- الأحد نوفمبر 24, 2013 3:33 pm
#65915
هل الرأسمالية بالفعل في طريقها إلي الانهيار؟ ، وهل كان ماركس على صواب ؟
علامة استفهام تطرحها كثير من الأقلام في حاضرات أيامنا، لاسيما مع ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، حاضنة الرأسمالية الأولي في العالم، وبالاتساق مع ضلعي المثلث الرأسمالي الشهير حول العالم أي أوربا واليابان.
والمؤكد أن الأزمة المالية التى تضرب الولايات المتحدة، تلقي بظلال كثيفة من الشك حول ما قاله به فرانسيس فوكاياما من أن الرأسمالية تمثل نهاية التطور الإنساني، وإن كان قد تراجع لاحقا عن كثير من فحوي نظريته... هل كان هناك من يصدق أن ديون الولايات المتحدة الأمريكية لدول العالم تتجاوز اليوم ستة عشر تريليون دولار، بعد أن رفع الكونجرس سقف تلك الديون إلي سبعة عشر تريليون؟
ربما كان هناك بالفعل من توقع منذ زمن بعيد سقوط الرأسمالية على هذا النحو المزري فهل كان بالمطلق على حق ؟.
الشاهد أن "كارل ماركس" العراف الغاضب، وبكلمات قوية وبطريقة حماسية، تنبأ بانهيار الرأسمالية، لكنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن أجري دراسة متفحصة لقوانين الرأسمالية والقانون الخفي الذي يحكم تطور الحضارة.
في خمسينيات القرن التاسع عشر دفن ماركس نفسه في أكوام من النصوص الاقتصادية بالمتحف البريطاني في لندن، ليخرج بكتاب "رأس المال"، جاعت عائلته اثناء تحليله لمعاناة الطبقة العاملة. وعاشت أسرته في شقة رخيصة بواحدة من أفقر مناطق لندن.. فقدت أسرة ماركس ثلاثة أطفال بسبب الالتهاب الرئوي والالتهاب الشعبي والسل في خمسة أعوام بائسة عاشوها في لندن.. لام ماركس بالطبع البرجوازية على حالته، وأقسم أن يجعل البرجوازيين يدفعون ثمن النكبات التى أصابت أسرته وعلله الصحية بما فيها دمامله.
لوصف كتاب "رأس المال" ما على المرء سوي أن يختار صفحة من قاموس المرادفات ويقرأ أي مجموعة من الصفات عشوائيا بصوت عال. يضم الكتاب 2500 صفحة ويحوي استشهادات من أكثر من 1500 كتاب.
تعتبر بعض صفحاته تحفا أدبية بمعني الكلمة، وينضح البعض الآخر بمنطق صاف. وبعض الصفحات متخصصة واخرى تافهة ومملة لدرجة دعت البعض للقول "هذه ليست كتابه" أنها مجرد طباعة...... ما الذي سيسبب للرأسماليين دمارهم؟
يري ماركس أن "الجشع الذي لا حدود له" هو من سيدمرهم، فلكي يقللوا من فقدان الربح، قد يلجأ أصحاب العمل إلي تسخير العمال أكثر... كيف؟
سيزيدون من سرعة العمل، ويطيلون يوم العمل أكثر، لكن هذا سوف يستنفذ صبر العمال أكثر بصورة خطيرة.. أليس ما يتحدث عنه ماركس منذ مائة وخمسين عاما هو ما يحدث في أمريكا اليوم؟
الرأسمالية تدمر نفسها بنفسها، فالرأسماليين المدفوعين إلي توسعة أعمالهم وتطويرهم، ستحتدم المعركة بينهم وبين الآخرين، وستنتصر الشركات الكبري التى تنتج بأسعار أرخص. هذه المعركة الدموية "عادة ما تنتهي بخسارة الكثيرين من الرأسماليين الصغار، مع انتهاء جزء من رأسمالهم إلي جيوب المنتصرين، واختفاء الجزء الأخير، ولاحقا سرعان ما يحجم الناجمون المهزومون.
بتغيير الرأسمالية للعمالة ترتفع نسبة البطالة. من الذي يشتري البضائع عندما يزيد أرباب العمل من الإنتاج؟
لا أحد يفعل ذلك. تبقي البضائع دون بيع، وينتشر الأفلاس، ويستشري الذعر، ويبدأ الممولون في بيع ممتلكاتهم، ويقل الاستثمار، ويهجر المستثمرون استثماراتهم.
من خلال الاستبدال والكساد، يلقي الرأسماليون المزيد والمزيد من الناس من المصانع إلي الشوارع. لم يعد "الجيش" منخرطا في أعمال القتال وما دام الجيش مسالماً فسيظل مصدراً جيدا للعمالة الرخيصة، وتساعد وفرة العمال الرأسماليين على أن يبقوا في موضع السيطرة في البداية.
إضافة إلي تناقص الأعداد المستمر لاقطاب رأس المال فمن الذي يغتصب ويحتكر جميع المزايا وينمي القدر الكبير من البؤس والظلم والاستعباد والاستغلال. تزيد أيام العمل الطويلة والاجازات القليلة من بؤس العمال المضطهدين.
وأخيرا بعد البطالة وانهيار الأرباح واليأس اللا إنساني والبؤس، ستري الطبقة العاملة الورطة التى وقعت عليها وفيها. سيتمزق قناع البنية الفوقية، وسينكشف الوحش القبيح المسمي بالرأسمالية، وسيثور الجمع المضطهد: ستدق أجراس جنازة الملكية الرأسمالية الخاصة، وستصادر ملكية من يصادرون الملكيات.
ستربح الطبقة العاملة أكثر من المصانع. إذ ستستعيد أدميتها لقد سرق الرأسماليون أكثر من مجرد أموال الطبقة العاملة. لقد سرقوا العقول والقلوب. في رأي ماركس يلعب العمل دورا رئيسيا في حياة البشر، إذ أن البشر مجبرون على خلق حياتهم وتدعيمها من خلال الطبيعة ومن خلال إنشاء علاقات مع غيرهم من البشر. لا يمكن للشخصية البشرية أن تتطور من دون عمل.
في ظل الرأسمالية أصبح العمل مجرد سلعة أخري. وكان على الناس أن يقبلوا بالوظائف الروتينية الكئيبة. لقد أصبحوا أدوات تحرك. وكانوا يشعرون بالغربة عن أنفسهم، وعن العالم وبعضهم عن بعض. لقد أصبحت الغربة موضوعا دائم التداول في الانتقادات الماركسية والوجودية للمجتمع الحديث.
ماذا عن نبؤات البؤس والبطالة وسقوط الرأسمالية؟
لم يهدف ماركس للتنجيم، بل كان يهدف إلي التنبؤ العلمي، وإبراز سير التاريخ وفق نزعات محددة. لكن بعدما حاد التاريخ عن توقعاته أتخذ اتباعه بعد وفاته من عمله ما يشبه العقيدة المعتنقة دون فكر. وهكذا تم توفيق "قوانينه" مع التاريخ. وبعد تشكيل القوانين أمكن لتلامذته إعلان صحة النبؤات. وعلى الرغم من أن الماركسية بدأت كعلم الحادي، فإنها أصبحت في القرن العشرين أشبه بالنافذة المتسخة التى تدخل ضوء الشمس على نحو انتقائي ونادرا ما تعترف بالخطأ. وبمجرد أن أصبحت القوانين نصوصا مقدسة، ضاعت محاولة أختبار الماركسية علميا.
بدل ماركس تعريفاته، وحذر من أن العمال سوف يصبحون أكثر فقرا مقارنة بالرأسماليين. لقد تلاشت محنة العامل المروعة. أن الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون ثراء، لكن الأثرياء يزدادون ثراء بسرعة أكبر.
أقحم ماركس التعريف الجديد في كتاب "رأس المال" وأعلن أن "قوت اليوم" مصطلح نسبي، يعتمد على أنماط الحياة المعاصرة. يفترض أن قوت اليوم في القرن العشرين يتطلب جهاز تلفزيون ملون، لأن "العبيد العاملين بأجوره" في مجال الصناعة يمكنهم تحمل كلفة واحد منها. عن طريق التراجع إلي حجة النسبية كبح ماركس العاطفة والشعور باليأس في محنة العمال.
وما دام الفقراء يزدادون غني، فسينجح السيناريو حتى في اجتياز اختيار الفيلسوف جون رولز عن العدالة الاجتماعية الذي يسمح للأغنياء بالربح فقط إذا كان الفقراء يسستفيدون أيضا.
هل كان ماركس على حق دفعة واحدة وإلي الأبد؟
يؤكد الماركسيون الجدد على ذلك البؤس النفسي والاغتراب. ربما يكونون على حق، فقد يشعر العمال في كثير من الأحيان بالملل والاشمئزاز لكن ماركس لا يقول لنا ـ على سبيل المثال ـ كيف تجعل الاشتراكية عملية جمع القمامة شائقة. إذا كان العمال السعداء يعملون بشكل أفضل، فعلي الأقل في ظل الرأسمالية يملك أصحاب الأعمال حوافز قوية لأرضاء موظفيه.
تنبأ ماركس بانهيار الرأسمالية بوصفها النظام الذي يصنع "لحادية" أي من يحفرون قبره، لكن الرأسمالية لا تبدو ميتة حتى الآن. أن معدل البطالة أعلي قليلا مما كان عليه في بداية القرن العشرين ولكن إذا أخذنا في الاعتبار نسبة السكان القادرين على العمل، خاصة مع إضافة النساء إلي القوي العاملة، فسيكون التوظيف أعلي.
علاوة على ذلك انتجت الرأسمالية في كثير من الأحيان الطبقة المتوسطة التى تملك بشكل غير مباشر بعض وسائل الإنتاج من خلال أسواق الاسهم. في أواخر الثمانينات من القرن العشرين أشتري الملايين من الطبقة الوسطي الدنيا البريطانيون أسهما في شركات "مخصخصة" مثل شركة الاتصالات البريطانية وشركة الصلب البريطانية والخطوط الجوية البريطانية، ومعظم صناديق التقاعد النقابية في الولايات المتحدة تستثمر أموالها في أسهم الشركات...... هل أنقذت الحكومات الرأسمالية بعد أخفاقاتها الأخيرة؟
يشير بعض المدافعين عن ماركس إلي أن الحكومات في الدول الرأسمالية هي التى أنقذت الرأسمالية، فالمعونات الاجتماعية تحمي الرأسماليين من فترات الكساد الشديد ومن الثورة. من المرجح أن يكون المدافعون عن ماركس على حق. لكن تذكر أن ماركس تنبأ بأن النظام السياسي والبنية الفوقية ستبقي ثابتة، ومقاومة للتغيير. وستتسبب عدم المرونة في تدميره. وبالنظر للماضي إذا كانت البنية الفوقية، تستجيب لانقاذ الرأسمالية، فسيكون ماركس مخطئا في جانبين.
أخيراً، يفسر الماركسيون نجاح الرأسمالية المفاجئ بالإشارة إلي الدول الأجنبية، بدأ الرأسماليون في استغلال العمال الأجانب في البلدان الأقل تقدما، كما يقولون، وحافظ هؤلاء العمال المستغلون في الخارج على استمرار الاقتصاد المحلي. مرة أخري حتى لو كان لهذه الحجة ما يبررها، فإنها تبعدنا عن تحليل ماركس للانهيار المتأصل في الرأسمالية.
باختصار، وضع ماركس منظومة علمية في كتاب "رأس المال" وتنبا بثقة بمستقبل الرأسمالية، ومع بعض التاويل الفضفاض يمكن اعتباره على حق في بعض الأحيان. لكن شيئا واحدا مؤكداً، أن ماركس يزدري من ينحازون في تفكيرهم لمعتقد ما على نحو أعمي، حتى أنه كان يرفض أن يفوز بالنقاش على هذا الأساس الفكري المزعزع.
لا يزال ماركس هو أساس حجج آلاف الخبراء الاقتصاديون الراديكاليين الذين ينشرون مجلة الاقتصاد السياسي الراديكالي التى تمتلك صوتا قويا في جامعة ماساتشوستش بأمهرست.
أن الحذر الاشتقاقي كلمة "رايكالي" في اللغة الانجليزية يعني "جذري" وشأن ماركس، يعتقد الاقتصاديون الراديكاليون أن جذر النظرية الاقتصادية الحديثة فاسد في تحليله للرأسمالية ومع ذلك، لا يريد الراديكاليون أن يكونوا مسئولون عن كل جملة قالها ماركس أو عن أي تنبؤ تفوه به.
« منقول » ..
علامة استفهام تطرحها كثير من الأقلام في حاضرات أيامنا، لاسيما مع ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، حاضنة الرأسمالية الأولي في العالم، وبالاتساق مع ضلعي المثلث الرأسمالي الشهير حول العالم أي أوربا واليابان.
والمؤكد أن الأزمة المالية التى تضرب الولايات المتحدة، تلقي بظلال كثيفة من الشك حول ما قاله به فرانسيس فوكاياما من أن الرأسمالية تمثل نهاية التطور الإنساني، وإن كان قد تراجع لاحقا عن كثير من فحوي نظريته... هل كان هناك من يصدق أن ديون الولايات المتحدة الأمريكية لدول العالم تتجاوز اليوم ستة عشر تريليون دولار، بعد أن رفع الكونجرس سقف تلك الديون إلي سبعة عشر تريليون؟
ربما كان هناك بالفعل من توقع منذ زمن بعيد سقوط الرأسمالية على هذا النحو المزري فهل كان بالمطلق على حق ؟.
الشاهد أن "كارل ماركس" العراف الغاضب، وبكلمات قوية وبطريقة حماسية، تنبأ بانهيار الرأسمالية، لكنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن أجري دراسة متفحصة لقوانين الرأسمالية والقانون الخفي الذي يحكم تطور الحضارة.
في خمسينيات القرن التاسع عشر دفن ماركس نفسه في أكوام من النصوص الاقتصادية بالمتحف البريطاني في لندن، ليخرج بكتاب "رأس المال"، جاعت عائلته اثناء تحليله لمعاناة الطبقة العاملة. وعاشت أسرته في شقة رخيصة بواحدة من أفقر مناطق لندن.. فقدت أسرة ماركس ثلاثة أطفال بسبب الالتهاب الرئوي والالتهاب الشعبي والسل في خمسة أعوام بائسة عاشوها في لندن.. لام ماركس بالطبع البرجوازية على حالته، وأقسم أن يجعل البرجوازيين يدفعون ثمن النكبات التى أصابت أسرته وعلله الصحية بما فيها دمامله.
لوصف كتاب "رأس المال" ما على المرء سوي أن يختار صفحة من قاموس المرادفات ويقرأ أي مجموعة من الصفات عشوائيا بصوت عال. يضم الكتاب 2500 صفحة ويحوي استشهادات من أكثر من 1500 كتاب.
تعتبر بعض صفحاته تحفا أدبية بمعني الكلمة، وينضح البعض الآخر بمنطق صاف. وبعض الصفحات متخصصة واخرى تافهة ومملة لدرجة دعت البعض للقول "هذه ليست كتابه" أنها مجرد طباعة...... ما الذي سيسبب للرأسماليين دمارهم؟
يري ماركس أن "الجشع الذي لا حدود له" هو من سيدمرهم، فلكي يقللوا من فقدان الربح، قد يلجأ أصحاب العمل إلي تسخير العمال أكثر... كيف؟
سيزيدون من سرعة العمل، ويطيلون يوم العمل أكثر، لكن هذا سوف يستنفذ صبر العمال أكثر بصورة خطيرة.. أليس ما يتحدث عنه ماركس منذ مائة وخمسين عاما هو ما يحدث في أمريكا اليوم؟
الرأسمالية تدمر نفسها بنفسها، فالرأسماليين المدفوعين إلي توسعة أعمالهم وتطويرهم، ستحتدم المعركة بينهم وبين الآخرين، وستنتصر الشركات الكبري التى تنتج بأسعار أرخص. هذه المعركة الدموية "عادة ما تنتهي بخسارة الكثيرين من الرأسماليين الصغار، مع انتهاء جزء من رأسمالهم إلي جيوب المنتصرين، واختفاء الجزء الأخير، ولاحقا سرعان ما يحجم الناجمون المهزومون.
بتغيير الرأسمالية للعمالة ترتفع نسبة البطالة. من الذي يشتري البضائع عندما يزيد أرباب العمل من الإنتاج؟
لا أحد يفعل ذلك. تبقي البضائع دون بيع، وينتشر الأفلاس، ويستشري الذعر، ويبدأ الممولون في بيع ممتلكاتهم، ويقل الاستثمار، ويهجر المستثمرون استثماراتهم.
من خلال الاستبدال والكساد، يلقي الرأسماليون المزيد والمزيد من الناس من المصانع إلي الشوارع. لم يعد "الجيش" منخرطا في أعمال القتال وما دام الجيش مسالماً فسيظل مصدراً جيدا للعمالة الرخيصة، وتساعد وفرة العمال الرأسماليين على أن يبقوا في موضع السيطرة في البداية.
إضافة إلي تناقص الأعداد المستمر لاقطاب رأس المال فمن الذي يغتصب ويحتكر جميع المزايا وينمي القدر الكبير من البؤس والظلم والاستعباد والاستغلال. تزيد أيام العمل الطويلة والاجازات القليلة من بؤس العمال المضطهدين.
وأخيرا بعد البطالة وانهيار الأرباح واليأس اللا إنساني والبؤس، ستري الطبقة العاملة الورطة التى وقعت عليها وفيها. سيتمزق قناع البنية الفوقية، وسينكشف الوحش القبيح المسمي بالرأسمالية، وسيثور الجمع المضطهد: ستدق أجراس جنازة الملكية الرأسمالية الخاصة، وستصادر ملكية من يصادرون الملكيات.
ستربح الطبقة العاملة أكثر من المصانع. إذ ستستعيد أدميتها لقد سرق الرأسماليون أكثر من مجرد أموال الطبقة العاملة. لقد سرقوا العقول والقلوب. في رأي ماركس يلعب العمل دورا رئيسيا في حياة البشر، إذ أن البشر مجبرون على خلق حياتهم وتدعيمها من خلال الطبيعة ومن خلال إنشاء علاقات مع غيرهم من البشر. لا يمكن للشخصية البشرية أن تتطور من دون عمل.
في ظل الرأسمالية أصبح العمل مجرد سلعة أخري. وكان على الناس أن يقبلوا بالوظائف الروتينية الكئيبة. لقد أصبحوا أدوات تحرك. وكانوا يشعرون بالغربة عن أنفسهم، وعن العالم وبعضهم عن بعض. لقد أصبحت الغربة موضوعا دائم التداول في الانتقادات الماركسية والوجودية للمجتمع الحديث.
ماذا عن نبؤات البؤس والبطالة وسقوط الرأسمالية؟
لم يهدف ماركس للتنجيم، بل كان يهدف إلي التنبؤ العلمي، وإبراز سير التاريخ وفق نزعات محددة. لكن بعدما حاد التاريخ عن توقعاته أتخذ اتباعه بعد وفاته من عمله ما يشبه العقيدة المعتنقة دون فكر. وهكذا تم توفيق "قوانينه" مع التاريخ. وبعد تشكيل القوانين أمكن لتلامذته إعلان صحة النبؤات. وعلى الرغم من أن الماركسية بدأت كعلم الحادي، فإنها أصبحت في القرن العشرين أشبه بالنافذة المتسخة التى تدخل ضوء الشمس على نحو انتقائي ونادرا ما تعترف بالخطأ. وبمجرد أن أصبحت القوانين نصوصا مقدسة، ضاعت محاولة أختبار الماركسية علميا.
بدل ماركس تعريفاته، وحذر من أن العمال سوف يصبحون أكثر فقرا مقارنة بالرأسماليين. لقد تلاشت محنة العامل المروعة. أن الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون ثراء، لكن الأثرياء يزدادون ثراء بسرعة أكبر.
أقحم ماركس التعريف الجديد في كتاب "رأس المال" وأعلن أن "قوت اليوم" مصطلح نسبي، يعتمد على أنماط الحياة المعاصرة. يفترض أن قوت اليوم في القرن العشرين يتطلب جهاز تلفزيون ملون، لأن "العبيد العاملين بأجوره" في مجال الصناعة يمكنهم تحمل كلفة واحد منها. عن طريق التراجع إلي حجة النسبية كبح ماركس العاطفة والشعور باليأس في محنة العمال.
وما دام الفقراء يزدادون غني، فسينجح السيناريو حتى في اجتياز اختيار الفيلسوف جون رولز عن العدالة الاجتماعية الذي يسمح للأغنياء بالربح فقط إذا كان الفقراء يسستفيدون أيضا.
هل كان ماركس على حق دفعة واحدة وإلي الأبد؟
يؤكد الماركسيون الجدد على ذلك البؤس النفسي والاغتراب. ربما يكونون على حق، فقد يشعر العمال في كثير من الأحيان بالملل والاشمئزاز لكن ماركس لا يقول لنا ـ على سبيل المثال ـ كيف تجعل الاشتراكية عملية جمع القمامة شائقة. إذا كان العمال السعداء يعملون بشكل أفضل، فعلي الأقل في ظل الرأسمالية يملك أصحاب الأعمال حوافز قوية لأرضاء موظفيه.
تنبأ ماركس بانهيار الرأسمالية بوصفها النظام الذي يصنع "لحادية" أي من يحفرون قبره، لكن الرأسمالية لا تبدو ميتة حتى الآن. أن معدل البطالة أعلي قليلا مما كان عليه في بداية القرن العشرين ولكن إذا أخذنا في الاعتبار نسبة السكان القادرين على العمل، خاصة مع إضافة النساء إلي القوي العاملة، فسيكون التوظيف أعلي.
علاوة على ذلك انتجت الرأسمالية في كثير من الأحيان الطبقة المتوسطة التى تملك بشكل غير مباشر بعض وسائل الإنتاج من خلال أسواق الاسهم. في أواخر الثمانينات من القرن العشرين أشتري الملايين من الطبقة الوسطي الدنيا البريطانيون أسهما في شركات "مخصخصة" مثل شركة الاتصالات البريطانية وشركة الصلب البريطانية والخطوط الجوية البريطانية، ومعظم صناديق التقاعد النقابية في الولايات المتحدة تستثمر أموالها في أسهم الشركات...... هل أنقذت الحكومات الرأسمالية بعد أخفاقاتها الأخيرة؟
يشير بعض المدافعين عن ماركس إلي أن الحكومات في الدول الرأسمالية هي التى أنقذت الرأسمالية، فالمعونات الاجتماعية تحمي الرأسماليين من فترات الكساد الشديد ومن الثورة. من المرجح أن يكون المدافعون عن ماركس على حق. لكن تذكر أن ماركس تنبأ بأن النظام السياسي والبنية الفوقية ستبقي ثابتة، ومقاومة للتغيير. وستتسبب عدم المرونة في تدميره. وبالنظر للماضي إذا كانت البنية الفوقية، تستجيب لانقاذ الرأسمالية، فسيكون ماركس مخطئا في جانبين.
أخيراً، يفسر الماركسيون نجاح الرأسمالية المفاجئ بالإشارة إلي الدول الأجنبية، بدأ الرأسماليون في استغلال العمال الأجانب في البلدان الأقل تقدما، كما يقولون، وحافظ هؤلاء العمال المستغلون في الخارج على استمرار الاقتصاد المحلي. مرة أخري حتى لو كان لهذه الحجة ما يبررها، فإنها تبعدنا عن تحليل ماركس للانهيار المتأصل في الرأسمالية.
باختصار، وضع ماركس منظومة علمية في كتاب "رأس المال" وتنبا بثقة بمستقبل الرأسمالية، ومع بعض التاويل الفضفاض يمكن اعتباره على حق في بعض الأحيان. لكن شيئا واحدا مؤكداً، أن ماركس يزدري من ينحازون في تفكيرهم لمعتقد ما على نحو أعمي، حتى أنه كان يرفض أن يفوز بالنقاش على هذا الأساس الفكري المزعزع.
لا يزال ماركس هو أساس حجج آلاف الخبراء الاقتصاديون الراديكاليين الذين ينشرون مجلة الاقتصاد السياسي الراديكالي التى تمتلك صوتا قويا في جامعة ماساتشوستش بأمهرست.
أن الحذر الاشتقاقي كلمة "رايكالي" في اللغة الانجليزية يعني "جذري" وشأن ماركس، يعتقد الاقتصاديون الراديكاليون أن جذر النظرية الاقتصادية الحديثة فاسد في تحليله للرأسمالية ومع ذلك، لا يريد الراديكاليون أن يكونوا مسئولون عن كل جملة قالها ماركس أو عن أي تنبؤ تفوه به.
« منقول » ..