- الاثنين نوفمبر 25, 2013 11:27 am
#66069
الإسلام دين السلام العادل والأمن والاستقرار، ونبذ الحروب، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، لأن دعوته العالمية لا تنتشر إلا بأرضية راسخة من السلم والتفاهم والإقناع، ولأن الإسلام دين الفطرة السليمة الوادعة الهانئة التي تتلقى العلوم والمعارف، وتكتسب الخبرات والمهارات، وتبني كل مقومات الحضارة والمدنية ليعيش الإنسان في هناءة ورخاء واستقرار.
غير أن الإسلام عزيز قوي منيع لا يقبل لأتباعه إلا العزة والقوة والكرامة، وصون الحقوق، وإقامة صرح العدل، على قاعدة وطيدة من السلم، وقائمة على أساس المساواة مع الآخرين، فلا يتوافر السلام من جانب واحد، وإنما من الجميع، ويستحيل أن يسمى هذا السلم الذي يكون لصالح الأقوياء والمتسلطين والغاصبين والمعتدين سلماً عادلاً أو صحيحاً متزناً ومستقراً، فيكون الدفاع عن الحقوق والمستضعفين واجباً مقدساً وشريفاً، وهو ما يقره العقلاء وتعترف به الشرائع الدولية، لذا كانت المقاومة للمحتل حقاً مشروعاً من غير أي شك.
فإن امتنع العدوان من الآخرين، ورفع الضرر والظلم، وتوقف الأعداء عن أطماعهم وتدخلاتهم المتكررة في التاريخ، كان المسلمون أشد الناس احتراماً لقاعدة السلم والأمن الدوليين، كما تقدم، بل وإشاعة المودة المتبادلة، وغرس المحبة والثقة، وانتزاع
فتيل الحرب.
ومن أجل هذا كان الأصل الطبيعي أو القاعدة العامة بين المسلمين وغيرهم هو السلم وليس الحرب، فالله هو السلام، وتحية المسلمين على الدوام السلام، والجنة دار السلام، والدنيا مهد السلام، ودعوات جميع الأنبياء والمرسلين هي دعوة الحق والعدل والسلام، والقيم العليا القائمة أساساً على الوسطية والاعتدال.
وما أكثر النصوص التشريعية في القرآن الكريم الداعية والآمرة بالسلام، وأن الحرب استثناء، وأن العالم كله كما قرر الإمام الشافعي دار واحدة، وتقسيمها إلى دارين أمر طارئ بسبب نشوب الحرب، وهو عين ما قرره فقهاء القانون الدولي: يترتب على قيام الحرب وجود فريقين: متحاربين، ومسالمين أو محايدين.
ومن آي القرآن الكريم الآمره بالسلام قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ( (البقرة:208)، وقوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ( (لأنفال:61). وقوله (عزوجل):
( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً( (النساء:90) (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( (الممتحنة:8).
والسلم في هذه الآيات: الصلح والسلام ودين الإسلام الحق المنسجم مع العقل والمنطق والحكمة والقيم السامية، واللفظ يشمل جميع معانيه التي يقتضيها المقام(7).
ولماذا ينكر الأعداء الاقوياء على المسلمين حقهم في الدفاع عن أنفسهم وأوطانهم وهم يتدخلون صراحة في شؤون الدول والشعوب الأخرى، ويعيثون في الأرض فساداً، ويشنون حروباً ظالمة على غيرهم من المسلمين ويحتلون دولهم، وينهبون ثرواتهم، ويدمرون تاريخهم وحضارتهم، تحت مظلة ما يزعمون من مقاومة الإرهاب، والإرهابيون مجرد أفراد لا يحتاجون لحرب دولية؟ وهل نجحت هذه الحروب وتحالف أمريكا مع دول كثيرة في أوروبا وغيرها بالقضاء على الإرهاب بعد أربع سنوات؟ إن كل هذه الحروب الضروس إنما هي في الدرجة الأولى لخدمة مصالح إسرائيل والصهاينة الغاصبين، ولتحقيق سيطرتهم وبسط نفوذهم على العالم، وتفردهم بتوجيه الآخرين من منطلق زعامة أو سيادة القطب الواحد، وإقامة إمبراطورية عالمية فريدة متحكمة في شؤون الدول الأخرى المستضعفة أو الموالية لهم خوفاً أو مجاملة على حساب العالم الإسلامي.
وتؤكد السنة النبوية مضمون الأوامر القرآنية الآمرة بالسلام لنبي الرحمة العامة بالعالم، وكذلك واقع الأنظمة الإسلامية وتاريخ المسلمين.
فمن النصوص النبوية: قولـه(ص): «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»(8) أي من أجل الثبات في المعارك الحربية التي تتطلب القوة والبأس والشجاعة، كما هو معلوم من طبيعة الحرب وحب الانتصار.
وأما تاريخ المسلمين في العهد النبوي والخلافة الراشدية والأموية والعباسية وغيرها: فواضح من تتبع هذا التاريخ، أنه لم يكن المسلمون يوماً ما المهاجمين المبتدئين بالاعتداء أو الحرب، وإنما كان غيرهم هم الذين اعتدوا على المسلمين، وشنوا عليهم الحروب، ويعذر بعض القادة المسلمين في الرد الحاسم على الأعداء إن فتحوا جبهة حربية في مواقع متعددة غير مباشرة مثل مصر والمغرب العربي، فتلك استراتيجية عسكرية مشروعة ومعلومة.
وأما الآيات الداعية إلى القتال على الإطلاق مثل: ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ( (التوبة:36) ومثل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِر( (التوبة:29) فهي كما صرح النص فيهما في حال الحرب المعلنة من العدو، أو قيام حالة الحرب، والحرب لا تعرف عادةً الهوادة أو اللين، وإلا كان ذلك سخرية وعبثاً إن لم تتوافر الشدة والثبات، ويتقيد إطلاق هذه النصوص العامة بالآيات الأخرى مثل قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ
وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ( (البقرة:190) فهذه الآية مقيد فيها تشريع القتال بحال رد العدوان، والآيات الأخرى مطلقة عن التقييد، ومن القواعد الأصولية في شرعنا: أنه يحمل المطلق على المقيد، أي يفسر المطلق في ضوء النص الوارد بالتقييد.
الباعث علىالقتال في الفقه الإسلامي في رأي أغلب الفقهاء ليس هو الكفر أو المخالفة في الدين، وإنما هو الاعتداء والحرابة أو دفع العدوان، والعمل على تمكين البشرية من ممارسة الحرية التي يصادرها قادتهم وحكامهم، وللعدوان مظاهر مختلفة، فكان في عهد النبي(ص) ذا منهجين أو صورتين:
إحداهما: أن يهاجم الأعداء جماعة المسلمين، فلابد من إحباط الهجوم وقمع العدوان، وقد خاض النبي(ص) سبعاً وعشرين معركة (9). كان المشركون ,وأعوانهم ومنهم الروم والفرس هم المعتدين، وقد صبر النبي وصحابته بأمر الله تعالى قرابة خمسة عشر عاماً (13 عاماً في مكة ونحو عامين في المدينة) على أذى الأعداء، والتزموا ظاهرة العفو والصفح عنهم، وآثر السلام معهم، حتى أذن للمسلمين بالقتال في قوله تعالى:
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ( (الحج:39).
والثانية: أن يَفتنوا المسلمين عن دينهم أي إنهم يحاولون ارتدادهم عن الدين، فكان على النبي وصحبه أن يمنع ذلك الاعتداء الواقع على حرية الفكر والعقيدة(10).
وأما الفقهاء المسلمون الذين يخطئ المستشرقون بفهم مذاهبهم وادعائهم أن مشروعية الجهاد في الإسلام قائمة على الهجوم لا مجرد الدفاع، فيكفيني أن أنقل تلك الكلمة الرائعة للفقيه المشهور عمرو بن الصلاح حيث قال مقرراً مذهب جمهور العلماء في أن الباعث على الحرب أو القتال في الإسلام هو الاعتداء لا الكفر: «إن الاصل هو إبقاء الكفار وتقريرهم، لأن الله تعالى ما أراد إفناء الخلق ولا خلقهم ليقتلوا، وإنما أبيح قتلهم لعارض ضرر وجد منهم، لا أن ذلك جزاء على كفرهم، فإن دار الدنيا ليست جزاء، بل الجزاء في الآخرة. فإذا دخلوا في الذمة (المعاهدة السلمية مع المسلمين) والتزموا أحكامنا (السيادة التشريعية أو سيادة القانون الداخلي الإسلامي) انتفعنا بهم في المعاش في الدنيا وعمارتها، فلم يبق لنا أرب في قتلهم، وحسابهم على الله تعالى، ولأنهم إذا مكنوا من المقام في دار الإسلام (الوطن الإسلامي) ربما شاهدوا بدائع صنع الله في فطرته، وودائع حكمته في خليقته.. وإذا كان الأمر بهذه المثابة، لم يجز أن يقال: إن القتل أصلهم»(11) أي إن الأصل أو القاعدة العامة هو السلم وليس الحرب أو القتال.
غير أن الإسلام عزيز قوي منيع لا يقبل لأتباعه إلا العزة والقوة والكرامة، وصون الحقوق، وإقامة صرح العدل، على قاعدة وطيدة من السلم، وقائمة على أساس المساواة مع الآخرين، فلا يتوافر السلام من جانب واحد، وإنما من الجميع، ويستحيل أن يسمى هذا السلم الذي يكون لصالح الأقوياء والمتسلطين والغاصبين والمعتدين سلماً عادلاً أو صحيحاً متزناً ومستقراً، فيكون الدفاع عن الحقوق والمستضعفين واجباً مقدساً وشريفاً، وهو ما يقره العقلاء وتعترف به الشرائع الدولية، لذا كانت المقاومة للمحتل حقاً مشروعاً من غير أي شك.
فإن امتنع العدوان من الآخرين، ورفع الضرر والظلم، وتوقف الأعداء عن أطماعهم وتدخلاتهم المتكررة في التاريخ، كان المسلمون أشد الناس احتراماً لقاعدة السلم والأمن الدوليين، كما تقدم، بل وإشاعة المودة المتبادلة، وغرس المحبة والثقة، وانتزاع
فتيل الحرب.
ومن أجل هذا كان الأصل الطبيعي أو القاعدة العامة بين المسلمين وغيرهم هو السلم وليس الحرب، فالله هو السلام، وتحية المسلمين على الدوام السلام، والجنة دار السلام، والدنيا مهد السلام، ودعوات جميع الأنبياء والمرسلين هي دعوة الحق والعدل والسلام، والقيم العليا القائمة أساساً على الوسطية والاعتدال.
وما أكثر النصوص التشريعية في القرآن الكريم الداعية والآمرة بالسلام، وأن الحرب استثناء، وأن العالم كله كما قرر الإمام الشافعي دار واحدة، وتقسيمها إلى دارين أمر طارئ بسبب نشوب الحرب، وهو عين ما قرره فقهاء القانون الدولي: يترتب على قيام الحرب وجود فريقين: متحاربين، ومسالمين أو محايدين.
ومن آي القرآن الكريم الآمره بالسلام قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ( (البقرة:208)، وقوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ( (لأنفال:61). وقوله (عزوجل):
( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً( (النساء:90) (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( (الممتحنة:8).
والسلم في هذه الآيات: الصلح والسلام ودين الإسلام الحق المنسجم مع العقل والمنطق والحكمة والقيم السامية، واللفظ يشمل جميع معانيه التي يقتضيها المقام(7).
ولماذا ينكر الأعداء الاقوياء على المسلمين حقهم في الدفاع عن أنفسهم وأوطانهم وهم يتدخلون صراحة في شؤون الدول والشعوب الأخرى، ويعيثون في الأرض فساداً، ويشنون حروباً ظالمة على غيرهم من المسلمين ويحتلون دولهم، وينهبون ثرواتهم، ويدمرون تاريخهم وحضارتهم، تحت مظلة ما يزعمون من مقاومة الإرهاب، والإرهابيون مجرد أفراد لا يحتاجون لحرب دولية؟ وهل نجحت هذه الحروب وتحالف أمريكا مع دول كثيرة في أوروبا وغيرها بالقضاء على الإرهاب بعد أربع سنوات؟ إن كل هذه الحروب الضروس إنما هي في الدرجة الأولى لخدمة مصالح إسرائيل والصهاينة الغاصبين، ولتحقيق سيطرتهم وبسط نفوذهم على العالم، وتفردهم بتوجيه الآخرين من منطلق زعامة أو سيادة القطب الواحد، وإقامة إمبراطورية عالمية فريدة متحكمة في شؤون الدول الأخرى المستضعفة أو الموالية لهم خوفاً أو مجاملة على حساب العالم الإسلامي.
وتؤكد السنة النبوية مضمون الأوامر القرآنية الآمرة بالسلام لنبي الرحمة العامة بالعالم، وكذلك واقع الأنظمة الإسلامية وتاريخ المسلمين.
فمن النصوص النبوية: قولـه(ص): «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»(8) أي من أجل الثبات في المعارك الحربية التي تتطلب القوة والبأس والشجاعة، كما هو معلوم من طبيعة الحرب وحب الانتصار.
وأما تاريخ المسلمين في العهد النبوي والخلافة الراشدية والأموية والعباسية وغيرها: فواضح من تتبع هذا التاريخ، أنه لم يكن المسلمون يوماً ما المهاجمين المبتدئين بالاعتداء أو الحرب، وإنما كان غيرهم هم الذين اعتدوا على المسلمين، وشنوا عليهم الحروب، ويعذر بعض القادة المسلمين في الرد الحاسم على الأعداء إن فتحوا جبهة حربية في مواقع متعددة غير مباشرة مثل مصر والمغرب العربي، فتلك استراتيجية عسكرية مشروعة ومعلومة.
وأما الآيات الداعية إلى القتال على الإطلاق مثل: ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ( (التوبة:36) ومثل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِر( (التوبة:29) فهي كما صرح النص فيهما في حال الحرب المعلنة من العدو، أو قيام حالة الحرب، والحرب لا تعرف عادةً الهوادة أو اللين، وإلا كان ذلك سخرية وعبثاً إن لم تتوافر الشدة والثبات، ويتقيد إطلاق هذه النصوص العامة بالآيات الأخرى مثل قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ
وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ( (البقرة:190) فهذه الآية مقيد فيها تشريع القتال بحال رد العدوان، والآيات الأخرى مطلقة عن التقييد، ومن القواعد الأصولية في شرعنا: أنه يحمل المطلق على المقيد، أي يفسر المطلق في ضوء النص الوارد بالتقييد.
الباعث علىالقتال في الفقه الإسلامي في رأي أغلب الفقهاء ليس هو الكفر أو المخالفة في الدين، وإنما هو الاعتداء والحرابة أو دفع العدوان، والعمل على تمكين البشرية من ممارسة الحرية التي يصادرها قادتهم وحكامهم، وللعدوان مظاهر مختلفة، فكان في عهد النبي(ص) ذا منهجين أو صورتين:
إحداهما: أن يهاجم الأعداء جماعة المسلمين، فلابد من إحباط الهجوم وقمع العدوان، وقد خاض النبي(ص) سبعاً وعشرين معركة (9). كان المشركون ,وأعوانهم ومنهم الروم والفرس هم المعتدين، وقد صبر النبي وصحابته بأمر الله تعالى قرابة خمسة عشر عاماً (13 عاماً في مكة ونحو عامين في المدينة) على أذى الأعداء، والتزموا ظاهرة العفو والصفح عنهم، وآثر السلام معهم، حتى أذن للمسلمين بالقتال في قوله تعالى:
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ( (الحج:39).
والثانية: أن يَفتنوا المسلمين عن دينهم أي إنهم يحاولون ارتدادهم عن الدين، فكان على النبي وصحبه أن يمنع ذلك الاعتداء الواقع على حرية الفكر والعقيدة(10).
وأما الفقهاء المسلمون الذين يخطئ المستشرقون بفهم مذاهبهم وادعائهم أن مشروعية الجهاد في الإسلام قائمة على الهجوم لا مجرد الدفاع، فيكفيني أن أنقل تلك الكلمة الرائعة للفقيه المشهور عمرو بن الصلاح حيث قال مقرراً مذهب جمهور العلماء في أن الباعث على الحرب أو القتال في الإسلام هو الاعتداء لا الكفر: «إن الاصل هو إبقاء الكفار وتقريرهم، لأن الله تعالى ما أراد إفناء الخلق ولا خلقهم ليقتلوا، وإنما أبيح قتلهم لعارض ضرر وجد منهم، لا أن ذلك جزاء على كفرهم، فإن دار الدنيا ليست جزاء، بل الجزاء في الآخرة. فإذا دخلوا في الذمة (المعاهدة السلمية مع المسلمين) والتزموا أحكامنا (السيادة التشريعية أو سيادة القانون الداخلي الإسلامي) انتفعنا بهم في المعاش في الدنيا وعمارتها، فلم يبق لنا أرب في قتلهم، وحسابهم على الله تعالى، ولأنهم إذا مكنوا من المقام في دار الإسلام (الوطن الإسلامي) ربما شاهدوا بدائع صنع الله في فطرته، وودائع حكمته في خليقته.. وإذا كان الأمر بهذه المثابة، لم يجز أن يقال: إن القتل أصلهم»(11) أي إن الأصل أو القاعدة العامة هو السلم وليس الحرب أو القتال.