- الأربعاء نوفمبر 13, 2013 2:30 pm
#65229
العقيدة الجديدة للسياسية الخارجية الروسية
تابعت الأوساط السياسية الدولية التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الروسية والتى بدأ العمل بها فى منتصف فبراير الماضى وتعتمد أساسيات السياسة الخارجية الجديدة في معظمها علي ضرورة استخدام الأشكال والمناهج العصرية للعمل السياسي الخارجي, بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية, وإدخال ما يسمي بعناصر القوة الناعمة والاندماج الواعي في التيارات المعلوماتية العالمية.
وتعطى هذه النظرية الاهتمام الأكبر لحماية مصالح وحقوق المواطنين الروس في الداخل والخارج. وقد حرص الرئيس الروسى فلاديمير بوتين في الوقت نفسه علي تأكيد التمسك بالمبادئ الرئيسية لنظرية السياسة الخارجية التي سبق وأعلنها خلال ولايتيه السابقتين ومنها الشفافية والوضوح والبراجماتية والتصميم علي تحقيق وحماية المصالح القومية, مشيرا الي ضرورة تنفيذ ذلك دون الانزلاق الي أية نزاعات أو مواجهات مع الاخرين والتعاون مع كل شركاء روسيا علي أساس مبدأ المساواة والاحترام المتبادل,الي جانب مراعاة الدور المحوري للأمم المتحدة وسيادة القانون الدولي.
وتسيطر حالة من القلق على السياسية الخارجية الروسية بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التى يعانى منها المجتمع الدولى والتى أثرت بشكل واسع على العلاقات الدولية وعلى علاقة روسيا بصفة خاصة مع شركائها وحلفائها التقليديين وفى مقدمتهم الصين .
وقد حظيت زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ الاخيرة إلى موسكو باهتمام دولى واسع وبترقب من المتابعين لتطور العلاقات بين البلدين خاصة فى الظروف الدقيقة الدولية الراهنة فيما يتعلق بأسلوب تعامل السياستين الخارجيتين للدولتين مع كثير من الصراعات الدولية الملتهبة خاصة الأزمة السورية وقضايا الارهاب وغيرها.
وإضافة إلى أسس تعميق «التحالف الاستراتيجي» بين روسيا والصين على الأصعدة المختلفة، كان الملف الأبرز المطروح على طاولة محادثات جينبينغ مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين هو سبل المحافظة على التوازن الدولي القائم على اساس نتائج الحرب العالمية الثانية وعدم السماح بتفكيك منظومة العلاقات الدولية الحالية او تطويرها.
ويقول محللون سياسيون أن هناك قلقا روسيا واضحا من الوضع الدولى الراهن وقد أثير هذا الامر على نحو مباشر ومكثف في أروقة صناعة القرار الروسي، وفي ندوات مغلقة ناقشت مستجدات الوضع الدولي وتم خلالها التحذير من تأثير تداعيات الازمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة في مناطق مختلفة من العالم، وأيضاً تفاعلات «الربيع العربي» المتزايدة على النظام الدولي القائم، خاصة فيما يتعلق بإضعاف مبدأ سيادة الدول الذي قام عليه النظام الدولي منذ خمسينات القرن الماضي، لمصلحة تغليب مصالح الشعوب، مع ما يتبع ذلك من اعادة النظر بتركيبة مجلس الامن الدولي ومهماته.
ورصد المحللون السياسيون ارتفاع الهاجس الأمنى عند القيادة الروسية فى الأونة الأخيرة حيث قام الرئيس الروسى بوتين عقب مشاركته في قمة دول مجموعة «بريكس» التي تضم إضافة إلى روسيا والصين كلاً من الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، بإعطاء أوامر بإحياء تقليد سوفيتي بإجراء مناورات عسكرية مفاجئة تهدف الى المحافظة على حالة التأهب عند الجيوش الروسية وتوجه رسائل ذات مغزى تتعدى اقليم البحر الاسود حيث أُجريت المناورات لتصل إلى الحلف الاطلسي وشركاء روسيا الاوروبيين.
في الوقت ذاته واصلت روسيا استعراض عضلاتها العسكرية في حوض البحر المتوسط موجّهة رسائل مماثلة الى دول حوض المتوسط.
واعتبر المراقبون السياسيون أن موسكو تبنت عقيدة سياسية جديدة حملت خطاباً متشدداً للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق على سكة التنفيـذ العملي. ولم يخف الروس ان التحديات الجديدة وعلى رأسها المتغيرات الأخيرة في العالم بما فيها الأزمة المالية والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا» شكلت حافزاً اساسياً لتشديد عدد كبير من البنود التي تقوم عليها العقيدة الجديدة.
وقال بوتين في اجتماع لمجلس الأمن الروسي عقد بعد مرور يومين على توقيع الوثيقة الجديدة: «تركز العقيدة على ضرورة استخدام الأشكال والمناهج العصرية للعمل السياسي الخارجي، بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية، وإدخال ما يسمى بعناصر «القوة الناعمة».
وأضاف أنه «من المهم كذلك، أنها تأخذ في الاعتبار التغيرات الجارية في العالم، وفي وجه خاص، الظواهر الكبيرة كالأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي لا تزال مصدر ازعاج لنا جميعاً، وإعادة توزيع موازين القوة في الشؤون العالمية، والتصعيد الحاد للاضطربات في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وارتفاع أهمية التقويم الثقافي الحضاري وقوة المنافسة في العالم».
ويعتبر المراقبون السياسيون أن ثورات الربيع العربى لعبت دورا رئيسيا فى دفع روسيا نحو إعادة التفكير فى تطوير السياسة الخارجية الا أن تطورات المنطقة العربية لم تكن الاساس الوحيد الذي دفع روسيا لتبني سياسة خارجية اكثر حزماً، لكنها بالتأكيد زادت قلق الكرملين من مخاوف تسريع إنشاء نظم دولية جديدة لا تناسب طموحات الروس.
واهتمت الأوساط السياسية بتصريح هام لمسئول رفيع في الديوان الرئاسي أدلى به مؤخرا لصحيفة «كوميرسانت» قال فيه « أن بعض بنود عقيدتنا السياسية كان بحاجة إلى تشديد، وعلى سبيل المثال ينبغي التعامل مع مسألة مواجهة محاولات التدخل بشؤوننا الداخلية بمنطق جديد»، مشيراً إلى أن ما يحدث في بعض مناطق العالم يعد مؤشراً مزعجاً إلى تبدل في المزاج الدولي يسمح بزيادة التأثير في الوضع الداخلي في دول مستقلة وذات سيادة.
وكان بوتين قد طلب تعديل وثيقة السياسة الخارجية الروسية في مايو الماضي فور تسلّمه مقاليد الرئاسة في ولاية جديدة، وأنجزت الخارجية الروسية وضع وثيقتها في نهاية العام، لكن الرئيس الروسى قام بتأجّيل التوقيع عليها مرات وأرسلها للمراجعة بهدف «تشديد بعض بنودها أكثر» قبل ان تخرج بصيغتها النهائية في فبراير الماضى.
وبحسب مصادر سياسية فإن البنود التي طلب بوتين تشديدها كانت تتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة وبنمط العلاقات داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وتقول المصادر أنه بسبب التعديلات الكثيرة على الوثيقة أصبحت العلاقة مع واشنطن في موقع متأخر على لائحة أولويات السياسة الخارجية الروسية في حين حلّت رابطة الدول المستقلة تقليدياً في المقدمة.
وقالت المصادر أن تحالفات موسكو الإقليمية والدولية، خصوصاً في اطار منظمات مثل «بريكس» و «شانغهاي» و «شوس» (تعتبر الأخيرة الذراع العسكرية الأمنية لعدد من بلدان الرابطة) تقدمت أيضاً، تليها اوروبا وشرق آسيا قبل ان تصل العقيدة إلى الحلف «الأطلسي» ثم تطرح البند المتعلق بالعلاقات مع واشنطن بعد ذلك.
واعتبرت المصادر أن أزمة «حرب القوانين» التي أسفرت عن تدهور العلاقات مع واشنطن أثرت كثيراً في صياغة العقيدة العسكرية، خصوصاً بعدما اعتبرت أوساط روسية ان واشنطن «تستخدم ملفات انتهاكات حقوق الانسان لزيادة دائرة نفوذها وتأثيرها في صنع القرار الروسي».
ويرى دميتري ترينين، مدير «مركز كارنيغي» في موسكو، أن السياسة الروسية تجاه الغرب ستكون أكثر انعزالية، لكنه يعتبر مع ذلك أن النزعة نحو تشديد النهج في العلاقة مع واشنطن قد ظهرت حتى قبل تبني قانون «ماغنيتسكي»، الذي يوفر سبلاً غير قانونية لملاحقة منتهكي حقوق الانسان من المسؤولين الروس.
ويقول المحللون السياسيون أن الرئيس الروسى يشعر بحالة خيبة أمل تجاه الولايات المتحدة والغرب عموماً مشيرا الى أن الكرملين اعتبر محاولة الغرب المراهنة على دميتري ميدفيديف،على أنها تدخل في الشئون الداخلية لروسيا.
وأضاف المحللون «عندما وقف بوتين بعد الانتخابات الرئاسية في ساحة «مانيج» في موسكو وقال – وقد اغرورقت عيناه بدموع الفرح – «نحن انتصرنا»، كان ذلك رداً ليس على المعارضة الداخلية فقط، بل وعلى رعاتها في الخارج، وجاء تبني «قانون ماغنيتسكي» في الولايات المتحدة ليشكل القطرة الأخيرة التي أقنعت بوتين نهائياً بضرورة تعزيز«سيادة واستقلالية السياسة الخارجية لموسكو».
وعموماً، لم يكن إدخال عنصر استخدام القوة للمحافظة على مصالح روسيا هو التعديل الوحيد الذي اشار إلى التوجه لتشديد السياسة الروسية الخارجية.
وتعتبر العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية قد نجحت فى الحفاظ على غالبية بنودها السابقة كما تميزت بوضوح الفقرات التي تتعلق بدور روسيا ونيتها الدفاع عن حقوقها ومصالحها الوطنية ومواطنيها في اي مكان.
ومن المعروف أن سياسة روسيا الخارجية تستند تقليدياً إلى مبادئ استراتيجية ثلاثة تشمل الحفاظ على روسيا كقوة نووية عظمى، وقوة كبرى في كل أوجه النشاط الدولي، وقوة مهيمنة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية. قبل ان يضيف بوتين بعداً جديداً لسياسته الخارجية يقوم على التخلص تدريجاً من نتائج «الحرب الباردة» التي تم التعامل فيها مع موسكو باعتبارها الطرف المغلوب، ووضع مقدمات لاستعادة ما خسرته روسيا على الساحة الدولية بعد انهيار الدولة العظمى. بعبارة أخرى، كما قال خبير روسي: أن نتقدم هناك حيث يضعف نفوذ الآخرين أو يكاد.
واعتبر مراقبون سياسيون أن توجهات السياسة الخارجية قد أُصيبت بخيبات أكثر من مرة وصلت احياناً إلى مناطق النفوذ الحيوي لروسيا وخصوصاً في الخاصرة الرخوة للروس، أي منطقة القوقاز، وشكل هذا سبباً رئيساً للحسم العسكري الروسي مع جورجيا صيف عام 2008، وليست صدفة ان يتعمد الكرملين إدراج موضوع الحرص على «استقلال» اقليمي ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية وتطوير العلاقة مع «الجمهوريتين» في العقيدة الجديدة.
ويقول خبراء أن روسيا وجدت نفسها مضطرة في الفترة الأخيرة للتذكير بوضعها في مجلس الأمن. فهي بعد مرور عقدين على انهيار الدولة العظمى لم تستخدم خلالهما حق النقض الفيتو إلا مرات معدودة، استخدمت هذا الحق ثماني مرات في السنوات الأخيرة، ثلاث منها في الشأن السوري وحده.
لـــكــن اللافــــت أن الـــنشــاط الدبلوماسي الروسي في منطقة الشرق الأوسط، والحديث الصاخب عن قلق روسيا بسبب التداعيات الجارية في المنطقة لم ينعكسا في الوثيقة الجديدة، فالمنطقة لم تقع في مكانة متقدمة على لائحة اولويات السياسة الخارجية، بل على العكس من ذلك جاءت تقريباً في ذيل اللائحة.
ونص البند 88 من الوثيقة الجديدة على عزم موسكو على المساهمة النشطة في تطبيع الوضع في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والمحافظة على السلم المدني والوفاق في بلدان المنطقة على أساس احترام سيادة الدول ووحدتها ورفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
ثم انتقل الحديث مباشرة إلى الصراع العربي – الإسرائيلي ليؤكد عزم موسكو «على المضي بجهودها كعضو دائم في مجلس الأمن و«الرباعي» الدولي لتسوية النزاع على اساس عملية سياسية تقوم على الحوار بين الطرفين وتفضي إلى قيام دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب دولة إسرائيل».
وانتهى البند المذكور إلى تأكيد حرص روسيا على تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
بعد البند 88، أدرج واضعو الوثيقة بندين يتعلقان بالمنطقة أيضاً، أولهما يقرر مواصلة جهود موسكو لتسوية الملف النووي الإيراني سلمياً، والثاني يتحدث عن تعزيز العلاقة مع منظمتي «التعاون الإسلامي» و «جامعة الدول العربية» باعتبار ان موسكو تحظى بعضوية مراقبة فيهما.
وتبع ذلك في ذيل لائحة أولويات السياسة الروسية حديث عن تطوير التعاون مع افغانستان.
وبحسب تقييمات السياسيين للتغييرات التى تمت على سياسة روسيا الخارجية فان هموم السياسة الخارجية الناتجة من القلق بسبب تداعيات «الربيع العربي» لا تقوم على أساس المحافظة على مواقع نفوذ في المنطقة، أو محاولة تعزيز الشراكة مع اقليم جار للدولة الروسية جنوباً، بل تنطلق من مخاوف تأثير التداعيات في وتائر صوغ عالم جديد يضع حداً لتوازن القوى القائم منذ ان وضعت الحرب العالمية أوزارها.
وتضمنت بنود العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية بوضوح ضرورة «الاعتماد على الوثائق الدولية الأساسية المحددة لأنماط العلاقات الدولية»، والمحافظة على التركيبة الحالية لمجلس الأمن وخصوصاً الأعضاء الدائمين فيه، باعتبار أن العضوية الدائمة في المجلس يجب ان تبقى المعيار المحدد لإدارة الشؤون الدولية في القرن الواحد والعشرين. مع اشارة إلى أن توسيع عضوية مجلس الأمن «ينبغي ان تحظى بقبول واسع جداً من جانب البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة».
أما أبرز التعديلات التى رصدها الخبراء فهو بند جديد في الجزء المتعلق بعمل مجلس الأمن ولا شك في انه أدخل بتأثير الحالة الليبية تحديداً ولضمان عدم تكرارها في مناطق اخرى من العالم. فهو نص على أن اي نشاط عسكري أو مهمات دولية ينبغي ان تحدد في قرار واضح لا لبس في تفاصيله ولا يسمح بتأويل بنوده
تابعت الأوساط السياسية الدولية التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الروسية والتى بدأ العمل بها فى منتصف فبراير الماضى وتعتمد أساسيات السياسة الخارجية الجديدة في معظمها علي ضرورة استخدام الأشكال والمناهج العصرية للعمل السياسي الخارجي, بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية, وإدخال ما يسمي بعناصر القوة الناعمة والاندماج الواعي في التيارات المعلوماتية العالمية.
وتعطى هذه النظرية الاهتمام الأكبر لحماية مصالح وحقوق المواطنين الروس في الداخل والخارج. وقد حرص الرئيس الروسى فلاديمير بوتين في الوقت نفسه علي تأكيد التمسك بالمبادئ الرئيسية لنظرية السياسة الخارجية التي سبق وأعلنها خلال ولايتيه السابقتين ومنها الشفافية والوضوح والبراجماتية والتصميم علي تحقيق وحماية المصالح القومية, مشيرا الي ضرورة تنفيذ ذلك دون الانزلاق الي أية نزاعات أو مواجهات مع الاخرين والتعاون مع كل شركاء روسيا علي أساس مبدأ المساواة والاحترام المتبادل,الي جانب مراعاة الدور المحوري للأمم المتحدة وسيادة القانون الدولي.
وتسيطر حالة من القلق على السياسية الخارجية الروسية بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التى يعانى منها المجتمع الدولى والتى أثرت بشكل واسع على العلاقات الدولية وعلى علاقة روسيا بصفة خاصة مع شركائها وحلفائها التقليديين وفى مقدمتهم الصين .
وقد حظيت زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ الاخيرة إلى موسكو باهتمام دولى واسع وبترقب من المتابعين لتطور العلاقات بين البلدين خاصة فى الظروف الدقيقة الدولية الراهنة فيما يتعلق بأسلوب تعامل السياستين الخارجيتين للدولتين مع كثير من الصراعات الدولية الملتهبة خاصة الأزمة السورية وقضايا الارهاب وغيرها.
وإضافة إلى أسس تعميق «التحالف الاستراتيجي» بين روسيا والصين على الأصعدة المختلفة، كان الملف الأبرز المطروح على طاولة محادثات جينبينغ مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين هو سبل المحافظة على التوازن الدولي القائم على اساس نتائج الحرب العالمية الثانية وعدم السماح بتفكيك منظومة العلاقات الدولية الحالية او تطويرها.
ويقول محللون سياسيون أن هناك قلقا روسيا واضحا من الوضع الدولى الراهن وقد أثير هذا الامر على نحو مباشر ومكثف في أروقة صناعة القرار الروسي، وفي ندوات مغلقة ناقشت مستجدات الوضع الدولي وتم خلالها التحذير من تأثير تداعيات الازمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة في مناطق مختلفة من العالم، وأيضاً تفاعلات «الربيع العربي» المتزايدة على النظام الدولي القائم، خاصة فيما يتعلق بإضعاف مبدأ سيادة الدول الذي قام عليه النظام الدولي منذ خمسينات القرن الماضي، لمصلحة تغليب مصالح الشعوب، مع ما يتبع ذلك من اعادة النظر بتركيبة مجلس الامن الدولي ومهماته.
ورصد المحللون السياسيون ارتفاع الهاجس الأمنى عند القيادة الروسية فى الأونة الأخيرة حيث قام الرئيس الروسى بوتين عقب مشاركته في قمة دول مجموعة «بريكس» التي تضم إضافة إلى روسيا والصين كلاً من الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، بإعطاء أوامر بإحياء تقليد سوفيتي بإجراء مناورات عسكرية مفاجئة تهدف الى المحافظة على حالة التأهب عند الجيوش الروسية وتوجه رسائل ذات مغزى تتعدى اقليم البحر الاسود حيث أُجريت المناورات لتصل إلى الحلف الاطلسي وشركاء روسيا الاوروبيين.
في الوقت ذاته واصلت روسيا استعراض عضلاتها العسكرية في حوض البحر المتوسط موجّهة رسائل مماثلة الى دول حوض المتوسط.
واعتبر المراقبون السياسيون أن موسكو تبنت عقيدة سياسية جديدة حملت خطاباً متشدداً للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق على سكة التنفيـذ العملي. ولم يخف الروس ان التحديات الجديدة وعلى رأسها المتغيرات الأخيرة في العالم بما فيها الأزمة المالية والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا» شكلت حافزاً اساسياً لتشديد عدد كبير من البنود التي تقوم عليها العقيدة الجديدة.
وقال بوتين في اجتماع لمجلس الأمن الروسي عقد بعد مرور يومين على توقيع الوثيقة الجديدة: «تركز العقيدة على ضرورة استخدام الأشكال والمناهج العصرية للعمل السياسي الخارجي، بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية، وإدخال ما يسمى بعناصر «القوة الناعمة».
وأضاف أنه «من المهم كذلك، أنها تأخذ في الاعتبار التغيرات الجارية في العالم، وفي وجه خاص، الظواهر الكبيرة كالأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي لا تزال مصدر ازعاج لنا جميعاً، وإعادة توزيع موازين القوة في الشؤون العالمية، والتصعيد الحاد للاضطربات في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وارتفاع أهمية التقويم الثقافي الحضاري وقوة المنافسة في العالم».
ويعتبر المراقبون السياسيون أن ثورات الربيع العربى لعبت دورا رئيسيا فى دفع روسيا نحو إعادة التفكير فى تطوير السياسة الخارجية الا أن تطورات المنطقة العربية لم تكن الاساس الوحيد الذي دفع روسيا لتبني سياسة خارجية اكثر حزماً، لكنها بالتأكيد زادت قلق الكرملين من مخاوف تسريع إنشاء نظم دولية جديدة لا تناسب طموحات الروس.
واهتمت الأوساط السياسية بتصريح هام لمسئول رفيع في الديوان الرئاسي أدلى به مؤخرا لصحيفة «كوميرسانت» قال فيه « أن بعض بنود عقيدتنا السياسية كان بحاجة إلى تشديد، وعلى سبيل المثال ينبغي التعامل مع مسألة مواجهة محاولات التدخل بشؤوننا الداخلية بمنطق جديد»، مشيراً إلى أن ما يحدث في بعض مناطق العالم يعد مؤشراً مزعجاً إلى تبدل في المزاج الدولي يسمح بزيادة التأثير في الوضع الداخلي في دول مستقلة وذات سيادة.
وكان بوتين قد طلب تعديل وثيقة السياسة الخارجية الروسية في مايو الماضي فور تسلّمه مقاليد الرئاسة في ولاية جديدة، وأنجزت الخارجية الروسية وضع وثيقتها في نهاية العام، لكن الرئيس الروسى قام بتأجّيل التوقيع عليها مرات وأرسلها للمراجعة بهدف «تشديد بعض بنودها أكثر» قبل ان تخرج بصيغتها النهائية في فبراير الماضى.
وبحسب مصادر سياسية فإن البنود التي طلب بوتين تشديدها كانت تتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة وبنمط العلاقات داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وتقول المصادر أنه بسبب التعديلات الكثيرة على الوثيقة أصبحت العلاقة مع واشنطن في موقع متأخر على لائحة أولويات السياسة الخارجية الروسية في حين حلّت رابطة الدول المستقلة تقليدياً في المقدمة.
وقالت المصادر أن تحالفات موسكو الإقليمية والدولية، خصوصاً في اطار منظمات مثل «بريكس» و «شانغهاي» و «شوس» (تعتبر الأخيرة الذراع العسكرية الأمنية لعدد من بلدان الرابطة) تقدمت أيضاً، تليها اوروبا وشرق آسيا قبل ان تصل العقيدة إلى الحلف «الأطلسي» ثم تطرح البند المتعلق بالعلاقات مع واشنطن بعد ذلك.
واعتبرت المصادر أن أزمة «حرب القوانين» التي أسفرت عن تدهور العلاقات مع واشنطن أثرت كثيراً في صياغة العقيدة العسكرية، خصوصاً بعدما اعتبرت أوساط روسية ان واشنطن «تستخدم ملفات انتهاكات حقوق الانسان لزيادة دائرة نفوذها وتأثيرها في صنع القرار الروسي».
ويرى دميتري ترينين، مدير «مركز كارنيغي» في موسكو، أن السياسة الروسية تجاه الغرب ستكون أكثر انعزالية، لكنه يعتبر مع ذلك أن النزعة نحو تشديد النهج في العلاقة مع واشنطن قد ظهرت حتى قبل تبني قانون «ماغنيتسكي»، الذي يوفر سبلاً غير قانونية لملاحقة منتهكي حقوق الانسان من المسؤولين الروس.
ويقول المحللون السياسيون أن الرئيس الروسى يشعر بحالة خيبة أمل تجاه الولايات المتحدة والغرب عموماً مشيرا الى أن الكرملين اعتبر محاولة الغرب المراهنة على دميتري ميدفيديف،على أنها تدخل في الشئون الداخلية لروسيا.
وأضاف المحللون «عندما وقف بوتين بعد الانتخابات الرئاسية في ساحة «مانيج» في موسكو وقال – وقد اغرورقت عيناه بدموع الفرح – «نحن انتصرنا»، كان ذلك رداً ليس على المعارضة الداخلية فقط، بل وعلى رعاتها في الخارج، وجاء تبني «قانون ماغنيتسكي» في الولايات المتحدة ليشكل القطرة الأخيرة التي أقنعت بوتين نهائياً بضرورة تعزيز«سيادة واستقلالية السياسة الخارجية لموسكو».
وعموماً، لم يكن إدخال عنصر استخدام القوة للمحافظة على مصالح روسيا هو التعديل الوحيد الذي اشار إلى التوجه لتشديد السياسة الروسية الخارجية.
وتعتبر العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية قد نجحت فى الحفاظ على غالبية بنودها السابقة كما تميزت بوضوح الفقرات التي تتعلق بدور روسيا ونيتها الدفاع عن حقوقها ومصالحها الوطنية ومواطنيها في اي مكان.
ومن المعروف أن سياسة روسيا الخارجية تستند تقليدياً إلى مبادئ استراتيجية ثلاثة تشمل الحفاظ على روسيا كقوة نووية عظمى، وقوة كبرى في كل أوجه النشاط الدولي، وقوة مهيمنة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية. قبل ان يضيف بوتين بعداً جديداً لسياسته الخارجية يقوم على التخلص تدريجاً من نتائج «الحرب الباردة» التي تم التعامل فيها مع موسكو باعتبارها الطرف المغلوب، ووضع مقدمات لاستعادة ما خسرته روسيا على الساحة الدولية بعد انهيار الدولة العظمى. بعبارة أخرى، كما قال خبير روسي: أن نتقدم هناك حيث يضعف نفوذ الآخرين أو يكاد.
واعتبر مراقبون سياسيون أن توجهات السياسة الخارجية قد أُصيبت بخيبات أكثر من مرة وصلت احياناً إلى مناطق النفوذ الحيوي لروسيا وخصوصاً في الخاصرة الرخوة للروس، أي منطقة القوقاز، وشكل هذا سبباً رئيساً للحسم العسكري الروسي مع جورجيا صيف عام 2008، وليست صدفة ان يتعمد الكرملين إدراج موضوع الحرص على «استقلال» اقليمي ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية وتطوير العلاقة مع «الجمهوريتين» في العقيدة الجديدة.
ويقول خبراء أن روسيا وجدت نفسها مضطرة في الفترة الأخيرة للتذكير بوضعها في مجلس الأمن. فهي بعد مرور عقدين على انهيار الدولة العظمى لم تستخدم خلالهما حق النقض الفيتو إلا مرات معدودة، استخدمت هذا الحق ثماني مرات في السنوات الأخيرة، ثلاث منها في الشأن السوري وحده.
لـــكــن اللافــــت أن الـــنشــاط الدبلوماسي الروسي في منطقة الشرق الأوسط، والحديث الصاخب عن قلق روسيا بسبب التداعيات الجارية في المنطقة لم ينعكسا في الوثيقة الجديدة، فالمنطقة لم تقع في مكانة متقدمة على لائحة اولويات السياسة الخارجية، بل على العكس من ذلك جاءت تقريباً في ذيل اللائحة.
ونص البند 88 من الوثيقة الجديدة على عزم موسكو على المساهمة النشطة في تطبيع الوضع في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والمحافظة على السلم المدني والوفاق في بلدان المنطقة على أساس احترام سيادة الدول ووحدتها ورفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
ثم انتقل الحديث مباشرة إلى الصراع العربي – الإسرائيلي ليؤكد عزم موسكو «على المضي بجهودها كعضو دائم في مجلس الأمن و«الرباعي» الدولي لتسوية النزاع على اساس عملية سياسية تقوم على الحوار بين الطرفين وتفضي إلى قيام دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب دولة إسرائيل».
وانتهى البند المذكور إلى تأكيد حرص روسيا على تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
بعد البند 88، أدرج واضعو الوثيقة بندين يتعلقان بالمنطقة أيضاً، أولهما يقرر مواصلة جهود موسكو لتسوية الملف النووي الإيراني سلمياً، والثاني يتحدث عن تعزيز العلاقة مع منظمتي «التعاون الإسلامي» و «جامعة الدول العربية» باعتبار ان موسكو تحظى بعضوية مراقبة فيهما.
وتبع ذلك في ذيل لائحة أولويات السياسة الروسية حديث عن تطوير التعاون مع افغانستان.
وبحسب تقييمات السياسيين للتغييرات التى تمت على سياسة روسيا الخارجية فان هموم السياسة الخارجية الناتجة من القلق بسبب تداعيات «الربيع العربي» لا تقوم على أساس المحافظة على مواقع نفوذ في المنطقة، أو محاولة تعزيز الشراكة مع اقليم جار للدولة الروسية جنوباً، بل تنطلق من مخاوف تأثير التداعيات في وتائر صوغ عالم جديد يضع حداً لتوازن القوى القائم منذ ان وضعت الحرب العالمية أوزارها.
وتضمنت بنود العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية بوضوح ضرورة «الاعتماد على الوثائق الدولية الأساسية المحددة لأنماط العلاقات الدولية»، والمحافظة على التركيبة الحالية لمجلس الأمن وخصوصاً الأعضاء الدائمين فيه، باعتبار أن العضوية الدائمة في المجلس يجب ان تبقى المعيار المحدد لإدارة الشؤون الدولية في القرن الواحد والعشرين. مع اشارة إلى أن توسيع عضوية مجلس الأمن «ينبغي ان تحظى بقبول واسع جداً من جانب البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة».
أما أبرز التعديلات التى رصدها الخبراء فهو بند جديد في الجزء المتعلق بعمل مجلس الأمن ولا شك في انه أدخل بتأثير الحالة الليبية تحديداً ولضمان عدم تكرارها في مناطق اخرى من العالم. فهو نص على أن اي نشاط عسكري أو مهمات دولية ينبغي ان تحدد في قرار واضح لا لبس في تفاصيله ولا يسمح بتأويل بنوده