تحليل السياسة الدولية
مرسل: الاثنين نوفمبر 18, 2013 1:46 pm
يعتبر علم العلاقات الدولية، علم جديد نسبياً فهو لم يظهر بشكل دراسي مستقل إلا في بدايات القرن العشرين، ويمكن إجمال تعريفاته -على اختلافها وتنوعها - بأنه ذلك "العلم الذي يعني بالدراسة العلمية المنهجية لتفاعلات الوحدات السياسية في علاقاتها مع بعضها في النظام العالمي".
مراحل تطور دراسة العلاقات الدولية:
المرحلة الأولى:
دراسة التاريخ الدبلوماسي: بدأت قبل الحرب العالمية الأولى واستمرت بعدها، وتقوم على تحليل التاريخ الدبلوماسي بشكل يقارب دراسة التاريخ.
المرحلة الثانية: دراسة الأحداث الجارية: نشأت في الفترة ما بين الحربين العالميتين، كردة فعل على دراسة التاريخ الدبلوماسي، كما توسعت في تحليل وشرح الأبعاد والمعاني للأحداث الجارية.
المرحلة الثالثة: دراسة القانون الدولي والمنظمات الدولية: ظهرت كردة فعل على الحرب العالمية الأولى وعرفت بتيار "المثالية".
المرحلة الرابعة: دراسة السياسية الدولية: بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وسميت بالمدرسة الواقعية.
المرحلة الخامسة: مدرسة السلوكية: نشأت في منتصف الخمسينيات، ضمن انتقاد غياب البحث العلمي في المدارس الأخرى، واستفادت بشكل كبير من ميادين العلم الجديدة الأخرى.
المرحلة السادسة: مدرسة ما بعد السلوكية: نشأت في أواخر الستينيات كردة فعل على المدرسة السلوكية.
المرحلة السابعة: مدرسة الواقعية الجديدة: نشأت في أواخر السبعينيات كتطور وانفتاح أكثر من الواقعية القديمة.
الحوارات في دراسة العلاقات الدولية:
عبارة عن أربع حوارات أساسية قامت بين العلماء في هذا الحقل، حول تخصص أو شمولية العلاقات الدولية، بين المثالية والواقعية،بين أخصائيي العلاقات الدولية والأخصائيين الإقليميين، وأخيراً بين المدرسة التقليدية الواقعية وبين المدرسة السلوكية العلمية.
النظرية في العلاقات الدولية:
وتشترك مع العلوم الاجتماعية العامة كثيرا، يمكن استنتاج أبرزها بـاعتبارها :
نظام استنتاجي، مجموعة من الفرضيات حول سلوك السياسية ثم التوصل اليها بالاستقراء، مجموعة من البيانات حول السلوكية العقلانية مبنية على حوافز مهيمنة، مجموعة من القيم وقواعد السلوك، مجموعة من الاقتراحات العملية للساسة.
كما يقدم "ستانلي هوفمان" تصنيفا للنظريات من خلال :
1/ النظرية الفلسفية والنظرية التجريبية
2/ النظرية العامة والموسطة والجزئية
3 / النظرية الإستنتاجية والنظرية الاستقرائية.
الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية وتأثيراته
لقد شهدت فترة الاربعينات في القرن العشرين تحولات عديدة ، وكان ابرزها ظهور الاتجاة الواقعي في العلاقات الدولية والذي جاء كرد فعل على الاتجاه المثالي، بسبب عدم صحة هذا الاتجاه، والذي قد استند قبل تلك الفترة على دراسات عديدة قامت على ما يجب ان يكون عليه المجتمع الدولي ضمن نظرة افضل دون ان تاخذ بالامر الواقع كاساس لها، وتجاهلها للتاريخ، لقد نظر الاتجاة المثالي للسلوك الدولي كوحدة اساسية للتحليل وتجاهله لمبدا القوة وتوازن القوة، ورفضه للمعاهدات السرية بين الحلفاء، والتقسيم المجحف للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، وتركيزه على دور الدول في إدارة الشؤون الدولية، ودور الرأي العالم في تحقيق السلام العالمي، لكننا نجد أن الحرب العالمية الثانية وما تبعها في فترة أدت الى تحويل التفكير الدولي من المثالية الى العقلانية، أي في القانون والتنظيم، الى عنصر القوة في العلاقات الدولية، فركزت على ضرورة الاخذ بالدروس المستفادة في التاريخ لتدعيم وجهة نظرهم وعدم اعطاء دور بارز للرأي العام لعدم قدرته على تحقيق السلام العالمي، فسيطرت النظرية الواقعية كمنهج في العلاقات الدولية في الولايات المتحدة ابتداء في عام 1940 على مدى عشرين سنة، ثم أخذت تتطور في عقد التسعينات من القرن العشرين وبداية مطلع القرن الواحد والعشرون بظور تيار الواقعيون الجدد.
حيث نجد ان النظرية الواقعية تستمد مادتها الخام في التاريخ من اجل الوصول الى تعميم عام للسلوك الدولي، وترى بهذا الجانب ان الراي العام يتغير بشكل سريع لذلك لابد لصانع القرار عدم الاخذ به، وترى بان الدولة القومية وحدة التحليل الاساسية كما يرفض الواقعيون فكرة وجود تناسق في المصالح بين الدول، بل يرون بتضارب مصالحها الى حد الوصول الى احتمالية حدوث حرب، كما يعطون دور كبير لامكانيات الدولة المتوفرة في تحديد نتيجة الصراع الدولي، والتأثير بالدول الاخرى، كما يرى الواقعيون بان القوة ليست مقتصرة فقط على الجانب العسكري، بل هناك جوانب اخرى كالاقتصادية والديمقراطية والايدولوجية وغيرها...، ومع ذلك فان الواقعيون لا يغفلوا ضرورة تحقيق السلام العالمي ولو باللجوء الى القوة كأساس لذلك، وان كنا نرى في هذا الامر نوع في التنافض كعوامل ثابتة في تشكيل السلوك الدولي وهي كما يلي :
اولا :يرى الواقعيون بان الطبيعية الإنسانية تتصف بالجمود ومن الصعب تغيرها كما انها ترى الانسان بتسم بالشرور والخطيئة.
ثانيا :يرى الواقعيون بان موقع الدولة الجغرافي يؤثر في امكانياتها وتوجهاتها في السياسة الخارجية، فموقع الدولة قد يجعلها عرضه للتهديد الخارجي، او قد يؤهلها لاحتلال موقع استراتيجي وسهولة الوصول الى الطرق المائية، كذلك تاثير طبيعة حدود الدولة في سياستها الخارجية، وما يصاحب ذلك من تأثير الموقع نفسه على المناخ، وبالتالي على إمكانيات الدولة الزراعية الذي ينعكس بدوره على قدرة الدولة على مجابهة الدولة الاخرى.
ثالثا :يرى الواقعيون بضرورة فصل الأخلاق عن السياسة، على أن لا يأخذ القائد السياسي في اتخاذ القرارات الجوانب الأخلاقية، كما يعيرها المثاليون اهتماما كبيرا.
رابعا :يرى الواقعيون بضرورة الاهتمام بتوازن القوى كوسيلة أساسية في تحقيق السلام العالمي، ذلك بتساوي الدولة بالقوة والذي يمنع حدوث هيمنة من قبل دولة داخل النظام الدولي.
خامسا :يرى الواقعيون بعدم القدرة على تطبيق المبادئ المعنوية أو الأخلاقية على السلوك الدولي، وإنما يعتمد ذلك على قدرة القائد السياسي على تحقيق سياسته الخارجية دون تعريض دولته للخطر.
سادسا: اما القوة عند الواقعيين- يعتبرونها كمحدد رئيسي في العلاقات الدولية، او السلوك الدولي الذي تقوم الدول وفقه بناء على امكانياتها، وقدراتها الذاتية، وانطلاق من مصالحها القومية وحماية لأمنها القومي.
لهذا الأمر نجد ان الاتجاه الواقعي قد سيطر في تلك الفترة على دراسات المفكرين السياسيين وان كانت الرؤية لهذا الاتجاه تمتد الى ما قبل تلك الفترة، ونلخص ذلك من خلال كتابات مفكري الصين والهند، وفي القرن السادس عشر من خلال كتابات ميكافيلي، ودعواته الى ضرورة التركيز على مفهوم القوة وضرورة فصل القيم السياسية عن القيم الاخرى، وخاصة في عملية صناعة القرار، ومن ثم هوبز وتركيز على القوة كعامل حاسم في السلوك الانساني، وهيجل يركز على القوة وخاصة بتأثيرتها، على أن اراء الدولة هي الرغبة في تحقيق مصلحتها.
اما بالنسبة لمفكري القرن العشرين فقد اهتموا بالاتجاه الواقعي ، فنجد ان نيبور كان له دور كبير في الكتابات الواقعية وخاصة داخل الولايات المتحدة حيث نجد ان نيبور نظر الى الانسان نظرة تشاؤمية على انه يتسم بالشرور وعدم حب الخير كما ان الخطيئة غيرة تنشا من قلق شديد لديه، حيث تعتبر هي ملازمة له، والانسان مذنب لانه ينكر محدوديته او قيوده ويتظاهر ليكون اكثر مما هو عليه في الحقيقة، أما عن القوة فيرى نيبور كما يقول : ( إن سعي الإنسان لاغتصاب عرش الله حتم عليه أن يخضع حياة الآخرين لإرادته، وهكذا يقدم ظلم حياة الآخرين ) والى جانب ذلك فللإنسان إرادة الحياة التي تؤدي به للسعي نحو القوة. كما ينتقد نيبور ما يعتبره توجها تاريخيا في سياسة الولايات المتحدة. حيث يرى ان الامريكيين غير منتبهين لدافع القوة في السياسات الدولية بسبب فترة العزلة التي عاشها الشعب الامريكي بعيدا عن الصراع على القوة. ويرى نيبور بان توازن القوى يمثل الإدارة التنظيمية لتحقيق الحد الادنى في العدالة، وبعد الحرب العالمية الثانية بدا نيبور يؤكد على ضرورة احتواء التوسع الشيوعي ومنع الحروب النووية.
اما فردريك شومان- فيرى بان هدف الدولة النهائي هو الحفاظ على ذاتها ويرى ايضا بان فقدان الثقة في العلاقات الدولية بين الدول نتيجة عدم قدرة كل دولة على ضبط سلوك الاخرين، ولا تعرف كيف ستتصرف الدول الاخرى، وبالتالي فان كل دولة ستتوقع الاسوا في غيرها، ولذا على كل دولة الحفاظ على استقلالها، بان تتنافس مع الدول الاخرى وتجهز على اي تهديد محتمل لها من الدول المجاورة او المنافسة، فاذا كان لدى هذة الدولة قوة كافية فانها ستستخدم الدول التي لا تستطيع مقاومتها. والقوة عند شومان هي القوة العسكرية او القدرة على القتال، كما يرى في السلام على انه ليس هدفا سياسيا على الاطلاق ولكنة فرصة لتعزيز القدرات التي تمتلكها الدولة، اما المبادئ الاخلاقية فهي ذات قيمة دعائية او مقبولة اذا تطابقت مع بناء القوة، كما انه يرى في توازن القوى على انه ميكانيزما منظمة وهامة، فالدول الاعضاء في النظام، من اجل الحفاظ على نفسها فانها تتوحد ضد اي خطر يتهددها وقتل هذا السلوك يكبح طموحات الدول الكبرى للهيمنة على العالم.
أما نيكولاس سبيكمان كمفكر واقعي، يرى بان القوة هي ما تعتمد عليه الحياة بالإقناع او الإغراء أو الإكراه، ويرى بان أوضاع الدولة الداخلية، هي اوضاع طبيعية للعلاقات بين الدول في النظام الدولي، كما انه يرى بان الدولة تبين نتيجة امتلاكها للقوة او نتيجة لوجود دول اخرى تضمن حمايتها، ويرى ايضا بان على الدولة اذا ما ارادت السيطرة عليها -وبناء على نظرية ماكندر -التوسع باتجاة المواقع الاقل مقاومة له، و يرى بنظام توازن القوى بانه نظام غير مستقر ومتحول ومع ذلك يراه كعنصر اساسي لنظام دولي يرتكز على الدول المستقلة، كما انه يرى بان هدف الدولة النهائي هو الحفاظ على قوتها او زيادتها.
أما مورغانثو فقد قدم مجموعة من المبادئ حول النظرية الواقعية منها :
اولا :العلاقات السياسية محكومة بقواعد موضوعية، تمتد جذورها لأعماق الطبيعة البشرية.
ثانيا : القائد السياسي يتخذ قرارة بناء على مفهوم القوة.
فيعتبر الإتجاة الواقعي في العلاقات الدولية من أقوى الإتجاهات قدرة على الإستمرارية والتطوير، على عكس الإتجاة الليبرالي والتكاملي... حيث يظهر هذا الأمر في التغيرات الكبيرة التي ظهرت في فترة مابعد الحرب الباردة وبروز السيطرة الأمريكية عقب إنهيار الإتحاد السوفيتي، والإنتقال الى مرحلة جديدة من العلاقات الدولية بات إستخدام القوة العسكرية هو المحدد الرئيسي للسلوك في تلك الفترة ويظهر ذلك من الحجم الكبير للأحداث والتي إمتدت من حرب الخليج الثانية إلى مرحلة مابعد 11 سبتمبر 2001 وسيطرة جناح المحافظين الجدد على الإدراة الأمريكية ، وبداية حقبة السيطرة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط وإحتلال العراق 2003 ضمن حربها على الإرهاب...، والتلويح بإستخدام القوة لإيران وسوريا...والدعوة للإصلاح في المنطقة من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير.. (( من ليس معنا فهو ضدنا)).
أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي
1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي".
2. "أن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ".
3. "وجود عوامل ثابتة وغير قابلة للتغير تحدد السلوكية الدولية. وبالتالي فمن الخطأ, كما فعل المثاليون, الرهان على أن المعرفة والثقافة, يمكن أن تغير بسهولة في الطبيعة البشرية وفي الرأي العام".
4. "أن أساس الواقع الاجتماعي هوا الجماعة, فالأفراد في عالم يتسم بندرة الموارد يواجهون بعضهم البعض ليس كأشخاص إنما كأعضاء في جماعة منظمة . . . [متمثلة في] الدولة".
وقد أضافت احد الدراسات الحديثة أهم افتراضات المدرسة الواقعية على النحو التالي:
5. تعتبر الدول أهم العوامل في السياسة الدولية, وبذلك فان التركيز على الدول (وليس علي المنظمات الدولية, أو الشركات متعددة الجنسية) كالوحدات الأساسية لتحليل يساعد عل فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع الدولي.
6. تحليل السياسة الدولية على أساس أن الدول تتصرف من منطلق عقلاني في تعاملها مع بعضها البعض. وبذلك فأنة من المفترض أن الدول سوف تقوم بدراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرغتمائي (pragmatic) وسوف تتخذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا والتي تكون بالعادة موجهه نحو زيادة قدرة الدولة وقوتها. وقد تقوم بعض الدول بذلك على الرغم من عدم حوزتها علي معلومات كاملة وواضحة كل الوضوح حول كل الخيارات البديلة, وبذلك قد تخطى في هذه الحالة عن اتخاذ القرارات الصائبة.
7. النظر لدولة كوحدة واحدة. على الرغم من أن متخذي القرارات في السياسة الخارجية لدولة ما؛ هم في الواقع أشخاص متعددين (رئيس الدولة، أو وزير الخارجية، الخ ) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي بصفتها كيان واحد متماسك. بنا على هذا الافتراض فان المدرسة العقلانية تعتبر أن انعكاسات السياسات الداخلية لدولة ما لا تكون حاسمة في مواقف تلك الدولة خارجياً.
8. "اعتبار النظام الدولي بمثابة غابة نتيجة غياب سلطة مركزية تحتكر القوة وتستطيع فرض إرادتها على الكل كما هي الحال في [داخل] الدولة".
9. اعتبار العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية. فالدول سوف تبذل قصارى جهدها لكي تحافظ على (وتعزز و تقوى) أمنها بشتى الوسائل, حتى لو تطلب الأمر طلب قوى (دول) أخري لكي تساعد على صيانة هذا الأمن.
المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية
نشأت المدرسة السلوكية في منتصف الخمسينات وتبلورت بشكل أساسي في الستينات. وهدفت السلوكية إلى إيجاد نظرية تعليلية تفسيرية و تنبؤيه. استعمل السلوكيون مناهج علمية وخاصة كمية في أبحاثهم واهتموا في تقديم واختيار فرضيات بشكل مقارن وقاموا ببناء نماذج و نظريات تقومعلى فرضيات ومفاهيم محددة بدقة ومترابطة منطقياً.
اهتم السلوكيون بالأنماط المتكررة وليس بالحالات الفردية كمحور للبحث. . . [حيث] يقوم بناء النظرية حسب السلوكيون على القدرة على التعميم وإطلاق الأحكام العامة. ويقوم هذا بدورة على إثبات الفرضيات. وظهر التحول مع السلوكية نحو المناهج العلمية القائمة على الإحصائيات وساهم في ذلك كله استعمال الحاسب الالكتروني والرياضيات.
اعتمدت المدرسة السلوكية في كثير من المجالات على النتائج التي توصل إليها علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الانثروبولوجيا الذين درسوا سلوكيات الأفراد والجماعات الاجتماعية. واستفادت المدرسة السلوكية من ذلك في بناء نظريات جزئية أو متوسطة في العلاقات الدولية، وذلك انطلاقاً من أن سلوكيات الدول هي أساساً سلوكيات الأفراد والجماعات الرسمية وغير الرسمية في تلك الدول.
مراحل تطور دراسة العلاقات الدولية:
المرحلة الأولى:
دراسة التاريخ الدبلوماسي: بدأت قبل الحرب العالمية الأولى واستمرت بعدها، وتقوم على تحليل التاريخ الدبلوماسي بشكل يقارب دراسة التاريخ.
المرحلة الثانية: دراسة الأحداث الجارية: نشأت في الفترة ما بين الحربين العالميتين، كردة فعل على دراسة التاريخ الدبلوماسي، كما توسعت في تحليل وشرح الأبعاد والمعاني للأحداث الجارية.
المرحلة الثالثة: دراسة القانون الدولي والمنظمات الدولية: ظهرت كردة فعل على الحرب العالمية الأولى وعرفت بتيار "المثالية".
المرحلة الرابعة: دراسة السياسية الدولية: بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وسميت بالمدرسة الواقعية.
المرحلة الخامسة: مدرسة السلوكية: نشأت في منتصف الخمسينيات، ضمن انتقاد غياب البحث العلمي في المدارس الأخرى، واستفادت بشكل كبير من ميادين العلم الجديدة الأخرى.
المرحلة السادسة: مدرسة ما بعد السلوكية: نشأت في أواخر الستينيات كردة فعل على المدرسة السلوكية.
المرحلة السابعة: مدرسة الواقعية الجديدة: نشأت في أواخر السبعينيات كتطور وانفتاح أكثر من الواقعية القديمة.
الحوارات في دراسة العلاقات الدولية:
عبارة عن أربع حوارات أساسية قامت بين العلماء في هذا الحقل، حول تخصص أو شمولية العلاقات الدولية، بين المثالية والواقعية،بين أخصائيي العلاقات الدولية والأخصائيين الإقليميين، وأخيراً بين المدرسة التقليدية الواقعية وبين المدرسة السلوكية العلمية.
النظرية في العلاقات الدولية:
وتشترك مع العلوم الاجتماعية العامة كثيرا، يمكن استنتاج أبرزها بـاعتبارها :
نظام استنتاجي، مجموعة من الفرضيات حول سلوك السياسية ثم التوصل اليها بالاستقراء، مجموعة من البيانات حول السلوكية العقلانية مبنية على حوافز مهيمنة، مجموعة من القيم وقواعد السلوك، مجموعة من الاقتراحات العملية للساسة.
كما يقدم "ستانلي هوفمان" تصنيفا للنظريات من خلال :
1/ النظرية الفلسفية والنظرية التجريبية
2/ النظرية العامة والموسطة والجزئية
3 / النظرية الإستنتاجية والنظرية الاستقرائية.
الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية وتأثيراته
لقد شهدت فترة الاربعينات في القرن العشرين تحولات عديدة ، وكان ابرزها ظهور الاتجاة الواقعي في العلاقات الدولية والذي جاء كرد فعل على الاتجاه المثالي، بسبب عدم صحة هذا الاتجاه، والذي قد استند قبل تلك الفترة على دراسات عديدة قامت على ما يجب ان يكون عليه المجتمع الدولي ضمن نظرة افضل دون ان تاخذ بالامر الواقع كاساس لها، وتجاهلها للتاريخ، لقد نظر الاتجاة المثالي للسلوك الدولي كوحدة اساسية للتحليل وتجاهله لمبدا القوة وتوازن القوة، ورفضه للمعاهدات السرية بين الحلفاء، والتقسيم المجحف للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، وتركيزه على دور الدول في إدارة الشؤون الدولية، ودور الرأي العالم في تحقيق السلام العالمي، لكننا نجد أن الحرب العالمية الثانية وما تبعها في فترة أدت الى تحويل التفكير الدولي من المثالية الى العقلانية، أي في القانون والتنظيم، الى عنصر القوة في العلاقات الدولية، فركزت على ضرورة الاخذ بالدروس المستفادة في التاريخ لتدعيم وجهة نظرهم وعدم اعطاء دور بارز للرأي العام لعدم قدرته على تحقيق السلام العالمي، فسيطرت النظرية الواقعية كمنهج في العلاقات الدولية في الولايات المتحدة ابتداء في عام 1940 على مدى عشرين سنة، ثم أخذت تتطور في عقد التسعينات من القرن العشرين وبداية مطلع القرن الواحد والعشرون بظور تيار الواقعيون الجدد.
حيث نجد ان النظرية الواقعية تستمد مادتها الخام في التاريخ من اجل الوصول الى تعميم عام للسلوك الدولي، وترى بهذا الجانب ان الراي العام يتغير بشكل سريع لذلك لابد لصانع القرار عدم الاخذ به، وترى بان الدولة القومية وحدة التحليل الاساسية كما يرفض الواقعيون فكرة وجود تناسق في المصالح بين الدول، بل يرون بتضارب مصالحها الى حد الوصول الى احتمالية حدوث حرب، كما يعطون دور كبير لامكانيات الدولة المتوفرة في تحديد نتيجة الصراع الدولي، والتأثير بالدول الاخرى، كما يرى الواقعيون بان القوة ليست مقتصرة فقط على الجانب العسكري، بل هناك جوانب اخرى كالاقتصادية والديمقراطية والايدولوجية وغيرها...، ومع ذلك فان الواقعيون لا يغفلوا ضرورة تحقيق السلام العالمي ولو باللجوء الى القوة كأساس لذلك، وان كنا نرى في هذا الامر نوع في التنافض كعوامل ثابتة في تشكيل السلوك الدولي وهي كما يلي :
اولا :يرى الواقعيون بان الطبيعية الإنسانية تتصف بالجمود ومن الصعب تغيرها كما انها ترى الانسان بتسم بالشرور والخطيئة.
ثانيا :يرى الواقعيون بان موقع الدولة الجغرافي يؤثر في امكانياتها وتوجهاتها في السياسة الخارجية، فموقع الدولة قد يجعلها عرضه للتهديد الخارجي، او قد يؤهلها لاحتلال موقع استراتيجي وسهولة الوصول الى الطرق المائية، كذلك تاثير طبيعة حدود الدولة في سياستها الخارجية، وما يصاحب ذلك من تأثير الموقع نفسه على المناخ، وبالتالي على إمكانيات الدولة الزراعية الذي ينعكس بدوره على قدرة الدولة على مجابهة الدولة الاخرى.
ثالثا :يرى الواقعيون بضرورة فصل الأخلاق عن السياسة، على أن لا يأخذ القائد السياسي في اتخاذ القرارات الجوانب الأخلاقية، كما يعيرها المثاليون اهتماما كبيرا.
رابعا :يرى الواقعيون بضرورة الاهتمام بتوازن القوى كوسيلة أساسية في تحقيق السلام العالمي، ذلك بتساوي الدولة بالقوة والذي يمنع حدوث هيمنة من قبل دولة داخل النظام الدولي.
خامسا :يرى الواقعيون بعدم القدرة على تطبيق المبادئ المعنوية أو الأخلاقية على السلوك الدولي، وإنما يعتمد ذلك على قدرة القائد السياسي على تحقيق سياسته الخارجية دون تعريض دولته للخطر.
سادسا: اما القوة عند الواقعيين- يعتبرونها كمحدد رئيسي في العلاقات الدولية، او السلوك الدولي الذي تقوم الدول وفقه بناء على امكانياتها، وقدراتها الذاتية، وانطلاق من مصالحها القومية وحماية لأمنها القومي.
لهذا الأمر نجد ان الاتجاه الواقعي قد سيطر في تلك الفترة على دراسات المفكرين السياسيين وان كانت الرؤية لهذا الاتجاه تمتد الى ما قبل تلك الفترة، ونلخص ذلك من خلال كتابات مفكري الصين والهند، وفي القرن السادس عشر من خلال كتابات ميكافيلي، ودعواته الى ضرورة التركيز على مفهوم القوة وضرورة فصل القيم السياسية عن القيم الاخرى، وخاصة في عملية صناعة القرار، ومن ثم هوبز وتركيز على القوة كعامل حاسم في السلوك الانساني، وهيجل يركز على القوة وخاصة بتأثيرتها، على أن اراء الدولة هي الرغبة في تحقيق مصلحتها.
اما بالنسبة لمفكري القرن العشرين فقد اهتموا بالاتجاه الواقعي ، فنجد ان نيبور كان له دور كبير في الكتابات الواقعية وخاصة داخل الولايات المتحدة حيث نجد ان نيبور نظر الى الانسان نظرة تشاؤمية على انه يتسم بالشرور وعدم حب الخير كما ان الخطيئة غيرة تنشا من قلق شديد لديه، حيث تعتبر هي ملازمة له، والانسان مذنب لانه ينكر محدوديته او قيوده ويتظاهر ليكون اكثر مما هو عليه في الحقيقة، أما عن القوة فيرى نيبور كما يقول : ( إن سعي الإنسان لاغتصاب عرش الله حتم عليه أن يخضع حياة الآخرين لإرادته، وهكذا يقدم ظلم حياة الآخرين ) والى جانب ذلك فللإنسان إرادة الحياة التي تؤدي به للسعي نحو القوة. كما ينتقد نيبور ما يعتبره توجها تاريخيا في سياسة الولايات المتحدة. حيث يرى ان الامريكيين غير منتبهين لدافع القوة في السياسات الدولية بسبب فترة العزلة التي عاشها الشعب الامريكي بعيدا عن الصراع على القوة. ويرى نيبور بان توازن القوى يمثل الإدارة التنظيمية لتحقيق الحد الادنى في العدالة، وبعد الحرب العالمية الثانية بدا نيبور يؤكد على ضرورة احتواء التوسع الشيوعي ومنع الحروب النووية.
اما فردريك شومان- فيرى بان هدف الدولة النهائي هو الحفاظ على ذاتها ويرى ايضا بان فقدان الثقة في العلاقات الدولية بين الدول نتيجة عدم قدرة كل دولة على ضبط سلوك الاخرين، ولا تعرف كيف ستتصرف الدول الاخرى، وبالتالي فان كل دولة ستتوقع الاسوا في غيرها، ولذا على كل دولة الحفاظ على استقلالها، بان تتنافس مع الدول الاخرى وتجهز على اي تهديد محتمل لها من الدول المجاورة او المنافسة، فاذا كان لدى هذة الدولة قوة كافية فانها ستستخدم الدول التي لا تستطيع مقاومتها. والقوة عند شومان هي القوة العسكرية او القدرة على القتال، كما يرى في السلام على انه ليس هدفا سياسيا على الاطلاق ولكنة فرصة لتعزيز القدرات التي تمتلكها الدولة، اما المبادئ الاخلاقية فهي ذات قيمة دعائية او مقبولة اذا تطابقت مع بناء القوة، كما انه يرى في توازن القوى على انه ميكانيزما منظمة وهامة، فالدول الاعضاء في النظام، من اجل الحفاظ على نفسها فانها تتوحد ضد اي خطر يتهددها وقتل هذا السلوك يكبح طموحات الدول الكبرى للهيمنة على العالم.
أما نيكولاس سبيكمان كمفكر واقعي، يرى بان القوة هي ما تعتمد عليه الحياة بالإقناع او الإغراء أو الإكراه، ويرى بان أوضاع الدولة الداخلية، هي اوضاع طبيعية للعلاقات بين الدول في النظام الدولي، كما انه يرى بان الدولة تبين نتيجة امتلاكها للقوة او نتيجة لوجود دول اخرى تضمن حمايتها، ويرى ايضا بان على الدولة اذا ما ارادت السيطرة عليها -وبناء على نظرية ماكندر -التوسع باتجاة المواقع الاقل مقاومة له، و يرى بنظام توازن القوى بانه نظام غير مستقر ومتحول ومع ذلك يراه كعنصر اساسي لنظام دولي يرتكز على الدول المستقلة، كما انه يرى بان هدف الدولة النهائي هو الحفاظ على قوتها او زيادتها.
أما مورغانثو فقد قدم مجموعة من المبادئ حول النظرية الواقعية منها :
اولا :العلاقات السياسية محكومة بقواعد موضوعية، تمتد جذورها لأعماق الطبيعة البشرية.
ثانيا : القائد السياسي يتخذ قرارة بناء على مفهوم القوة.
فيعتبر الإتجاة الواقعي في العلاقات الدولية من أقوى الإتجاهات قدرة على الإستمرارية والتطوير، على عكس الإتجاة الليبرالي والتكاملي... حيث يظهر هذا الأمر في التغيرات الكبيرة التي ظهرت في فترة مابعد الحرب الباردة وبروز السيطرة الأمريكية عقب إنهيار الإتحاد السوفيتي، والإنتقال الى مرحلة جديدة من العلاقات الدولية بات إستخدام القوة العسكرية هو المحدد الرئيسي للسلوك في تلك الفترة ويظهر ذلك من الحجم الكبير للأحداث والتي إمتدت من حرب الخليج الثانية إلى مرحلة مابعد 11 سبتمبر 2001 وسيطرة جناح المحافظين الجدد على الإدراة الأمريكية ، وبداية حقبة السيطرة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط وإحتلال العراق 2003 ضمن حربها على الإرهاب...، والتلويح بإستخدام القوة لإيران وسوريا...والدعوة للإصلاح في المنطقة من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير.. (( من ليس معنا فهو ضدنا)).
أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي
1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي".
2. "أن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ".
3. "وجود عوامل ثابتة وغير قابلة للتغير تحدد السلوكية الدولية. وبالتالي فمن الخطأ, كما فعل المثاليون, الرهان على أن المعرفة والثقافة, يمكن أن تغير بسهولة في الطبيعة البشرية وفي الرأي العام".
4. "أن أساس الواقع الاجتماعي هوا الجماعة, فالأفراد في عالم يتسم بندرة الموارد يواجهون بعضهم البعض ليس كأشخاص إنما كأعضاء في جماعة منظمة . . . [متمثلة في] الدولة".
وقد أضافت احد الدراسات الحديثة أهم افتراضات المدرسة الواقعية على النحو التالي:
5. تعتبر الدول أهم العوامل في السياسة الدولية, وبذلك فان التركيز على الدول (وليس علي المنظمات الدولية, أو الشركات متعددة الجنسية) كالوحدات الأساسية لتحليل يساعد عل فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع الدولي.
6. تحليل السياسة الدولية على أساس أن الدول تتصرف من منطلق عقلاني في تعاملها مع بعضها البعض. وبذلك فأنة من المفترض أن الدول سوف تقوم بدراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرغتمائي (pragmatic) وسوف تتخذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا والتي تكون بالعادة موجهه نحو زيادة قدرة الدولة وقوتها. وقد تقوم بعض الدول بذلك على الرغم من عدم حوزتها علي معلومات كاملة وواضحة كل الوضوح حول كل الخيارات البديلة, وبذلك قد تخطى في هذه الحالة عن اتخاذ القرارات الصائبة.
7. النظر لدولة كوحدة واحدة. على الرغم من أن متخذي القرارات في السياسة الخارجية لدولة ما؛ هم في الواقع أشخاص متعددين (رئيس الدولة، أو وزير الخارجية، الخ ) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي بصفتها كيان واحد متماسك. بنا على هذا الافتراض فان المدرسة العقلانية تعتبر أن انعكاسات السياسات الداخلية لدولة ما لا تكون حاسمة في مواقف تلك الدولة خارجياً.
8. "اعتبار النظام الدولي بمثابة غابة نتيجة غياب سلطة مركزية تحتكر القوة وتستطيع فرض إرادتها على الكل كما هي الحال في [داخل] الدولة".
9. اعتبار العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية. فالدول سوف تبذل قصارى جهدها لكي تحافظ على (وتعزز و تقوى) أمنها بشتى الوسائل, حتى لو تطلب الأمر طلب قوى (دول) أخري لكي تساعد على صيانة هذا الأمن.
المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية
نشأت المدرسة السلوكية في منتصف الخمسينات وتبلورت بشكل أساسي في الستينات. وهدفت السلوكية إلى إيجاد نظرية تعليلية تفسيرية و تنبؤيه. استعمل السلوكيون مناهج علمية وخاصة كمية في أبحاثهم واهتموا في تقديم واختيار فرضيات بشكل مقارن وقاموا ببناء نماذج و نظريات تقومعلى فرضيات ومفاهيم محددة بدقة ومترابطة منطقياً.
اهتم السلوكيون بالأنماط المتكررة وليس بالحالات الفردية كمحور للبحث. . . [حيث] يقوم بناء النظرية حسب السلوكيون على القدرة على التعميم وإطلاق الأحكام العامة. ويقوم هذا بدورة على إثبات الفرضيات. وظهر التحول مع السلوكية نحو المناهج العلمية القائمة على الإحصائيات وساهم في ذلك كله استعمال الحاسب الالكتروني والرياضيات.
اعتمدت المدرسة السلوكية في كثير من المجالات على النتائج التي توصل إليها علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الانثروبولوجيا الذين درسوا سلوكيات الأفراد والجماعات الاجتماعية. واستفادت المدرسة السلوكية من ذلك في بناء نظريات جزئية أو متوسطة في العلاقات الدولية، وذلك انطلاقاً من أن سلوكيات الدول هي أساساً سلوكيات الأفراد والجماعات الرسمية وغير الرسمية في تلك الدول.