منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By خالد الأحمري 6
#18615
بطلان المحاكم الجنائية الدوليّة
تُمثّل المحاكم الجنائية الدوليّة نظاماً دولياً قائماً على الانتقائية وازدواج المعايير، فهذه المحاكم يجمع بينها فقدانها الشروط الواجب توافرها في أي محكمة لتكون قانونيّة.
فمن المعروف أن من شروط المحكمة هو أن تُقيمها سلطة شرعية، تستمدّ شرعيتها من وضع قانوني، وأن تكون الوقائع التي تنظرها تُشكّل جرائم محددة وصفاً وعقوبة في قانون نافذ سابق لارتكابها، وأن يكون هذا القانون صادراً من جهة تشريعيّة قانوناً ، وأن تتوفر لقضاتها الاستقلالية والقدرة على إصدار الأحكام بعيدا عن أية مؤثرات، وأن تشتمل قواعد المحكمة الإجرائية على ضمانات للمتهمين تُحقِّقُ العدالة، فهل هذا متوافر في المحاكم الجنائية الدولـيّة؟ الجواب لا!!
الواقع أن المحاكم الجنائية الدولية التي عرفها العالم إمّا أنشأها منتصرون في حرب كما هو الحال ف يمحكمتي نورمبرج وطوكيو العسكريتين اللتين أقامهما الحلفاء المنتصرون في الحرب العالميّة الثّانية، وإمّا أنشأتها سلطة " دوليّة " مطعون في شرعيتها كما هو الحال في محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا اللتين أنشأهما مجلس الأمن .
فالحلفاءعندما شكّلوا ـ في أعقاب الحرب العالميّة الثّانية ـ محكمتي نورمبرج وطوكيو لم يستـندوا إلاّ إلى شرعيّة المنتصر في الحرب، القادر على فرض الشروط التي يُريدها على المهزومين، وقد أقاموا هاتين المحكمتين على النحو الذي يضمن لهم إدانة خصومهم كمجرمين، يضمن لهم تبرير الجرائم التي اقترفوها هم في الحرب وعلى رأسها جريمة إبادة مئات آلاف المدنيين باستخدام سلاح يتجاوز حدود الحاجة إلى ردع الخصم وهوالقنبلة الذريّة، ولم يكُن لهذه المحاكم من معايير العدالة شىء مذكور فهي:
• محاكم شكّلها قادة سياسيون وعسكريون لقوات احتلال ولم يكُن قضاتها محايدين، بل كانوا الخصوم أنفسهم في ساحة المعارك ، وهؤلاء لا يجوز لهم ذلك وفقا لمعاييرالعدالة المتعارف عليها في حالة كونهم طرفاً في الخصومة.
• لم يكن المتهمون أمام تلك المحاكم إلاّ أسرى حرب لا تجوز وفقاً للقانون الدولي محاكمتهم.
• ليست الأفعال التي حُوكم عنها المتهمون جرائم محدّدة منصوصاً عليها في تشريع نافذ سابق لها كما تقتضي العدالة، بل إن الذي حدّد لائحة "الجرائم" هم الحلفاء المنتصرون بعد ارتكاب الفعل ، وهذا يُمثِّل انتهاكاً لمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، ولمبدأ عدم رجعية القوانين أي عدم سريانها بأثر رجعي.
• ثم إن محكمة ( طوكيو ) أُنشِئت بأمر خاص أصدره الجنرال ( ماك آرثر ) وأوجد هذا الأمر الفردي - الذي هو قانون تلك المحكمة التي ذهب ضحيتها اليابانيون المساكين في تلك السّاعة – جرائم بدعيّة جديدة لا وجود لها إلاّ في رأس ( ماك آرثر ) .
• إن "الجرائم" التي حوكم عنها المتهمون إذا صحّ وصفها بالجرائم كان ومازال تعريفها محل خلاف بين دول العالم.
• لم يجر تعقب المنتصرين ومحاكمتهم عن جريمة استخدام القنبلة الذريّة.
• إن أحكام هذه المحاكم لم تقم إلاّ على الظنون والشبهات ولم تستند إلى أية أدلّة ولا حتّى قرائن ، فمحكمة طوكيو مثلاً التي شكّلها الجنرال الأميركي ماك آرثرعام 1946 أدانت قائد الجيش الياباني المُسمّى "ياماشيتا" عمّا اعتبرته "جرائم" الجنود الخاضعين لإمرته في الفلبـين، وحكمت عليه بالإعدام رغم ثبوت عدم إعطائه أي أوامر، بل وحتّى عدم إمكان علمه بما يكون قد حصل، بسبب فراره من ساحة القتال.
ومن الأدلّة على صورية تلك المحاكم ، وأنها كانت فقط لتبرير سلوك الحلفاء في الحرب الذين تجاوزوا حق الدفاع المشروع، لم تقم روسيا على خلاف الأميركيين والانجليز والفرنسيين بمحاكمة أيّ من العسكريين الألمان في المنطقة المحتلة من ألمانيا التي تقع ضمن دائرة سيطرتها عندما ترك الأمر لها وحدها برغم أنها أكثرالمتضررين في الحرب.
إن المحاكم الجنائية الدوليّة محاكم باطلة، و أحكامها كذلك ، ومن حق ضحاياها الذين اكتووا بظلمها أو ذويهم أن يطالبوا بالتعويضات العادلة من صانعي هذه المحاكم، وعلى رأس هذه التعويضات ردّ اعتبارهم وإعادة تناول وقائع الحرب العالميّة الثانية من جديد أمام محاكم مستقلّة ولكلا طرفيها الذين كسبوها والخاسرينمنهم، لأن تلك المحاكم لم تُحاكم الذين ارتكبوا جرائم من الطرفين بل حاكمت طرفاً واحداً فقط وهو المهزوم . والأهم هو أن الجرائم التي حوكموا من أجلها لم يكن منصوصا عليها في أي قانون ، وبالتالي فإن هذه المحاكم مخالفة للقاعدة القانونيّة التي تقول : لا عقوبة ولا جريمة إلاّ بنص، وبشرط أن يكون النص سابقا لارتكاب الجريمة.