منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#65801
تنامى في الآونة الأخيرة الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، والذي ظهر بقوة في الملفين السوري، والإيراني، وبدأت موسكو تتجه إلى تعزيز علاقاتها بدول المنطقة، وأن تحل محل النفوذ الأمريكي الذي تراجع فيها. ومن الدول التي تتمتع معها موسكو بعلاقات قوية إسرائيل التي بدأت توطد العلاقات بين البلدين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتلاقي مصالح البلدين. ولكن مع بداية الربيع العربي، بدأت الشراكة بين البلدين تواجه جملة من التحديات، حيث انطوت على توازنات إقليمية ودولية معقدة.

وفي إطار دراسة تطور العلاقة الإسرائيلية- الروسية، والمصالح المشتركة بين الطرفين، تأتي أهمية دراسة إيجور ديلانوا، المنشورة بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. تناول الكاتب في ورقته البحثية عدة محاور لتحليل العلاقة الإسرائيلية- الروسية، منها المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، والمحور الاستراتيجي، والمحور الثقافي.

أبعاد الشراكة بين موسكو وتل أبيب

قسم الكاتب الشراكة بين البلدين لثلاثة مجالات: المجال الاقتصادي، ثم المجال البشري، ثم المجال العسكري. ففي المجال الاقتصادي، تعد تل أبيب ثاني شريك تجاري لموسكو في المنطقة. فتحدث الكاتب عن العلاقات التجارية القوية بين الدولتين، حيث زاد معدل التبادلات التجارية بين إسرائيل وروسيا من 12 مليون دولار عام 1991 الى 2.8 مليار دولار في 2011.

وعلى صعيد الطاقة، رغبت الشركة الروسية للغاز الطبيعي Gazprom بإنتاج الغاز على الأراضي الإسرائيلية، فاتفقا كل من فلاديمير بوتين، وبنيامين نتنياهو على إجراء صفقة في مجال الطاقة من أجل إنشاء فرع جديد لشركة جازبروم في إسرائيل، وهذا يعد، من وجهة نظر الكاتب، تقدما في العلاقات الإسرائيلية- الروسية، حيث لم تعد إسرائيل تعتمد فقط على الولايات المتحدة الأمريكية في تمويل مشروعاتها في مجال الطاقة.ويشير الكاتب الى الزيارة الأخيرة لفلاديمير بوتين لإسرائيل في يونيو 2012، حيث أكد الجانبان الإسرائيلي والروسي ضرورة إقامة منطقة تجارة حرة لتنشيط التجارة بين البلدين، وفتح الأسواق الروسية أمام المنتجات الإسرائيلية.

وعلى صعيد المجال البشرى والثقافي، ذكر الكاتب أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ازدادت هجرة الروس إلى إسرائيل، وأصبح هناك إسرائيليون يتحدثون اللغة الروسية في إسرائيل، وحصلوا على الجنسيتين الإسرائيلية والروسية، كما أنهم بدأوا الانخراط في الحياة السياسية والثقافية. فعلى سبيل المثال، وزير الخارجية الإسرائيلية أفيجدور ليبرمان، هو في الحقيقة من أصل روسي. أما بالنسبة للسياحة، فيحتل السائحون الروس المرتبة الثانية من مجموع السائحين في إسرائيل. ويمثل السائحون الأمريكيون 20.6% من مجموع السائحين، بينما يمثل عدد السائحين الروس 12.5% من إجمالي عدد السائحين في 2011.

وفيما يخص المجال العسكري والفضاء الخارجي، تحدث الكاتب عن جهود التعاون بين تل أبيب وموسكو في مجال الفضاء، ومجال التسلح التكنولوجي. ففي 2010 ، أبرم الطرفان اتفاقية حول تكثيف البحث العلمي والتصنيع الحديث، خاصة في مجال النانوتكنولوجي. كما أن هناك اتفاقية إطارية حول التعاون في مجال الفضاء الخارجي، وقعت عام 2011 بين وكالة الفضاء الروسية الفيدرالية، ونظيرتها في إسرائيل. ويوضح الكاتب أشكال التعاون العسكري الاستراتيجي. ففي يونيو 2012 ، اتفق كل من بوتين ونتنياهو على وضع نظام جديد لشراء طائرات المراقبة، وتبادل التكنولوجيا التصنيعية، وتنمية البحث العلمي في هذا الإطار.

المنظوران الإسرائيلي والروسي للأمن القومي

تحدث الكاتب عن قضيتين تهددان الأمن القومي الإسرائيلي والروسي، فتحدث عن تصاعد التيارات الإسلامية عقب الربيع العربي، فيؤكد أن الطرفين لديهما قلق شديد من تصاعد التيارات الإسلامية، عقب الثورات، وبعد سقوط الأنظمة التسلطية في الشرق الأوسط. وأوضح الكاتب الموقف الإسرائيلي والروسي تجاه أزمة سوريا، حيث تسعى روسيا إلى أن يكون لها دور على ساحة الشرق الأوسط، ودعم عملية السلام في المنطقة. وعن الموقف الإسرائيلي، يقول الكاتب إن إسرائيل تخشى أن يهدد أمنها القومي في حالة انهيار النظام السوري، الذي قد يتسبب في انتصار التيارات الإسلامية المعادية لإسرائيل.

ويتحدث الكاتب عن القضية المركزية الأخرى في العلاقات بين البلدين، وهي القضية الفلسطينية، ودور موسكو في دعم السلام الفلسطيني- الإسرائيلي. تتضح الجهود الروسية في دعم عملية السلام من خلال الزيارة التي قام بها شيمون بيريز إلى موسكو لمقابلة بوتين في نوفمبر 2012 لمناقشة الجديد حول المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية. كما أن وزير خارجية روسيا التقى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في القاهرة وفي عمان من أجل إحياء عملية السلام. يرى الكاتب أن روسيا لديها تطلعات وراء تدخلها في شئون الشرق الأوسط، من أهمها أنها ترغب في أن تتحول من صفة "عضو مراقب" في منظمة التعاون الإسلامي لتصل إلى "عضو وسيط" لديه رأي قوي ومؤثر.

فسر الكاتب رؤية روسيا نحو إسرائيل، حيث ترى روسيا أنه بعد قيام نتنياهو بسحب الثقة من الكنيست في 2012 ، وإجراء انتخابات 2013 التي أسفرت عن تشكيل حكومة ائتلافية جديدة من أحزاب مختلفة – من بينها تيارات دينية متشددة وأحزاب قومية – أصبح من الصعب تشكيل موقف إسرائيلي موحد تجاه عملية السلام مع الجانب الفلسطيني.

تحديات الشراكة الإسرائيلية- الروسية

أكد الكاتب أن هناك تحديات تواجه العلاقات الإسرائيلية- الروسية، وقام بتوضيح القضايا التي يختلف عليها الطرفان. القضية الأولى هي قضية المصالح الروسية في سوريا، وتعارضها مع المصالح الإسرائيلية. أراد الكاتب التنويه عن مدى تعلق المشروعات الروسية الاستثمارية في سوريا بمجالين مهمين، هما الطاقة والتسلح. تحدث عن الاستثمار في مجال الطاقة، حيث تسعى شركة تكنوبرومواكسبورت Technopromoexport الروسية المختصة بالبنية التحتية للطاقة لإنشاء محطة طاقة نووية مركزية في حلب عام 2012. أما في مجال التسلح، فتسعى روسيا إلى عقد صفقات عسكرية مع سوريا، فهي ترسل لها أسلحة من مختلف الأشكال والأنواع المتطورة. نتيجة لذلك، أعربت إسرائيل عن قلقها حول قيام روسيا بإرسال الأسلحة المتطورة لسوريا، وذلك لأنه إذا انهار النظام السوري فقد يؤدي إلى انتقال الأسلحة إلى أيدي الإسلاميين، وإلى أيدي تيارات أخرى متطرفة، مما يهدد الأمن القومي الإسرائيلي.

ثاني قضية تحدث عنها الكاتب هي قضية البرنامج النووي الإيراني، والتأثير الإسرائيلي فى منطقة القوقاز. فتتعاون روسيا مع إيران في مجال الطاقة النووية، مما يثير مخاوف إسرائيل من ازدياد القوة الإيرانية. تحاول روسيا ألا تجعل علاقتها مع إيران تؤثر فى علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وتحدث الكاتب من جانب آخر عن محاولات إسرائيل في التأثير فى منطقة القوقاز، حتى تضغط على روسيا في علاقتها مع ايران.

رأى الكاتب القوقاز منطقة حيوية واستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، فتلك الأخيرة تحصل على 90% من إمداداتها الهيدروكربونية عبر بحر قزوين. كما أن إسرائيل تساعد القوقاز في الحصول على أدق الأسلحة المتطورة مقابل ملايين الدولارات مثل طائرات الرقابة، والمدرعات، والأنظمة المدفعية. رأى الكاتب أن إسرائيل تحاول أن تحافظ على توازن القوى في منطقة الشرق الأقصى من خلال الاتفاق مع دول القوقاز على محاربة الإرهاب، وعلى منع إيران من تصنيع القنبلة النووية، وذلك عن طريق استخدام وسائل الرقابة بأحدث الأنظمة اللوجيستية. وأشار الكاتب إلى أن إسرائيل تقوي أجهزتها الاستخبارية في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى لمواجهة التهديد الإيراني لها.

تظهر الدراسة أن روسيا تحاول ألا تخسر مساندة إسرائيل لها، لكن دون المساس بمصالحها في منطقتي الشرق الأوسط والأقصى. بينما تسعى إسرائيل، على صعيد آخر، إلى ألا يكون حليفها الوحيد هو الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال توطيد علاقاتها مع باقي الدول الكبرى والقوى الصاعدة على المسرح الدولي.