منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By عبدالله الشعلان333
#66208
الدبلوماسـية النبويـة:

بعد أن استقر النبي- صلى الله عليه وسلم -في المدينة المنورة وكوَّن الدولة الإسلامية، تصدَّى في خلال سنواتها الخمس الأولى للحملات العسكرية التي كانت تشنها قريش على المسلمين.
ثم بادر في السنة السادسة من الهجرة بالخروج إلى مكة لأداء العمرة مع ألف وأربعمائة من أصحابه، فصدته قريش عن دخول مكة، وأرسلت إليه وسطاء ورسلا حاولوا ثنيه عن دخول مكة، ومن هؤلاء: بديل بن ورقاء الخز اعي، ثم الحليس بن علقمة، ثم عروة بن مسعود الثقفي. وفشل هؤلاء الدبلوماسيون تباعا في تسوية الخلاف بين الطرفين وتقريب وجهتي نظريهما. فبعث النبي- صلى الله عليه وسلم -عثمان بن عفان سفيرا من طرفه إلى قريش، ليبلغهم أهداف هذه الرحلة الدينية التي جاء المسلمون من أجلها، وأنهم لا يريدون الحرب.
لكن قريشا احتبست عثمان عندها فشاع أنها قتلته، فأقبل الصحابة يبايعون النبي- صلى الله عليه وسلم -تحت الشجرة على قتال قريش حتى الموت؛ جرَّاء ما أشيع عن قتلها عثمان مبعوث المسلمين، وهتكها الأعراف الإنسانية الدبلوماسية في هذا الصدد.
ثم ما لبثت قريش أن أدركت حرج الموقف فأطلقت عثمان، وأرسلت سهيل بن عمرو مبعوثا جديدا، ففاوض النبي- صلى الله عليه وسلم -حتى تم الاتفاق بينهما على مجموعة نقاط، وسُمِّي هذا الاتفاق " صلح الحديبية ".
ثم لم يمض شهران على هذا الصلح حتى قام النبي- صلى الله عليه وسلم -بمكاتبة الملوك والأمراء داخل الجزيرة وخارجها، فأرسل مبعوثه الدبلوماسـي عمرو بن أمية الضمري بكتاب يحمله إلى النجاشي ملك الحبشة، كما أرسل حاطب بن أبي بلتعة مبعوثا دبلوماسيا إلى المقوقس ملك مصر، وكتب إلى كسرى ملك الفرس كتابا حمله إليه الصحابي السفير عبد الله بن حذافة السهمي، وبعث دحية بن خليفة الكلبي سفيرا بكتابه إلى قيصر ملك الروم، كما كتب إلى المنذر بن ساوى أمير البحرين كتابا حمله إليها العلاء بن الحضرمي، وبعث عمرو بن العاص سفيرا إلى ملك عمان...
ومن خلال هؤلاء الدبلوماسيين والسفراء والرسل وغيرهم ـ ممن وردت أسماؤهم في السيرة النبوية ـ استطاع النبي- صلى الله عليه وسلم -أن يبلغ دعوته، ويعرِّف هؤلاء الأمراء والملوك وشعوبهم بمبادئ الإسلام الإنسانية التي أرسله الله تعالى بها؛ لينير للناس طريق الحياة السعيدة.

الدبلوماسية في العصر الأموي:

صارت دمشق عاصمة الدولة الأموية فغدت أقوى وأقرب الحواضر الإسلامية إلى القسطنطينية عاصمة دولة بيزنطة وريثة الدولة الرومانية، فنشطت الدبلوماسية الإسلامية في تقديم العديد من الخدمات الإنمائية والتجارية حال السلم، بل قامت أيضا في حال الحرب بجهود واضحة ضخمة للوصول إلى فك الاشتباك والنزاع بين الطرفين في العديد من الحالات.
ومما يروى في هذا: أن الخليفة مروان بن عبد الملك أوفد الشعبي التابعي المعروف سفيرا إلى الإمبراطور " جوستنيان الثاني " في العام 70 للهجرة؛ وذلك لحل بعض المنازعات وتوطيد العلاقات بين الطرفين، وقد أثنى الإمبراطور في كتابه إلى الخليفة على لباقة سفيره الشعبي ومهارته وحنكته وفصاحته ونجاحه في إدارة الحوار والوصول إلى حلول مقبولة لدى الطرفين.

الدبلوماسية في العصر العباسي:

استمرت الدبلوماسية الإسلامية في أداء دورها الدعوي والإنساني وتطويره في العصر العباسي، ومن أشهر تلك النشاطات إرسال هارون الرشيد وفدا من المبعوثين، معهم الكثير من الهدايا والابتكارات الإسلامية العلمية ـ ومنها الساعة الميكانيكية الدقَّاقة ـ إلى " شارلمان " ملك الفرنجة، الذي أبدى هو وحاشيته إعجابهم بتلك الهدايا القيمة، وبما وصل إليه المسلمون ـ وقتذاك ـ من اختراعات وحضارة وتقدم.
كما أرسل الخليفة المتوكل نصر بن الأزهر سفيرا إلى إمبراطور الروم " ميخائيل " لدراسة موضوع تبادل الأسرى وقبول الفداء بين المسلمين ودولة الروم، وقد نجح هذا السفير في مهمته وافتدى ( 2300 ) أسير من المسلمين كانوا في بلاد الروم.

الدبلوماسية في عصور إسلامية لاحقة:

تابعت الدبلوماسية الإسلامية نشاطاتها حال السلم وحال الحرب بين الدولة الإسلامية والدول المجاورة، وذلك على أيدي الأمويين في الأندلس، ثم الفاطميين في مصر، ثم الأيوبيين في الشام، ثم العثمانيين في اسطنبول...
ومن هذه النشاطات الدبلوماسية المرويَّة عن الفاطميين إرسال الخليفة المستنصر بالله عددا من المبعوثين إلى " قسطنطين " ملك الروم في عام 466 للهجرة، للتفاوض معه من أجل تزويد مصر بكميات كبيرة من القمح؛ بسبب ما حلَّ بها من قحط وجفاف، فوافق الإمبراطور على ذلك، لكن المنية عاجلته قبل إنفاذ الصفقة، فخلفته في الحكم الإمبراطورة " تيودورا " واشترطت على المستنصر الدخول معها في تحالف عسكري ضد خصومها السياسيين فأبى ذلك، فامتنعت من تنفيذ الاتفاق، وفشلت البعثة الدبلوماسية في تحقيق مهمتها