الادب الجاهلي
مرسل: الأحد نوفمبر 24, 2013 9:27 pm
الأدب العربي في العصر الجاهلي
العصر الجاهلي أقدم العصور الأدبية ويسميه بعض الدارسين عصر ما قبل الإسلام. وهو عصر موغل في القدم، بعيد العهد في الزمن والامتداد.
وموطن هذا الأدب العربي القديم هو الجزيرة العربية، أو شبه جزيرة العرب، ذات الصحارى الواسعة، والبطاح الممتدة، التي تحيط بها - أو تتخللها - جبال وهضاب مختلفة، منها ما يحاذي البحر الأحمر غرباً، ومنها ما يقع في اليمن جنوباً. فضلاً عن هضبة نجد التي ترتفع ممتدة في وسط الشمال، لتضم سلسلة أخرى من الجبال.
وهذه المناطق جميعاً كانت في العصر الجاهلي ميادين لحروب وغزوات، ولأحداث سياسية، وظواهر اجتماعية وتجارية واقتصادية، وأثرت في الأدب الجاهلي، شعره ونثره.
كلمة الجاهلية يراد بها الحال التي كان عليها العرب قبل الإسلام، وقد استحدثت هذه الكلمة بنزول القرآن وأطلقت على الزمن الذي كان قبل البعثة حتى فتح مكة وإرساء قواعد الدولة الجديدة.
والملْحَظ في التسمية الحماسة بتحكيم العصبية والقوة، والجهل الذي يناقض الحلم والأناة ويفيد التسرع إلى الشر، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلـــن أحــــد علينــــافنجهــــل فــــوق جهل الجاهلينـــاوقد ارتدى هذا اللفظ لبوساً إسلامياً يفيد الانغماس في الضلال والبعد عن طريق الهداية إضافة إلى الدلالة السابقة.
وقد تطلق الكلمة مجازاً على جماعة الجاهلية وأنصارها، كما جاء في آية التنزيل ]يظنّونَ باللهِ غيرَ الحقِّ ظَنَّ الجاهلية[ (آل عمران 154).
فالكلمة قرآنية الاشتقاق. ومن أقوال ابن عباس: «سمعت أبي في الجاهلية يقول...» ومن ثم نسبوا إليها فقالوا: «جاهلي»، في الشعراء والخطباء والحكماء.
الشعر الجاهلي
ومهما يكن من أمر، فقد ورثنا عن تلك الحقبة الجاهلية أدباً ناضجاً في لغته وشعره ونثره، ولكن هذا الأدب الذي وصل إلينا لا يشمل الحقبة كلها، قبل الإسلام، ذلك أننا لا نملك نصوصاً مدونة عن مبدأ الشعر عند العرب، وعن تطوره حتى بلوغه المرحلة التي كان عليها عند ظهور الإسلام. والمعروف أن أقدم ما وصل إليه علمنا من ذلك الشعر لا يرقى عهده إلى أكثر من قرنين عن الهجرة. وقد أشار الجاحظ إلى قضية قدم الشعر العربي فقال: وأما الشعر فحديث الميلاد، صغير السن.. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له - إلى أن جاء الإسلام - خمسين ومئة عام. وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمئتي عام.
ومن أقدم الشعراء الذين عرفنا أخبارهم ووصلتنا أشعارهم امرؤ القيس بن حجر الكندي، الذي يقال إنه أول من وقف بالديار واستوقف وبكى واستبكى، لكنه هو نفسه يذكر شاعراً آخر أقدم منه، بكى الأطلال قبله، وهو ابن خذام، فيقول:
عــوجا على الطلل المحيل، لعلنانبكي الديـــار كما بكى ابن خذام
ولم يكن بنو كلب بدعاً في القبائل، فكل قبيلة ادعت لشاعرها أنه الأول أو الأقدم: فامرؤ القيس في اليمانية، وعبيد بن الأبرص في بني أسد، ومهلهل بن ربيعة في تغلب، وعمرو بن قميئة والمرقش الأكبر في بكر، وأبو دواد في بني إياد. وهؤلاء جميعاً متقاربون في الزمن، ولم يعثر العلماء على شعر قديم مدون بقلم جاهلي، وكل ما يعرف من هذا الشعر مستمد من أفواه الرواة الذين كانوا يتناقلون الأشعار الجاهلية عن طريق الرواية والحفظ. وتعود أسباب ذلك إلى انتشار الأمية عند العرب، وقلة وسائل التدوين والكتابة لديهم، إذ اقتصر على الحجارة الرقيقة، والجلود، والعظام، وسعف النخيل، وما إليها. ومن ثم كان المعلمون قلة بينهم.
وفي بعض الأشعار الجاهلية إشارات إلى وجود الكتابة ونقوشها، وهي ترد في مطاوي وصف الشعراء للأطلال والرسوم الدارسة، كقول الأخنس بن شهاب التغلبي، مشبهاً أطلال المحبوبة بالكتابة على الجلد الرقيق:
لابنةِ حطّان بــن عوف منــــازلكما رقش العنوان في الرق كاتبه
على أن استعمال الكتابة يقتصر على شؤون من الحياة الاجتماعية والتجارية وما إليها، مما يكون ميدانه النثر، من دون الاتكاء عليها في كتابة الشعر؛ لأن العرب كانوا يعتمدون في حفظ الأشعار على الرواية الشفوية، حتى في خطبهم ووصاياهم وأمثالهم، يسعفهم في هذا الحفظ ذاكرة قوية تأنس بموسيقى الشعر وأوزانه، خاصة، واعتادت ذلك حتى صارت سجية من سجاياهم، وطبيعة متأصلة فيهم، فضلاً عن حبهم للشعر وعنايتهم الفائقة بروايته وتناقله، لأنه ديوان مناقبهم، وسجل حياتهم وانتصاراتهم، ولم يكن لهم - كما يقول ابن رشيق - علم أصح منه. فلا غرو أن يكون دعامة السّامرعندهم، ومدارَ حلقات القوم لديهم، في مواسمهم وندواتهم، وقد أدى ذلك أيضاً إلى ظهور حلقات من الشعراء الرواة، الذين يأخذ بعضهم عن بعض، مما يمكن أن يسمى اليوم بالمدارس الشعرية، وأشهرها تلك التي تبدأ بأوس بن حجر، وعنه أخذ الشعر ورواه زهير ابن أبي سلمى. ولزهير راويتان: ابنه كعب، والحطيئة، وكان هدبة بن الخشرم راوية الحطيئة، وعن هدبة تلقن الشعر ورواه جميل بن معمر، صاحب بثينة، وراوية جميل هو كثير عزة، الذي يُعد آخر من اجتمع له الشعر والرواية.
و«لما جاء الإسلام شغل العرب والمسلمون عن الشعر بالغزو والفتوح. ولما اطمأنوا بالأمصار، واستقرت دولتهم، راجعوا رواية الشعر - كما يقول ابن سلام - فلم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب. وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عليهم منه كثير».
العصر الجاهلي أقدم العصور الأدبية ويسميه بعض الدارسين عصر ما قبل الإسلام. وهو عصر موغل في القدم، بعيد العهد في الزمن والامتداد.
وموطن هذا الأدب العربي القديم هو الجزيرة العربية، أو شبه جزيرة العرب، ذات الصحارى الواسعة، والبطاح الممتدة، التي تحيط بها - أو تتخللها - جبال وهضاب مختلفة، منها ما يحاذي البحر الأحمر غرباً، ومنها ما يقع في اليمن جنوباً. فضلاً عن هضبة نجد التي ترتفع ممتدة في وسط الشمال، لتضم سلسلة أخرى من الجبال.
وهذه المناطق جميعاً كانت في العصر الجاهلي ميادين لحروب وغزوات، ولأحداث سياسية، وظواهر اجتماعية وتجارية واقتصادية، وأثرت في الأدب الجاهلي، شعره ونثره.
كلمة الجاهلية يراد بها الحال التي كان عليها العرب قبل الإسلام، وقد استحدثت هذه الكلمة بنزول القرآن وأطلقت على الزمن الذي كان قبل البعثة حتى فتح مكة وإرساء قواعد الدولة الجديدة.
والملْحَظ في التسمية الحماسة بتحكيم العصبية والقوة، والجهل الذي يناقض الحلم والأناة ويفيد التسرع إلى الشر، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلـــن أحــــد علينــــافنجهــــل فــــوق جهل الجاهلينـــاوقد ارتدى هذا اللفظ لبوساً إسلامياً يفيد الانغماس في الضلال والبعد عن طريق الهداية إضافة إلى الدلالة السابقة.
وقد تطلق الكلمة مجازاً على جماعة الجاهلية وأنصارها، كما جاء في آية التنزيل ]يظنّونَ باللهِ غيرَ الحقِّ ظَنَّ الجاهلية[ (آل عمران 154).
فالكلمة قرآنية الاشتقاق. ومن أقوال ابن عباس: «سمعت أبي في الجاهلية يقول...» ومن ثم نسبوا إليها فقالوا: «جاهلي»، في الشعراء والخطباء والحكماء.
الشعر الجاهلي
ومهما يكن من أمر، فقد ورثنا عن تلك الحقبة الجاهلية أدباً ناضجاً في لغته وشعره ونثره، ولكن هذا الأدب الذي وصل إلينا لا يشمل الحقبة كلها، قبل الإسلام، ذلك أننا لا نملك نصوصاً مدونة عن مبدأ الشعر عند العرب، وعن تطوره حتى بلوغه المرحلة التي كان عليها عند ظهور الإسلام. والمعروف أن أقدم ما وصل إليه علمنا من ذلك الشعر لا يرقى عهده إلى أكثر من قرنين عن الهجرة. وقد أشار الجاحظ إلى قضية قدم الشعر العربي فقال: وأما الشعر فحديث الميلاد، صغير السن.. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له - إلى أن جاء الإسلام - خمسين ومئة عام. وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمئتي عام.
ومن أقدم الشعراء الذين عرفنا أخبارهم ووصلتنا أشعارهم امرؤ القيس بن حجر الكندي، الذي يقال إنه أول من وقف بالديار واستوقف وبكى واستبكى، لكنه هو نفسه يذكر شاعراً آخر أقدم منه، بكى الأطلال قبله، وهو ابن خذام، فيقول:
عــوجا على الطلل المحيل، لعلنانبكي الديـــار كما بكى ابن خذام
ولم يكن بنو كلب بدعاً في القبائل، فكل قبيلة ادعت لشاعرها أنه الأول أو الأقدم: فامرؤ القيس في اليمانية، وعبيد بن الأبرص في بني أسد، ومهلهل بن ربيعة في تغلب، وعمرو بن قميئة والمرقش الأكبر في بكر، وأبو دواد في بني إياد. وهؤلاء جميعاً متقاربون في الزمن، ولم يعثر العلماء على شعر قديم مدون بقلم جاهلي، وكل ما يعرف من هذا الشعر مستمد من أفواه الرواة الذين كانوا يتناقلون الأشعار الجاهلية عن طريق الرواية والحفظ. وتعود أسباب ذلك إلى انتشار الأمية عند العرب، وقلة وسائل التدوين والكتابة لديهم، إذ اقتصر على الحجارة الرقيقة، والجلود، والعظام، وسعف النخيل، وما إليها. ومن ثم كان المعلمون قلة بينهم.
وفي بعض الأشعار الجاهلية إشارات إلى وجود الكتابة ونقوشها، وهي ترد في مطاوي وصف الشعراء للأطلال والرسوم الدارسة، كقول الأخنس بن شهاب التغلبي، مشبهاً أطلال المحبوبة بالكتابة على الجلد الرقيق:
لابنةِ حطّان بــن عوف منــــازلكما رقش العنوان في الرق كاتبه
على أن استعمال الكتابة يقتصر على شؤون من الحياة الاجتماعية والتجارية وما إليها، مما يكون ميدانه النثر، من دون الاتكاء عليها في كتابة الشعر؛ لأن العرب كانوا يعتمدون في حفظ الأشعار على الرواية الشفوية، حتى في خطبهم ووصاياهم وأمثالهم، يسعفهم في هذا الحفظ ذاكرة قوية تأنس بموسيقى الشعر وأوزانه، خاصة، واعتادت ذلك حتى صارت سجية من سجاياهم، وطبيعة متأصلة فيهم، فضلاً عن حبهم للشعر وعنايتهم الفائقة بروايته وتناقله، لأنه ديوان مناقبهم، وسجل حياتهم وانتصاراتهم، ولم يكن لهم - كما يقول ابن رشيق - علم أصح منه. فلا غرو أن يكون دعامة السّامرعندهم، ومدارَ حلقات القوم لديهم، في مواسمهم وندواتهم، وقد أدى ذلك أيضاً إلى ظهور حلقات من الشعراء الرواة، الذين يأخذ بعضهم عن بعض، مما يمكن أن يسمى اليوم بالمدارس الشعرية، وأشهرها تلك التي تبدأ بأوس بن حجر، وعنه أخذ الشعر ورواه زهير ابن أبي سلمى. ولزهير راويتان: ابنه كعب، والحطيئة، وكان هدبة بن الخشرم راوية الحطيئة، وعن هدبة تلقن الشعر ورواه جميل بن معمر، صاحب بثينة، وراوية جميل هو كثير عزة، الذي يُعد آخر من اجتمع له الشعر والرواية.
و«لما جاء الإسلام شغل العرب والمسلمون عن الشعر بالغزو والفتوح. ولما اطمأنوا بالأمصار، واستقرت دولتهم، راجعوا رواية الشعر - كما يقول ابن سلام - فلم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب. وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عليهم منه كثير».