- الأحد نوفمبر 10, 2013 5:13 pm
#65029
دراسة علمية وأكاديمية عن مراكز الفكر الإسرائيلية
صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار العدد 24 من فصلية قضايا إسرائيلية، وفي العدد مقالا مميزا للباحث كمال علي حسان حيث يعرض ويفتح ملفا بكرا وحيويا فيه يرصد مراكز الفكر الإسرائيلية ودورها في النسيج الإسرائيلي، ليعرفنا على مدى اعتماد المؤسسة الاستراتيجية الإسرائيلية على مراكز الأبحاث والدراسات لرسم وتخطيط سياستها، موقع هذه المراكز وتأثيرها على السياسة الإسرائيلية وما هي هذه المراكز وكيف تعمل ومن يديرها ويمولها؟ وهل البحث العلمي والدراسات الفكرية في إسرائيل مستقلة ومحررة؟
ويتعرض الباحث من خلال دراستة الى اصل التسمية لمراكز الفكر وما هي أهميتها ومتى بدا انتشارها حيث كتب ان: مراكز الفكر ترجمة حرفية لمصطلح Think tanks)) او «مصانع التفكير» وهو تجمع وتنظيم لنخبة متميزة ومتخصصة من الباحثين تعكف على دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم إستشارات أو سيناريوهات مستقبلية يمكن أن تساعد أصحاب القرارات في تعديل أو رسم سياستهم بناء على هذه المقترحات في مجالات مختلفة. وقد أصبح لمراكز الفكر دور ريادي في قيادة العالم، وأصبحت هذه المراكز أداة لإنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية الفاعلة . ولعل أهميتها تنبع من عدة إعتبارات :
1- أن الرأي الذي يأتي تحليلاً أو تعليقاً على قضية من القضايا يتم من خلال جهود فردية بحتة. وفي كثير منها ليس مدعوما بقوة المعلومة أو عمق الطرح .
2- تعمل مراكز الفكر على التأثير في مجالين حيويين ، هما : الرأي العام ، والقرار السياسي أو الاستراتيجي . فالرأي العام يتأثر كثيراً من خلال وسائل الإعلام التي تعد أداة رئيسة من أدوات نشر الفكر البحثي . أما القرار السياسي أو الاستراتيجي ، فينبغي تقديم خيارات مدروسة للخروج بقرارات تخدم مصلحة الدولة والمجتمع
3- إن مراكز الفكر تكاد تصل إلى تكريس وجودها كأحد أساسيات الحياة الناجحة المتسمة بالمهنية المبتعدة عن الغوغائية في التفكير والعبثية في التنفيذ ، والمبالغة في تصوير وتوقع الثمار والنتائج . وعلى ذلك فإنها غدت كالماء والهواء لمؤسسات صنع القرار . بدأ استخدام مصطلح مراكز الفكر يعود إلى الفترة التي دارت فيها الحرب العالمية الثانية ، وذالك للتعبير عن الغرف الآمنة التي يتناقش فيها كلاً من المخططين العسكريين وعلماء الدفاع ، وبعد هذه الفترة أي أثناء الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات بدأت تتكاثر مراكز الفكر في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم.
وعن مراكز الفكر الإسرائيلية كتب بان للشخصية الاسرائيليلة دورا اساس في هذه المراكز حيث كتب:
قبل الحديث عن مراكز الفكر الإسرائيلية لا بد من التعريف بالمركب الأساس الفاعل داخل هذه المراكز بإعتبار إن شخصية الفرد وتميزه الثقافي والحضاري، بالإضافة لتميزه الثقافي، ينعكس بشكل أو بأخر على المكان الذي يعمل فيه ويسعى لتطويره. الشخصية الفردية الإسرائيلية هي شخصية ديناميكية وبنيوية تعتمد في تثبيت مواقفها مركبين أساسيين وهما: المعرفة والقوة. أما المعرفة المكونة والمحددة للسلوك عند الفرد الإسرائيلي فمنبعها البيت الإسرائيلي أو العائلة. هذا الوسيط الاجتماعي الأساسي الذي هو عبارة عن خليط مركب من القيم والمفاهيم الدينية والتاريخية والتي بمجملها تدعو إلى الإعتزاز بالإنتماء للشعب اليهودي كهوية جماعية تعتمد عناصر من الدين والتراث اليهودي من جهة ومن جهة أخرى تدعو إلى الإستقلالية التامة للشخص وإعتماده على ذاته كفرد وكمجموعه . ومن حيث تنوعها فيكون وفقاً إلى طبيعتها، وإلى المساحة العلمية التي تتعامل معها، حيث توجد هناك مراكز فكر صناعية وتكنولوجية أو زراعية أو تربوية. يمكن أن نقسم مراكز الفكر إلى مراكز متخصصة لحقل علمي واحد كمراكز فكر الطاقة أو الليزر، أو تكون مراكز فكر متنوعة التخصص، كمراكز فكر بحوث التاريخ، أو مراكز الفكر الإقتصادية لمختلف أشكالها، أو مراكز الفكر الإجتماعية. إن عمل هذه الخزانات يمكن أن يكون محصوراً في إطار منطقة جغرافية معينة أو يمكن أن يمتد ليعبر الحدود الإقليمية. وقد إهتمت الدول الصناعية بالفرع الأخير وذلك لنقل آخر المستجدات في الحقل العلمي. ويؤكد احسان مرتضى دور مراكز الفكر الاسرائيلية المتخصصة في مجال التكنولوجيا وتفوقها وتاثير هذا التفوق في رسم وتحديد شكل التحالفات الاستراتيجية العسكرية في المنطقة وخاصة بتحالفها مع الولايات المتحدة الامريكية كذلك يبين مدى التعاون والدعم المادي للمراكز الاسرائيلية من قبل الحكومات الامريكية والاوروبية . وإذا كان محور الحديث عن مراكز الفكر الإسرائيلية، فجميعها يوجد فيها قسم للعلاقات والإتصالات الخارجية. وهذا يعكس رؤيا المراكز جميعاً من ًجل المحافظة على الدائرة الخارجية في علاقاتها وذلك لعدة أسباب أهمها :-
1- الجاليات اليهودية المنتشرة في العالم تشكل حلقة الوصل بين هذه الخزانات الإسرائيلية واليهود في الشتات.
2- من أجل التبادل المعلوماتي والثقافي بين مراكز الفكر الإسرائيلية والمراكز المشابهة في عملها في الدول المتقدمة وخاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا .
وتطرق المقال الى خواص وتميز مراكز الفكر الإسرائيلية ولخصها الباحث بأربع مميزات أهمها :
1)تعتمد في صقل وبناء برامجها على متخصصين ذوي كفاءات عالية من بين الباحثين اليهود في معظمها.
2)أهدافها وآليات عملها تحمل وجوها من التفاسير وخصوصا في المواد المنشورة.
3)هنالك تعتيم مقصود حول مصادر التمويل لهذه الخزانات المكلفة جداً، والتي تزيد ميزانية بعضها على عدة ملايين من الدولارات.
4) تتعاون في ما بينها بآليات غير واضحة حيث تلاحظ وجود باحثين في مراكز مختلفة من حيث التوجه المعلن على الأقل .
ويمكن تقسيم مراكز الفكر الاسرائيلية إلى ثلاث قطاعات مركزية مع ملاحظة التعاون في ما بينها.
القطاع الجامعي :
الجامعات الإسرائيلية هي مؤسسات حكومية تحظى بإستقلالية منقوصة إذا صح التعبير ، فهي من ناحية تابعة للمجلس الأعلى للتعليم العالي في إسرائيل الذي يسعى للمحافظة وتطوير الجانب العلمي والبحثي في الدولة من خلال الجامعات والكليات ، حيث توضع السياسات العامة للجامعات وفق رؤيا يحددها المجلس الأعلى للتعليم العالي في إسرائيل الذي يرأسه وزير التعليم. من جهة ثانية تتمتع الجامعات باستقلالية توجيه المسار العلمي والبحثي وكذلك إنشاء مراكز ونشر أبحاث في مختلف المجالات. ولهذا فان أصحاب المراكز العليا ومتخذي القرارات في الجامعات لهم الحرية في إستثمار الكفاءات والثروات البشرية وفق تطلعاتهم الشخصية وإنتماءاتهم إلى المدارس الفكرية والأيدلوجية. وتعد مراكز الفكر الجامعية من أنشط وأقدم مراكز الفكر في إسرائيل وذالك لملازمة إنشاءها الجامعات الإسرائيلية وكذالك إنفتاحها وتعاونها مع الجامعات في العالم وخاصة الجامعات في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية .
ويعد مركز هاري ترومان في جامعة القدس من المراكز الأولى لمراكز الفكر الإسرائيلية والذي أقيم في العام 1965 بدعم من الرئيس الأمريكي السابق هاري ترومان ويحمل اسمه . إذ يقوم طاقم المركز بتفعيل نشاطات وبرامج ومنح دراسية بالإضافة لنشر الأبحاث والدراسات في التاريخ والسياسة والمجتمع كذالك يقدم المركز توصيات خاصة وعينية لمتخذي القرارات الإسرائيلية في قضايا شرق أوسطية وعالمية، ويضم المركز نخبة من كبار الباحثين المتميزين في الأبحاث السياسية والاقتصادية، ويعتبر من أهم مراكز الفكر الإسرائيلية وخاصة في مجال رصد وعرض السياسات الإسرائيلية والاقتصادية.
القطاع الخاص أو المستقل:
مراكز التفكير الإسرائيلية المستقلة والتي تعبر عن توجهات القائمين والداعمين لها في الأساس حيث يتصدر هذه الخزانات مركز فان لير في القدس الذي أقيم في العام 1959، ويُعدّ معهد فان لير من المراكز الفكرية الهامة في مجال الدراسات متعددة المجالات، ومناقشة القضايا المتعلقة بالفلسفة والمجتمع والثقافة والتربية. وبادر المعهد خلال مسيرته عبر العقود الماضية وشارك في ما يزيد عن 200 مشروع يمكن إدراجها تحت أربعة عناوين رئيسة هي :- • الدراسات المتقدّمة • المجتمع المدني في إسرائيل • الثقافة والهويّـة اليهودية المعاصرة • الإسرائيليون, الفلسطينيون وجيرانهم
القطاع العام أو الحكومي :
أما القطاع الثالث من مراكز الفكر الإسرائيلية فهو القطاع الحكومي ومن هنا تجدر الإشارة إلى نظام الحكم في إسرائيل وكيفية تعامله مع مراكز الفكر الحكومية. يعتمد نظام الحكم المؤسساتي في إسرائيل على كوادر عمل وقوى بشرية متخصصة ثابتة تعمل في داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة، حيث نلاحظ وجود مراكز تفكير ملازمة وتابعة لكل وزارة من وزارات الدولة يعمل فيها باحثين متفرغين لرصد وتقديم التوصيات المتعلقة في الوزارة التي يعمل فيها الطاقم. إذ أن لكل وزارة طاقم عمل ثابت من بينهم وحدة البحث الخاصة بالمركز، يعمل في هذه الوحدات متخصصين وباحثون متميزون في مجالاتهم. تقوم طواقم البحث بإعداد ورصد كافة القضايا التابعة لمجال عملهم ومن ثم إعدادها على شكل مذكرات تُرفع للوزير الذي يقوم بتحديد سياسة مكتبه في جل القضايا بناء على توصيات طاقم البحث في مكتبه.
هنالك من يصنف مراكز الفكر الخاصة بالأحزاب كمجموعة رابعة لمراكز الفكر ولكن تبين الدراسة لهذا الجانب ان الأحزاب السياسية في إسرائيل تستند في بناء أجندتها السياسة على مراكز فكر مستقلة متخصصة في مجالات إستطلاعات الرأي وخاصة في فترة الانتخابات البرلمانية وفي بعض الأحيان تستعين بعض الأحزاب بمراكز فكر خارجية أمريكية خاصة وأخرى إسرائيلية متخصصة في مجالات البحث السياسي والأمني بناء على دعوة وطلب لتقرير من هذه المراكز في مواضيع مختلفة.
وعن إنتاج مراكز الفكر الإسرائيلية يعتقد كمال حسان بأنها تعمل في عدة مستويات منها:
1- تطوير الحياة المعرفية في الوسط العام، فمراكز الفكر عادة ما تستقطب أصحاب الاهتمام والخبرة، لذلك فان لمؤسسات البحث الدور الأساسي في تطوير الحياة المعرفية والفكرية والعملية في الوسط العام، عن طريق أنشطتها الثقافية ومنابرها الإعلامية المختلفة.
2- إقامة جسور العلاقة والتواصل بين أطراف متعددة تمثل بمجملها أقطاب إدارة السياسة العامة وتنفيذها والتفاعل معها، فهي تتوسط العلاقة بين الحكومة والمؤسسات الأكاديمية، ومن جهة أخرى تمكن الحكومة من تلافي أخطائها أو تحسين وسائلها، من خلال ما تتم ملاحظته عبر الرؤية الأكاديمية وما تتمخض عنه عملية التطوير الفكري والمناقشات النقدية لتلك الأفكار.
3- اشاعة روح البحث العلمي والتعامل مع القضايا بموضوعية وتعميم ثقافة البحث والتحري والاستدلال التي تقف بالضد من ثقافة التسطيح والخرافة والأحكام العشوائية، ورعاية المبدعين على وجه الخصوص وتوفير الفرصة المناسبة للراغبين في البحث والكتابة والتأليف وإبداء الرأي، وإقامة جسور التواصل بينهم وبين الجمهور.
ويختتم الباحث مقاله بدعوته وأمله لان تكون دراسته عن مراكز الفكر الإسرائيلية مصدراً محفزاً للقيام بمشروع دراسة معمقة لمراكز الفكر الإسرائيلية في محاولة صريحة وعلمية لفهم المجتمع والسلطة في إسرائيل حتى يكون تعاملنا مع المجتمع والسلطة الإسرائيلي مبني على العلم والمعرفة بالأساس.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر: bettna
صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار العدد 24 من فصلية قضايا إسرائيلية، وفي العدد مقالا مميزا للباحث كمال علي حسان حيث يعرض ويفتح ملفا بكرا وحيويا فيه يرصد مراكز الفكر الإسرائيلية ودورها في النسيج الإسرائيلي، ليعرفنا على مدى اعتماد المؤسسة الاستراتيجية الإسرائيلية على مراكز الأبحاث والدراسات لرسم وتخطيط سياستها، موقع هذه المراكز وتأثيرها على السياسة الإسرائيلية وما هي هذه المراكز وكيف تعمل ومن يديرها ويمولها؟ وهل البحث العلمي والدراسات الفكرية في إسرائيل مستقلة ومحررة؟
ويتعرض الباحث من خلال دراستة الى اصل التسمية لمراكز الفكر وما هي أهميتها ومتى بدا انتشارها حيث كتب ان: مراكز الفكر ترجمة حرفية لمصطلح Think tanks)) او «مصانع التفكير» وهو تجمع وتنظيم لنخبة متميزة ومتخصصة من الباحثين تعكف على دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم إستشارات أو سيناريوهات مستقبلية يمكن أن تساعد أصحاب القرارات في تعديل أو رسم سياستهم بناء على هذه المقترحات في مجالات مختلفة. وقد أصبح لمراكز الفكر دور ريادي في قيادة العالم، وأصبحت هذه المراكز أداة لإنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية الفاعلة . ولعل أهميتها تنبع من عدة إعتبارات :
1- أن الرأي الذي يأتي تحليلاً أو تعليقاً على قضية من القضايا يتم من خلال جهود فردية بحتة. وفي كثير منها ليس مدعوما بقوة المعلومة أو عمق الطرح .
2- تعمل مراكز الفكر على التأثير في مجالين حيويين ، هما : الرأي العام ، والقرار السياسي أو الاستراتيجي . فالرأي العام يتأثر كثيراً من خلال وسائل الإعلام التي تعد أداة رئيسة من أدوات نشر الفكر البحثي . أما القرار السياسي أو الاستراتيجي ، فينبغي تقديم خيارات مدروسة للخروج بقرارات تخدم مصلحة الدولة والمجتمع
3- إن مراكز الفكر تكاد تصل إلى تكريس وجودها كأحد أساسيات الحياة الناجحة المتسمة بالمهنية المبتعدة عن الغوغائية في التفكير والعبثية في التنفيذ ، والمبالغة في تصوير وتوقع الثمار والنتائج . وعلى ذلك فإنها غدت كالماء والهواء لمؤسسات صنع القرار . بدأ استخدام مصطلح مراكز الفكر يعود إلى الفترة التي دارت فيها الحرب العالمية الثانية ، وذالك للتعبير عن الغرف الآمنة التي يتناقش فيها كلاً من المخططين العسكريين وعلماء الدفاع ، وبعد هذه الفترة أي أثناء الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات بدأت تتكاثر مراكز الفكر في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم.
وعن مراكز الفكر الإسرائيلية كتب بان للشخصية الاسرائيليلة دورا اساس في هذه المراكز حيث كتب:
قبل الحديث عن مراكز الفكر الإسرائيلية لا بد من التعريف بالمركب الأساس الفاعل داخل هذه المراكز بإعتبار إن شخصية الفرد وتميزه الثقافي والحضاري، بالإضافة لتميزه الثقافي، ينعكس بشكل أو بأخر على المكان الذي يعمل فيه ويسعى لتطويره. الشخصية الفردية الإسرائيلية هي شخصية ديناميكية وبنيوية تعتمد في تثبيت مواقفها مركبين أساسيين وهما: المعرفة والقوة. أما المعرفة المكونة والمحددة للسلوك عند الفرد الإسرائيلي فمنبعها البيت الإسرائيلي أو العائلة. هذا الوسيط الاجتماعي الأساسي الذي هو عبارة عن خليط مركب من القيم والمفاهيم الدينية والتاريخية والتي بمجملها تدعو إلى الإعتزاز بالإنتماء للشعب اليهودي كهوية جماعية تعتمد عناصر من الدين والتراث اليهودي من جهة ومن جهة أخرى تدعو إلى الإستقلالية التامة للشخص وإعتماده على ذاته كفرد وكمجموعه . ومن حيث تنوعها فيكون وفقاً إلى طبيعتها، وإلى المساحة العلمية التي تتعامل معها، حيث توجد هناك مراكز فكر صناعية وتكنولوجية أو زراعية أو تربوية. يمكن أن نقسم مراكز الفكر إلى مراكز متخصصة لحقل علمي واحد كمراكز فكر الطاقة أو الليزر، أو تكون مراكز فكر متنوعة التخصص، كمراكز فكر بحوث التاريخ، أو مراكز الفكر الإقتصادية لمختلف أشكالها، أو مراكز الفكر الإجتماعية. إن عمل هذه الخزانات يمكن أن يكون محصوراً في إطار منطقة جغرافية معينة أو يمكن أن يمتد ليعبر الحدود الإقليمية. وقد إهتمت الدول الصناعية بالفرع الأخير وذلك لنقل آخر المستجدات في الحقل العلمي. ويؤكد احسان مرتضى دور مراكز الفكر الاسرائيلية المتخصصة في مجال التكنولوجيا وتفوقها وتاثير هذا التفوق في رسم وتحديد شكل التحالفات الاستراتيجية العسكرية في المنطقة وخاصة بتحالفها مع الولايات المتحدة الامريكية كذلك يبين مدى التعاون والدعم المادي للمراكز الاسرائيلية من قبل الحكومات الامريكية والاوروبية . وإذا كان محور الحديث عن مراكز الفكر الإسرائيلية، فجميعها يوجد فيها قسم للعلاقات والإتصالات الخارجية. وهذا يعكس رؤيا المراكز جميعاً من ًجل المحافظة على الدائرة الخارجية في علاقاتها وذلك لعدة أسباب أهمها :-
1- الجاليات اليهودية المنتشرة في العالم تشكل حلقة الوصل بين هذه الخزانات الإسرائيلية واليهود في الشتات.
2- من أجل التبادل المعلوماتي والثقافي بين مراكز الفكر الإسرائيلية والمراكز المشابهة في عملها في الدول المتقدمة وخاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا .
وتطرق المقال الى خواص وتميز مراكز الفكر الإسرائيلية ولخصها الباحث بأربع مميزات أهمها :
1)تعتمد في صقل وبناء برامجها على متخصصين ذوي كفاءات عالية من بين الباحثين اليهود في معظمها.
2)أهدافها وآليات عملها تحمل وجوها من التفاسير وخصوصا في المواد المنشورة.
3)هنالك تعتيم مقصود حول مصادر التمويل لهذه الخزانات المكلفة جداً، والتي تزيد ميزانية بعضها على عدة ملايين من الدولارات.
4) تتعاون في ما بينها بآليات غير واضحة حيث تلاحظ وجود باحثين في مراكز مختلفة من حيث التوجه المعلن على الأقل .
ويمكن تقسيم مراكز الفكر الاسرائيلية إلى ثلاث قطاعات مركزية مع ملاحظة التعاون في ما بينها.
القطاع الجامعي :
الجامعات الإسرائيلية هي مؤسسات حكومية تحظى بإستقلالية منقوصة إذا صح التعبير ، فهي من ناحية تابعة للمجلس الأعلى للتعليم العالي في إسرائيل الذي يسعى للمحافظة وتطوير الجانب العلمي والبحثي في الدولة من خلال الجامعات والكليات ، حيث توضع السياسات العامة للجامعات وفق رؤيا يحددها المجلس الأعلى للتعليم العالي في إسرائيل الذي يرأسه وزير التعليم. من جهة ثانية تتمتع الجامعات باستقلالية توجيه المسار العلمي والبحثي وكذلك إنشاء مراكز ونشر أبحاث في مختلف المجالات. ولهذا فان أصحاب المراكز العليا ومتخذي القرارات في الجامعات لهم الحرية في إستثمار الكفاءات والثروات البشرية وفق تطلعاتهم الشخصية وإنتماءاتهم إلى المدارس الفكرية والأيدلوجية. وتعد مراكز الفكر الجامعية من أنشط وأقدم مراكز الفكر في إسرائيل وذالك لملازمة إنشاءها الجامعات الإسرائيلية وكذالك إنفتاحها وتعاونها مع الجامعات في العالم وخاصة الجامعات في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية .
ويعد مركز هاري ترومان في جامعة القدس من المراكز الأولى لمراكز الفكر الإسرائيلية والذي أقيم في العام 1965 بدعم من الرئيس الأمريكي السابق هاري ترومان ويحمل اسمه . إذ يقوم طاقم المركز بتفعيل نشاطات وبرامج ومنح دراسية بالإضافة لنشر الأبحاث والدراسات في التاريخ والسياسة والمجتمع كذالك يقدم المركز توصيات خاصة وعينية لمتخذي القرارات الإسرائيلية في قضايا شرق أوسطية وعالمية، ويضم المركز نخبة من كبار الباحثين المتميزين في الأبحاث السياسية والاقتصادية، ويعتبر من أهم مراكز الفكر الإسرائيلية وخاصة في مجال رصد وعرض السياسات الإسرائيلية والاقتصادية.
القطاع الخاص أو المستقل:
مراكز التفكير الإسرائيلية المستقلة والتي تعبر عن توجهات القائمين والداعمين لها في الأساس حيث يتصدر هذه الخزانات مركز فان لير في القدس الذي أقيم في العام 1959، ويُعدّ معهد فان لير من المراكز الفكرية الهامة في مجال الدراسات متعددة المجالات، ومناقشة القضايا المتعلقة بالفلسفة والمجتمع والثقافة والتربية. وبادر المعهد خلال مسيرته عبر العقود الماضية وشارك في ما يزيد عن 200 مشروع يمكن إدراجها تحت أربعة عناوين رئيسة هي :- • الدراسات المتقدّمة • المجتمع المدني في إسرائيل • الثقافة والهويّـة اليهودية المعاصرة • الإسرائيليون, الفلسطينيون وجيرانهم
القطاع العام أو الحكومي :
أما القطاع الثالث من مراكز الفكر الإسرائيلية فهو القطاع الحكومي ومن هنا تجدر الإشارة إلى نظام الحكم في إسرائيل وكيفية تعامله مع مراكز الفكر الحكومية. يعتمد نظام الحكم المؤسساتي في إسرائيل على كوادر عمل وقوى بشرية متخصصة ثابتة تعمل في داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة، حيث نلاحظ وجود مراكز تفكير ملازمة وتابعة لكل وزارة من وزارات الدولة يعمل فيها باحثين متفرغين لرصد وتقديم التوصيات المتعلقة في الوزارة التي يعمل فيها الطاقم. إذ أن لكل وزارة طاقم عمل ثابت من بينهم وحدة البحث الخاصة بالمركز، يعمل في هذه الوحدات متخصصين وباحثون متميزون في مجالاتهم. تقوم طواقم البحث بإعداد ورصد كافة القضايا التابعة لمجال عملهم ومن ثم إعدادها على شكل مذكرات تُرفع للوزير الذي يقوم بتحديد سياسة مكتبه في جل القضايا بناء على توصيات طاقم البحث في مكتبه.
هنالك من يصنف مراكز الفكر الخاصة بالأحزاب كمجموعة رابعة لمراكز الفكر ولكن تبين الدراسة لهذا الجانب ان الأحزاب السياسية في إسرائيل تستند في بناء أجندتها السياسة على مراكز فكر مستقلة متخصصة في مجالات إستطلاعات الرأي وخاصة في فترة الانتخابات البرلمانية وفي بعض الأحيان تستعين بعض الأحزاب بمراكز فكر خارجية أمريكية خاصة وأخرى إسرائيلية متخصصة في مجالات البحث السياسي والأمني بناء على دعوة وطلب لتقرير من هذه المراكز في مواضيع مختلفة.
وعن إنتاج مراكز الفكر الإسرائيلية يعتقد كمال حسان بأنها تعمل في عدة مستويات منها:
1- تطوير الحياة المعرفية في الوسط العام، فمراكز الفكر عادة ما تستقطب أصحاب الاهتمام والخبرة، لذلك فان لمؤسسات البحث الدور الأساسي في تطوير الحياة المعرفية والفكرية والعملية في الوسط العام، عن طريق أنشطتها الثقافية ومنابرها الإعلامية المختلفة.
2- إقامة جسور العلاقة والتواصل بين أطراف متعددة تمثل بمجملها أقطاب إدارة السياسة العامة وتنفيذها والتفاعل معها، فهي تتوسط العلاقة بين الحكومة والمؤسسات الأكاديمية، ومن جهة أخرى تمكن الحكومة من تلافي أخطائها أو تحسين وسائلها، من خلال ما تتم ملاحظته عبر الرؤية الأكاديمية وما تتمخض عنه عملية التطوير الفكري والمناقشات النقدية لتلك الأفكار.
3- اشاعة روح البحث العلمي والتعامل مع القضايا بموضوعية وتعميم ثقافة البحث والتحري والاستدلال التي تقف بالضد من ثقافة التسطيح والخرافة والأحكام العشوائية، ورعاية المبدعين على وجه الخصوص وتوفير الفرصة المناسبة للراغبين في البحث والكتابة والتأليف وإبداء الرأي، وإقامة جسور التواصل بينهم وبين الجمهور.
ويختتم الباحث مقاله بدعوته وأمله لان تكون دراسته عن مراكز الفكر الإسرائيلية مصدراً محفزاً للقيام بمشروع دراسة معمقة لمراكز الفكر الإسرائيلية في محاولة صريحة وعلمية لفهم المجتمع والسلطة في إسرائيل حتى يكون تعاملنا مع المجتمع والسلطة الإسرائيلي مبني على العلم والمعرفة بالأساس.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر: bettna