سياسة ساركوزي ضمن التغيرات حاده في الحكم
مرسل: الجمعة مايو 08, 2009 4:03 am
فرنسا تنتظر تغييرات حادة تحت حكم 'ساركوزي'
نوع التحليل: ماذا يجري فى العالم؟ المصدر: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ)
المؤلف: NABAA التقييم: n/a
--------------------------------------------------------------------------------
فرنسا تنتظر تغييرات حادة تحت حكم
انتهت هوجة الانتخابات الفرنسية.. فاز "نيكولا ساركوزي" اليميني المتطرف.. تلميذ الرئيس الأمريكي "بوش" وأصبح رئيساً لفرنسا.. حصل على 53% من أصوات الناخبين وفازت منافسته "سيجولين روايال" بـ 47%.
وبعد أن هدأ صخب الانتخابات هناك أسئلة تطرح نفسها : كيف ستكون سياسة ساركوزي إزاء الجالية العربية في فرنسا؟ وموقفه من الدول العربية ؟ والوضع في الشرق الأوسط؟ وعلاقة فرنسا بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا؟
وكيف ستكون سياسة فرنسا الخارجية في عهد ساركوزي إزاء القضية الفلسطينية وحرب العراق والشرق الأوسط والصراع العربي الصهيوني؟.
كل المعطيات تشير إلى أن الجالية العربية في فرنسا ستعاني من قوانين صارمة ورادعة إذا أخذنا بعين الاعتبار سياسة ساركوزي إزاء الهجرة والمواقف الاستفزازية التي اتخذها قبل سنتين عندما واجه أبناء المهاجرين في مظاهرات ضواحي باريس ووصفهم بالحثالة ووعد بتنظيف فرنسا منهم .
السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ساركوزي ستتميز بالانحياز لأمريكا والدعم اللا محدود للكيان الصهيوني ، وهذا يعني نهاية " الاستثناء الفرنسي"، ونهاية الديجولية ومحور فرنسا ـ ألمانيا.
يبدو أن العرب سيكونون أكبر الخاسرين بفوز ساركوزي وهذا لعدة اعتبارات. فعلى الصعيد الداخلي لم يخف ساركوزي في العديد من المناسبات مواقفه الاستفزازية والسلبية تجاه الجالية العربية والمسلمة في فرنسا سواء تعلق الأمر بالحجاب أو بالهجرة أو حتى الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أبدى دعمه ومساندته لفكرة نشر الرسوم في إطار حرية الصحافة وحرية التعبير. أما على الصعيد الدولي فنلاحظ توجه فرنسا للانضمام في عهد ساركوزي للمحور الأمريكي البريطاني وهذا ما يعني الانحياز "لإسرائيل" على حساب العرب، والتواطؤ مع أمريكا للانفراد بقيادة العالم وهذا ما سيقضي على محور ألمانيا فرنسا الذي كان موجوداً في عهد شيراك.
كانت أعمال الشغب في ضواحي باريس من قبل شباب المهاجرين العرب والأفارقة قبل سنتين تعبر عن فشل فرنسا في إدماج الجيل الثاني والثالث من أبناء رعايا مستعمراتها السابقة والذين يعتبرون فرنسيين حيث أنهم وُلدوا في فرنسا وتربوا وترعرعوا فيها ويحملون الوثائق الرسمية الفرنسية.
لكن رغم الوعود والشعارات ورغم التصريحات العديدة فشل المجتمع الفرنسي في إدماج الجاليات المختلفة التي اختارت فرنسا أرضا لتعيش فيها. ففرنسا التي تدعي الحرية والمساواة والأخوة غير جاهزة وغير مستعدة لقبول الآخر وفشلت في إدماجه رغم أنها طلبت منه أن يذوب في المجتمع الفرنسي والثقافة الفرنسية من خلال سياسة الاندماج التي فرضتها عليه. وهنا نلاحظ أن ساركوزي غير مستعد لعمل أي شيء لمعالجة هذه الإشكالية، بل مواقفه في عدة مناسبات تشير إلى الأسوأ. وفشله في كسب أصوات المهاجرين جعله يتجه نحو حزب الجبهة الوطنية بزعامة «لوبان» للحصول على أصواته رغم أن أجندة الحزبين مختلفة ومتباينة.
المتتبع اليوم لما يجري في دولة بحجم فرنسا وتاريخها ووزنها على الساحة الدولية يلاحظ العنصرية والإقصاء والتهميش والفشل الدريع في عملية إدماج الآخر. فقانون «الهجرة المختارة» الذي ينوي ساركوزي تطبيقه، على سبيل المثال، يعبر عن النية الحقيقية لدولة لا تريد إدماج الآخر والاعتراف بالجميل الذي قدمه أبناء مستعمراتها في شمال إفريقيا وفي إفريقيا السمراء خلال السنوات الحرجة للتحرر من النازية والفاشية وبعد ذلك أثناء عملية البناء والتشييد. سياسة ساركوزي لا تخرج عن هذا الإطار مع الأسف الشديد. وهم المساواة وواقع التمييز يعكس أطروحة منظر الإمبريالية الفرنسي «جول فيري» الذي قسم الشعوب والأمم إلى شعوب متحضرة ومتفوقة خُلقت لتقود شعوبا وأمما أخرى متخلفة وجاهلة وغير قادرة على إدارة وحكم نفسها بنفسها.
قانون الهجرة المختارة وأعمال الشغب التي شهدتها فرنسا في خريف 2005 مؤشرات تعكس أزمة ضمير وتعكس أزمة في العلاقات بين الشعوب والأمم والديانات والحضارات.. وقد ساهم ساركوزي في تأجيج نزوة التفوق العرقي عندما قال في حملته الانتخابية "إن طموح بونابرت في مصر وطموح نابليون الثالث في الجزائر لم يكن طموحاً استعمارياً وإنما كان طموحاً حضارياً.. والهدف واضح بالطبع فإنه يحاول تبرير الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها في فرنسا في مصر والجزائر وباقي الدول التي استعمرتها. ورغم التطور المادي والتكنولوجي الذي شهدته البشرية في العقود الأخيرة، ما زالت المنظومة الدولية تعاني من غياب التسامح والتفاهم والحوار واحترام الآخر بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه ومعتقداته.
وهذا الفكر نلاحظه عند ساركوزي الذي يريد أن يطبق سياسة الانتقاء مع الجاليات المهاجرة إلى فرنسا حيث يقصي من يريد ويطرد من يريد ويحافظ على قلة قليلة حسب رأيه وهي القلة المتعلمة المثقفة والمهيأة للاندماج والذوبان في المجتمع الفرنسي. بعد مرور سنتين على أحداث الشغب في ضواحي باريس ما زالت فرنسا الرسمية لم تحدد معالم واضحة للتعامل مع مشكلة إدماج الجاليات الموجودة لديها خاصة وأن الشباب الذين تظاهروا هم أبناء فرنسا وُلدوا فيها والبعض منهم يكون الجيل الثاني والثالث لمهاجرين بنوا أمجاد فرنسا.
وفي هذا الشأن يطالب ساركوزي بالهجرة المختارة والاستبعاد المنظم لمعظم الأشخاص الذين لا يحوزون على وثائق شرعية، رغم أنه شخصياً حفيد مهاجر أجنبي وقد أصبح الرئيس السادس في تاريخ الجمهورية الخامسة لفرنسا.
ويدرك الملاحظ أن فرنسا لا تؤمن بالشعارات التي تروج لها وببعض المبادئ التي تقوم عليها حيث أن هناك فجوة كبيرة جدا بين شعار المساواة والعدالة وواقع التمييز الذي تعاني منه الجاليات في فرنسا. والمتتبع للحملة الانتخابية لساركوزي ولبرنامجه السياسي يلاحظ تهميش الجالية العربية والمسلمة وعدم تخصيص الحيز اللازم لهذه الفئة في المجتمع الفرنسي. يعيش في فرنسا اليوم أكثر من خمسة ملايين مسلم وأكثر من أربعة ملايين من السود وأكثر من خمسة ملايين عربي.
لكن هذا التنوع لا يعني الكثير لساركوزي الذي ينظر لهذه الجاليات والأقليات بعين الازدراء والاحتقار والتهميش والتمييز المنظم. فرنسا في عهد ساركوزي ستكون أكثر تمييزا وعنصرية ضد العرب والمسلمين على أراضيها، كما ستكون منحازة للحلف الأميركي البريطاني لصالح "إسرائيل" على حساب العرب دائماً. من جهة أخرى، نلاحظ أن الانتخابات الفرنسية كشفت أن الجالية العربية في فرنسا ما زالت غير منظمة وغير مهيئة للخوض في العمل السياسي والانخراط في المؤسسات السياسية الفاعلة في المجتمع من أجل المشاركة في الفعل السياسي والمساهمة في صناعة القرار.
والمعروف أن "ساركوزي" أمريكي التوجه، وقد سبق أن صرح أمام الجالية اليهودية الأمريكية في فرنسا قائلاً: "إن البعض في فرنسا يدعوني بساركوزي الأمريكي، وأنا فخور بذلك، وأشارك الأمريكيين الكثير من قيمهم"، كما أننى من أشد المؤيدين للخط الاستراتيجي لإدارة الرئيس "بوش"، الأمر الذي جعل معارضيه يطلقون عليه "بوش فرنسا"، و"ساركوزي الأمريكي"، وفي هذا الإطار كان قد خص "إسرائيل" دون الدول العربية بأول زيارة يقوم بها خلال حملته الانتخابية.
ورغم ادعائه بصداقته المزعومة للبنان إلا أنه لم ينبس ببنت شفة عن الهجمات الوحشية التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان خلال العدوان الأخير، كما لا يذكر أنه علق يوماً على الاجتياحات والانتهاكات المتكررة التي تقوم بها قوات الاحتلال في فلسطين وما يمارس بحق الشعب الفلسطيني من سياسات تعسفية، في حين أنه قد عُرف عن "ساركوزي" مناصرته للقضايا اليهودية، وعمله على محاربة من يوصفون بالمعادين للسامية في فرنسا، وسبق أن هدد بطرد كل من يجرؤ على انتقاد اليهود موجهاً خطابه إلى أئمة المساجد المسلمين بشكل خاص، وكان قد أبعد 21 منهم بالفعل عام 2006 م .
وبهذا ضمن "ساركوزي" أصوات الطائفة اليهودية في فرنسا، الأمر الذي دفع جريدة "ليبراسيون" الفرنسية في عددها الصادر يوم الاثنين 4-12-2006 إلى القول بأن "ساركوزي هو مرشح يهود فرنسا بلا منازع".. هذا فضلاً عن الدعم اليهودي العالمي له.
أما على صعيد الجاليات المسلمة في فرنسا فإن مواقفه السابقة قد أضرت كثيراً بعلاقاته مع مسلمي فرنسا الذين فشل في كسب ودهم بعد عدة حوادث أدت لاتساع فجوة الثقة بينه وبينهم. ورغم أن "ساركوزي" كان أكثر من تناول قضية الإسلام في بلاده، خاصة حين كان يشغل منصب وزير الداخلية خلال السنوات الأخيرة، فقد كان صاحب دور أساسى في إنشاء "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" عام 2002، ليكون بمثابة هيئة رسمية للجالية المسلمة على مرأى من السلطات الفرنسية وتخضع لرقابتها، بالإضافة لإعلانه العزم على إعطاء المواطنين المسلمين نفس الحقوق التي يحظى بها الآخرون، إلا أن محاولات كسب الود هذه انقطعت عقب وقوع حوادث الضواحي عام 2005، لتنقلب المعادلة وتترك تصريحات "ساركوزي" التي وصف بها مثيري الشغب في الضواحي التي يقطنها الكثير من المسلمين بـ" الأوباش" انطباعاً سيئاً لدى المسلمين .
كما جاءت تصريحاته الأخيرة على القناة الفرنسية الأولى التي قال فيها "في فرنسا لا نذبح الخراف في حوض الحمام"، متهماً المسلمين بذبح خراف الأضاحي في منازلهم ، لتضعف من فرصة الاقتراب من مسلمي فرنسا التي استجلب سخطها في الماضي من جراء مساندته لمجلة "شارلي إيبدو"، في الدعوى المقامة ضدها من منظمتين إسلاميتين بسبب نشر المجلة الفرنسية الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي اعتبرت مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.
يُذكر أنه وعلى خلفية الفضيحة الأمنية مؤخراً التي تسببت في إحراج "ساركوزي" حين أعطى أوامره لمفتش الأمن العام بالبحث عن ماضي منافسته المرشحة الاشتراكية "سيجولين رويال" مخالفاً بذلك القانون الفرنسي الذي يمنع الأمن العام من التحقيق أو التجسس على حياة أي فرد دون أمر قضائي ، علق الرئيس السابق "جاك شيراك" قائلاً: "في حال انتخاب هذا الشخص فإنه سيضع فرنسا في مواجهة العالم فهو أطلسي التفكير ومؤيد لجورج بوش إضافة إلى أنه ليكودي وقال إن هذا الأمر سيؤدي إلى تغيير حاد في فرنسا".
نوع التحليل: ماذا يجري فى العالم؟ المصدر: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ)
المؤلف: NABAA التقييم: n/a
--------------------------------------------------------------------------------
فرنسا تنتظر تغييرات حادة تحت حكم
انتهت هوجة الانتخابات الفرنسية.. فاز "نيكولا ساركوزي" اليميني المتطرف.. تلميذ الرئيس الأمريكي "بوش" وأصبح رئيساً لفرنسا.. حصل على 53% من أصوات الناخبين وفازت منافسته "سيجولين روايال" بـ 47%.
وبعد أن هدأ صخب الانتخابات هناك أسئلة تطرح نفسها : كيف ستكون سياسة ساركوزي إزاء الجالية العربية في فرنسا؟ وموقفه من الدول العربية ؟ والوضع في الشرق الأوسط؟ وعلاقة فرنسا بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا؟
وكيف ستكون سياسة فرنسا الخارجية في عهد ساركوزي إزاء القضية الفلسطينية وحرب العراق والشرق الأوسط والصراع العربي الصهيوني؟.
كل المعطيات تشير إلى أن الجالية العربية في فرنسا ستعاني من قوانين صارمة ورادعة إذا أخذنا بعين الاعتبار سياسة ساركوزي إزاء الهجرة والمواقف الاستفزازية التي اتخذها قبل سنتين عندما واجه أبناء المهاجرين في مظاهرات ضواحي باريس ووصفهم بالحثالة ووعد بتنظيف فرنسا منهم .
السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ساركوزي ستتميز بالانحياز لأمريكا والدعم اللا محدود للكيان الصهيوني ، وهذا يعني نهاية " الاستثناء الفرنسي"، ونهاية الديجولية ومحور فرنسا ـ ألمانيا.
يبدو أن العرب سيكونون أكبر الخاسرين بفوز ساركوزي وهذا لعدة اعتبارات. فعلى الصعيد الداخلي لم يخف ساركوزي في العديد من المناسبات مواقفه الاستفزازية والسلبية تجاه الجالية العربية والمسلمة في فرنسا سواء تعلق الأمر بالحجاب أو بالهجرة أو حتى الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أبدى دعمه ومساندته لفكرة نشر الرسوم في إطار حرية الصحافة وحرية التعبير. أما على الصعيد الدولي فنلاحظ توجه فرنسا للانضمام في عهد ساركوزي للمحور الأمريكي البريطاني وهذا ما يعني الانحياز "لإسرائيل" على حساب العرب، والتواطؤ مع أمريكا للانفراد بقيادة العالم وهذا ما سيقضي على محور ألمانيا فرنسا الذي كان موجوداً في عهد شيراك.
كانت أعمال الشغب في ضواحي باريس من قبل شباب المهاجرين العرب والأفارقة قبل سنتين تعبر عن فشل فرنسا في إدماج الجيل الثاني والثالث من أبناء رعايا مستعمراتها السابقة والذين يعتبرون فرنسيين حيث أنهم وُلدوا في فرنسا وتربوا وترعرعوا فيها ويحملون الوثائق الرسمية الفرنسية.
لكن رغم الوعود والشعارات ورغم التصريحات العديدة فشل المجتمع الفرنسي في إدماج الجاليات المختلفة التي اختارت فرنسا أرضا لتعيش فيها. ففرنسا التي تدعي الحرية والمساواة والأخوة غير جاهزة وغير مستعدة لقبول الآخر وفشلت في إدماجه رغم أنها طلبت منه أن يذوب في المجتمع الفرنسي والثقافة الفرنسية من خلال سياسة الاندماج التي فرضتها عليه. وهنا نلاحظ أن ساركوزي غير مستعد لعمل أي شيء لمعالجة هذه الإشكالية، بل مواقفه في عدة مناسبات تشير إلى الأسوأ. وفشله في كسب أصوات المهاجرين جعله يتجه نحو حزب الجبهة الوطنية بزعامة «لوبان» للحصول على أصواته رغم أن أجندة الحزبين مختلفة ومتباينة.
المتتبع اليوم لما يجري في دولة بحجم فرنسا وتاريخها ووزنها على الساحة الدولية يلاحظ العنصرية والإقصاء والتهميش والفشل الدريع في عملية إدماج الآخر. فقانون «الهجرة المختارة» الذي ينوي ساركوزي تطبيقه، على سبيل المثال، يعبر عن النية الحقيقية لدولة لا تريد إدماج الآخر والاعتراف بالجميل الذي قدمه أبناء مستعمراتها في شمال إفريقيا وفي إفريقيا السمراء خلال السنوات الحرجة للتحرر من النازية والفاشية وبعد ذلك أثناء عملية البناء والتشييد. سياسة ساركوزي لا تخرج عن هذا الإطار مع الأسف الشديد. وهم المساواة وواقع التمييز يعكس أطروحة منظر الإمبريالية الفرنسي «جول فيري» الذي قسم الشعوب والأمم إلى شعوب متحضرة ومتفوقة خُلقت لتقود شعوبا وأمما أخرى متخلفة وجاهلة وغير قادرة على إدارة وحكم نفسها بنفسها.
قانون الهجرة المختارة وأعمال الشغب التي شهدتها فرنسا في خريف 2005 مؤشرات تعكس أزمة ضمير وتعكس أزمة في العلاقات بين الشعوب والأمم والديانات والحضارات.. وقد ساهم ساركوزي في تأجيج نزوة التفوق العرقي عندما قال في حملته الانتخابية "إن طموح بونابرت في مصر وطموح نابليون الثالث في الجزائر لم يكن طموحاً استعمارياً وإنما كان طموحاً حضارياً.. والهدف واضح بالطبع فإنه يحاول تبرير الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها في فرنسا في مصر والجزائر وباقي الدول التي استعمرتها. ورغم التطور المادي والتكنولوجي الذي شهدته البشرية في العقود الأخيرة، ما زالت المنظومة الدولية تعاني من غياب التسامح والتفاهم والحوار واحترام الآخر بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه ومعتقداته.
وهذا الفكر نلاحظه عند ساركوزي الذي يريد أن يطبق سياسة الانتقاء مع الجاليات المهاجرة إلى فرنسا حيث يقصي من يريد ويطرد من يريد ويحافظ على قلة قليلة حسب رأيه وهي القلة المتعلمة المثقفة والمهيأة للاندماج والذوبان في المجتمع الفرنسي. بعد مرور سنتين على أحداث الشغب في ضواحي باريس ما زالت فرنسا الرسمية لم تحدد معالم واضحة للتعامل مع مشكلة إدماج الجاليات الموجودة لديها خاصة وأن الشباب الذين تظاهروا هم أبناء فرنسا وُلدوا فيها والبعض منهم يكون الجيل الثاني والثالث لمهاجرين بنوا أمجاد فرنسا.
وفي هذا الشأن يطالب ساركوزي بالهجرة المختارة والاستبعاد المنظم لمعظم الأشخاص الذين لا يحوزون على وثائق شرعية، رغم أنه شخصياً حفيد مهاجر أجنبي وقد أصبح الرئيس السادس في تاريخ الجمهورية الخامسة لفرنسا.
ويدرك الملاحظ أن فرنسا لا تؤمن بالشعارات التي تروج لها وببعض المبادئ التي تقوم عليها حيث أن هناك فجوة كبيرة جدا بين شعار المساواة والعدالة وواقع التمييز الذي تعاني منه الجاليات في فرنسا. والمتتبع للحملة الانتخابية لساركوزي ولبرنامجه السياسي يلاحظ تهميش الجالية العربية والمسلمة وعدم تخصيص الحيز اللازم لهذه الفئة في المجتمع الفرنسي. يعيش في فرنسا اليوم أكثر من خمسة ملايين مسلم وأكثر من أربعة ملايين من السود وأكثر من خمسة ملايين عربي.
لكن هذا التنوع لا يعني الكثير لساركوزي الذي ينظر لهذه الجاليات والأقليات بعين الازدراء والاحتقار والتهميش والتمييز المنظم. فرنسا في عهد ساركوزي ستكون أكثر تمييزا وعنصرية ضد العرب والمسلمين على أراضيها، كما ستكون منحازة للحلف الأميركي البريطاني لصالح "إسرائيل" على حساب العرب دائماً. من جهة أخرى، نلاحظ أن الانتخابات الفرنسية كشفت أن الجالية العربية في فرنسا ما زالت غير منظمة وغير مهيئة للخوض في العمل السياسي والانخراط في المؤسسات السياسية الفاعلة في المجتمع من أجل المشاركة في الفعل السياسي والمساهمة في صناعة القرار.
والمعروف أن "ساركوزي" أمريكي التوجه، وقد سبق أن صرح أمام الجالية اليهودية الأمريكية في فرنسا قائلاً: "إن البعض في فرنسا يدعوني بساركوزي الأمريكي، وأنا فخور بذلك، وأشارك الأمريكيين الكثير من قيمهم"، كما أننى من أشد المؤيدين للخط الاستراتيجي لإدارة الرئيس "بوش"، الأمر الذي جعل معارضيه يطلقون عليه "بوش فرنسا"، و"ساركوزي الأمريكي"، وفي هذا الإطار كان قد خص "إسرائيل" دون الدول العربية بأول زيارة يقوم بها خلال حملته الانتخابية.
ورغم ادعائه بصداقته المزعومة للبنان إلا أنه لم ينبس ببنت شفة عن الهجمات الوحشية التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان خلال العدوان الأخير، كما لا يذكر أنه علق يوماً على الاجتياحات والانتهاكات المتكررة التي تقوم بها قوات الاحتلال في فلسطين وما يمارس بحق الشعب الفلسطيني من سياسات تعسفية، في حين أنه قد عُرف عن "ساركوزي" مناصرته للقضايا اليهودية، وعمله على محاربة من يوصفون بالمعادين للسامية في فرنسا، وسبق أن هدد بطرد كل من يجرؤ على انتقاد اليهود موجهاً خطابه إلى أئمة المساجد المسلمين بشكل خاص، وكان قد أبعد 21 منهم بالفعل عام 2006 م .
وبهذا ضمن "ساركوزي" أصوات الطائفة اليهودية في فرنسا، الأمر الذي دفع جريدة "ليبراسيون" الفرنسية في عددها الصادر يوم الاثنين 4-12-2006 إلى القول بأن "ساركوزي هو مرشح يهود فرنسا بلا منازع".. هذا فضلاً عن الدعم اليهودي العالمي له.
أما على صعيد الجاليات المسلمة في فرنسا فإن مواقفه السابقة قد أضرت كثيراً بعلاقاته مع مسلمي فرنسا الذين فشل في كسب ودهم بعد عدة حوادث أدت لاتساع فجوة الثقة بينه وبينهم. ورغم أن "ساركوزي" كان أكثر من تناول قضية الإسلام في بلاده، خاصة حين كان يشغل منصب وزير الداخلية خلال السنوات الأخيرة، فقد كان صاحب دور أساسى في إنشاء "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" عام 2002، ليكون بمثابة هيئة رسمية للجالية المسلمة على مرأى من السلطات الفرنسية وتخضع لرقابتها، بالإضافة لإعلانه العزم على إعطاء المواطنين المسلمين نفس الحقوق التي يحظى بها الآخرون، إلا أن محاولات كسب الود هذه انقطعت عقب وقوع حوادث الضواحي عام 2005، لتنقلب المعادلة وتترك تصريحات "ساركوزي" التي وصف بها مثيري الشغب في الضواحي التي يقطنها الكثير من المسلمين بـ" الأوباش" انطباعاً سيئاً لدى المسلمين .
كما جاءت تصريحاته الأخيرة على القناة الفرنسية الأولى التي قال فيها "في فرنسا لا نذبح الخراف في حوض الحمام"، متهماً المسلمين بذبح خراف الأضاحي في منازلهم ، لتضعف من فرصة الاقتراب من مسلمي فرنسا التي استجلب سخطها في الماضي من جراء مساندته لمجلة "شارلي إيبدو"، في الدعوى المقامة ضدها من منظمتين إسلاميتين بسبب نشر المجلة الفرنسية الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي اعتبرت مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.
يُذكر أنه وعلى خلفية الفضيحة الأمنية مؤخراً التي تسببت في إحراج "ساركوزي" حين أعطى أوامره لمفتش الأمن العام بالبحث عن ماضي منافسته المرشحة الاشتراكية "سيجولين رويال" مخالفاً بذلك القانون الفرنسي الذي يمنع الأمن العام من التحقيق أو التجسس على حياة أي فرد دون أمر قضائي ، علق الرئيس السابق "جاك شيراك" قائلاً: "في حال انتخاب هذا الشخص فإنه سيضع فرنسا في مواجهة العالم فهو أطلسي التفكير ومؤيد لجورج بوش إضافة إلى أنه ليكودي وقال إن هذا الأمر سيؤدي إلى تغيير حاد في فرنسا".