منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By محمد المليحان ٣٢
#66255
في أرض اللاموعد الإسرائيلية:

في الوقت الذي تحتفل فيه دولة إسرائيل بمرور خمسة وستين عاما على إنشائها ، تتلقي الأمة اليهودية الضربات الواحدة تلو الأخرى في صميم الرؤية والأسطورة التى بنت عليها دولتها الجديدة، فكرة أرض الموعد.
أحدث تلك الضربات التى سببت أزعاجا كبيرا جداً لإسرائيل الأيام القليلة الماضية جاءت عبر تقرير صدر عن الكنيسة الاسكتلندية، شكك في الحقوق الإلهية لليهود في أرض فلسطين المقدسة.
التقرير الذي حمل عنوان "إرث إبراهيم.. تقرير حول أرض الميعاد"، يؤكد على أن الوعد بأرض إسرائيل هو أمر لم يقصد حرفيا، ولم يسعي لأن يطبق جغرافيا على أرض معينة.. ما هو معني أرض الموعد عند الكنيسة الاسكتلندية إذن؟
يوضح التقرير أن الأرض الموعودة وفقا للكتاب المقدس يمكن أن توجد في كل مكان فيه طريق للحياة في ظلال الله، حيث إقامة العدالة والسلام، وحماية الضعيف والفقير، وإشراك الفقير، ومساهمة الجميع في إظهار العدل الاجتماعية.
هل ما جاء في التقرير يتفق ورؤى إيمانية مسيحية صادقة ارتفع صوتها منذ زمان طويل ترفض احتلال الأرض وتهجير أصحابها الحقيقية بدعاوى بطل زمانها؟
بدون إغراق في المسائل اللاهوتية والتاريخية الكتابية نقول أن نسل إبراهيم يشمل العرب أيضا من ابنه إسماعيل، وكان إسماعيل أبا لعدد كبير من القبائل العربية، وإسماعيل هو الابن الأكبر والأول لإبراهيم من أمرآته المصرية هاجر، والوعد الإلهي بإعطاء إبراهيم ونسله من بعده أرض كنعان ملكاً أبديا كان في أيام إسماعيل حيث أن اسحق لم يكن قد ولد بعد، ولهذا فإن تفسير الوعد بأنه يختص بإسحق دون غيره مغالطة دينية وتاريخية معا.
في هذا السياق كانت الكنيسة الرومانية تستبق الكنيسة الاسكتلندية بأكثر من مائة عام في رفضها لزعم أرض الموعد وإحياء الأسطورة من جديد، فقد حدث في العام 1904، أن رد الحبر الروماني البابا بيوس العاشر على تيودور هيرتزل الساعي الأول لإقامة دولة إسرائيل ،والذي طلب دعم الفاتيكان لإنشاء كيان وطني لليهود، بالرفض المطلق لقيام تلك الدولة على حساب تهجير سكانها الأصليين من الفلسطينيين ،لأن هذا أمر وبحسب المنطوق البابوي في ذلك الوقت :" لا يتسق مع العدالة الإلهية ولا ينسجم مع النواميس والشرائع الوضعية"، وعليه خلص بابا الكاثوليك حول العالم إلي إننا "لا نستطيع أبدا أن نتعاطف مع الحركة الصهيونية ونرفض رفضا جامعا مانعا فكرة قيامها".
اللطمات والضربات الكنسية تتلقاها إسرائيل بشكل يهز من فكرة استمرارية الغرب المسيحي في دعمها ظالمة أو مظلومة، فقد جرى مؤخراً على سبيل المثال أن أقدم نحو خمسة عشر مسئولا دينيا يمثلون الطوائف الرئيسية في المذاهب البروتستانتية بالولايات المتحدة الأمريكية على كسر التابوهات، ومساءلة الأيقونات التى تتعلق بإسرائيل عبر رسائل كتبوها يستحثون فيها الكونجرس على التحقيق في ما إذا كانت المساعدة الأمريكية غير المشروطة لإسرائيل تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان للفلسطينيين.
الرسالة في حد ذاتها تعد تغير نوعي وكمي في طريقة تعاطي التيارات الإنجيلية الأمريكية مع إسرائيل، وتدلل على أن هناك تصاعد كبير في رفض العربدة الإسرائيلية في الأرض المحتلة، بما يخالف القوانين الدولية والضمير الإنساني العام، ولهذا كان الموقعون على الرسالة يناشدون الكونجرس عقد جلسات استماع لتحديد الدرجة التى تساهم بها المساعدات الأمريكية العسكرية في التصرفات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وقد عمدوا إلي أن يكونوا حازمين في مطالباتهم بقطع المساعدات عن إسرائيل حال تبين أن تل أبيب ليست ملتزمة بالمواد الأمريكية الخاصة بحقوق الإنسان.
ولعل المثير في المشهد أنه بالتوازي مع موقف الكنيسة الاسكتلندية المتقدم، نجد علماء وجامعات بريطانية تحذو الحذو نفسه، أي السعي في طريق مقاطعة إسرائيل، ورفض سطوتها الغاشمة، وطريقة تعاملها مع المقدسات الإسلامية والمسيحية كما جري في الأقصى وكنيسة القيامة الأيام الماضية.
من بين هؤلاء يتقدم أحد أهم علماء الفيزياء في العالم، البريطاني المعجزة "ستيفن هوكيينج" الذي قاطع المشاركة في "مؤتمر الرئيس" الذي يرعاه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، الأمر الذي شكل ضربة معنوية كبيرة لإسرائيل.
يقول البروفيسور "هوكينج" في تبريره تلك المقاطعة أنه اتخذ القرار "بشكل مستقل وبناء على معرفة كاملة بالقضية الفلسطينية، وفي ضوء الموقف الحاسم الذي عرضه أمامه أكاديميون فلسطينيون على صلة دائمة به.
ما الذي يلفت انتباه المرء في مواقف الكنيسة الاسكتلندية والعالم البريطاني؟
طرح القضايا يبدأ من الذات وليس من الآخرين، هذا هو سر المواقف التقدمية الغربية المسيحية، فالكنيسة الاسكتلندية لم تكن لتمضي في هذا الاتجاه الذي يقضي مضاجع الإسرائيليين بدون تحرك "بطاركة ورؤساء الكنائس في المدينة المقدسة" والذين وجهوا للغرب المسيحي منذ بضعة سنوات (2009) رسالة بعنوان "وقفة حق ـ كلمة إيمان ورجاء ومحبة من قلب المعاناة الفلسطينية "،طالبوا فيها المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الظلم والتشريد والمعاناة والتمييز العنصري، الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستة عقود، كما دعت الرسالة ذاتها مسيحي العالم إلي رفض أي لاهوت يبرر الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني ويبرر قتله وطرده من وطنه وسرقة أرضه.
وبالقياس في حال البروفيسور هوكينج، ما كان له أن يقاطع دون الدور الذي قام به الأكاديميون الفلسطينيين دائمي الصلة به، وكاشفي الحقائق له.
كم هو البون شاسع بين مواقف الداعمين الحقيقيين للقضية الفلسطينية حول العالم، والمطنطنين بالشعارات الجوفاء "شهداء بالملايين على القدس رايحيين".







« منقول » ...