكم مسلم منح الموظفين الأقباط رتبة البكوية واتخذ له مستشارين من المسيحيين.

وفي عصر سعيد باشا (1854-1863) عمل على استمرار روح التسامح الديني والمساواة بين المسلمين والأقباط فقام بتطبيق قانون الخدمة العسكرية على الأقباط وألغى الجزية التي مفروضة على الأقباط في مقابل الدفاع عنهم لأنهم لم يكون مسموحا بالتحاقهم بالجيش. ودخل الأقباط لأول مرة في سلك الجيش والقضاء وسافر بعضهم إلى أوروبا كانت النهضة التعليمية لها نصيب الأسد فيها. ولا ننسى أن سعيد باشا عين حاكما مسيحيا على مصوع بالسودان وهو إجراء يميز عهده أحسن تمييز ويهدف إلى إفادة البلاد لكل الكفاءات مهما كانت الديانة التي تنتمي إليها.

أما الخديوي إسماعيل باشا (1863-1878) الذي تلقى علومه في فيينا ثم باريس فقد وجد عند عودته إلى بلاده أن الجو يصلح لاتباع سياسة من التسامح والمساواة على أوسع نطاق ونجده يقرر علانية ورسميا المساواة بين الأقباط والمسلمين وذلك بترشيح الأقباط لانتخابات أعضاء مجلس الشورى ثم بتعيين قضاة من الأقباط في المحاكم. كما يجب ألا ننسى أن الخديوي إسماعيل هو أول حاكم طلب رتبة الباشوية لرجل مسيحي وقد شغل كثير من الأقباط في عصره مناصب عالية فقد شغل واصف باشا وظيفة كبير التشريفات وآخرون (كتاب جاك تاجر ص241). وباختصار نستطيع أن نؤكد أن العلاقات بين الأقباط والمسلمين في عصر الخديوي إسماعيل تحسنت تحسنا ملحوظا وأن مبدأ المساواة السياسية والاجتماعية أصبح أمرا مألوفا في البلاد، فقد كان يشجع أدبيا ويدعم ماديا التعليم الطائفي القبطي لأن الخديوي إسماعيل كان يؤمن بأن القبطي مصري كالمسلم على حد سواء هكذا كان الأقباط يتمتعون بالمواطنة الكاملة المتساوية مع اخوتهم المسلمين وذلك في القرن التاسع عشر.