By عبدالله الشعلان333 - الثلاثاء نوفمبر 26, 2013 10:02 am
- الثلاثاء نوفمبر 26, 2013 10:02 am
#66206
تعتمد الدول في الوقت الحاضر على استخدام المذكرات الدبلوماسية لمخاطبة بعضها الاخر ، فهي وسيلة دبلوماسية الاكثر استخداما والايسر عملا . ووسيلة مباشرة تحدد الاراء والمواقف بصورة رسمية .
وقد لجأت الدول إلى هذه الوسيلة منذ اقدم العصور حتى الوقت الحاضر ، ولاتزال تعد الوسيلة الدبلوماسية المتقدمة على الوسائل الدبلوماسية لمعالجة وتسوية المنازعات بين الدول .
وللمذكرات الدبلوماسية اسلوب خاص لايختلف من دولة إلى دولة . فعلى الرغم من ان الدول تختلف في النظم السياسية والقانونية والاقتصادية والايدلوجية إلا ان اسلوب المذكرات الدبلوماسية واحد بين جميع الدول .
وقد اعتمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم اسلوبا دبلوماسيا كما كان هو معروف بين الدول والذي لايزال معتمدا ذاته في الوقت الحاضر ، من ناحية شكل المذكرة الدبلوماسية واسلوبها .
وسنتناول اسلوب المذكرات الدبلوماسية في الفقرات الاتية :
اولا- شعار المذكرة الدبلوماسية
تحرر المذكرات الدبلوماسية بصيغة موحدة ومتقاربة والفاظ محددة ، وان اختلفت مضامينها تبعا لاختلاف الموضوعات التي تعالجها .
وتبدأ المذكرات الدبلوماسية بشعار الدولة الخاص بها والذي يميزها عن الدول الأخرى . فلكل دولة ان تضع شعارا على اوراقها الرسمية تختاره بما يناسبها . وغالبا ما يمثل هذا الشعار علامات أو عبارات يحددها قانون كل دولة ، ويوضع في اعلى المذكرة . والغرض منه التعريف بالدولة . ومن حق الدولة ان تغير هذا الشعار بحسب ما تراه .
وكان العرب قبل الإسلام يفتتحون مذكراتهم ومراسلاتهم بعبارة (( باسمك اللهم )) و (( باسم اللات وباسم العزة )). وقد بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم مذكراته بالعبارة الاولى . فاكانت مذكراته الدبلوماسية تبدأ (( باسمك اللهم )) وكتب في ذلك اربع مذكرات دبلوماسية . ثم نزلت (( باسمك الله مجريها )) فكتب عبارة (( بسم الله )) .
وبعد ان نزلت ((ادعوا الله وادعوا الرحمن )) فبدأ يكتب مذكراته الدبلوماسية ومراسلاته (( بسم الله الرحمن )) . وعندما نزلت (( انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم )) اصبحت جميع مذكراته الدبلوماسية ومراسلاته تكتب (( بسم الله الرحمن الرحيم )).
وهذه العبارة اصبحت تبدأ بها جميع صور القران الكريم ، وتتصدر الخطب . غير ان ما يختلف عن المذكرات الدبلوماسية عن الخطب ، هو ان المذكرات الدبلوماسية تبدأ بعبارة (( بسم الله الرحمن الرحيم )) .اما الخطب فتبدأ ((بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين )). اما الفعل فلايعتد به شرعا مالم يصدر باسمه تعالى . لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم
(( كل امر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فهو ابتر ).وعبارة بسم الله الرحمن الرحيم تكتب بطريقة خاصة . فقد روي عن معاوية انه كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : (( القي الدواة وحرف القلم وقم الباء وجر السين ولاتعور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجر الرحيم).
وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم : (( اذا كتب احدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن )) . وفي رواية عن انس ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال : (( اذا كتبتم كتابا فجودوا بسم الله الرحمن الرحيم تقضي لكم الحوائج وفيه رضا الله )) . وقال : (( اذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين منه ))(9).وقد استخدم هذا الشعار في مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم واستخدمه الخلفاء الراشدون والامويون والعباسيون والعثمانيون .
وعلى الرغم من ان الدول الإسلامية في الوقت الحاضر قد اتخذت شعارات خاصة بها إلا انها تضع عبارة (( بسم الله الرحمن الرحيم )) على مذكراتها الدبلوماسية عند التخاطب مع الدول ، ليس لصفة الشعار وانما لصفة الوجوب أو التبرك به ذلك ان كل دولة حددت شعارها الخاص بها بموجب قوانينها الخاصة.
ثانيا – البدء بتعريف المرسل
لما كانت السيادة احد عناصر الدول الثلاث الاساسية ، فان متطلبات تلك السيادة ان تظهر الدولة وكانها صاحبة السلطة والسلطان ، وانها متقدمة على غيرها من الدول ، بغض النظر عن كبر وصغر الدولة وقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية . والدولة عندما تريد ان تبرز ذلك فانها تراعي من جانب اخر إلا تثير حفيظة الدول الأخرى التي تتخاطب معها ، فتشير إلى تمسكها بسيادتها باسلوب دبلوماسي عن طريق التحية في مذكراتها الدبلوماسية التي ترسلها إلى الدول الأخرى فتقول مثلا (( تهدي الحكومة العراقية تحياتها إلى الحكومة الاردنية )) . وبذلك تبدأ الدولة بذكر اسمها اولا ثم اسم المرسل اليه بحجة التحية .
ويقدم اسم الدولة ليس في المذكرات الدبلوماسية فحسب بل ايضا في المعاهدات الدولية . حيث تحتفظ كل دولة بنسخة من المعاهدات التي تعقدها مع الدول الأخرى فيها اسم الدولة مقدم على الطرف الاخر . كذلك تذكر الدولة اسمها اولا في المحافل الدولية وفي برقيات التهاني والتعزية التي ترسل لرؤساء الدول وفي وسائل الاعلامية التي تمتلكها بغض النظر عن كبر وصغر الدولة .
وقد استخدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الاسلوب في المذكرات التي ارسلها إلى الملوك والامراء وشيوخ القبائل . حيث تبدأ هذه المذكرات بذكر اسمه وصفة النبوة . فجاء بالمذكرات من محمد رسول الله إلى …او هذا كتاب من محمد النبي إلى … أو هذا ما كتبه النبي محمد لـ ….
وبذلك فقد بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتعريف نفسه اولا وببيان صفته . وبعد ذلك يذكر اسم المرسل اليه .
وقد عدّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذكر اسم المرسل سنة واجبة على كل مسلم عند مخاطبته المرسل اليه . فقد روي عنه انه قال : (( اذا كتب احدكم إلى انسان فليبدأ بنفسه وقيل ان السنة في كتابة المذكرات الدبلوماسية ان يبدأ الكاتب بنفسه))
ثالثا – طريقة نقل المذكرات الدبلوماسية
تنقل المذكرات الدبلوماسية بين الدول عبر الطرق الدبلوماسية وبحسب اهمية الموضوع الذي تتناولة المذكرة الدبلومسية . فقد يقوم بنقلها رئيس الوزراء أو مستشار رئيس الدولة أو وزير أو وكيل وزارة أو رئيس دائرة في الخارجية أو سفير يبعث لهذه المهمة . وينظم هذا الاسلوب اتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969 أو السفير المعتمد في الدولة المرسل اليها وينظم هذا الاسلوب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
وقد اعتمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم اسلوب البعثات الخاصة المعمول به في القانون الدولي المعاصر طبقا لاتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969. اما النوع الثاني وهو اسلوب البعثات المعتمدة فلم يعمل بهذا الاسلوب بين الدول في ذلك الوقت ، ومع ذلك فقد شهد هذا النوع هذا تطبيقا لاول مرة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما ارسل ممثلين له مقيمين . الاول إلى البحرين وهو العلاء الحضرمي والثاني الىعمان وهو عمرو بن العاص ، حيث عين ممثلين عنه مقيمين دائميين يتصلان به مباشرة . ونعتقد ان هذا الاسلوب شهد اول تطبيق له في التاريخ الدبلوماسي كان في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم . ولا يرد على ذلك بان كل من عمان والبحرين اصبحتا من الدول التابعة للدولة الإسلامية ، لان تلك الدولتان وغيرهما كانت تتمتع باستقلال كامل عن الدولة الإسلامية إلا ما تعلق من الناحية الدينية .
وكانت الوسيلة العامة لارسال المذكرات الدبلوماسية للملوك والامراء وشيوخ القبائل التي اعتمدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم هى ما يعبر عنها في الوقت الحاضر بالبعثات الخاصة ، التي تتحدد مهمتها في ايصال المذكرات وشرحها للمرسل اليه .
وقد اختار النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسله الذين تولوا حمل المذكرات ممن يتصفون لهذه المهمة بغض النظر عن سبقيته في الإسلام وشجاعته وتضحيته ، وانما ممن يتكلم اولا بلغة القوم الذين بعثهم اليهم وممن يتصفون بصفات دبلوماسية خاصة وجمال المنظر والمظهر وحسن الصورة والقدرة على سرعة البديهية.
رابعا- تحديد اسم المرسل اليه ولقبه
عندما ترسل الدول مذكرات دبلوماسية إلى ملوك ورؤساء الدول الأخرى فانها تذكر اسماء هولاء ومناصبهم وافضل الالقاب التي يوصفون بها والتي اختاروها لانفسم . كصاحب الجلالة أو الفخامة والسيادة وغيرها من الالقاب المحببة لديهم .
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يخاطب الملوك والامراء وشيوخ القبائل باسمهاءهم ومناصبهم والقابهم ، كعظيم الروم أو عظيم فارس وملك القوم وصاحب المملكة. فعلى الرغم من ان هولاء من المشركين ، إلا انهم يمثلون قادة دول لها مكانتها في العلاقات الدولية ، وان احترامهم إنما يطيب انفسهم ولا يشعرون ان الإسلام جاء لسب سلطاتهم .
خامسا – تحية المرسل اليه
تبدأ الدول في الوقت الحاضر مذكراتها الدبلوماسية بالتحية والسلام على المرسل اليه . وتكاد ان تكون التحية بصيغة موحدة بالشكل الاتي : (( تهدي حكومة جمهورية العراق تحياتها للحكومة المصرية وتود ان تبين …)) وتنتهي المذكرة بالسلام بالشكل الاتي : (( وتنتهز الحكومة العراقية هذه الفرصة للاعراب عن بالغ تحياتها للحكومة المصرية )) . والغرض من ذلك ليس من اجل التحية بقدر ما هو ذكر اسم المرسل اولا قبل اسم المرسل اليه . وتعد الدول هذه الحالة جزء من تمسكها بسيادتها بغض النظر عن كبر أو ضغر الدولة ومكانتها الدولية.
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يبدأ مذكراته بالتحية . ولما كان غالبية المخاطبين ليسوا مسلمين ، وان صيغة السلام لاتكون إلا على المسلم ، فان السلام الوارد في المذكرات الدبلوماسية موقوف على اسلامهم فكانت العبارة : ((السلام على من اتبع الهدى )) أو : (( السلام على من آمن بالله )) أي ان السلام عند اسلام المرسل اليه . كذلك وردت التحية في المذكرات الدبلوماسية التي ارسلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم : (( سلم انت )) أو (( السلام عليك )) أو (( احمد الله اليك )) أو (( احمد اليك الله )) .وعند الانتهاء من التحية يورد عبارة (( اما بعد )) . وهي تعني الدخول بالموضوع بعد السلام .
ان البدء بالسلام على الرغم من انه من متطلبات المذكرات الدبلوماسية إلا انه يعد من قيم الاخلاق الفاضلة ، وانه يهدئ من نفوس المرسل اليهم ويخفف من الجفوة والتصلب ،ويلين النفوس المتصلبة ويطيب من خواطرها ، ويشعر المرسل اليه انه يتعامل مع نبي ورسول كريم يجيد العادات والتقاليد الدولية المتبعة بين الدول .
سادسا – المواد التي تكتب بها المذكرات
تكتب المذكرات الدبلوماسية في الوقت الحاضر باحدث انواع اجهزة الكتابة المتطورة وعلى ارقى انواع الورق ، من اجل ان تكون واضحة وسـليمة من الاخطاء النحوية واللغوية ويمكن قراءتها بصورة واضحة .
وقد كانت مواد الكتابة في عهد الرسول بدائية وغير متطورة . وقد كتب القران الكريم على العسب (( جريد النخل )) والرقاع (( الورق أو الجلد )) والاضلاع (( الرحل الصغير على قدر صنام البعير )) واللخاف (( حجر رقيق )) وصدور الرجال .
غير ان المذكرات النبوية لاهميتها وضرورة وصولها إلى الملوك والامراء سالمة وبما يليق بمناصبهم ويتطلب ان تكون خفيفة الوزن سهلة الحمل ومقاومتها لظروف الجوية خاصة وان ايصالها يتطلب مقاومتها لفترة طويلة من الزمن ، وتنقل على الحيوانات أو السير على الاقدام . ولهذه الاسباب فان افضل شئ تكتب فيه المذكرات الدبلوماسية هي جلود الحيوانات . وقد كانت مكة مشهورة بصناعة الجلود وتصدرها إلى الشام والحبشة ، وهي تفي بالمتطلبات وتناسب الظروف والاحوال ، وتعد وسيلة متقدمة في ذلك الوقت . ويطلق على الجلد الذي كتبت عليه مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم بـ(( الادم )),
وقد استعمل الرق الناعم المصقول في مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي ارسلها للملوك والامراء وشيوخ القبائل . واستعمل الحبر الاسود في كتابة المذكرات وفي ختم الختم . اما الحبر المستعمل في الكتابة من النبات العليق الاسود أو مادة الكاربون المستخلصة من الدخان المتراكم من احراق الخشب وفضلات الحيوانات المجففة والذي يطلق عليه بالسخام . حيث يتم تجميع هذه المواد من مكان وجودها ، وتخلط في الماء بمادة لزجة من اجل زيادة كثافتها وتماسكها
والى المنتصف الاول من القرن الرابع عشر الهجري كان الحبر المستعمل في ارجاء الوطن العربي حبرا محليا يصنع من النباتات وتكتب به المصاحف والكتب والرسائل والمعاملات . وقد كان الحبر القديم بطئ الجفاف ، لذلك كان الكتاب يستعملون رملا خاصا دقيق الذرات ناعم الملمس لتجفيف الحبر بعد الانتهاء من الكتابة.
سابعاً – مضمون المذكرات الدبلوماسية
سبق القول ان شكلية المذكرات الدبلوماسية المتداوله بين الدول في الوقت الحاضر من حيث شعار الدولة المرسلة وذكر المرسل قبل المرسل اليه واداء التحية وختام المذكرة تكاد ان تكون موحدة بين جميع الدول . وان الاختلاف في معالجة الموضوعات التي تتناولها المذكرات . وتتصف المذكرات الدبلوماسية بالاختصار والوضوح والدقة بالعبارات . وان ما يرد فيها من معلومات تعد وثيقة رسمية صادرة من الدولة .
وقد اتسمت المذكرات بالصفات الاتية :
1- الاقتصار على القدر الضروري من اصول المطالب من النظر إلى فروعها . ومن غير تجزئة الامور ومناقشة الاعمال الصغيرة .
2- دعوة الملوك والامراء وشيوخ القبائل الدخول في الإسلام ، وتنظيم شؤون الدول التي دخلت الإسلام من الناحية الدينية والسياسية والاقتصادية وجمع الزكاة والصدقات والتهنئة والتعازي .
3- الاقتصار في الفاظها على تقريب المعنى إلى المخاطبين بلا تكلف ولا ارتكاب تسجيع طويل . فقد كان العرب وقتئذ يرون الايجاز وحذف الفضول في الكلام من البلاغة ، بل من اعلى طبقاتها ويمدحون بلاغة الرجل بحسن الايجاز وترك الاسهاب ، ويرون التطويل عيبا ومخلا بالبلاغة ، إلا اذا اقتضت الحاجة , وان رسائلهم قليلة اللفظ كثيرة المعنى . وكانت مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم على هذا النمط ، وكان غرض مذكراته افهام الحاجة دون تكليف اوتسجيع أو تطويل .
4- استعمال الالفاظ القحلة والعبارات الجزلة والاساليب البليغة اذا كان المرسل اليه عربيا ، واستعمال الالفاظ الموجزة السهلة اذا كان المرسل اليه غير عربي(27).
5- التعبير عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن نفسه باسمه وصفته : (( من محمد رسول الله )) ، أو التكلم بضمير المتكلم (( انا )) و (( لي )) و ((جاءني)) و (( وفد عليّ )) وورد بلفظ الجمع مثل (( بلغنا )) و (( جاْنا ))(28).
6- لم يطلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مذكراته من الملوك والامراء وشيوخ القبائل التخلي عن مناصبهم اوالتخلي عن املاكهم وسلب ممتلكاتهم ، وانما الايمان بالله والدخول بدينة والحكم بما نزل عليه من أحكام . فلم تنازعهم المذكرات في مناصبهم وممتلكاتهم وانما في معتقداتهم .
7- يعد الرسول الذي يحمل المذكرة مكملا لها لما تتضمنه المذكرة والاجابة على الاسئلة والاستفسارات التي يوجهها المرسل اليه .
8- ان كل ما يحمله الرسول الذي يحمل المذكرة كان يعبر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم . فكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يجتمع بالرسل قبل ارسالهم للمرسل اليهم . ويوجههم ويوصيهم بالامور التي يراها .
9- تضمنت غالبية المذكرات التي بعثها النبي محمد صلى الله عليه وسلم خطاب اعتماد وذلك بذكر اسماء الوفد ورئيسه .
10- طلبت غالبية المذكرات من المرسل اليهم الاهتمام والرعاية بالرسل الذين يحملون مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومنحهم الامتيازات والحصانات المطلوبة ، وان لايعودوا إلا وهم راضين . وتضمنت المذكرات عبارة دبلوماسية بان ارضاء الوفد هو ارضاء للمرسل الذي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
ثامنا– وضع التاريخ على المذكرات
من الثابت ان التعامل الدولي المعاصر يوجب ان تؤرخ المذكرات الدبلوماسية . فلا تستلم المذكرة اذا كانت لا تحمل تاريخا محددا عليها . ذلك ان المذكرات الدبلوماسية وثائق دولية لا تكون كاملة بدون ان يوضع عليها تاريخا محددا . والتاريخ المعتمد في الوقت الحاضر بالنسبة لجميع الدول هو التاريخ الميلادي إلا اذا كان للدولة تاريخا خاصا بها فيوضع تاريخها الخاص إلى جانب التاريخ الميلادي .
والمعروف ان التاريخ الاسلامي هو التاريخ الهجري . غير ان المتعارف عليه ان هذا التاريخ وضع في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فقد ذكر بعض العلماء ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة في شهر ربيع الاول امر بالتاريخ . وقد استشهد العلماء بالرسالة المرسلة لنصارى نجران فقد امر النبي محمد صلى الله عليه وسلم عليا ان يؤرخ ذلك لخمس من الهجرة . فالمؤرخ بهذا التاريخ هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتبعه عمر.
تاسعا– الخط الذي كتبت به المذكرات
تكتب المذكرات الدبلوماسية في الوقت الحاضر باحدث الاجهزة الخاصة لتكون واضحة للمرسل اليه . وتتضمن هذه الاجهزة انواع متعددة من الخط ، ويجب ان يختار افضل انواع الخط المتعارف عليه بين الدول . ولا يعتمد بجمالية الخط أو رونقه بقدر ما يتطلب ان يكون واضحا .
والرسائل العربية تكتب بالخط العربي . واول من كتب بالخط العربي حمير بن سبأ . وكانوا قبل ذلك يكتبون بالمسند . وسمي بالمسند لانهم كانوا يسندونه إلى هود عليه السلام . وقد وجد هذا الخط في اثار اعالي الحجاز مَدين والحجر . وفي العراق وبادية الشام والاحساء , وكان الخط العربي قبل الإسلام خاليا من الحركات والاعجام " النقط " لعدم حاجتهم اليها ، لانهم فصحاء انطبعوا على ملكة الاعراب بالسليقة . وان نقط الحروف العربية لم يحدث إلا عند وقوع العرب في التصحيف . وان اول من وضع النقط على الحروف العربية هو ابو اسود الدؤلي من تلقين الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.
وقد كان الخط العربي وبخاصة في المدينة ومكة دون نقط ولا تشكيل . وقيل ان المذكرات التي ارسلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم كتبت بالخط المكي وزعم قسم اخر بانها كتبت بالخط المدني ، وراي ثالث قال انها كتبت بالخطين المكي والمدني . ومن الصعب ان يتضح الفرق بين الخطين .واطلق على الخط هذا ايضا بالجزم ، وقد سمي بالخط الكوفي بعد قيام الكوفي . وقد استخدم الخط العربي البسيط . وقد كتبت المذكرات في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل عدة كتاب بخط واضح مقبول وباسطر مستقيمة فيها التسلسل والمتابعة في خط واحد متكامل.
عاشراً– ختم المذكرات
تختلف الكتب الرسمية عن المذكرات الدبلوماسية . حيث تنتهي الكتب الرسمي بتوقيع الكتاب باسم المسؤول الاداري أو السياسي .بينما لاتوقع المذكرات الدبلوماسي ولا يوضع اسم السؤول عليها ، وانما تختم بختم الدائرة المرسلة .
ويبدو ان هذه الطريقة قديمة وسابقة على ظهور التواقيع . استعملت عندما كانت اسماء الأشخاص أو رمزا يختارنه لهم ينقش على اسطوانة دائرية ثم تطوى على الطين فيظهر طبعها عليه . وهي الطريقة المعول عليها بين المتراسلين عند الاقوام القديمة التي سكنت في وادي الرافدين واليمن . ولاتزال المتاحف العربية تضم العديد من هذه الاشكال الاسطوانية . ثم تطورت الاشكال الاسطوانية لتوضع على خاتم الشخص ليصبح اسمها الاختام وهي جمع خاتم . حيث تنقش حروف أو رموز أو اسماء اشخاص أو رسوم معينة على خاتم الشخص ويضعه في اصبعه ليكون معه بصورة دائمة ليمنع عنه السرقة . وعند وجود نقش الختم على الطين أو الورق أو الجلد فان الشخص صاحب الختم يكون ملتزما بما ورد في ذلك.
وعندما اراد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ان يراسل الملوك والامراء وشيوخ القبائل قيل له يارسول الله انهم لايقرؤون كتابا إلا اذا كان مختوما . فقال لعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه انقش خاتمي هذا وهو من الفضة ، فاتي الامام على كرم الله وجهه إلى النقاش وقال انقش هذا النقش(34) . فنقش ثلاثة كلمات واحدة فوق الأخرى ، الاولى الله والثانية رسول والثالثة محمد وقرأ من اسفل إلى الاعلى(35) . وقيل " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وقيل " لا اله إلا الله محمد رسول الله " (36) . غير ان المذكرات النبوية التي عثر عليه في المتاحف كانت مختومة بـ" محمد رسول الله " وتقرأ من الاسفل إلى الاعلى وان الختم بشكل دائري . ويبدو ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يختم المذكرة في نهايتها . ويختمها بعد طويها . حيث تطوى المذكرة ويوضع عليها مادة رطبة كالطين فيختمون عليها ، فلا يمكن ان تقرأ إلا بعد فض الختم لكي لا يطلع على المذكرة غير المرسل اليه(37).
وقد انتقل الخاتم بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى ابي بكر الصديق ثم إلى عمر بن الخطاب ثم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهم . وقيل ان الخاتم سقط من يده في بئر اريس بالمدينة.
الدكتور/ سهيل حسين الفتلاوي
وقد لجأت الدول إلى هذه الوسيلة منذ اقدم العصور حتى الوقت الحاضر ، ولاتزال تعد الوسيلة الدبلوماسية المتقدمة على الوسائل الدبلوماسية لمعالجة وتسوية المنازعات بين الدول .
وللمذكرات الدبلوماسية اسلوب خاص لايختلف من دولة إلى دولة . فعلى الرغم من ان الدول تختلف في النظم السياسية والقانونية والاقتصادية والايدلوجية إلا ان اسلوب المذكرات الدبلوماسية واحد بين جميع الدول .
وقد اعتمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم اسلوبا دبلوماسيا كما كان هو معروف بين الدول والذي لايزال معتمدا ذاته في الوقت الحاضر ، من ناحية شكل المذكرة الدبلوماسية واسلوبها .
وسنتناول اسلوب المذكرات الدبلوماسية في الفقرات الاتية :
اولا- شعار المذكرة الدبلوماسية
تحرر المذكرات الدبلوماسية بصيغة موحدة ومتقاربة والفاظ محددة ، وان اختلفت مضامينها تبعا لاختلاف الموضوعات التي تعالجها .
وتبدأ المذكرات الدبلوماسية بشعار الدولة الخاص بها والذي يميزها عن الدول الأخرى . فلكل دولة ان تضع شعارا على اوراقها الرسمية تختاره بما يناسبها . وغالبا ما يمثل هذا الشعار علامات أو عبارات يحددها قانون كل دولة ، ويوضع في اعلى المذكرة . والغرض منه التعريف بالدولة . ومن حق الدولة ان تغير هذا الشعار بحسب ما تراه .
وكان العرب قبل الإسلام يفتتحون مذكراتهم ومراسلاتهم بعبارة (( باسمك اللهم )) و (( باسم اللات وباسم العزة )). وقد بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم مذكراته بالعبارة الاولى . فاكانت مذكراته الدبلوماسية تبدأ (( باسمك اللهم )) وكتب في ذلك اربع مذكرات دبلوماسية . ثم نزلت (( باسمك الله مجريها )) فكتب عبارة (( بسم الله )) .
وبعد ان نزلت ((ادعوا الله وادعوا الرحمن )) فبدأ يكتب مذكراته الدبلوماسية ومراسلاته (( بسم الله الرحمن )) . وعندما نزلت (( انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم )) اصبحت جميع مذكراته الدبلوماسية ومراسلاته تكتب (( بسم الله الرحمن الرحيم )).
وهذه العبارة اصبحت تبدأ بها جميع صور القران الكريم ، وتتصدر الخطب . غير ان ما يختلف عن المذكرات الدبلوماسية عن الخطب ، هو ان المذكرات الدبلوماسية تبدأ بعبارة (( بسم الله الرحمن الرحيم )) .اما الخطب فتبدأ ((بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين )). اما الفعل فلايعتد به شرعا مالم يصدر باسمه تعالى . لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم
(( كل امر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فهو ابتر ).وعبارة بسم الله الرحمن الرحيم تكتب بطريقة خاصة . فقد روي عن معاوية انه كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : (( القي الدواة وحرف القلم وقم الباء وجر السين ولاتعور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجر الرحيم).
وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم : (( اذا كتب احدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن )) . وفي رواية عن انس ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال : (( اذا كتبتم كتابا فجودوا بسم الله الرحمن الرحيم تقضي لكم الحوائج وفيه رضا الله )) . وقال : (( اذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين منه ))(9).وقد استخدم هذا الشعار في مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم واستخدمه الخلفاء الراشدون والامويون والعباسيون والعثمانيون .
وعلى الرغم من ان الدول الإسلامية في الوقت الحاضر قد اتخذت شعارات خاصة بها إلا انها تضع عبارة (( بسم الله الرحمن الرحيم )) على مذكراتها الدبلوماسية عند التخاطب مع الدول ، ليس لصفة الشعار وانما لصفة الوجوب أو التبرك به ذلك ان كل دولة حددت شعارها الخاص بها بموجب قوانينها الخاصة.
ثانيا – البدء بتعريف المرسل
لما كانت السيادة احد عناصر الدول الثلاث الاساسية ، فان متطلبات تلك السيادة ان تظهر الدولة وكانها صاحبة السلطة والسلطان ، وانها متقدمة على غيرها من الدول ، بغض النظر عن كبر وصغر الدولة وقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية . والدولة عندما تريد ان تبرز ذلك فانها تراعي من جانب اخر إلا تثير حفيظة الدول الأخرى التي تتخاطب معها ، فتشير إلى تمسكها بسيادتها باسلوب دبلوماسي عن طريق التحية في مذكراتها الدبلوماسية التي ترسلها إلى الدول الأخرى فتقول مثلا (( تهدي الحكومة العراقية تحياتها إلى الحكومة الاردنية )) . وبذلك تبدأ الدولة بذكر اسمها اولا ثم اسم المرسل اليه بحجة التحية .
ويقدم اسم الدولة ليس في المذكرات الدبلوماسية فحسب بل ايضا في المعاهدات الدولية . حيث تحتفظ كل دولة بنسخة من المعاهدات التي تعقدها مع الدول الأخرى فيها اسم الدولة مقدم على الطرف الاخر . كذلك تذكر الدولة اسمها اولا في المحافل الدولية وفي برقيات التهاني والتعزية التي ترسل لرؤساء الدول وفي وسائل الاعلامية التي تمتلكها بغض النظر عن كبر وصغر الدولة .
وقد استخدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الاسلوب في المذكرات التي ارسلها إلى الملوك والامراء وشيوخ القبائل . حيث تبدأ هذه المذكرات بذكر اسمه وصفة النبوة . فجاء بالمذكرات من محمد رسول الله إلى …او هذا كتاب من محمد النبي إلى … أو هذا ما كتبه النبي محمد لـ ….
وبذلك فقد بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتعريف نفسه اولا وببيان صفته . وبعد ذلك يذكر اسم المرسل اليه .
وقد عدّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذكر اسم المرسل سنة واجبة على كل مسلم عند مخاطبته المرسل اليه . فقد روي عنه انه قال : (( اذا كتب احدكم إلى انسان فليبدأ بنفسه وقيل ان السنة في كتابة المذكرات الدبلوماسية ان يبدأ الكاتب بنفسه))
ثالثا – طريقة نقل المذكرات الدبلوماسية
تنقل المذكرات الدبلوماسية بين الدول عبر الطرق الدبلوماسية وبحسب اهمية الموضوع الذي تتناولة المذكرة الدبلومسية . فقد يقوم بنقلها رئيس الوزراء أو مستشار رئيس الدولة أو وزير أو وكيل وزارة أو رئيس دائرة في الخارجية أو سفير يبعث لهذه المهمة . وينظم هذا الاسلوب اتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969 أو السفير المعتمد في الدولة المرسل اليها وينظم هذا الاسلوب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
وقد اعتمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم اسلوب البعثات الخاصة المعمول به في القانون الدولي المعاصر طبقا لاتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969. اما النوع الثاني وهو اسلوب البعثات المعتمدة فلم يعمل بهذا الاسلوب بين الدول في ذلك الوقت ، ومع ذلك فقد شهد هذا النوع هذا تطبيقا لاول مرة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما ارسل ممثلين له مقيمين . الاول إلى البحرين وهو العلاء الحضرمي والثاني الىعمان وهو عمرو بن العاص ، حيث عين ممثلين عنه مقيمين دائميين يتصلان به مباشرة . ونعتقد ان هذا الاسلوب شهد اول تطبيق له في التاريخ الدبلوماسي كان في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم . ولا يرد على ذلك بان كل من عمان والبحرين اصبحتا من الدول التابعة للدولة الإسلامية ، لان تلك الدولتان وغيرهما كانت تتمتع باستقلال كامل عن الدولة الإسلامية إلا ما تعلق من الناحية الدينية .
وكانت الوسيلة العامة لارسال المذكرات الدبلوماسية للملوك والامراء وشيوخ القبائل التي اعتمدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم هى ما يعبر عنها في الوقت الحاضر بالبعثات الخاصة ، التي تتحدد مهمتها في ايصال المذكرات وشرحها للمرسل اليه .
وقد اختار النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسله الذين تولوا حمل المذكرات ممن يتصفون لهذه المهمة بغض النظر عن سبقيته في الإسلام وشجاعته وتضحيته ، وانما ممن يتكلم اولا بلغة القوم الذين بعثهم اليهم وممن يتصفون بصفات دبلوماسية خاصة وجمال المنظر والمظهر وحسن الصورة والقدرة على سرعة البديهية.
رابعا- تحديد اسم المرسل اليه ولقبه
عندما ترسل الدول مذكرات دبلوماسية إلى ملوك ورؤساء الدول الأخرى فانها تذكر اسماء هولاء ومناصبهم وافضل الالقاب التي يوصفون بها والتي اختاروها لانفسم . كصاحب الجلالة أو الفخامة والسيادة وغيرها من الالقاب المحببة لديهم .
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يخاطب الملوك والامراء وشيوخ القبائل باسمهاءهم ومناصبهم والقابهم ، كعظيم الروم أو عظيم فارس وملك القوم وصاحب المملكة. فعلى الرغم من ان هولاء من المشركين ، إلا انهم يمثلون قادة دول لها مكانتها في العلاقات الدولية ، وان احترامهم إنما يطيب انفسهم ولا يشعرون ان الإسلام جاء لسب سلطاتهم .
خامسا – تحية المرسل اليه
تبدأ الدول في الوقت الحاضر مذكراتها الدبلوماسية بالتحية والسلام على المرسل اليه . وتكاد ان تكون التحية بصيغة موحدة بالشكل الاتي : (( تهدي حكومة جمهورية العراق تحياتها للحكومة المصرية وتود ان تبين …)) وتنتهي المذكرة بالسلام بالشكل الاتي : (( وتنتهز الحكومة العراقية هذه الفرصة للاعراب عن بالغ تحياتها للحكومة المصرية )) . والغرض من ذلك ليس من اجل التحية بقدر ما هو ذكر اسم المرسل اولا قبل اسم المرسل اليه . وتعد الدول هذه الحالة جزء من تمسكها بسيادتها بغض النظر عن كبر أو ضغر الدولة ومكانتها الدولية.
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يبدأ مذكراته بالتحية . ولما كان غالبية المخاطبين ليسوا مسلمين ، وان صيغة السلام لاتكون إلا على المسلم ، فان السلام الوارد في المذكرات الدبلوماسية موقوف على اسلامهم فكانت العبارة : ((السلام على من اتبع الهدى )) أو : (( السلام على من آمن بالله )) أي ان السلام عند اسلام المرسل اليه . كذلك وردت التحية في المذكرات الدبلوماسية التي ارسلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم : (( سلم انت )) أو (( السلام عليك )) أو (( احمد الله اليك )) أو (( احمد اليك الله )) .وعند الانتهاء من التحية يورد عبارة (( اما بعد )) . وهي تعني الدخول بالموضوع بعد السلام .
ان البدء بالسلام على الرغم من انه من متطلبات المذكرات الدبلوماسية إلا انه يعد من قيم الاخلاق الفاضلة ، وانه يهدئ من نفوس المرسل اليهم ويخفف من الجفوة والتصلب ،ويلين النفوس المتصلبة ويطيب من خواطرها ، ويشعر المرسل اليه انه يتعامل مع نبي ورسول كريم يجيد العادات والتقاليد الدولية المتبعة بين الدول .
سادسا – المواد التي تكتب بها المذكرات
تكتب المذكرات الدبلوماسية في الوقت الحاضر باحدث انواع اجهزة الكتابة المتطورة وعلى ارقى انواع الورق ، من اجل ان تكون واضحة وسـليمة من الاخطاء النحوية واللغوية ويمكن قراءتها بصورة واضحة .
وقد كانت مواد الكتابة في عهد الرسول بدائية وغير متطورة . وقد كتب القران الكريم على العسب (( جريد النخل )) والرقاع (( الورق أو الجلد )) والاضلاع (( الرحل الصغير على قدر صنام البعير )) واللخاف (( حجر رقيق )) وصدور الرجال .
غير ان المذكرات النبوية لاهميتها وضرورة وصولها إلى الملوك والامراء سالمة وبما يليق بمناصبهم ويتطلب ان تكون خفيفة الوزن سهلة الحمل ومقاومتها لظروف الجوية خاصة وان ايصالها يتطلب مقاومتها لفترة طويلة من الزمن ، وتنقل على الحيوانات أو السير على الاقدام . ولهذه الاسباب فان افضل شئ تكتب فيه المذكرات الدبلوماسية هي جلود الحيوانات . وقد كانت مكة مشهورة بصناعة الجلود وتصدرها إلى الشام والحبشة ، وهي تفي بالمتطلبات وتناسب الظروف والاحوال ، وتعد وسيلة متقدمة في ذلك الوقت . ويطلق على الجلد الذي كتبت عليه مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم بـ(( الادم )),
وقد استعمل الرق الناعم المصقول في مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي ارسلها للملوك والامراء وشيوخ القبائل . واستعمل الحبر الاسود في كتابة المذكرات وفي ختم الختم . اما الحبر المستعمل في الكتابة من النبات العليق الاسود أو مادة الكاربون المستخلصة من الدخان المتراكم من احراق الخشب وفضلات الحيوانات المجففة والذي يطلق عليه بالسخام . حيث يتم تجميع هذه المواد من مكان وجودها ، وتخلط في الماء بمادة لزجة من اجل زيادة كثافتها وتماسكها
والى المنتصف الاول من القرن الرابع عشر الهجري كان الحبر المستعمل في ارجاء الوطن العربي حبرا محليا يصنع من النباتات وتكتب به المصاحف والكتب والرسائل والمعاملات . وقد كان الحبر القديم بطئ الجفاف ، لذلك كان الكتاب يستعملون رملا خاصا دقيق الذرات ناعم الملمس لتجفيف الحبر بعد الانتهاء من الكتابة.
سابعاً – مضمون المذكرات الدبلوماسية
سبق القول ان شكلية المذكرات الدبلوماسية المتداوله بين الدول في الوقت الحاضر من حيث شعار الدولة المرسلة وذكر المرسل قبل المرسل اليه واداء التحية وختام المذكرة تكاد ان تكون موحدة بين جميع الدول . وان الاختلاف في معالجة الموضوعات التي تتناولها المذكرات . وتتصف المذكرات الدبلوماسية بالاختصار والوضوح والدقة بالعبارات . وان ما يرد فيها من معلومات تعد وثيقة رسمية صادرة من الدولة .
وقد اتسمت المذكرات بالصفات الاتية :
1- الاقتصار على القدر الضروري من اصول المطالب من النظر إلى فروعها . ومن غير تجزئة الامور ومناقشة الاعمال الصغيرة .
2- دعوة الملوك والامراء وشيوخ القبائل الدخول في الإسلام ، وتنظيم شؤون الدول التي دخلت الإسلام من الناحية الدينية والسياسية والاقتصادية وجمع الزكاة والصدقات والتهنئة والتعازي .
3- الاقتصار في الفاظها على تقريب المعنى إلى المخاطبين بلا تكلف ولا ارتكاب تسجيع طويل . فقد كان العرب وقتئذ يرون الايجاز وحذف الفضول في الكلام من البلاغة ، بل من اعلى طبقاتها ويمدحون بلاغة الرجل بحسن الايجاز وترك الاسهاب ، ويرون التطويل عيبا ومخلا بالبلاغة ، إلا اذا اقتضت الحاجة , وان رسائلهم قليلة اللفظ كثيرة المعنى . وكانت مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم على هذا النمط ، وكان غرض مذكراته افهام الحاجة دون تكليف اوتسجيع أو تطويل .
4- استعمال الالفاظ القحلة والعبارات الجزلة والاساليب البليغة اذا كان المرسل اليه عربيا ، واستعمال الالفاظ الموجزة السهلة اذا كان المرسل اليه غير عربي(27).
5- التعبير عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن نفسه باسمه وصفته : (( من محمد رسول الله )) ، أو التكلم بضمير المتكلم (( انا )) و (( لي )) و ((جاءني)) و (( وفد عليّ )) وورد بلفظ الجمع مثل (( بلغنا )) و (( جاْنا ))(28).
6- لم يطلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مذكراته من الملوك والامراء وشيوخ القبائل التخلي عن مناصبهم اوالتخلي عن املاكهم وسلب ممتلكاتهم ، وانما الايمان بالله والدخول بدينة والحكم بما نزل عليه من أحكام . فلم تنازعهم المذكرات في مناصبهم وممتلكاتهم وانما في معتقداتهم .
7- يعد الرسول الذي يحمل المذكرة مكملا لها لما تتضمنه المذكرة والاجابة على الاسئلة والاستفسارات التي يوجهها المرسل اليه .
8- ان كل ما يحمله الرسول الذي يحمل المذكرة كان يعبر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم . فكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يجتمع بالرسل قبل ارسالهم للمرسل اليهم . ويوجههم ويوصيهم بالامور التي يراها .
9- تضمنت غالبية المذكرات التي بعثها النبي محمد صلى الله عليه وسلم خطاب اعتماد وذلك بذكر اسماء الوفد ورئيسه .
10- طلبت غالبية المذكرات من المرسل اليهم الاهتمام والرعاية بالرسل الذين يحملون مذكرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومنحهم الامتيازات والحصانات المطلوبة ، وان لايعودوا إلا وهم راضين . وتضمنت المذكرات عبارة دبلوماسية بان ارضاء الوفد هو ارضاء للمرسل الذي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
ثامنا– وضع التاريخ على المذكرات
من الثابت ان التعامل الدولي المعاصر يوجب ان تؤرخ المذكرات الدبلوماسية . فلا تستلم المذكرة اذا كانت لا تحمل تاريخا محددا عليها . ذلك ان المذكرات الدبلوماسية وثائق دولية لا تكون كاملة بدون ان يوضع عليها تاريخا محددا . والتاريخ المعتمد في الوقت الحاضر بالنسبة لجميع الدول هو التاريخ الميلادي إلا اذا كان للدولة تاريخا خاصا بها فيوضع تاريخها الخاص إلى جانب التاريخ الميلادي .
والمعروف ان التاريخ الاسلامي هو التاريخ الهجري . غير ان المتعارف عليه ان هذا التاريخ وضع في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فقد ذكر بعض العلماء ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة في شهر ربيع الاول امر بالتاريخ . وقد استشهد العلماء بالرسالة المرسلة لنصارى نجران فقد امر النبي محمد صلى الله عليه وسلم عليا ان يؤرخ ذلك لخمس من الهجرة . فالمؤرخ بهذا التاريخ هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتبعه عمر.
تاسعا– الخط الذي كتبت به المذكرات
تكتب المذكرات الدبلوماسية في الوقت الحاضر باحدث الاجهزة الخاصة لتكون واضحة للمرسل اليه . وتتضمن هذه الاجهزة انواع متعددة من الخط ، ويجب ان يختار افضل انواع الخط المتعارف عليه بين الدول . ولا يعتمد بجمالية الخط أو رونقه بقدر ما يتطلب ان يكون واضحا .
والرسائل العربية تكتب بالخط العربي . واول من كتب بالخط العربي حمير بن سبأ . وكانوا قبل ذلك يكتبون بالمسند . وسمي بالمسند لانهم كانوا يسندونه إلى هود عليه السلام . وقد وجد هذا الخط في اثار اعالي الحجاز مَدين والحجر . وفي العراق وبادية الشام والاحساء , وكان الخط العربي قبل الإسلام خاليا من الحركات والاعجام " النقط " لعدم حاجتهم اليها ، لانهم فصحاء انطبعوا على ملكة الاعراب بالسليقة . وان نقط الحروف العربية لم يحدث إلا عند وقوع العرب في التصحيف . وان اول من وضع النقط على الحروف العربية هو ابو اسود الدؤلي من تلقين الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.
وقد كان الخط العربي وبخاصة في المدينة ومكة دون نقط ولا تشكيل . وقيل ان المذكرات التي ارسلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم كتبت بالخط المكي وزعم قسم اخر بانها كتبت بالخط المدني ، وراي ثالث قال انها كتبت بالخطين المكي والمدني . ومن الصعب ان يتضح الفرق بين الخطين .واطلق على الخط هذا ايضا بالجزم ، وقد سمي بالخط الكوفي بعد قيام الكوفي . وقد استخدم الخط العربي البسيط . وقد كتبت المذكرات في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل عدة كتاب بخط واضح مقبول وباسطر مستقيمة فيها التسلسل والمتابعة في خط واحد متكامل.
عاشراً– ختم المذكرات
تختلف الكتب الرسمية عن المذكرات الدبلوماسية . حيث تنتهي الكتب الرسمي بتوقيع الكتاب باسم المسؤول الاداري أو السياسي .بينما لاتوقع المذكرات الدبلوماسي ولا يوضع اسم السؤول عليها ، وانما تختم بختم الدائرة المرسلة .
ويبدو ان هذه الطريقة قديمة وسابقة على ظهور التواقيع . استعملت عندما كانت اسماء الأشخاص أو رمزا يختارنه لهم ينقش على اسطوانة دائرية ثم تطوى على الطين فيظهر طبعها عليه . وهي الطريقة المعول عليها بين المتراسلين عند الاقوام القديمة التي سكنت في وادي الرافدين واليمن . ولاتزال المتاحف العربية تضم العديد من هذه الاشكال الاسطوانية . ثم تطورت الاشكال الاسطوانية لتوضع على خاتم الشخص ليصبح اسمها الاختام وهي جمع خاتم . حيث تنقش حروف أو رموز أو اسماء اشخاص أو رسوم معينة على خاتم الشخص ويضعه في اصبعه ليكون معه بصورة دائمة ليمنع عنه السرقة . وعند وجود نقش الختم على الطين أو الورق أو الجلد فان الشخص صاحب الختم يكون ملتزما بما ورد في ذلك.
وعندما اراد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ان يراسل الملوك والامراء وشيوخ القبائل قيل له يارسول الله انهم لايقرؤون كتابا إلا اذا كان مختوما . فقال لعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه انقش خاتمي هذا وهو من الفضة ، فاتي الامام على كرم الله وجهه إلى النقاش وقال انقش هذا النقش(34) . فنقش ثلاثة كلمات واحدة فوق الأخرى ، الاولى الله والثانية رسول والثالثة محمد وقرأ من اسفل إلى الاعلى(35) . وقيل " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وقيل " لا اله إلا الله محمد رسول الله " (36) . غير ان المذكرات النبوية التي عثر عليه في المتاحف كانت مختومة بـ" محمد رسول الله " وتقرأ من الاسفل إلى الاعلى وان الختم بشكل دائري . ويبدو ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يختم المذكرة في نهايتها . ويختمها بعد طويها . حيث تطوى المذكرة ويوضع عليها مادة رطبة كالطين فيختمون عليها ، فلا يمكن ان تقرأ إلا بعد فض الختم لكي لا يطلع على المذكرة غير المرسل اليه(37).
وقد انتقل الخاتم بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى ابي بكر الصديق ثم إلى عمر بن الخطاب ثم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهم . وقيل ان الخاتم سقط من يده في بئر اريس بالمدينة.
الدكتور/ سهيل حسين الفتلاوي