- السبت نوفمبر 23, 2013 1:28 pm
#65827
قد ألقت الضوء على مداخل وموضوعات إضافية لدراسة الفكر والتاريخ الإسلامي، تتجاوز الموضوعات التقليدية عن الخلافة والتعددية السياسية بل والوظيفة الجهادية، فقد امتدت إلى موضوعات أخرى ومصادر أخرى تتصل بالأفراد والجماعات، كما أن هذه القراءة نبهت إلى مدخل ثالث (إلى جانب مدخلي "لويس" وخدوري) من مداخل النظر لموضع الحرب والسلام، ليس من وظيفة الدولة الإسلامية فقط ولكن أيضًا موضعهما من الدعوة الإسلامية كوظيفة للفرد والجماعة والحاكم.
وكانت المنظومة المتكاملة للإسلام (عقيدةً ومبادىء وقيمًا)، التي قدمتها رؤية "ميشيل بوازار" عن هذه المنظومة، كانت في نظره السبب الأساسي لانتشار الإسلام بسرعة خلال القرون الأولى. وبذا، فقد قدم "بوازار" ما لم يقدمه "أرنولد" الذي اكتفى بالإشارة إلى الحماسة للرسالة وأثرها على أساليب الدعوة دون التوقف عند طبيعة الرسالة ومدى تأثير هذه الطبيعة على قبولها من عدمه.
كذلك كانت هذه المنظومة ذات تأثير أيضًا على سبل نشر الإسلام، ومن ثم عدم استخدام القوة والقسر والفرض بين هذه السبل. وفي هذا يقول "ميشيل بوازار": إن مفهوم الإسلام عن الإنسان والجماعة والعالم ينعكس على الهدف من الحرب وعلى طريقة سير المعارك، وطرق التعامل مع الأعداء، بحيث لا تتعارض الحرب مع المبادئ الإسلامية (العدل) ومع أخلاقيات الإسلام وبالطبع مع شريعته.
حقيقةً قد يكون آخرون ،وليس "ميشيل بوازار" فقط، قد تناولوا قواعد وأحكام فقه القتال والسلم في الإسلام وأهداف وأسباب الحروب، ولكن رؤية "ميشيل بوازار" تبين أن الفقه الإسلامي للعلاقات الخارجية، وخاصة الفقه العام الكلي- المتصل بأصل رؤية الإسلام للعلاقة مع الآخرين حربًا أم سلمًا- ليس أحكامًا فقط؛ ولكنه أيضًا فكر ورؤية للعالم، يساعد فهمها على فك الاشتباك بين الاتجاهات المتقابلة حول هذا الأصل. فهو ليس حربًا فقط أو سلمًا فقط. ولكن حربًا أو سلمًا وفق الظروف، فضلًا عن نمط من أنماط الحروب دون غيرها.
ويقدم "ميشيل بوازار" في الفصل الخاص بالجهاد رؤيةً متكاملة. فيقول إن الحرب في الإسلام هي وسيلة وهدف، وهي لا تضع الشعوب بعضها أمام بعض، ولكن تضع المقاتلين في مواجهة بعضهم البعض. ولذا، فإن القتال في الإسلام- في نظر "ميشيل بوازار"- هو بشكل من الأشكال ممارسة حضارية وتعزيز للقيم الحضارية الأصيلة ومنع العدوان عليها. ونلاحظ هنا أن مقارنة "ميشيل بوازار" بين الخبرة الإسلامية والخبرات الأخرى - وخاصة في الحضارة المسيحية الغربية - تقوده إلى إقرار البون الشاسع، وليس التشابه - كما بين "أرنولد" في مقارنته بين أساليب الانتشار السلمي والاضطهاد في الخبرتين- ولهذا فهو يستدعي مستنكرًا إخراج مؤسسي القانون الدولي الأوروبي المسلمين من دائرته لاعتبارهم كفرة لا يستفيدون من قانون الحرب، وفي المقابل يعتبرون أن "الجهاد المقدس" عند المسلمين ليس إلا تعبيرًا عن تعصب المسلمين الديني. كذلك في حين يشير "ميشيل بوازار" إلى خبرة "الاستعادة" الإسبانية للأندلس التي قامت على طرد المسلمين أو قهرهم على التنصر، فهو يستدعي في المقابل خبرة الإسلام في حماية "الكتابيين" حماية إلزامية بمقتضى الشريعة، على أساس أن حقوق الإنسان غير المسلم محفوظة ومصانة بالشريعة ومالها من إلزام ديني يفوق إلزام الميثاق العالمي لحقوق الإنسان. كما يعتبر "ميشيل بوازار" مجال معاملة الأسرى من أبرز المجالات توضيحًا لانطباق منظومة القيم الإسلامية وشريعته على مجال الحرب.
ويوضح لنا ذلك التكامل بين رؤية "ميشيل بوازار" ومدخله لمنظومة الإسلام الكلية وبين رؤيته عن الحرب والسلام في الإسلام، أن مدخل "ميشيل بوازار" للإسلام - ابتداءًا- مدخل إنسانيّ حضاري يبدأ من الفرد إلى الجماعة إلى العالم . وهذا المدخل يقود "ميشيل بوازار" إلى رؤى مغايرة لتلك التي يقدمها من يبدأون من القضية الجزئية ذاتها-أي فقه الحرب والسلام ومن مدخل فقهي سياسي جزئي بالأساس. بعبارة أخرى، يقدم "بوازار" قراءة فكرية قيمية للفقه العام ولأحكام الفقه الجزئية الخاصة بالعلاقات الخارجية وقت السلم والحرب، في حين يقدم آخرون إما قراءة فقهية محضة أو قراءة قيمية محضة انطلاقًا من الرؤية الكونية للإسلام بأبعادها المعرفية والقيمية والشرعية. ومن ثم، فإن منهج "ميشيل بوازار" الذي يبين الرابطة بين رؤية الإسلام للعالم وبين موقفه من الحرب، أي المنهج الذي يبين العلاقة بين القيم كإطار مرجعي وبين الأحكام الفقهية، هو منهج قيمي واقعي بمعنى أنه يبين وسطية الإسلام - في أمور الحرب والسلام على حد سواء - باعتبارها أساس في رؤية الإسلام للعالم. فهي رؤية إنسانية من ناحية، ولكنها لاتمنع أو تحرم القوة والحرب عند الضرورة من ناحية أخرى، ولذا تنظمها لتصبح- ممارسة حضارية. ومما لاشك فيه أن هذا المنهج لا ينعكس فقط على الرؤية من القضية الكبرى (محرك العلاقات) أي الجهاد ومتى يكون السلم ومتى يكون الحرب، ولكن تنعكس بالطبع على مستويات أخرى: التقسيم للعالم، وأدوات الجهاد.
ولعلنا هنا نستحضر تحليل لأطروحات د. عبد الحميد أبو سليمان([26])، الذي قدم نقدًا للمنهاجية التقليدية الفقهية التي أسفرت عن أن الأصل هو الحرب في إطار تقسيم الدور إلى دار حرب ودار سلم، ومن ثم دعا د. أبو سليمان لمنهاجية جديدة تنطلق من المبادئ والقيم الإسلامية التي تعكس "الرؤية للعالم في الإسلام". ناهيك بالطبع عن استدعاء منهاجية مشروع العلاقات الدولية في الإسلام الذي انطلق من الدعوة كأساس للعلاقات الدولية في الإسلام، ومن القيم (مقاصدًا وشريعة، وسننًا...) كإطار مرجعي لقراءة التاريخ والفكر والواقع، سعيًّا لتقديم مدخل حضاري إسلامي لدراسة العلاقات الدولية، وهو مدخل تقتضيه متطلبات إصلاح الأوضاع العالمية والإسلامية([27]).
ومن ثم، وفي ضوء كل ما سبق من شرح لخريطة تعدد واختلاف مدارس الفقه الإسلامي حول تأصيل العلاقات الدولية في الإسلام، وكل ما سبق أيضًا من تعليق على منهج الاستشراق الحديث بهذا الصدد أيضًا، فيجدر القول إن التأصيل للعلاقة يقودنا أيضًا إلى مستوى أكثر ثباتًا وهو المتصل بالمبادئ والأسس الحاكمة للعلاقة مع الآخر ومنظومة القيم.
وكانت المنظومة المتكاملة للإسلام (عقيدةً ومبادىء وقيمًا)، التي قدمتها رؤية "ميشيل بوازار" عن هذه المنظومة، كانت في نظره السبب الأساسي لانتشار الإسلام بسرعة خلال القرون الأولى. وبذا، فقد قدم "بوازار" ما لم يقدمه "أرنولد" الذي اكتفى بالإشارة إلى الحماسة للرسالة وأثرها على أساليب الدعوة دون التوقف عند طبيعة الرسالة ومدى تأثير هذه الطبيعة على قبولها من عدمه.
كذلك كانت هذه المنظومة ذات تأثير أيضًا على سبل نشر الإسلام، ومن ثم عدم استخدام القوة والقسر والفرض بين هذه السبل. وفي هذا يقول "ميشيل بوازار": إن مفهوم الإسلام عن الإنسان والجماعة والعالم ينعكس على الهدف من الحرب وعلى طريقة سير المعارك، وطرق التعامل مع الأعداء، بحيث لا تتعارض الحرب مع المبادئ الإسلامية (العدل) ومع أخلاقيات الإسلام وبالطبع مع شريعته.
حقيقةً قد يكون آخرون ،وليس "ميشيل بوازار" فقط، قد تناولوا قواعد وأحكام فقه القتال والسلم في الإسلام وأهداف وأسباب الحروب، ولكن رؤية "ميشيل بوازار" تبين أن الفقه الإسلامي للعلاقات الخارجية، وخاصة الفقه العام الكلي- المتصل بأصل رؤية الإسلام للعلاقة مع الآخرين حربًا أم سلمًا- ليس أحكامًا فقط؛ ولكنه أيضًا فكر ورؤية للعالم، يساعد فهمها على فك الاشتباك بين الاتجاهات المتقابلة حول هذا الأصل. فهو ليس حربًا فقط أو سلمًا فقط. ولكن حربًا أو سلمًا وفق الظروف، فضلًا عن نمط من أنماط الحروب دون غيرها.
ويقدم "ميشيل بوازار" في الفصل الخاص بالجهاد رؤيةً متكاملة. فيقول إن الحرب في الإسلام هي وسيلة وهدف، وهي لا تضع الشعوب بعضها أمام بعض، ولكن تضع المقاتلين في مواجهة بعضهم البعض. ولذا، فإن القتال في الإسلام- في نظر "ميشيل بوازار"- هو بشكل من الأشكال ممارسة حضارية وتعزيز للقيم الحضارية الأصيلة ومنع العدوان عليها. ونلاحظ هنا أن مقارنة "ميشيل بوازار" بين الخبرة الإسلامية والخبرات الأخرى - وخاصة في الحضارة المسيحية الغربية - تقوده إلى إقرار البون الشاسع، وليس التشابه - كما بين "أرنولد" في مقارنته بين أساليب الانتشار السلمي والاضطهاد في الخبرتين- ولهذا فهو يستدعي مستنكرًا إخراج مؤسسي القانون الدولي الأوروبي المسلمين من دائرته لاعتبارهم كفرة لا يستفيدون من قانون الحرب، وفي المقابل يعتبرون أن "الجهاد المقدس" عند المسلمين ليس إلا تعبيرًا عن تعصب المسلمين الديني. كذلك في حين يشير "ميشيل بوازار" إلى خبرة "الاستعادة" الإسبانية للأندلس التي قامت على طرد المسلمين أو قهرهم على التنصر، فهو يستدعي في المقابل خبرة الإسلام في حماية "الكتابيين" حماية إلزامية بمقتضى الشريعة، على أساس أن حقوق الإنسان غير المسلم محفوظة ومصانة بالشريعة ومالها من إلزام ديني يفوق إلزام الميثاق العالمي لحقوق الإنسان. كما يعتبر "ميشيل بوازار" مجال معاملة الأسرى من أبرز المجالات توضيحًا لانطباق منظومة القيم الإسلامية وشريعته على مجال الحرب.
ويوضح لنا ذلك التكامل بين رؤية "ميشيل بوازار" ومدخله لمنظومة الإسلام الكلية وبين رؤيته عن الحرب والسلام في الإسلام، أن مدخل "ميشيل بوازار" للإسلام - ابتداءًا- مدخل إنسانيّ حضاري يبدأ من الفرد إلى الجماعة إلى العالم . وهذا المدخل يقود "ميشيل بوازار" إلى رؤى مغايرة لتلك التي يقدمها من يبدأون من القضية الجزئية ذاتها-أي فقه الحرب والسلام ومن مدخل فقهي سياسي جزئي بالأساس. بعبارة أخرى، يقدم "بوازار" قراءة فكرية قيمية للفقه العام ولأحكام الفقه الجزئية الخاصة بالعلاقات الخارجية وقت السلم والحرب، في حين يقدم آخرون إما قراءة فقهية محضة أو قراءة قيمية محضة انطلاقًا من الرؤية الكونية للإسلام بأبعادها المعرفية والقيمية والشرعية. ومن ثم، فإن منهج "ميشيل بوازار" الذي يبين الرابطة بين رؤية الإسلام للعالم وبين موقفه من الحرب، أي المنهج الذي يبين العلاقة بين القيم كإطار مرجعي وبين الأحكام الفقهية، هو منهج قيمي واقعي بمعنى أنه يبين وسطية الإسلام - في أمور الحرب والسلام على حد سواء - باعتبارها أساس في رؤية الإسلام للعالم. فهي رؤية إنسانية من ناحية، ولكنها لاتمنع أو تحرم القوة والحرب عند الضرورة من ناحية أخرى، ولذا تنظمها لتصبح- ممارسة حضارية. ومما لاشك فيه أن هذا المنهج لا ينعكس فقط على الرؤية من القضية الكبرى (محرك العلاقات) أي الجهاد ومتى يكون السلم ومتى يكون الحرب، ولكن تنعكس بالطبع على مستويات أخرى: التقسيم للعالم، وأدوات الجهاد.
ولعلنا هنا نستحضر تحليل لأطروحات د. عبد الحميد أبو سليمان([26])، الذي قدم نقدًا للمنهاجية التقليدية الفقهية التي أسفرت عن أن الأصل هو الحرب في إطار تقسيم الدور إلى دار حرب ودار سلم، ومن ثم دعا د. أبو سليمان لمنهاجية جديدة تنطلق من المبادئ والقيم الإسلامية التي تعكس "الرؤية للعالم في الإسلام". ناهيك بالطبع عن استدعاء منهاجية مشروع العلاقات الدولية في الإسلام الذي انطلق من الدعوة كأساس للعلاقات الدولية في الإسلام، ومن القيم (مقاصدًا وشريعة، وسننًا...) كإطار مرجعي لقراءة التاريخ والفكر والواقع، سعيًّا لتقديم مدخل حضاري إسلامي لدراسة العلاقات الدولية، وهو مدخل تقتضيه متطلبات إصلاح الأوضاع العالمية والإسلامية([27]).
ومن ثم، وفي ضوء كل ما سبق من شرح لخريطة تعدد واختلاف مدارس الفقه الإسلامي حول تأصيل العلاقات الدولية في الإسلام، وكل ما سبق أيضًا من تعليق على منهج الاستشراق الحديث بهذا الصدد أيضًا، فيجدر القول إن التأصيل للعلاقة يقودنا أيضًا إلى مستوى أكثر ثباتًا وهو المتصل بالمبادئ والأسس الحاكمة للعلاقة مع الآخر ومنظومة القيم.