منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By محمد المليحان ٣٢
#66272
إسرائيل تتوجه شرقا .. لماذا ؟

لماذا توجه بنيامين نتانياهو الأسبوعين الماضيين إلى بكين وموسكو ؟
فلنضع جانبا في هذه القراءة الزيارة إلى موسكو على أمل العودة إلى قراءتها في مقال قادم ولنتساءل ماذا عن أهداف زيارته لبكين وما الذي حققه من وراء تلك الزيارة ؟
يتحتم الإشارة إلي تلك الأهداف أولا ، وهي وقف التعاون النووي مع إيران ، وترتيب أوراق الملف السوري حسب ألهوي الإسرائيلي ، والواضح أن زيارة نتايناهو كانت لوضع النقاط علي الحروف التي توصل إليها رئيس استخباراته العسكرية ، وان حاول إضفاء لمسة الزيارة الترفيهية إلي الصين باصطحاب ولديه معه والتقاط الصور التذكارية في ربوع الصين .
أما غير المعلن فيتجلي بين ثنايا الكلمات ، التي أطلقها الرئيس الصيني " شي جين بينغ " لاسيما عند ما وجه حديثه إلي نتايناهو بالقول " زيارتكم أثمرت " ... ماذا عن تلك الثمار ؟
شيء ما يربط بين النفسية الصينية والإسرائيلية يتصل بالكتمان الشديد ، والسرية المطبقة ، والأحاديث عن الممالك القديمة ، ولهذا فان الثمار الرئيسية لتك الزيارة لن تتضح دفعة واحدة في الحال ، لكن الاستقبال في مداه المتوسط والبعيد سيميط اللثام عنها ، أما غطاء التعاون ينهما فقد أجاد الطرفان التعبير عنه ، وهو كفيل بتغطية آية أنشطة أو فعاليات عسكرية واستخباراتية من بكين إلي تل أبيب ... ماذا عن ذلك الغطاء ؟
انه الاقتصاد والتعاون التجاري ، فقد ذهب نتانياهو إلي الصين حاملا معه أطروحات التاجر اليهودي العتيد في بلاد الدياسبورا ، حيث عرض علي الصينيين أن تكون بلاده " مختبر أبحاث " لهم وهم المتشوقون للعب دور القطب القادم عالميا ، و يعملوا علي ذلك بهدوء وبدون ضجيج .
هل لدي إسرائيل بالفعل ما تقدر أن تغازل به الصين وتؤثر بدرجة أو بآخري علي مواقفها لجهة الملفين الإيراني والسوري وآية ملفات شرق أوسطية أخري ؟
الجواب يقتضي عودة مطولة إلي أبعاد التعاون العسكري الإسرائيلي الصيني ، حيث يتضح للقارئ أن الصين بالفعل كثيرا ما كانت متشوقة للحصول علي منتجات عسكرية إسرائيلية عالية الجودة لا تتوافر إلا عند الأمريكيين الذين يصممون على حرمان الصينيين منها ، فعلي سبيل المثال كانت الصين تأمل في العام 1999 الحصول علي أربع طائرات من نوع " الفالكون " ، غير أن الأمريكيين رأوا أن حصول الصين عليها سيخل بالتوازن العسكري علي حدود تايوان وسيضر بأداء الجيش الأمريكي في المنطقة ، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لمعارضة الصفقة بشدة ، واعتقدت إسرائيل أنها تستطيع الصمود أمام ضغوط الولايات المتحدة ووعدت الصين بإتمام الصفقة ، لكنها أعلنت في النهاية إلغاءها عام 2000 ، الأمر الذي ترك مرارة واضحة عند الصينيين ، غير أن التعاون العسكري بين البلدين تجاوز العقبة إلي محطات أخري ، أظهرت أن لدي الإسرائيليين تكنولوجيا عسكرية عالية المستوي يهم الصينيين جدا الحصول عليها.
فيما الأمر الأخر الذي غازل به نتانياهو الصينيين ويبدو انه كان يرسل من خلاله رسائل للولايات المتحدة الأمريكية ، مفادها أن بلاده يمكن أن تكون كعب أخيل أو حصان طروادة الذي يدخل منه الصينيون إلي الشرق الأوسط ، ونعني به التبادل التجاري وإعطاء الصينيين منفذ علي مياه البحر المتوسط يمكن لهم من خلاله الانطلاق إلي إفريقيا جنوبا ، وأوروبا شمالا ... هل من مزيد ؟
تقول صحيفة " ذي ماركر " الاقتصادية إن نتايناهو في زيارته هدف إلي فتح باب الصين أمام البضائع الإسرائيلية وخصوصا التكنولوجية ، في إشارة لا تخطئها العين للمعدات والأسلحة العسكرية ، ومن جهة أخري تحويل إسرائيل إلي جسر بري للبضائع الصينية كبديل عن قناة السويس .
في هذا السياق أيضا فان مصادر اقتصادية مطلعة أشارت إلي أن الصينيين يحتاجون إلي خبرة الإسرائيليين في وسط وغرب وجنوب أفريقيا ، حيث لهم هناك خبرة طويلة ، وبخاصة لأجهزتهم الاستخبارية.
هل مجانا كان نتايناهو يقدم للصينيين تلك الوعود أم انه قد ثبت له تغيرا حقيقيا أو وعود بالتغير إذا قرعت القارعة أبواب الشرق الأوسط ؟
بالقطع لا ، فالعقلية الإسرائيلية التاريخية تأخذ أكثر مما تعطي ، ومعني التزام نتايناهو بفتح الأبواب للصين لاختراق الشرق الأوسط وأوروبا عبر تحويل إسرائيل إلي جسر بري للبضائع الصينية التي ستنقل من ميناء ايلات عبر سكة حديد ينوي إقامتها بالتعاون مع الصين إلي ميناء أسدود ، وبذلك يشكل بديلا معينا لقناة السويس المصرية في نقل البضائع من الصين إلي أوروبا ، معني ذلك أن هناك بالفعل مطبخا سريا إسرائيليا صينيا يجري الإعداد له ويصب في صالح إسرائيل التي وصفها نتايناهو في لقاءه مع نظيره الصيني " لي كتشيانغ " بأنها ستصبح الشريكة النموذجية الصغري للصين ، وذلك بالدرجة الأولي ، وان حقق للصين بعض من خطوات في طريقها للإمبراطورية القادمة .
يلفت الانتباه في ذات الوقت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن للصين ، وهذه قصة بذاتها تحتاج إلي إلقاء المزيد من الضوء لاسيما وان الحديث عن السلام العربي الفلسطيني الإسرائيلي كان قائما في لقاءات نتايناهو والمسئولين الصينيين ولو من باب ذر الرماد في العيون ، وعلامة الاستفهام في هذا المقام لماذا يسارع نتانياهو وأبو مازن للتوجه شرقا ، ناحية الصين أحيانا وروسيا أحيانا أخري ؟
لان الحقيقة التي لا مراء فها هي أن قلب العالم بحسب ماكندر قد تحول إلي الشرق ، الذي أصبح فاعلا وبقوة ،وليس أدل علي ذلك من توجه وزير الخارجية الأمريكية جون كري إلي روسيا بعد أن ضاقت بالأمريكيين السبل في إيجاد حل منفرد للازمة السورية .
وفي كل الأحوال تلفت الزيارتين إلي زيادة مساحة الدور الذي باتت تلعبه السياسة الصينية الخارجية ، والتي تتبع مفهوما دبلوماسيا متعدد الاتجاهات بموقف أكثر فعالية ووضوحا من الدبلوماسيات الأمريكية والأوروبية ، وربما لهذا السبب باتت الصين مساهما ولو بالتدريج لا غني عنه في ضمان وتحقيق السلام العالمي عامة والشرق أوسطي خاصة .








« منقول » ...