منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By عبدالعزيز العياضي336
#65980
الصداع وألم الوجه

د. رضوان نحّاس
اختصاصي في طب الأسرة

الصداع من أكثر الأعراض العصبية مصادفةً في العيادات والمشافي؛ ومن النادر أن يكون سببه مرضاً عصبياً مهماً ما لم ترافقه أعراض أو علامات عصبية أخرى رغم أن أكثر المرضى قد يخشون وجود مرض دماغي خطر؛
ومن حسن تدبير الطبيب لمريضه الحذر والبراعة في تقويم العلاقة بين مخاوفه والاحتمال الفعلي لوجود المرض.
وعادةً ما يساعد التقويم السريري الجيد في تصنيف الحالة ضمن أحد متلازمات الصداع وألم الوجه وأشيعها:
صداع التوتر، الشقيقة، الصداع العنقودي، صداع زيادة الضغط ضمن القحف، الصداعات الانتيابية الحميدة ، ألم مثلث
التوائم، ألم الوجه اللانمطي والألم العصبي التالي للحلأ.

وفي الأغلب لاداعي للاستقصاءات بعد أخـذ قصة سريريـة مفصلـة وإجراء فحص عصبي دقيـق ، ولابد من طمأنة
المريض وكسب ثقته قبل وصف المعالجة العرضية.

الفيزيولوجيا المرضية:

يتعذر غالباً تفسير ألم الصداع – خاصةً غير الناجم عن مرض عصبي خطر – استناداً إلى الفهم العصبي الحيوي
الحديث لآليات الألم؛ فالبنى الأساسية الحساسة للألم ضمن الجمجمة هي: الجافية( وتشمل جيوب الجافية ومنجل المخ
Flax cerebri) والأقسام الدانية من الأوعية الدموية الحنونية الكبيرة. أما متن(برنشيم)الدماغ وبطيناته والشرايين
الحنونية على التحدبات والضفائر المشيمية فغير حساسة للألم. وتتعصب معظم البنى الحساسة للألم بفروع من مثلث
التوائم ، والقلة الباقية تعصبها فروع من الأعصاب الرقبية العلوية. وقد يعلل هذا أنماط توزع الألم عنـد إثارة البنى الحساسة بالشد أو التمدد كما يشاهد في بعض الحالات المرضية.

المقاربة التشخيصية لمريض الصداع:

فيما يلي بعض النقاط الهامة في القصة السريرية والتي تساعد في وضع تشخيص واضح لسبب الصداع:
1- سرعة البدء
2- ف أي وقت من اليوم يكون الألم على أشده
3- أثر الوضعة أو السعال أو الجهد
4- مقع الألم
5- الراض المرافقة
ويمكن تقسيم الصداعات إجمالاً إلى ثلاث مجموعات:
1-الصداع الحاد( أي الذي يتطور خلال ثوانٍ إلى ساعات ): ومن أمثلته:النرف تحت العنكبوتية( ثوانٍ )، الصداع
العنقودي( دقائق)،الشقيقة( ساعات)، نزف قليل من أم دم(قد يسبق النزف تحت العنكبوتية في 50% من الحالات)،
بعض حالات النزف ضمن متن الدماغ،تسليخ الشريان السباتي أو الفقري،احتشاء الدماغ،نشبة عابرة،خثار وريدي
دماغي، الصداع المرتبط بالجنس، الصداع الجهدي، الزرق الحاد، التهاب العصب البصري، التهاب الجيوب الحاد،
وأحياناً الكيسة الغروانيةColloid cyst وأورام البطينات.
2-الصداع تحت الحاد(أسابيع إلى أشهر):مثل صداع الأورام،الخراجات،تجمعات الدم تحت الجافية،والتهاب السحايا
السرطانويCarcinomatous.
3-الصداع المزمن(أشهر إلى سنوات): مثل صداع التوتر والصداع التالي لإصابات الرأس.
إن مريضاً يعاني صداعاً ذا بدء مفاجئ جداً يجب أن يثير الشك بمشكلة خطرة ؛ فالنزف تحت العنكبوتية SAH
مثلاً يسبب صداعاً مفاجئاً جداً،شديداً جداً(كقصف الرعد)،قد يكون موضعاً في القذال؛ رغم أن واحداً فقط من كل 8 أشخاص يعانون مثل هذا الصداع مصاب ب SAH وستتطور عنده في الأغلب أعراض وعلامات أخرى كالقياء
وصلابة النقرة والتي قد لا تظهر إلا بعد عدة ساعات. ويقع التشخيص التفريقي الرئيس لمريض بمثل هذا الصداع
بين SAH وأحد أشكال الشقيقة. أما صداع التهاب السحايا فأقل حدّة من حيث البدء، ويتظاهر الالتهاب الجرثومي
عادةً بحالة عامة سيئة وحمى مع علامات تهيج السحاياMeningism ، أما التهاب السحايا الفيروسي فقد يتظاهر بحمى وصداع مفاجئ شديد إلى حد ما يتطور خلال ساعة تقريباً مع قلة صلابة النقرة وعلامات التهيج السحائي نسبياً.
أما الصداع الذي يتطور خلال ساعات فيندر أن ينجم عن آفة عضوية، ويغلب أن يكون سببه الشقيقة إلا إذا رافقته أعراض وعلامات موجٍّهة، وقد يرافق هجمة الشقيقة أو يسبقها القياء والأعراض العصبية البؤرية ( عادةً على شكل
عُتمات وامضة متعرجة Zigzag fortification spectra أو نخز يتحرك ببطء على جزء من الجسم). ومن
الصفات التي ترجح الشقيقة أن الألم يتصف بالتقطع أكثر من الاستمرار أياماً أو أسابيع ؛ ومما يجدر ذكره ضرورة
الانتباه إلى الوقت من اليوم الذي يحدث فيه الصداع وإلى وجود أو غياب العوامل المؤهبة.
يكون الصداع الناجم عن زيادة الضغط ضمن القحف موجوداً عند الاستيقاظ، وغالباً مايتحسن أو يختفي بمسكن
بسيط أو بأخذ المريض وضعاً قائماً(مما ينقص الضغط ضمن القحف).ومن صفاته المميزة ما يلي:
1-أسوأ صباحاً ويتحسن خلال اليوم
2-كثيراً ما يرافقه قياء صباحي خاصةً عند الأطفال
3-يسوء بالانحناء أماماً
4-يزول بالمسكنات
5-ألم غامض خفيف غالباً
ويندر أن يدفع الصداع وحده المريض إلى مراجعة طبيبه لأن شدته لاتكفي عادةً لتنبيه المريض إلى خطورة
الأمر، والأغلب أن ينتبه المريض عندما تحدث الكتلة المسببة لزيادة الضغط ضمن القحف نوبة صرعية مثلاً أو
خللاً وظيفياً عصبياً بؤرياً كالحُبسة أو الفالج.. ، ويستثنى من ذلك مرضى مَوَه الرأس الحاد الذي يتظاهر بصداع
أكثر حدة ، كما أن الموه قد لايتظاهر بأي عرض سوى رنح المشية، وقد يكشف الفحص وذمة الحليمة البصرية.
وفيما يلي مجموعة من الأعراض والعلامات التي يجب أن تثير قلق الطبيب عند مرضى الصداع عموماً:
1- البدء المفاجئ أو أثناء الجهد
2- موجودات غير طبيعية في الفحص العصبي(متضمناً الحالة العقلية)
3- العمر أكثر من 50 عاماً
4- ازدياد الصداع سوءاً أثناء المراقبة
5- علامات حيوية غير طبيعية خاصةً الحمى أو منعكس كوشينغ(فرط ضغط الدم، بطء قلب،عدم انتظام تنفسي)
6- صداع حديث البدء عند مريض سرطان أو إيدز
7- الصداع الأول أو الأسوأ الشديد
8- اختلاجات
إن صداعاً يدوم أسابيع، يبقى موجوداً طوال اليوم، ولا يستجيب جيداً للمسكنات البسيطة هو في الأغلب صداع
توتري مهما كانت صفاته الأخرى . أما الصداع المحدد في بقعة صغيـرة من الرأس إلى درجة أن المريض يشير
إليها بأصبع واحدة فلا يمكن أن يكون مرافقاً لمرض معتبَر.
أما كبار السن فيغلب أن يصابوا بالتهاب الشريان الصدغي ذي الخلايا العرطلة،والذي يعتمد تشخيصه على توفر
ثلاث على الأقل من المعايير الخمس التالية:
1- العمر أكثر من 50 عاماً
2- صداع حديث البدء موضع في أحد الصدغين
3- مضض، توسع، نقص أو انعدام نبض الشريان المصاب
4- سرعة التثفل تساوي أو تزيد عن 50 ملم في الساعةالأولى
5- دراسة نسجية إيجابية
وفيما يلي حالات الصداع التي يجب فيها اللجوء إلى التصوير العصبي:
*باعتبار ملامح وتوقيت الصداع:
-الصداع الأول أو الأسوأ- صداعات تحت حادة زادت تواتراً أو شدةً- صداع مترقي أو يومي ثابت حديث- صداع يومي مزمن- صداع وحيد الجانب دائماً- صداع لايعنو للعلاج.
*باعتبارات ديموغرافية(علم سكانية):
- صداع حديث البدء عند مريض بسرطان أو بفحوص إيجابية للخمج بHIV- صداع حديث البدء بعمر أكثر من
50 عاماً- صداع مع نوب اختلاجية.
*باعتبار الأعراض والعلامات المرافقة:
- صداع مع أعراض مثل الحمى، صلابة النقرة، الغثيان والقياء- صداع ترافقه أعراض وعلامات عصبية بؤرية وليس شقيقة مع أورة - صداع مع وذمة الحليمة البصرية، خلل الاستعرافCognition أو تبدل الشخصية.
مقارنة بين التصوير الطبقي المحوريCT والرنين المغنطيسيMR:
يفضل CT في تقويم النزف تحت العنكبوتية الحاد،رضح الرأس الحاد والشذوذات العظمية؛ أما MR فأكثر حساسية
في تحري آفات الحفرة الخلفية،الآفات الرقبية البصلية،الإقفار،شذوذات المادة البيضاء،الخثار الدماغي الوريدي،الأورام
الدموية فوق وتحت الجافية،الأورام(خاصة في الحفرة الخلفية)،أمراض السحايا(مثل السُراطCarcinomatosis،
التبدلات السحائية المنتشرة في متلازمة انخفاض ضغط السائل النخاعي،الغرناويةSarcoid،التهاب وخراج المخ
وآفات النخامى. ومما تقدم فإنMR مفضل عموماً في تقويم الصداع؛ ومن مضادات استطبابه وجود ناظم خطى أو
ملاقطClips أم دم. يوجد لدى 8% من المرضى رهاب الانغلاق Claustrophobia ، ولا يحتمل 2% من
المرضى فقط الدراسة بالمرنان إطلاقاً. أما الحمل فلا يمنع إجراء MR أو CT بشرط وضع الواقي الرصاصي
على البطن عند إجراء الأخير فقط ، وتجنب المواد الظليلة إن أمكن.
واستكمالاً للموضوع نستعرض أسباب الصداع التي قد لايشخصها الCT الروتيني للرأس:
*أمراض وعائية:أمهات الدم الكيسية،الأشواه الشريانية الوريدية(خاصة في الحفرة الخلفية)،النزف تحت العنكبوتية،
تسليخ الشريان السباتي أو الفقري، الاحتشاءات، الخثار الوريدي المخي، التهاب الأوعية (شذوذات المادة البيضاء)،
الأورام الدموية فوق وتحت الجافية.
*أمراض ورمية:الأورام(خاصة الحفرة الخلفية)، سُراط السحايا، ورم أو نزف النخامى.
*آفات رقبية بصلية:أشواه أرنولد شياري(انزياح اللوزتين المخيخيتين والبصلة والبطين الرابع ضمن القناة الشوكية،
مع أودون قيلة سحائية نخاعية، مع أو دون تكهف النخاع)،الورم السحائي في الثقبة العظمى.
*أخماج:التهاب الجيوب،التهاب السحايا والدماغ،التهاب وخراج المخ.
وفي الصفحة التالية جدولان أولهما حول دواعي البزل القطني لتقويم الصداع، والثاني يبين استطبابات الفحوص
الدموية عند التقويم.

صداع التوترTension headache:

هو أشيع أنواع الصداع، يعانيه -بشكل أو بآخر- أغلب الناس في وقت ما من حياتهم.يكون الألم عادة ثابتاً،شاملاً الرأس، قد ينتشر- وهو الأغلب - من القذال إلى الأمام؛ يصفه المريض بأنه غامض،شاد،أو ضاغط ، مع الإحساس
وكأن شريطاً يلف الرأس أو شيئاً ما يضغط على قمته. وعلى خلاف الشقيقة، فالألم قد يستمر أسابيع أو شهوراً دون
توقف، وقد تتفاوت شدته، ولا يرافقه قياء أو رهاب الضوء، وقد يخف بانشغال المريض ؛ ويتميز بأنه أقل شدة في
بداية اليوم، ويزداد إزعاجه للمريض بتقدم الوقت. قد يلاحَظ بالفحص مضض على قبة القحف أو القذال ، ويجب
تمييزه عن الألم الحاد المحرض بلمس الجلد في ألم مثلث التوائم، وعن المضض الشديد لالتهاب الشريان الصدغي.
كما أن من الصفات المذكورة للألم ضعف استجابته للمسكنات المألوفة.
الإمراض:
لايزال سبب صداع التوتر غامضاً، ولاتوجد براهين قوية على صحة نظرية فرط تقلص عضلات الرأس والعنق.
ومن العوامل المؤهبة المعروفة القلق والضغط العاطفي ، كما يشيع وجود اكتئاب خفي عند المريض. إن القلق بشأن الصداع بحد ذاته قد يؤدي إلى ديمومة الأعراض مما يجعل أغلب المعانين يعتقدون وجود سبب مرضي خطرلشكواهم.
التدبير:
يستفيد المرضى غالباً من اهتمام الطبيب بتقويم مشكلتهم وإيضاح المؤهبات المحتملة وأن الأعراض لاتخفي وراءها
أي مرض مشؤوم أكثر مما يستفيدون من المسكنات،ومن الثابت أن المرضى ينتفعون جيداً من إدراك أن الطبيب يعامل
مشكلتهم بجدية تامـة ، إلا أن المبالغة في الاستقصاءات قد تسيء إلى المريض وتزيده قلقاً . ومما يساعـد المرضى في التغلب على صداع التوتر تمرينات الاسترخاء وتدبيـر الكرب . وقـد تفيـد مضادات الالتهاب اللاســـــتيروئيــديــة أو الأسيتامينوفين في تسكين الألم الحاد ، كما قـد ينتفع المرضى الذين يعانون صداعاً متكرراً شديداً من أدويـة الشقيقـة الوقائية.وينصح بعض الأطباء بمضادات الاكتئاب.