منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By محمد٣٢
#65919
متى تتوقف سلسلة فضائح التجسس الأمريكي على الأمريكيين بداية، وعلى حلفاء واشنطن ثانية، وتالياً على بقية دول العالم أصدقاء وأعداء وربما أعدقاء أيضا أي أولئك الذين يقفون بين الصفين فلا هم بالحلفاء ولا بالأعداء؟
في يونيو من عام 1972 جرت وقائع فضيحة ووترجيت عندما قبضت الشرطة الأمريكية على خمسة رجال يقومون بزرع أجهزة تنصت على المكالمات الهاتفية للجنة القومية للحزب الديمقراطي، وقد كشفت التحقيقات لاحقا أن الرئيس الأمريكي الجمهوري "ريتشارد نيكسون"، الرئيس السابع والثلاثين للبلاد كان يقف وحزبه الجمهوري وراء عملية التنصت ما كلف الرجل مقعدة الرئاسي .
فهل يكرر التاريخ نفسه ويجد أوباما نفسه متهماً بالتجسس على العالم برمته أم أن أوباما ورث إرثا لم يكن يعلم عنه الكثير، والكثير جداً دائما ما يجري في أمريكا من خلف الرئيس لاسيما في عالم الاستخبارات المليء بالأسرار والمؤامرات والمكائد والدسائس؟
ربما السؤال الأهم الآن :"لماذا تتجسس أمريكا على حلفائها بنوع خاص"؟
بادئ ذي بدء يعكس السلوك الأمريكي بالدرجة الأولي شعورا وسعيا إلي الفوقية الامبريالية الأمريكية، وهي نزعة تكاد تقترب من نزعات النازية والفاشية.
هذا الشعور تترجمه واشنطن في سعي حثيث لامتلاك كافة مقومات ومقدرات القوة العالمية التي من خلالها تهيمن وتسيطر بها علي العالم برمته، والمعلومات في زمن العولمة هي المادة الخام التي يعاد توظيفها في عالم القوة العسكرية الخشنة، والقوة السياسية والاقتصادية الناعمة، ولهذا فحرص واشنطن اليوم على الحصول على المعلومات التي تقال همسا في المخادع، لا يقل عن حرصها على ما ينادي به من على السطوح.
الجاسوسية الأمريكية قصص مليئة بالغموض والإثارة والتنافس بين أجهزة الاستخبارات حول العالم ,ففي العام 1995وفي زمن الرئيس بيل كلينتون ,بدا وكأن هناك نقاش قد طفا علي السطح لجهة تقليص الموازنات المالية لل CIA الاستخبارات المركزية الأمريكية والNSA وكالة الأمن القومي ، ووكالات الدفاع والاستخبارات الخارجية .
غير أن مجمع الاستخبارات الأمريكية الذي خشي علي مكتسباته المالية والأدبية رفض ذلك ,ما دفع الرئيس كلينتون وكي لا يدخل في غمار مواجهة لا تحمد عقباها مع هذا "اللوبي الفتاك" إلي توجيه تعليماته للوكالات المختلفة كي تستخدم مهارات موظفيها وعملائها والموارد المتاحة لها لخدمة الاتجاهات الاقتصادية ومنها الثلاثة عناصر التالية:
•دعم الولايات المتحدة في مفاوضات جولة الجات في الاورجواي .
•كشف أساليب الفساد التي تعطي للشركات الأجنبية الميزة علي الشركات الأمريكية.
•حديد المشكلات المالية قبل أن تتحول إلي أزمات سياسية.
تؤكد فضائح التجسس الأمريكي الأخيرة على أن ورقة المحافظين الجدد التي صيغت في نهايات التسعينات من القرن المنصرم، والخاصة بصبغ العالم بصبغة أمريكية خاصة لا تزال ماضية على قدم وساق، وأن أوباما الذي حاول أن يضفي على نفسه طابعا طهرانيا لزعيم أو بطل ليبرالي، لا يختلف كثيرا عن جورج بوش الابن.
تحليل المشهد الأمريكي يقودنا إلي الاعتقاد بأن هناك تصميم أمريكي على إخضاع دولتين بالذات في أوربا هما فرنسا وألمانيا للتنصت والتجسس الأمريكي ،وغياب شبه تام لأية عمليات تجسس على بريطانيا، حيث الأنباء تشير إلي وجود تحالف سري استخباراتي أمريكي "بريطاني ـ كندي ـ استرالي ـ نيوزيلندي على تقاسم المعلومات، وعدم التجسس إلا بإذن من كل دولة على الأخرى، وهذه قصة أخري في حاجة إلي حديث منفصل.. لماذا ألمانيا بالذات ومستشارتها أنجيلا ميركل ومتى بدأت واشنطن التجسس على ألمانيا؟
غير خاف على أحد أن ألمانيا ربما أكثر من فرنسا كانت ميدانا في زمن الحرب الباردة للمواجهة مع المعسكر الشيوعي، في ظل التقسيم إلي ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وفي هذا السياق يفهم كيف كانت واشنطن تراقب كل شاردة وواردة على الجانب الآخر، لكن ما لا يمكن فهمه هو تجسس واشنطن على ألمانيا الموحدة، لكن لهذا أسباب، فالتجسس على ألمانيا لم يبدأ مع ميركل بل ربما سبقه إلي زمن سلفها المستشار "جيرهارد شرودر" الذي كان يخضع أيضا للتنصت من قبل وكالة الأمن القومي، لسبب واضح وهو أنه عارض الاجتياح الأمريكي في العراق. وقد كان بوش مرتابا من الاشتراكيين الألمان، نظرا لعلاقتهم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يعد بمثابة بطرس الأكبر الثاني، أي الرجل الذي عاد ليبني أمجاد روسيا القيصرية الإمبراطورية مرة أخري.
ويبدو كذلك أن التنصت على ميركل قد بدأ قبل موعد ظهور تلك الوقائع أي قبل عام 2006، وهناك من يرجح أن الأمر بدأ في عام 2002 أي في السنوات الأولي لإدارة بوش الابن، وهناك من يربط هذا التنصت بوجود أحدي الخلايا التي شاركت في الهجوم على واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001، على الأراضي الألمانية، ووقتها كانت ميركل زعيمة المعارضة، ولم تتولي منصب المستشارية إلا بعد ذلك بثلاث سنوات..
هل بات على واشنطن اليوم أن تتحمل فاتورة عالية وغالية التكلفة، تتمثل في يقين العالم بأن "الوجه الأمريكي القبيح" أخذ يطل من جديد على العالم؟
ما جري وما كشف عنه حتى الساعة يشي بسلوك أمريكي خطير، سيشعل من جديد نار الكراهية تجاه العملاق الأمريكي الذي كان، والذي يعكس تجسسه على حلفائه أزمته الداخلية سياسيا وماليا وأخلاقيا، لاسيما وأنه لا يزال يتشدق بالقيم والمبادئ المثالية حول العالم.






« منقول » ..