منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#66058
عندما يستضيف الرئيس أوباما العاهل المغربي الملك محمد السادس في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، سوف تُتاح أمامه فرصة لإصلاح الضرر الذي حدث جراء مبادرة غير حكيمة حول الصحراء الغربية تم اتخاذها في وقت مبكر من هذا العام، والتي عقّدها التأجيل المفاجئ لزيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الرباط التي كانت مقررة في مطلع هذا الشهر. وبينما تفتقر الإدارة الأمريكية إلى وفرة من الحلفاء العرب الأقوياء هذه الأيام، عليها أن تتجاوز الأهمية الاحتفالية لزيارة الملك - الأولى له إلى واشنطن منذ عام 2004 - وأن تؤكد بطريقة جوهرية التزام الولايات المتحدة بشراكة قوية مع دولة واقعة في شمال أفريقيا تتميز بمرونة مثيرة للدهشة.

التغلب على خيبة الأمل

راود العديد من المراقبين الأمل في أن تساعد زيارة كيري إلى المنطقة المغاربية - والحوار الاستراتيجي الثنائي مع المغرب والجزائر الذي كان مقرراً أن يترأسه - على تحدي المعلومات السائدة في أوساط السياسة الخارجية المغربية: والتي تتمثل تحديداً في أن واشنطن تطارد الأزمات؛ وتُمضي المزيد من الوقت في التفاوض مع الأعداء، وتتعامل في موضوع الصداقة مع المغرب على أنها من المُسلَّمات. بيد بدا الأمر وكأن كيري يؤكد هذا الانتقاد عندما سافر بشكل مفاجئ إلى جنيف لحضور المحادثات النووية مع إيران، تاركاً الرباط والجزائر كل غارق في مشاكله.

وفي حين أن المملكة لم تعرب عن خيبة أملها علانية بشأن إلغاء الزيارة، إلا أن المسؤولين المغربيين كانوا يتطلعون إليها ورؤوها فرصة لاتخاذ خطوتين جوهريتين: وضع نهاية لفصل غير سعيد من مساعي نيسان/أبريل هذا العام التي باءت بالفشل والتي كانت ستفرض آلية لمراقبة حقوق الإنسان على إقليم متنازع عليه خاضع لسيطرة المغرب (أفادت التقارير أن تلك المساعي كانت بقيادة سوزان رايس، سفيرة واشنطن إلى الأمم المتحدة في ذلك الحين)، ووضع جدول أعمال مستقبلي مع كيري يركز على السياسات التي عززت الاستقرار داخل المملكة وفي شمال غرب أفريقيا بشكل عام. أما الآن فالمخاطر تبدو مرتفعة، حيث تقع المسؤولية عن تلك الأهداف على الرئيس أوباما.

التطرف على رأس جدول الأعمال


في الوقت الذي يبدو فيه أن العديد من الدول الإقليمية تشهد حركات تمرد مزعجة تقوم على النشاط الراديكالي، فإن الاعتراف باستراتيجيات المغرب الوقائية الحكيمة لمجابهة التطرف القائم على العنف ينبغي أن يأتي على قمة جدول الأعمال. وعلى مدار السنوات، عزّز قادة المغرب - الذين غالباً ما يعملون من خلال وزارة الشؤون الإسلامية - من فصائل الإسلام المعتدلة من أجل مجابهة النفوذ المتطرف للسلفية والوهابية. وعلى وجه التحديد، قاموا بإصلاح إدارة المساجد ووضعوا المرافق الدينية تحت رقابة الدولة وأصلحوا نظم السجون والعدالة للعفو عن السلفيين الذي دعموا الأيديولوجيات المتطرفة. ومؤخراً، استثمرت الرباط جهوداً هائلة لنقل هذا النموذج إلى مالي، حيث تجري الاستفادة من الروابط الدينية المغربية لتقليل الضغط المتزايد من الفصائل الراديكالية في الشمال. وقبل بضعة أشهر، تعهدت المملكة باستقدام 500 إمام مالي إلى المغرب لتلقي التدريب الديني. وفي الأسبوع الماضي - وكجزء من "إعلان الرباط" الصادر عقب المؤتمر الإقليمي الأخير حول أمن الحدود - وقّع المسؤولون اتفاقية دينية تهدف إلى نشر الرؤية المغربية الرسمية المعتدلة للإسلام في مالي.

واللافت للنظر أن الرباط مضت في هذه المبادرات رغم أنها لا تشترك في حدود مع مالي. وبعيداً عن المسافة الجغرافية، تمتلك المغرب نقاط قوة تفتقر إليها البلدان - الغربية والإقليمية - الأخرى. فالبلاد لها تاريخها الإسلامي وهويتها الإسلامية الخاصة، واللتين تستخدمهما الحكومة كحصن ضد المتطرفين، وتصنف التطرف بفاعلية على أنه مستورد من الخارج. إن تلك التدابير ليست خالية من العيوب مطلقاً، ولا يزال السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان بالإمكان تطبيقها خارج المملكة. لكن نموذج المغرب يستحق إلقاء نظرة فاحصة من قبل المسؤولين الأمريكيين الذين يشعرون بالقلق إزاء انتشار التطرف.

قضايا الإصلاح السياسي

نظراً لعلاقات واشنطن المضطربة مع معظم دول "الربيع العربي"، يتعين على الإدارة الأمريكية تكريس المزيد من الجهود لفهم الكيفية التي تحملت بها هذه الدولة المعقدة - البالغ تعداد سكانها 32 مليون نسمة - الاضطرابات الإقليمية منذ عام 2011. إن آليات التعايش المختلفة التي انتهجها المغرب - مثل استيعاب فصيل إسلامي ضخم وشعبي، "حزب العدالة والتنمية"، داخل النظام الحاكم - يوفر من دون شك دروساً يمكن تطبيقها في أماكن أخرى.

وبطبيعة الحال، لا تخلو المملكة من مشاكلها السياسية الخاصة، وينبغي على المسؤولين الأمريكيين عدم التردد في إثارة تلك المشاكل في المناقشات المباشرة مع نظرائهم المغاربة. فمعدلات البطالة مرتفعة على نحو ينذر بالخطر، كما أن موارد الدولة ضعيفة ومتآكلة، والعديد من الفرص الاقتصادية محجوزة لنخبة قليلة تتمتع بامتيازات خاصة تحيط بالقصر وتُحد من إمكانيات تحقيق أي نمو حقيقي. ومن الناحية السياسية، يتم تجاوز حريات الصحافة والتعبير، بينما عمل استيعاب الإسلاميين على إعاقة التطور الديمقراطي وتوسيع حقوق المرأة، وهما من الأمور التي كان يأمل العديد من المغاربة التقدميين أن تحظى بالأولوية لدى الملك. وفي الوقت ذاته، لا يزال من غير القانوني مناقشة موضوعات محظورة مثل ثروة الملك وصحته. وهناك بشكل إجمالي مجال لقيام مناقشات بنَّاءة حول متابعة إصلاحات أكبر في هذه القضايا مع الحفاظ على الاستقرار الذي أصبح السمة المميزة للمغرب.

من الصحراء الغربية إلى حقوق الإنسان


من الصعب المغالاة في تبسيط الأهمية التي يوليها المغاربة إلى الصحراء الغربية، وهي المنطقة المتنازع عليها التي أصبحت موضوعاً ثابتاً في السياسة الأمريكية رغم التوترات التي سببتها بين المملكة والجزائر. ولطالما سعت الرباط إلى الفوز بدعم واشنطن في سياستها الرامية إلى توسيع نطاق استقلال المنطقة مع الإبقاء عليها تحت سيادة المغرب، على الرغم من أنها قبلت على مضض الموقف غير الثابت للإدارات الأمريكية المتعاقبة حول هذه المسألة. لكن في ضوء السخط حول مراقبي حقوق الإنسان في مطلع هذا العام - والذي كاد أن يفسد العلاقات مع واحدة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أمريكا - يمكن التوقع من الملك بأن يبذل المزيد من الجهود المتضافرة للحصول على دعم أمريكي واضح لخطته المتمثلة بـ "السيادة والاستقلال واللامركزية". ويرى العديد من قادة المجتمع المدني المغربي أن على الولايات المتحدة أن تتوقف عن محاولة "إدارة" قضية الصحراء الغربية وأن تسعى بنشاط إلى تسويتها، بطريقة تعود بالفائدة على شريك مقرب لواشنطن وعلى الشعب الذي يعيش في تلك المنطقة المتنازع عليها.

إن الرئيس أوباما حريص على إحداث توازن بين تهدئة الشركاء الساخطين في الرباط والحفاظ على العلاقات الأمنية الهامة مع الجزائر. وسوف يكون التحدي الماثل أمامه هذا الأسبوع هو إظهار التعاطف والتفهم والدعم لقضية الصحراء الغربية مع التأكيد على الالتزام بالتسوية عن طريق التفاوض، وبدون دعم مطالب السيادة المغربية على وجه التحديد.

وبعيداً عن نزاع الصحراء الغربية، يرجح أن يضغط الملك من أجل زيادة الاستثمارات الأمريكية في المغرب في ضوء الاستقرار السياسي الأكبر للمملكة مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة. وفي شأن ذي صلة، تعمل "مؤسسة تحدي الألفية الأمريكية" حالياً على إعداد اتفاق ثانٍ مع الرباط يمكن أن يوفر مساعدات ضخمة.

ولم تأت الديمقراطية وحقوق الإنسان على القائمة المنقحة لأولويات الإدارة الأمريكية والمبينة في خطاب الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر، لذا سيكون من المهم أن نرى ما إذا كانت تلك القضايا سوف تظهر على جدول أعمال لقائه مع الملك. وقد عقّد من هذه المسألة تراجع الإدارة عن محاولاتها مطالبة قوة حفظ السلام التابعة لـ "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" بمراقبة حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة للسيطرة المغربية. وغالباً ما تميل الرباط إلى رفض الانتقادات الأمريكية لحقوق الإنسان في المملكة لثلاثة أسباب: (1) أن المغرب حسّن بالفعل كثيراً من سجله مقارنة بماضيه وبجيرانه؛ (2) أن واشنطن تُخفق في التعرف على تقلب الوضع الأمني في المغرب، ومن ثم الحرية التي تحتاجها الحكومة للاستجابة بسرعة للظروف المتغيرة؛ و(3) أن الإدارة الأمريكية التي تتجسس على حلفائها ومواطنيها لا ينبغي أن تهاجم بلدان أخرى.

وحتى مع ذلك، فلدى الرباط العديد من الأسباب السياسية الداخلية التي تدفعها للانتباه والحذر من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان هناك. ومؤخراً، صنّفت الحكومة جميع المنشقين على أنهم "إرهابيين"، وبذلك عزلت دائرة علمانية كانت ستدعم بكل قوة شراكتها لمكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة.

الخاتمة


على الرغم أن هناك العديد من الأزمات الإقليمية التي تستحوذ على الاهتمام المحدود لصناع السياسة الأمريكيين، إلا أن المغرب المستقر لا يكاد يحظى بنظرة خاطفة. بيد أن هذه الحالة من اللامبالاة قد تكون مكلفة - على مستوى العلاقات الثنائية والإقليمية. وهذا هو السبب تحديداً الذي يحتم على الرئيس أوباما توخي الحكمة في الاستفادة من زيارة العاهل المغربي للاستثمار في إحياء تلك الشراكة. لقد كان للعلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب نصير عندما كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في السلطة، لكن منذ تركها منصبها شاهدت الرباط صعود مسؤولين ترى أن لديهم سجل مثير للتساؤلات حول مسألة الصحراء الغربية المثيرة للجدل. ومن بين هؤلاء المسؤولين سوزان رايس، بسبب دعمها المزعوم لمراقبي حقوق الإنسان، وجون كيري، بسبب تأييده السابق للاستفتاء على الاستقلال للمقيمين في المنطقة المتنازع عليها. وفي ظل هذه الظروف، يقع على عاتق الرئيس أوباما مهمة توضيح التوجه الاستراتيجي لسياسة الولايات المتحدة. وفي بيئة لا يتحمس فيها سوى القليل من الزعماء العرب للمجيء إلى واشنطن وتسمية أنفسهم أصدقاء لأمريكا، حري بالبيت الأبيض أن يجد طرقاً موضوعية لرد الجميل للملك.



ڤيش سكثيفيل هي زميلة الجيل القادم في معهد واشنطن.