الجزر الاماراتية
مرسل: الأحد نوفمبر 17, 2013 3:26 pm
د. عبدالخالق عبدالله
ربما كان من المناسب، في بداية هذا الحديث عن الأبعاد السياسية لأزمة الجزر، التطرق الى التشابه العميق القائم بين قضية احتلال الجزر بالنسبة للامارات وقضية احتلال الجنوب بالنسبة للبنان. فكما ان لبنان يعاني من الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني، فإن الامارات تعاني ايضا من الاحتلال الايراني لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى منذ حوالي 30 سنة. ورغم الفارق الجوهري والكبير بين ايران والكيان الصهيوني، حيث لا ينبغي بأي شكل من الاشكال وضع ايران وهذا الكيان الاستيطاني في كفة واحدة، وفي مستوى سياسي واخلاقي واحد، فإيران دولة اسلامية وصديقة وتربطنا بها علاقات تاريخية وعقائدية وانسانية عميقة، رغم كل ذلك فإن الاحتلال هو احتلال، ولا فرق بين احتلال صهيوني واحتلال ايراني، او أي احتلال آخر مهما كان شكله ونوعه وجنسيته.
ان مضمون الاحتلال واحد لا يتغير في كل مكان. فالاحتلال يتضمن الاعتداء على حق الآخرين والاستيلاء غير المشروع على حق الآخرين، واستخدام القوة من طرف قوي ضد طرف آخر اقل قوة، وبالتالي ممارسة القهر والقمع دون وجه حق. ايران اخذت ما ليس لها حق فيه، واستخدمت القوة للاستيلاء على جزر الامارات، هذا هو الاحتلال الذي تعاني منه الامارات كما يعاني منه لبنان، البلد الذي عرف كيف يخط لنفسه طريقا فذا وشجاعا للتعامل مع الاحتلال الصهيوني الغاشم، والذي يبدو انه قد اصبح في طريقه للانتهاء، بفضل المقاومة الوطنية الباسلة في الجنوب. الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني سينتهي قريبا، ويبقى ان ينتهي ايضا الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية خلال المستقبل القريب.
لكن وإلى ان ينتهي الاحتلال في كل مكان من العالم، فإن الاحتلال لا يمكن مواجهته سوى بالرفض من حيث المبدأ، الاحتلال في أي شكل من الاشكال، وفي أي مكان كان، مرفوض اخلاقيا وانسانيا وسياسيا، لا يمكن التسامح مع الاحتلال لأنه يغري بالمزيد من الاحتلال، ولا يمكن تبرير الاحتلال لأنه يوّلد المزيد من الاحتلال، بل ان التسامح والتبرير للاحتلال هو بمنزلة المشاركة في فعل الاحتلال، وفي فعل السلب والاستيلاء والاعتداء ليس أمامنا سوى إدانة الاحتلال من حيث المبدأ وإن امكن مقاومته كما تفعل المقاومة الوطنية في الجنوب اللبناني. ان حق مقاومة الاحتلال، والذي يمارسه لبنان، هو حق مشروع بكل المعايير الاخلاقية والقانونية والانسانية، كما ان حق عدم الاستسلام للاحتلال، والذي تمارسه الامارات، هو ايضا حق مشروع ويستحق كل التفهم والمساندة خاصة من الجمهور اللبناني الذي يعرف معنى الاحتلال.
لا أحد يشك ان هناك تعاطفا مبدئيا بين الجمهور اللبناني مع الامارات في قضية الجزر، فالامارات كلبنان لديها قضية عادلة تستحق كل التفهم والدعم والمساندة الشعبية والرسمية. لكن هذا التعاطف المبدئي سيكون أعمق وأقوى بكثير عندما يتم اطلاع الرأي العام على ما يجري في هذه الجزر وخاصة جزيرة أبوموسى حيث تحاول ايران بشكل منظم ومخطط محو هويتها العربية وفرض سيادتها بالقوة، وتحويلها الى قاعدة عسكرية متقدمة تهدد حقولنا النفطية وتقترب من مياهنا الاقليمية وتشكل خطرا استراتيجيا على أمننا القومي، ان التعاطف المبدئي يحتاج دائما لتغذيته بالحقائق والوثائق التاريخية والقانونية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة ابوموسى هي ارض عربية، وجزر اماراتية لا يجوز التفريط بها، وأن للامارات الحق كل الحق في استردادها، وانها محقة في الحصول على المساندة المعنوية والأدبية والسياسية من الاصدقاء في كل مكان.
ولابد من الاعتراف في هذا السياق ان الامارات ربما لم تبذل الجهد المطلوب، ولم تقم بتوضيح موقفها والتعريف بوجهة نظرها بما فيه الكفاية خلال الــ 30 سنة الماضية لدى الرأي العام العربي والعالمي تجاه هذه القضية التي تحتل الأولوية المطلقة في التفكير السياسي الاماراتي. صحيح ان الدولة قد قامت بمحاولات جادة لحشد التأييد الدبلوماسي على الصعيد الرسمي، أما على الصعيد الشعبي والذي هو بالقدر نفسه من الاهمية، فهناك حاجة ماسة للمزيد من العمل والذي ينبغي القيام به خلال المرحلة المقبلة. فالتأييد الشعبي مطلوب، وهو بأهمية الدعم الرسمي نفسه لمقاومة الاحتلال واسترداد الحقوق العادلة. ويمكن في هذا السياق، الاشارة الى ما تتمتع به المقاومة الوطنية في الجنوب من تعاطف شعبي عارم في كل ارجاء الوطن العربي، وهو التعاطف الذي يشكل سندا معنويا مهما لاستمرار المقاومة. ولابد في هذا السياق ايضا من الاشارة الى ان أول لجنة شعبية عربية تشكلت لدعم المقاومة في الجنوب تشكلت في الامارات باسم لجنة التكافل العربي. وربما انه من المناسب التقدم باقتراح لتشكيل لجنة شعبية في لبنان لمساندة موقف الامارات في قضية الجزر، من منطلق ان لبنان كالامارات هو دائما ارض المبادرات الشعبية.
لكن رغم استمرار قضية الجزر كقضية خلافية حادة بين الامارات وايران، بل رغم اصرار ايران على التعامل مع الامارات بمنطق الاحتلال والقوة، فإن الامارات كانت ومازالت حريصة كل الحرص على اقامة علاقات ودية وطبيعية مع ايران. فعلاقة الامارات بإيران هي علاقة تاريخية وجغرافية وسكانية وحياتية واسعة ومكثفة وتطورت عبر السنين، ولم تتوقف في أي مرحلة من المراحل التاريخية، ولا يتوقع ان تتوقف في أي وقت من الاوقات خلال المستقبل. من الصعب ان تتوقف العلاقات بين الامارات وايران لأنها بقدر ما تحتوي على نقاط تقاطع، فإنها تحتوي ايضا على نقاط تلاق، وتوافق كثيرة. ان ما يجمع الامارات وايران اكثر بكثير مما يباعد بينهما، وفي مقدمة نقاط التلاقي القرب الجغرافي المشبع بالدلالات التي تحكم العلاقات بين الدول.
لذلك فإن العلاقات بين الامارات وايران هي في العموم علاقات جيدة، لولا الخلاف حول الجزر بل انه على كل مستوى من المستويات، وخاصة مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية والانسانية، تبدو العلاقات وكأنها علاقات ودية بل وربما نموذجية، لولا هذا الخلاف الحدودي المعقد. حتى في مجال العلاقات السياسية التي تشهد الصعود والهبوط والشد والجذب بين الحين والآخر، فقد حرصت الامارات على عدم قطعها، وأكدت على ضرورة استمرارها بما في ذلك تبادل السفراء بين الدولتين. فالامارات لا تناصب ايران العداء، والامارات لا تفتعل المعارك معها، كما انها لا تطالب بما ليس لها حق فيه. ان مناصبة العداء لإيران او افتعال المعارك او الادعاء بحق الآخرين، كل ذلك ليس من طبع الامارات ولا يناسب سلوكها السياسي الخارجي المعتدل والمتزن بشهادة الجميع. كل ما تطلبه الامارات من ايران هو انهاء الاحتلال بالتفاهم وبالمفاوضات الثنائية وبالطرق السلمية او من خلال التحكيم الدولي لكي يعود الهدوء لمنطقة الخليج العربي. فليس من صالح الامارات، كدولة صغيرة ان تعيش في ظل اجواء سياسية وامنية متوترة او ان تكون هناك قضايا خلافية عالقة وغير محسومة بينها وبين أي دولة من دول الجوار، خاصة ان الامارات تود ان تتفرغ بالكامل لما هو أهم على صعيد البناء الوطني واستكمال المسار التنموي، في ظل علاقات ودية وتعاونية مع كل دول العالم.
لكن رغم حرص الامارات على العلاقات الودية والتعاونية، فإن ايران لم تقدر هذه المبادرات ولم تراع المواقف الاماراتية الايجابية. فإيران مازالت تتعامل مع الامارات بمنطق الاحتلال والقوة وفرض الامر الواقع، وبعقلية الدولة الكبيرة والقوة الاقليمية. ان اكثر ما تعاني منه ايران في تعاملها السياسي مع الامارات هو عقدة الدولة الكبرى. عقدة الدولة الكبرى هي مصدر كل المعاناة التي تعانيها الدول الصغيرة في العالم كدولة الامارات ولبنان، فالإمارات ولبنان دولتان صغيرتان من حيث القدرات السكانية والجغرافية والعسكرية والاستراتيجية، وتعانيان من قربهما الجغرافي من قوى اقليمية ذات نزعات توسعية لا تحدها حدود.
اضافة الى عقدة الدولة الكبرى فإن ايران كانت ومازالت تتعامل مع قضية الجزر تعاملا سياسيا، ان قضية الجزر بالنسبة لإيران ليست قضية تاريخية او قانونية او مبدئية، بل هي في المقام الأول قضية سياسية بحتة، فجزر الامارات، وكما تظهر الوثائق البريطانية التي نشرتها جريدة »الخليج« مؤخرا، اعطيت لإيران ضمن صفقة سياسية تمت بينها وبين بريطانيا في اواخر الستينات. كانت الامارات الطرف الضعيف، وكانت ضحية هذا التفاهم الذي تم بين القوى الكبرى والحاكمة في المنطقة في تلك الفترة، كذلك عندما احتل الشاه جزر الامارات كانت الجزر بالنسبة له وسيلة لتأكيد زعامته السياسية. كما استخدمت الجزر كرمز لبروز ايران كقوة اقليمية كبرى، في ظل ضعف الطرف العربي الذي كان عاجزا عن الرد على نزعات الشاه السياسية والعسكرية المتضخمة، والمفرطة في التضخم، لدرجة انه كان يخطط لتحويل ايران الى قوة عسكرية خامسة في العالم، ولابد من توضيح انه قد حدث توافق بين رغبات الشاه التوسعية من ناحية وبين المصالح الامريكية الجديدة في الخليج العربي من ناحية اخرى. لذلك كانت الولايات المتحدة أول من بارك للشاه هذا الاحتلال، وسرعان ما اعتمدت ايران كركيزة اساسية في سياستها تجاه منطقة الخليج العربي، مرة اخرى، دفعت الامارات ثمن هذا التوافق في المصالح بين الاطراف الاقليمية والدولية.
لكن المدهش في الامر ان تعامل ايران السياسي وليس المبدئي مع قضية الجزر، لم يتوقف على الشاه ولم ينته بسقوط نظامه، بل ان التعامل السياسي نفسه استمر في ظل الجمهورية الاسلامية الايرانية، فقد قرر النظام الجمهوري والثوري الجديد الاحتفاظ بالجزر، ليس من منطلق وجود أي حق لإيران في الجزر، وإنما من منطلق قراءة سياسية خاطئة وواهمة تدعي بأنه في حالة عودة الجزر ستقوم الامارات بتسليمها لقوى خارجية معادية للثورة ولإيران. هذا الاعتقاد الخاطىء هو الذي تحكم في السلوك الايراني في ظل الجمهورية الاسلامية التي لم تدرك ان الامارات لا تفكر بهذه الطريقة، وانها لن تسلم شبرا واحدا من جزرها او اراضيها لكائن من كان، خاصة للقوى الخارجية، فمثل هذا السلوك لا ينسجم مع مواقف الامارات، ومع سياستها المعتدلة والملتزمة تجاه دول الجوار. ورغم ان هذه القراءة السياسية الخاطئة هي التي تحدد التعامل الايراني الراهن مع قضية الجزر، إلا انه استجد مؤخرا عامل آخر هو الصراع السياسي الايراني الداخلي الذي اخذ يؤثر على الموقف الايراني الرسمي تجاه الجزر. فمنذ اواسط التسعينات اصبحت قضية الجزر موضع »مزايدات« واضحة بين التيارات السياسية المختلفة في ايران حيث يحاول كل تيار سياسي وكل مسؤول ايراني تأكيد وطنيته وزيادة شعبيته من خلال »المتاجرة« بقضية الجزر. لقد تحولت جزر الامارات المحتلة فجأة الى قضية للمتاجرة في الساحة السياسية الايرانية حيث تجد الحكومة الايرانية نفسها مندفعة نحو المغالاة في سياساتها الاحتلالية بما في ذلك الاتجاه نحو تأكيد السيادة الايرانية على جزيرة ابوموسى لدوافع انتخابية وسياسية بعيدة كل البعد عن الحقوق التاريخية او القانونية. مرة اخرى، تدفع الامارات ثمن هذه التعبئة العاطفية للشعب الايراني الذي يتأثر بالمنافسة السياسية الساخنة، والتي تزداد سخونة بين التيار الاصلاحي والمحافظ في ايران.
باختصار، لقد كانت ومازالت الاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية هي الاعتبارات التي تحدد السلوك الايراني تجاه قضية الجزر، فلم تكن القضية بالنسبة لإيران في أي وقت من الاوقات قضية قانونية او تاريخية او مبدئية. ايران لا تملك أي حق في هذه الجزر. ولو كان لديها أي حق قانوني مقنع لما ترددت لحظة واحدة في القبول بمبدأ التحكيم الدولي الذي تطرحه الامارات كمخرج معقول لأزمة الجزر. فالطرف الضعيف قانونيا، وغير الواثق من نفسه، هو الذي يرفض مبدأ التحكيم المحايد. كل ما تمتلكه ايران هو القوة ولا شيء غير القوة وكل ما تملكه هو عقدة الدولة الكبرى في تعاملها مع الامارات. ان سلاح ايران هو القوة اما سلاح الامارات فهو الحق، ومازالت القوة منتصرة حتى الآن على الحق.
في مقابل هذا التعامل الايراني السياسي، كانت الجزر بالنسبة للامارات دائما قضية مبدئية وليست قضية سياسية. للإمارات حق ثابت وموثق في هذه الجزر، والذي لا يمكن تحت أي ظرف التفريط فيه. لو كانت الامارات تعتقد للحظة واحدة ان هذه الجزر لإيران، لما نازعت ايران في هذا الحق. فليس من سمات الدول الصغيرة منازعة الدول الكبيرة في اراضيها وجزرها وثرواتها او في أي حق من حقوقها الثابتة، في المقابل ليس من سمات الدول عموما صغيرة كانت أم كبيرة التفريط في اراضيها وثرواتها، فالتفريط بأي حق يغري الآخرين، وخاصة الدول الكبرى بالمزيد من الاعتداء. من هنا تسعى الامارات لتأكيد حقها، ولا شيء غير حقها المشروع في استرداد ما اخذ منها بالقوة. هذا هو التعامل المبدئي المختلف عن التعامل السياسي الذي يميز السلوك الايراني. لقد لجأت الامارات عبر الــ 30 سنة الاخيرة الى ثلاث وسائل مختلفة في تعاملها مع قضية الجزر. ففي المرحلة الاولى، مرحلة تأسيس الدولة المستقلة اعتمدت الامارات عموما اسلوب التهدئة وضبط النفس وعدم الانفعال في تعاملها مع الاحتلال الايراني. هذا الاسلوب الهادئ استمر خلال عقدي السبعينات والثمانينات، لدرجة ان قطاعات واسعة في الامارات وخاصة الجيل الجديد بدأ ينسى قضية الجزر، كما ان قطاعات اوسع في الوطن العربي لم تعد تكترث لوجود قضية احتلال تعاني منه دولة عربية في الخليج هي الامارات. هذه من بين المساوئ العديدة للأسلوب الهادئ الذي ربما كان صالحا لبعض الوقت، لكن ليس لكل الاوقات، وربما كان صالحا مع بعض القضايا لكن ليس لكل القضايا.
إن اسوأ نتائج الاسلوب الدبلوماسي الهادئ الذي اتبعته الامارات هو انه قد شجع ايران على المزيد من التجاوزات والانتهاكات للاتفاقيات، بما في ذلك اتخاذ اجراءات لفرض سيادتها على جزيرة ابو موسى، لكن بعد ان بلغت التجاوزات الايرانية درجاتها القصوى والتي لا يمكن تحملها، اتبعت الامارات منذ بداية التسعينات اسلوب الحزم السياسي والدبلوماسي وعدم السكوت على التجاوزات التي تمس السيادة الوطنية والمصالح الحيوية. ان أسلوب الحزم السياسي كان يعني اساسا حشد اكبر قدر من التأييد الخليجي والتعاطف العربي والتفهم العالمي من أجل الضغط على ايران لكي توقف استفزازاتها اولا، ثم تعيد النظر في احتلالها، وتقبل بحل ازمة الجزر حلا نهائيا وبالطرق السلمية والقانونية، بيد ان ايران لم تستجب حتى لهذا الاسلوب الحازم، حيث استمر التعنت والاحتلال الايرانيان للجزر ولم تتجاوب طهران لطلب التفاوض الثنائي مع الامارات.
لا شك ان الامارات ستستمر في سعيها لحل ازمة الجزر بكل الوسائل السلمية والدبلوماسية المتاحة لها، وذلك من منطلق انه لا حل لهذه الازمة سوى الحل السياسي والسلمي. لكن يبدو ان الوقت قد حان لرفد الجهود السلمية الاماراتية بتحرك خليجي وعربي جماعي في اتجاه طهران على الصعيدين الرسمي والشعبي. من هنا برزت فكرة تشكيل اللجنة الوزارية الثلاثية التابعة لمجلس التعاون الخليجي والمعنية بملف الجزر. ان أمام هذه اللجنة مهمة عسيرة هي حل اعقد القضايا الخليجية. بيد ان هذا الحل لن يتأتى من دون تعاون ايران مع هذه اللجنة التي مازالت تنتظر الدعوة الرسمية لزيارة طهران. لكن وفي موازاة هذه اللجنة هناك حاجة ايضا لتحرك عربي شعبي ورسمي واسع وجاد ومنظم. لقد حان وقت مثل هذا التحرك الرسمي والشعبي العربي للوصول لصانع القرار وللرأي العام في ايران، لحثها من اجل انهاء هذه الازمة التي لا يجوز ان تظل معلقة، فعدم حل الازمة يعني استمرار التوتر في منطقة الخليج العربي، وهي منطقة عانت ما فيه الكفاية من التوترات والصراعات الدامية والمكلفة، كذلك فإن استمرار هذه الازمة من دون حل سيضر بمحاولات ايران للخروج من عزلتها وتطوير علاقاتها مع الدول الخليجية والعربية فالدول الخليجية والعربية ستجد صعوبة حقيقية في بناء علاقات تعاونية مع ايران في ظل استمرار احتلالها لجزر الامارات. كذلك فإن عدم حل هذه الازمة سيفسح المجال للقوى الخارجية لاستغلالها من اجل تحقيق مصالحها، والتي عادة ما تتعارض مع المصالح الخليجية المشتركة لذلك لابد من حل ازمة الجزر، وليس هناك من حل سوى الحل السياسي، أي من خلال المفاوضات المباشرة او عبر الوساطات الخليجية او العربية المخلصة او من خلال التحكيم الدولي.
ربما كان من المناسب، في بداية هذا الحديث عن الأبعاد السياسية لأزمة الجزر، التطرق الى التشابه العميق القائم بين قضية احتلال الجزر بالنسبة للامارات وقضية احتلال الجنوب بالنسبة للبنان. فكما ان لبنان يعاني من الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني، فإن الامارات تعاني ايضا من الاحتلال الايراني لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى منذ حوالي 30 سنة. ورغم الفارق الجوهري والكبير بين ايران والكيان الصهيوني، حيث لا ينبغي بأي شكل من الاشكال وضع ايران وهذا الكيان الاستيطاني في كفة واحدة، وفي مستوى سياسي واخلاقي واحد، فإيران دولة اسلامية وصديقة وتربطنا بها علاقات تاريخية وعقائدية وانسانية عميقة، رغم كل ذلك فإن الاحتلال هو احتلال، ولا فرق بين احتلال صهيوني واحتلال ايراني، او أي احتلال آخر مهما كان شكله ونوعه وجنسيته.
ان مضمون الاحتلال واحد لا يتغير في كل مكان. فالاحتلال يتضمن الاعتداء على حق الآخرين والاستيلاء غير المشروع على حق الآخرين، واستخدام القوة من طرف قوي ضد طرف آخر اقل قوة، وبالتالي ممارسة القهر والقمع دون وجه حق. ايران اخذت ما ليس لها حق فيه، واستخدمت القوة للاستيلاء على جزر الامارات، هذا هو الاحتلال الذي تعاني منه الامارات كما يعاني منه لبنان، البلد الذي عرف كيف يخط لنفسه طريقا فذا وشجاعا للتعامل مع الاحتلال الصهيوني الغاشم، والذي يبدو انه قد اصبح في طريقه للانتهاء، بفضل المقاومة الوطنية الباسلة في الجنوب. الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني سينتهي قريبا، ويبقى ان ينتهي ايضا الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية خلال المستقبل القريب.
لكن وإلى ان ينتهي الاحتلال في كل مكان من العالم، فإن الاحتلال لا يمكن مواجهته سوى بالرفض من حيث المبدأ، الاحتلال في أي شكل من الاشكال، وفي أي مكان كان، مرفوض اخلاقيا وانسانيا وسياسيا، لا يمكن التسامح مع الاحتلال لأنه يغري بالمزيد من الاحتلال، ولا يمكن تبرير الاحتلال لأنه يوّلد المزيد من الاحتلال، بل ان التسامح والتبرير للاحتلال هو بمنزلة المشاركة في فعل الاحتلال، وفي فعل السلب والاستيلاء والاعتداء ليس أمامنا سوى إدانة الاحتلال من حيث المبدأ وإن امكن مقاومته كما تفعل المقاومة الوطنية في الجنوب اللبناني. ان حق مقاومة الاحتلال، والذي يمارسه لبنان، هو حق مشروع بكل المعايير الاخلاقية والقانونية والانسانية، كما ان حق عدم الاستسلام للاحتلال، والذي تمارسه الامارات، هو ايضا حق مشروع ويستحق كل التفهم والمساندة خاصة من الجمهور اللبناني الذي يعرف معنى الاحتلال.
لا أحد يشك ان هناك تعاطفا مبدئيا بين الجمهور اللبناني مع الامارات في قضية الجزر، فالامارات كلبنان لديها قضية عادلة تستحق كل التفهم والدعم والمساندة الشعبية والرسمية. لكن هذا التعاطف المبدئي سيكون أعمق وأقوى بكثير عندما يتم اطلاع الرأي العام على ما يجري في هذه الجزر وخاصة جزيرة أبوموسى حيث تحاول ايران بشكل منظم ومخطط محو هويتها العربية وفرض سيادتها بالقوة، وتحويلها الى قاعدة عسكرية متقدمة تهدد حقولنا النفطية وتقترب من مياهنا الاقليمية وتشكل خطرا استراتيجيا على أمننا القومي، ان التعاطف المبدئي يحتاج دائما لتغذيته بالحقائق والوثائق التاريخية والقانونية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة ابوموسى هي ارض عربية، وجزر اماراتية لا يجوز التفريط بها، وأن للامارات الحق كل الحق في استردادها، وانها محقة في الحصول على المساندة المعنوية والأدبية والسياسية من الاصدقاء في كل مكان.
ولابد من الاعتراف في هذا السياق ان الامارات ربما لم تبذل الجهد المطلوب، ولم تقم بتوضيح موقفها والتعريف بوجهة نظرها بما فيه الكفاية خلال الــ 30 سنة الماضية لدى الرأي العام العربي والعالمي تجاه هذه القضية التي تحتل الأولوية المطلقة في التفكير السياسي الاماراتي. صحيح ان الدولة قد قامت بمحاولات جادة لحشد التأييد الدبلوماسي على الصعيد الرسمي، أما على الصعيد الشعبي والذي هو بالقدر نفسه من الاهمية، فهناك حاجة ماسة للمزيد من العمل والذي ينبغي القيام به خلال المرحلة المقبلة. فالتأييد الشعبي مطلوب، وهو بأهمية الدعم الرسمي نفسه لمقاومة الاحتلال واسترداد الحقوق العادلة. ويمكن في هذا السياق، الاشارة الى ما تتمتع به المقاومة الوطنية في الجنوب من تعاطف شعبي عارم في كل ارجاء الوطن العربي، وهو التعاطف الذي يشكل سندا معنويا مهما لاستمرار المقاومة. ولابد في هذا السياق ايضا من الاشارة الى ان أول لجنة شعبية عربية تشكلت لدعم المقاومة في الجنوب تشكلت في الامارات باسم لجنة التكافل العربي. وربما انه من المناسب التقدم باقتراح لتشكيل لجنة شعبية في لبنان لمساندة موقف الامارات في قضية الجزر، من منطلق ان لبنان كالامارات هو دائما ارض المبادرات الشعبية.
لكن رغم استمرار قضية الجزر كقضية خلافية حادة بين الامارات وايران، بل رغم اصرار ايران على التعامل مع الامارات بمنطق الاحتلال والقوة، فإن الامارات كانت ومازالت حريصة كل الحرص على اقامة علاقات ودية وطبيعية مع ايران. فعلاقة الامارات بإيران هي علاقة تاريخية وجغرافية وسكانية وحياتية واسعة ومكثفة وتطورت عبر السنين، ولم تتوقف في أي مرحلة من المراحل التاريخية، ولا يتوقع ان تتوقف في أي وقت من الاوقات خلال المستقبل. من الصعب ان تتوقف العلاقات بين الامارات وايران لأنها بقدر ما تحتوي على نقاط تقاطع، فإنها تحتوي ايضا على نقاط تلاق، وتوافق كثيرة. ان ما يجمع الامارات وايران اكثر بكثير مما يباعد بينهما، وفي مقدمة نقاط التلاقي القرب الجغرافي المشبع بالدلالات التي تحكم العلاقات بين الدول.
لذلك فإن العلاقات بين الامارات وايران هي في العموم علاقات جيدة، لولا الخلاف حول الجزر بل انه على كل مستوى من المستويات، وخاصة مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية والانسانية، تبدو العلاقات وكأنها علاقات ودية بل وربما نموذجية، لولا هذا الخلاف الحدودي المعقد. حتى في مجال العلاقات السياسية التي تشهد الصعود والهبوط والشد والجذب بين الحين والآخر، فقد حرصت الامارات على عدم قطعها، وأكدت على ضرورة استمرارها بما في ذلك تبادل السفراء بين الدولتين. فالامارات لا تناصب ايران العداء، والامارات لا تفتعل المعارك معها، كما انها لا تطالب بما ليس لها حق فيه. ان مناصبة العداء لإيران او افتعال المعارك او الادعاء بحق الآخرين، كل ذلك ليس من طبع الامارات ولا يناسب سلوكها السياسي الخارجي المعتدل والمتزن بشهادة الجميع. كل ما تطلبه الامارات من ايران هو انهاء الاحتلال بالتفاهم وبالمفاوضات الثنائية وبالطرق السلمية او من خلال التحكيم الدولي لكي يعود الهدوء لمنطقة الخليج العربي. فليس من صالح الامارات، كدولة صغيرة ان تعيش في ظل اجواء سياسية وامنية متوترة او ان تكون هناك قضايا خلافية عالقة وغير محسومة بينها وبين أي دولة من دول الجوار، خاصة ان الامارات تود ان تتفرغ بالكامل لما هو أهم على صعيد البناء الوطني واستكمال المسار التنموي، في ظل علاقات ودية وتعاونية مع كل دول العالم.
لكن رغم حرص الامارات على العلاقات الودية والتعاونية، فإن ايران لم تقدر هذه المبادرات ولم تراع المواقف الاماراتية الايجابية. فإيران مازالت تتعامل مع الامارات بمنطق الاحتلال والقوة وفرض الامر الواقع، وبعقلية الدولة الكبيرة والقوة الاقليمية. ان اكثر ما تعاني منه ايران في تعاملها السياسي مع الامارات هو عقدة الدولة الكبرى. عقدة الدولة الكبرى هي مصدر كل المعاناة التي تعانيها الدول الصغيرة في العالم كدولة الامارات ولبنان، فالإمارات ولبنان دولتان صغيرتان من حيث القدرات السكانية والجغرافية والعسكرية والاستراتيجية، وتعانيان من قربهما الجغرافي من قوى اقليمية ذات نزعات توسعية لا تحدها حدود.
اضافة الى عقدة الدولة الكبرى فإن ايران كانت ومازالت تتعامل مع قضية الجزر تعاملا سياسيا، ان قضية الجزر بالنسبة لإيران ليست قضية تاريخية او قانونية او مبدئية، بل هي في المقام الأول قضية سياسية بحتة، فجزر الامارات، وكما تظهر الوثائق البريطانية التي نشرتها جريدة »الخليج« مؤخرا، اعطيت لإيران ضمن صفقة سياسية تمت بينها وبين بريطانيا في اواخر الستينات. كانت الامارات الطرف الضعيف، وكانت ضحية هذا التفاهم الذي تم بين القوى الكبرى والحاكمة في المنطقة في تلك الفترة، كذلك عندما احتل الشاه جزر الامارات كانت الجزر بالنسبة له وسيلة لتأكيد زعامته السياسية. كما استخدمت الجزر كرمز لبروز ايران كقوة اقليمية كبرى، في ظل ضعف الطرف العربي الذي كان عاجزا عن الرد على نزعات الشاه السياسية والعسكرية المتضخمة، والمفرطة في التضخم، لدرجة انه كان يخطط لتحويل ايران الى قوة عسكرية خامسة في العالم، ولابد من توضيح انه قد حدث توافق بين رغبات الشاه التوسعية من ناحية وبين المصالح الامريكية الجديدة في الخليج العربي من ناحية اخرى. لذلك كانت الولايات المتحدة أول من بارك للشاه هذا الاحتلال، وسرعان ما اعتمدت ايران كركيزة اساسية في سياستها تجاه منطقة الخليج العربي، مرة اخرى، دفعت الامارات ثمن هذا التوافق في المصالح بين الاطراف الاقليمية والدولية.
لكن المدهش في الامر ان تعامل ايران السياسي وليس المبدئي مع قضية الجزر، لم يتوقف على الشاه ولم ينته بسقوط نظامه، بل ان التعامل السياسي نفسه استمر في ظل الجمهورية الاسلامية الايرانية، فقد قرر النظام الجمهوري والثوري الجديد الاحتفاظ بالجزر، ليس من منطلق وجود أي حق لإيران في الجزر، وإنما من منطلق قراءة سياسية خاطئة وواهمة تدعي بأنه في حالة عودة الجزر ستقوم الامارات بتسليمها لقوى خارجية معادية للثورة ولإيران. هذا الاعتقاد الخاطىء هو الذي تحكم في السلوك الايراني في ظل الجمهورية الاسلامية التي لم تدرك ان الامارات لا تفكر بهذه الطريقة، وانها لن تسلم شبرا واحدا من جزرها او اراضيها لكائن من كان، خاصة للقوى الخارجية، فمثل هذا السلوك لا ينسجم مع مواقف الامارات، ومع سياستها المعتدلة والملتزمة تجاه دول الجوار. ورغم ان هذه القراءة السياسية الخاطئة هي التي تحدد التعامل الايراني الراهن مع قضية الجزر، إلا انه استجد مؤخرا عامل آخر هو الصراع السياسي الايراني الداخلي الذي اخذ يؤثر على الموقف الايراني الرسمي تجاه الجزر. فمنذ اواسط التسعينات اصبحت قضية الجزر موضع »مزايدات« واضحة بين التيارات السياسية المختلفة في ايران حيث يحاول كل تيار سياسي وكل مسؤول ايراني تأكيد وطنيته وزيادة شعبيته من خلال »المتاجرة« بقضية الجزر. لقد تحولت جزر الامارات المحتلة فجأة الى قضية للمتاجرة في الساحة السياسية الايرانية حيث تجد الحكومة الايرانية نفسها مندفعة نحو المغالاة في سياساتها الاحتلالية بما في ذلك الاتجاه نحو تأكيد السيادة الايرانية على جزيرة ابوموسى لدوافع انتخابية وسياسية بعيدة كل البعد عن الحقوق التاريخية او القانونية. مرة اخرى، تدفع الامارات ثمن هذه التعبئة العاطفية للشعب الايراني الذي يتأثر بالمنافسة السياسية الساخنة، والتي تزداد سخونة بين التيار الاصلاحي والمحافظ في ايران.
باختصار، لقد كانت ومازالت الاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية هي الاعتبارات التي تحدد السلوك الايراني تجاه قضية الجزر، فلم تكن القضية بالنسبة لإيران في أي وقت من الاوقات قضية قانونية او تاريخية او مبدئية. ايران لا تملك أي حق في هذه الجزر. ولو كان لديها أي حق قانوني مقنع لما ترددت لحظة واحدة في القبول بمبدأ التحكيم الدولي الذي تطرحه الامارات كمخرج معقول لأزمة الجزر. فالطرف الضعيف قانونيا، وغير الواثق من نفسه، هو الذي يرفض مبدأ التحكيم المحايد. كل ما تمتلكه ايران هو القوة ولا شيء غير القوة وكل ما تملكه هو عقدة الدولة الكبرى في تعاملها مع الامارات. ان سلاح ايران هو القوة اما سلاح الامارات فهو الحق، ومازالت القوة منتصرة حتى الآن على الحق.
في مقابل هذا التعامل الايراني السياسي، كانت الجزر بالنسبة للامارات دائما قضية مبدئية وليست قضية سياسية. للإمارات حق ثابت وموثق في هذه الجزر، والذي لا يمكن تحت أي ظرف التفريط فيه. لو كانت الامارات تعتقد للحظة واحدة ان هذه الجزر لإيران، لما نازعت ايران في هذا الحق. فليس من سمات الدول الصغيرة منازعة الدول الكبيرة في اراضيها وجزرها وثرواتها او في أي حق من حقوقها الثابتة، في المقابل ليس من سمات الدول عموما صغيرة كانت أم كبيرة التفريط في اراضيها وثرواتها، فالتفريط بأي حق يغري الآخرين، وخاصة الدول الكبرى بالمزيد من الاعتداء. من هنا تسعى الامارات لتأكيد حقها، ولا شيء غير حقها المشروع في استرداد ما اخذ منها بالقوة. هذا هو التعامل المبدئي المختلف عن التعامل السياسي الذي يميز السلوك الايراني. لقد لجأت الامارات عبر الــ 30 سنة الاخيرة الى ثلاث وسائل مختلفة في تعاملها مع قضية الجزر. ففي المرحلة الاولى، مرحلة تأسيس الدولة المستقلة اعتمدت الامارات عموما اسلوب التهدئة وضبط النفس وعدم الانفعال في تعاملها مع الاحتلال الايراني. هذا الاسلوب الهادئ استمر خلال عقدي السبعينات والثمانينات، لدرجة ان قطاعات واسعة في الامارات وخاصة الجيل الجديد بدأ ينسى قضية الجزر، كما ان قطاعات اوسع في الوطن العربي لم تعد تكترث لوجود قضية احتلال تعاني منه دولة عربية في الخليج هي الامارات. هذه من بين المساوئ العديدة للأسلوب الهادئ الذي ربما كان صالحا لبعض الوقت، لكن ليس لكل الاوقات، وربما كان صالحا مع بعض القضايا لكن ليس لكل القضايا.
إن اسوأ نتائج الاسلوب الدبلوماسي الهادئ الذي اتبعته الامارات هو انه قد شجع ايران على المزيد من التجاوزات والانتهاكات للاتفاقيات، بما في ذلك اتخاذ اجراءات لفرض سيادتها على جزيرة ابو موسى، لكن بعد ان بلغت التجاوزات الايرانية درجاتها القصوى والتي لا يمكن تحملها، اتبعت الامارات منذ بداية التسعينات اسلوب الحزم السياسي والدبلوماسي وعدم السكوت على التجاوزات التي تمس السيادة الوطنية والمصالح الحيوية. ان أسلوب الحزم السياسي كان يعني اساسا حشد اكبر قدر من التأييد الخليجي والتعاطف العربي والتفهم العالمي من أجل الضغط على ايران لكي توقف استفزازاتها اولا، ثم تعيد النظر في احتلالها، وتقبل بحل ازمة الجزر حلا نهائيا وبالطرق السلمية والقانونية، بيد ان ايران لم تستجب حتى لهذا الاسلوب الحازم، حيث استمر التعنت والاحتلال الايرانيان للجزر ولم تتجاوب طهران لطلب التفاوض الثنائي مع الامارات.
لا شك ان الامارات ستستمر في سعيها لحل ازمة الجزر بكل الوسائل السلمية والدبلوماسية المتاحة لها، وذلك من منطلق انه لا حل لهذه الازمة سوى الحل السياسي والسلمي. لكن يبدو ان الوقت قد حان لرفد الجهود السلمية الاماراتية بتحرك خليجي وعربي جماعي في اتجاه طهران على الصعيدين الرسمي والشعبي. من هنا برزت فكرة تشكيل اللجنة الوزارية الثلاثية التابعة لمجلس التعاون الخليجي والمعنية بملف الجزر. ان أمام هذه اللجنة مهمة عسيرة هي حل اعقد القضايا الخليجية. بيد ان هذا الحل لن يتأتى من دون تعاون ايران مع هذه اللجنة التي مازالت تنتظر الدعوة الرسمية لزيارة طهران. لكن وفي موازاة هذه اللجنة هناك حاجة ايضا لتحرك عربي شعبي ورسمي واسع وجاد ومنظم. لقد حان وقت مثل هذا التحرك الرسمي والشعبي العربي للوصول لصانع القرار وللرأي العام في ايران، لحثها من اجل انهاء هذه الازمة التي لا يجوز ان تظل معلقة، فعدم حل الازمة يعني استمرار التوتر في منطقة الخليج العربي، وهي منطقة عانت ما فيه الكفاية من التوترات والصراعات الدامية والمكلفة، كذلك فإن استمرار هذه الازمة من دون حل سيضر بمحاولات ايران للخروج من عزلتها وتطوير علاقاتها مع الدول الخليجية والعربية فالدول الخليجية والعربية ستجد صعوبة حقيقية في بناء علاقات تعاونية مع ايران في ظل استمرار احتلالها لجزر الامارات. كذلك فإن عدم حل هذه الازمة سيفسح المجال للقوى الخارجية لاستغلالها من اجل تحقيق مصالحها، والتي عادة ما تتعارض مع المصالح الخليجية المشتركة لذلك لابد من حل ازمة الجزر، وليس هناك من حل سوى الحل السياسي، أي من خلال المفاوضات المباشرة او عبر الوساطات الخليجية او العربية المخلصة او من خلال التحكيم الدولي.