صفحة 1 من 1

مفهوم الدبلوماسية

مرسل: الخميس نوفمبر 14, 2013 5:21 pm
بواسطة علي الشهري 3332
تعرف القواميس الدبلوماسية بأنها مشتقة من لفظ "دبلوم" أي الوثيقة الرسمية التي كانت ولا تزال تمنح للمبعوثين الرسميين لاعتمادهم لدى سلطات البلد الموفدين إليه، كما تعرفها القواميس نفسها بأنها الفرع من السياسة الذي يعنى بالعلاقات بين الدول ويرعى المصالح الخارجية للدولة ويتفاوض باسمها مع الآخرين ويتابع تنفيذ الاتفاقيات. وبعيدا عن اشتقاق الدبلوماسية اللفظي من كلمة "دبلوم" أو الشهادة، تعتبر الدبلوماسية أداة العمل السياسي المستعملة في إدارة العلاقات الخارجية لدولة معينة بأداء سليم.
و قد ظهرت الدبلوماسية في أرقى صورها في عهد رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في بداية القرن السابع الميلادي بعد استقرار دولة الإسلام الأولى بالمدينة، ورسائله المختومة بخاتمه إلى كسرى فارس وهرقل قيصر الروم وغيرهما، حيث استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم "أساليب الدبلوماسية " ففاوض خصومه وأبرم معهم الصلح ودخل مع بعضهم في حوار وعقد معهم اتفاقيات احترام متبادل وتعايش معهم في سلام واحترام كل دين للدين الآخر، والتقيد بمقتضيات الاتفاق المبرمة بينه وبين الغير".
وفي السياق نفسه يمكن التأكيد أن فرنسوا كاليير -أحد دبلوماسي لويس الرابع عشر- لم يكن أول من ألف عام 1716 كتابا عن الدبلوماسية بعنوان "طريقة التفاوض مع الملوك"، ذلك أن السيرة النبوية دونت تفاصيل مفاوضات الرسول مع الملوك والأباطرة، هذا إلى جانب التطور الهائل على المستوى التكنولوجي والمعلوماتي والتواصلي أو الإتصالاتي و الذي يبدأ من اعتماد الحصان والرسول لحمل الرسالة أو الحقيبة الدبلوماسية وصولا إلى البريد الإلكتروني، ومن قطع المسافات للقاء مسئول الدولة مع مبعوثيه الدبلوماسيين إلى اللقاء والحديث المباشر بالصورة والصوت من أماكن بعيدة.
وبفضل هذا التطور تزعمت الولايات المتحدة النظام العالمي الجديد وأخذت تمارس فيه دور القطب الأعظم الوحيد، مستفيدة من نجاح دبلوماسيتها في استقطاب أغلبية الدول للانخراط في نظام العولمة، وتمكنت من ضبط علاقات الأمم بأساليب سريعة الأداء واكتساب فعالية لا تقدر على مجاراتها فيها أي دبلوماسيات دول عظمى.
وباتساع وتنوع مجال العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين تنوعت الدبلوماسية وتعددت أشكالها وأغراضها، وبذلك انضمت إلى وزارات الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية أجهزة دبلوماسية جديدة منها ما هو رسمي علني ومنها ما يعمل في الخفاء، وكلاهما يدخل في إطار الدبلوماسية الموازية.
وأما الدبلوماسية السرية الموازية فقد عهد بها إلى أجهزة المخابرات التي أصبحت من أهم الوسائل التي يعتمد عليها رؤساء الدول في تصريفهم للشؤون الخارجية، وهي تشكل منافسا قويا للجهاز التقليدي (وزارة الخارجية) بل مراقبا له عن بعد ومقيما لعمله ومصححا لمعلوماته وتعطي عن أدائه تقارير سرية لرئيس الدولة مباشرة، ومن الأجهزة المباشرة للدبلوماسية الموازية الفعاليات التي تدخل في ربط علاقات متخصصة بين الدول بحكم وظيفتها ونوعية تخصصها من قبيل البعثات البرلمانية والغرف التجارية والمقاولات والملتقيات الثقافية والعلمية وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وكلها فعاليات ذات دور مؤثر في القرار السياسي ولها مكانتها في خضم التنافس الذي لا يزال يشكل أهم الثوابت للعلاقات الدولية، فضلا عن دبلوماسية وسائل الإعلام التي تسبق البعثات الدبلوماسية في إيصال الخبر والتعليق عليه وتحليله وتقييمه بخبرة قد تفوق خبرة بعض الدبلوماسيين. ونظرا لتنوع حقول عمل الدبلوماسية العالمية فقد تنوعت أشكال الدبلوماسيات الوطنية فظهرت الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية والإعلامية والرياضية وغيرها من الحقول التي تلتقي عليها العلاقات الخارجية وتقرب بين الشعوب غير أن الدبلوماسية الاقتصادية والتكنولوجية تتزعمان الدبلوماسية العالمية خاصة في ظل سيادة نظام العولمة، إذ لم تعد أغلبية المفاوضات ذات طابع سياسي وتخلت الدبلوماسية السياسية عن دورها لفائدة الدبلوماسية الاقتصادية والتقنية.
هاتان الدبلوماسيتان دعمتا بأخريين مهمتين هما الدبلوماسية الوقائية والافتراضية كشكلين جديدين من أشكال الدبلوماسية المعاصرة، وتعني الأولى مجموعة من التدابير التي تتخذها الدبلوماسية لتوقي ظهور توتر خطير أو نزاع منذر بالحرب أو تلافي دخول دولتين في حرب وتوقي استخدام دولة نووية سلاحها باعتماد خيار التفاوض وكل ما من شأنه إنهاء النزاعات وتكريس الاستقرار. أما الثانية فتستحضر جميع السيناريوهات المحتمل وقوعها وتفترض وقوعها جميعا لتحدد التدابير التي على الدبلوماسية اتخاذها لمواجهتها، معتمدة بالأساس على وسائل الاتصال والتقنيات التكنولوجية.