منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#64984
قوة الدولة

إن مفهوم القوة يختلف بحسب الميدان الذي نتحدث عنه فهناك قوة في الرياضيات والفيزياء وهناك قوة في العلاقات الإنسانية وهناك القوة العسكرية ومن الملاحظ أنه من الصعب تقدير قوة دولة من الدول مالم تكن تستعمل قوتها الفعلية في زمان ومكان معينين وتقديرات القوة في وقت السلم تكون بإمكانية الدولة ومدى قدرتها على إستخدام قوتها ،وعند الكلام عن قوة الدولة يجب الأخذ بعين الإعتبار القوة النسبية لغيرها من الدول المنافسة أو المعادية فعند المقارنة بين قوة الدول من حيث عدد السكان مثلا يجب علينا تحليل عدد السكان وتوزيعه ضمن فئات من حيث السن والجنس والمهارات ومستوى التعليم حتى تكون المقارنة أفضل ونستخدم هذا التحليل أيضا عند المقارنة بين الدول من الناحية العسكرية وغيرها من النواحي ،ومن أسباب قوة الدول أيضا هو إمتلاكها للمعادن الإستراتيجية ولكنه قد يعرضها في بعض الأحيان لإستعمار الدول الكبرى بغية الحصول على هذه المعادن .

ويجب أن تتمتع شعوب الدول القوية بالكفاءة اللازمة لإستخدام وسائل القوى وإلا فلا فائدة من هذه القوى دون معرفة إستخدامها ومن الملاحظ أن الكثرة أو الفائض في بعض عناصر القوى قد لا يؤثر كثيرا في الدولة بل بالعكس فقد تظهر له عيوب فمثلا عدد السكان الكبير في كل من الهند والصين يفيدها في حالة الحرب ولكنه يكون عنصر ضعف عندما تعجز الدولتان على توفير المأكل والملبس والمشرب لسكانها،وإن عناصر القوى تتغير بإستمرار فقد كان الفحم يعتبر من أهم عناصر القوة ومن ثم أصبح النفط والأن الطاقة الذرية والنووية وهذا هو الحال أيضا في مجال المعدات العسكرية التي تتطور بإستمرار فما هو جديد الأن يصبح غير صالح أو قديم بعد فترة وجيزة .

ولتقدير قيمة الدولة وقوتها يجب مناقشة العناصر التالية :



1-السكان

إن أي زيادة في عدد السكان تعني زيادة في قوة الدولة البشرية في المستقبل وهذا هو الحال في كل من أمريكا ودول أوروبا الغربية التي فرضت نفوذها وسيطرتها وتمكنت من نشر ثقافتها الغربية ليس فقط من خلال عدد سكانها الكبير ولكن أيضا بالتقدم العلمي والصناعي والتقني لديها، ولهذا يجب أن تكون هناك نسبة بين عدد سكان أي دولة ومساحتها وقدرتها الإنتاجية والعلمية لأن عدد سكان كبير وقدرة إنتاجية تقل عن حاجتهم أو عدد سكان قليل وقدرة إنتاجية قليلة كلاهما يشكل عائقا لتقدم الدول ورقيها .

وإن الدول ذات أعداد السكان الكبيرة يكون لديها قدرة كبيرة على الدفاع عن نفسها من الإعتداءات الخارجية لأن جيشها سيكون كثير العدد مقارنة بالدول ذات عدد السكان المحدودة و لأن هذا العدد الكبير من السكان يوفر وجود عدد لابأس به من الكفاءات وهذا ماتعاني منه الدول الصغيرة وهو ندرة العمال الفنيين لهذا تحاول الدول المتقدمة تقنيا وقليلة السكان أن تحل الألة محل اليد العاملة في كثير من الصناعات .

أما الدول العربية فإنها تحاول الحد من النمو السكاني لديها حتى تعمل على رفع المستوى المعيشي للأفراد لديها على الرغم من أن ذلك يقلل من قيمتها الحربية ومقدراتها الصناعية ولكنها تعوض ذلك بإنتاج الأسلحة المتطورة التي لاتحتاج إلى أعداد كبيرة من الناس بل تحتاج إلى عقول مفكرة في المقام الأول .

وإن عدد السكان وحده لايعطينا أفكار واضحة قوة الدول بل يجب علينا معرفة عدد من تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والثلاثين لأنهم هم رجال الدولة الذين تعتمد عليهم في إنتاجها وفي الدفاع عنها ويدخل ضمن ذلك النساء اللاتي تختلف مساهماتهم في الإنتاج وحمل السلاح بإختلاف دولهم وما تسمح بها أنظمتهم .



2-الظروف الإقتصادية

إن جغرافية الدولة توجه إقتصادها الذي بدوره يوجه سياستها والإقتصاد يتدخل في توجيه و قيادة الدول والمجتمعات نحو حياة أفضل وقت السلم ويساهم في تقدير قيمة الدول وقت الحرب ، وبالإعتماد على الناتج القومي للدولة ودخل الفرد يمكن تحديد مستوى المعيشة ومدى رضا الأفراد أو عدم رضاهم عن النظام الإقتصادي لبلدهم ،ولمعرفة قوة الدولة من الناحية الإقتصادية يجب دراسة إنتاجها الفعلي وقدرتها على الإنتاج ومدى توفر الموارد الطبيعية فيها ومدى تحقيقها للإكتفاء الذاتي مع الأخذ بعين الإعتبار إمكانية الوصول للموارد الخام فيها وقت السلم ووقت الحرب ومعرفة ما هو مخزونها من وارداتها لأوقات الحرب ومدى قدرتها على إيجاد بدائل عند توقف الإستيراد، لهذا إتجهت جميع الدول للتصنيع حتى تستطيع أن توفر الأسلحة اللازمة لجيوشها وتزويدها بما ينقصها أو ما يفقد منها وقت الحروب.



3-التنظيم الحكومي والعسكري

إن للتنظيم الحكومي أثار قوية على كيان الدولة لأن قوة الدولة ترتبط بالأفراد الذين يديرون الحكم فيها وبنوع النظام الذي يسود فيها فالأشخاص الأقوياء و المتمرسون في السياسة الداخلية والخارجية والذين يتمتعون ببعد نظر فيما يخص بلادهم يصبحون أكبر مصدر للقوة في بلادهم ويخشاهم الأعداء المتربصون بثروات بلادهم وهنا يبدأ الصراع بين المستعمر وهذه الحكومات القوية حيث يريد المستعمر إزالتها والقضاء عليها وأن يبقي قواته فيها لدعم الموالين له وحمايتهم كما فعلت القوات السوفياتية في المجر وتشيكوسلوفكية وكما حصل في فيتنام حيث أراد الغرب إبقاء حكومة فيتنام الجنوبية بينما سعى الفيتناميون الشماليون لإزالتها .

وإن النظام السائد في الدولة يؤثر على قوتها فعندما تكون الدولة موحدة ومنظمة حضاريا وثقافيا وأفراد الشعب فيها يثقون في حكومتهم وقرارتها فهذا يعطي الدولة حرية التصرف السريع وإتخاذ القرارات اللازمة دون الرجوع للشعب ولكن إذا كانت الدولة تتكون من عدة قوميات وأقليات قوية وأرادت هذه القوميات والأقليات أن يؤخذ برأيها في جميع القرارات فإن ذلك سوف يؤخر إتخاذ القرارات السريعة وقت اللزوم وذلك حتى لا يتفكك الصف الداخلي فيها وهذا ما تطالب به الأقليات الكردية في العراق وهذا الأسلوب سوف يؤدي لإعاقة الدولة وتمزيقها وإضعاف قوتها أمام القوة المعادية لها .

أما بالنسبة لقوة القوة العسكرية في الدولة فتتمثل في ثلاثة عوامل 1-القوة الردعية وهي إمتلاك الدولة لأسلحة ذرية تهدد بها أعدائها ومنافسيها 2-الأسلحة التقليدية 3-الإستراتيجية العسكرية للدولة والتي بواسطتها تشعر أعداءها بقوتها وقدرتها على تنفيذ رغباتها ،ويتم كل ذلك عن طريق تخصيص نسبة من الناتج القومي للدولة للجانب العسكري وتختلف هذه النسبة من دولة لأخرى ،ومن خلال ما يصرف على برامج الدفاع ومدى إستمرارية تلك النسب يتم معرفة قوة الدول فكلما كانت الدولة صغيرة كان تسليحها قليل بحيث يتناسب مع دخلها وكلما كبرت الدولة وزاد ماتخصصه من دخلها القومي للتسلح زادت قوتها وهيبتها بين دول العالم .



4-الظروف النفسية والإجتماعية

إن إيمان الشعب بقضية بلاده لها أهمية كبرى في قوة الدولة لأن ذلك يرفع الروح المعنوية لدى الأفراد في الدولة ومنهم أفراد الجيش لأن عدم إيمان الشعب بالقضية التي يحارب من أجلها فإن الهزيمة ستكون من نصيبه لامحالة،ومن أجل ذلك أخذت الدول تكون مايسمى بالشخصية القومية وهي التي يعرف بواسطتها ذلك الشعب في الأوساط الدولية فمثلا عرف الإنجليز بأكثر الشعوب مشاغبة في القرن السابع عشر وعرف الألمان بأكثر الشعوب برودا ومنطقية وحبا للسلام ولكن ذلك تغير بعد الحروب العالمية وأصبحت كل منهما في الوقت الحاضر تحاول أن تخلق لنفسها سمعة حسنة لأن السمعة الحسنة عنصر من عناصر القوة والتي تساعد الدولة على الحصول على ردود فعل من الدول الأخرى، وتبني الدول سمعتها بناءا على قوتها الإقتصادية والعسكرية فبعض الدول الغنية تقدم معونات للدول الفقيرة حتى تكسب السمعة الحسنة ولكي تكون هذه الدول بجانبها وقت الشدائد ،غير أن الولايات المتحدة وبالرغم من تقديمها لكثير من المساعدات الخارجية لدول عدة فإن هذه الدول تكن العداء لها لأن الهدف من هذه المساعدات والمعونات هدف إستعماري يقصد به ربط إقتصاد هذه الدول النامية الصغيرة بالولايات المتحدة (الدول الكبيرة) ويقصد به أيضا أن تفقد هذه الدول شخصيتها وتصبح ذليلة للدول الكبرى .

وهناك دول تقدم لها الولايات المتحدة المساعدات دون أي هدف سياسي أو عسكري وتصبح هذه الدول صديقة لأمريكا على أن تكون هذه الصداقة مرتبطة بإستمرار المعونة الأمريكية لها وإذا ما توقفت هذه المعونة لأي سبب كان فإن هذه الدول تتحول إلى دول معادية لأمريكا وبذلك ينعكس الهدف الرئيسي من تقديم المعونات وهو كسب السمعة الطيبة لدى شعوب دول العالم.