الاتفاق الودي الانجليزي الفرنسي 1904 م
مرسل: الثلاثاء نوفمبر 26, 2013 6:32 pm
الاتفاق الودي 1904 لتسوية الخلاف بين فرنسا وبريطانيا حول كل من مصر والمغرب
في هذا الصدد اكد الدكتور عبد المنعم الجميعي استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة انه كان لموقع بلاد المغرب ومصر الاستراتيجي على خريطة السياسة العالمية أكبر الأثر في زيادة الأطماع الأجنبية على كل من الدولتين. فالمغرب يُعد مدخل القارة الأفريقية من الشمال الغربي؛ كما أن سواحله تمتد على البحر المتوسط من ناحية والمحيط الأطلسي من ناحية أخرى، وتشرف على جبل طارق. ومصر تعد مدخل القارة الأفريقية من الشمال الشرقي، وبها قناة السويس شريان الملاحة العالمية. ومن هنا وضعتهما القوى الاستعمارية في سلة واحدة وتسابقت على السيطرة عليهما. فبعد احتلال أنجلترا لمصر في عام 1882 وإشرافها على الطرق الموصلة إلى الهند، شعرت فرنسا بتخلخل التوازن الدولي وبدأت في إثارة العراقيل ضد أنجلترا ونتيجة لعدم تمكنها من إجبار أنجلترا على الجلاء عن مصر أو تدويل المسألة المصرية رأت مساومة الحكومة البريطانية على حل وسط وهو أن تتغاضى فرنسا عن احتلالها لمصر في مقابل أن تترك أنجلترا لفرنسا حرية الحركة حتى تتمكن من الاستيلاء على المغرب الذي كانت تتطلع إلى احتلاله، خاصة بعد احتلالها للجزائر وتونس. ولما كانت أنجلترا ترى أن من مصلحتها الخاصة التقارب مع الحكومة الفرنسية، خاصة بعد ظهور ألمانيا على مسرح الأحداث قوَّةً عظمى، ورغبتها في التنافس على المستعمرات واعتبار ذلك من المسائل الحيوية لأمنها واقتصادها القومي، وكان المغرب في مقدمة المناطق التي تضعها ألمانيا ضمن اهتماماتها، وتعارض زيادة أي نفوذ أنجليزي أو فرنسي فيها.ونتيجة لذلك، توصل الطرفان لإبرام الاتفاق الودي في أبريل 1904. وكانت أهم نصوصه ما يلي:
1 - إعلان أنجلترا عزمها على عدم تغيير مركز مصر السياسي وتكفلها بالمحافظة على امتيازات فرنسا التقليدية في مصر، وإعلان فرنسا عدم عرقلتها لأعمال أنجلترا في مصر أو مطالبتها بتحديد أجل احتلالها لها، بمعنى الاتفاق على توطيد مركز أنجلترا في مصر وانفرادها بإدارة شؤونها المالية وغيرها في نظير إطلاق يد فرنسا في المغرب، على أن يقع على عاتقها حفظ النظام فيه وتقديم المساعدات التي تتطلبها نواحي الإصلاح المختلفة دون القيام بتغيير الوضع السياسي بها.
2 - يؤكد الاتفاق على مبدإ الباب المفتوح للتجارة في المغرب ومصر لمدة ثلاثين عاماً، وبألا تعوق فرنسا عمليات السفن الأنجليزية لنقل التجارة بين موانئ المغرب.
3 - عدم إغفال المصالح الإسبانية في المغرب، وأن تقوم فرنسا بالتفاهم مع إسبانيا حول هذا الموضوع. وإلى جانب هذه النصوص العلنية، فقد كانت هناك اتفاقات سرية بين الدولتين بشأن المغرب ومصر. ففي المادة الثانية من البنود السرية اتفاقية خاصة بالنظام القضائي والتشريعي والمالي يحق لأنجلترا فيها إجراء تغييرات في مصر دون الرجوع إلى أي جهة أخرى. كما تقوم فرنسا بإدخال إصلاحات مماثلة في المغرب دون أن تعترض أنجلترا على ذلك.
وفي المادة الثالثة من البنود السرية، اتفقت الحكومتان على دخول بعض المناطق المجاورة لمنطقة سبتة ومليلة ضمن دائرة النفوذ الإسباني.
وهكذا لم يعترف هذا الاتفاق بمصالح فرنسا وحدها في المغرب، بل اعترف بمصالح إسبانيا أيضاً في محاولة لتمزيق وحدة المغرب. ولقد ترتب على هذا الاتفاق نتائج خطيرة في ما يتعلق بمركز المغرب ومصر. فقد دخلت المغرب كما دخلت مصر في دائرة التقسيمة الاستعمارية في أفريقيا، وأخذ الأنجليز يوطدون مركزهم في مصر لدرجة أن أصبحت المسألة المصرية - كما ذكر كرومر - ذات طابع داخلي كما أخذ الفرنسيون في توطيد مركزهم في المغرب، مما حقق لفرنسا وأنجلترا مكسباً مهماً وهو تصفية النزاع في ما بينهما وزيادة أواصر التحالف بين كل منهما، مما عزز مركزهما أمام ألمانيا المتطلعة للمنافسة البحرية والتجارية وحرر السياسة الفرنسية من عقدة الخوف التي لازمتها منذ الحرب السبعينية مع ألمانيا؛ كما أن أنجلترا اطمأنت بهذا الاتفاق على مركزها في مصر، وعلى مستقبل مضيق جبل طارق، وبدأت في فتح صفحة جديدة من الصداقة والتآلف على حساب شعبي من المغرب ومصر، مما كان له آثاره السلبية على الحركة الوطنية في كل من البلدين. ورغبة من فرنسا في عدم معارضة إيطاليا لنفوذها في المغرب ووقوفها بجانبها ضد ألمانيا، وعدتها بعدم معارضة غزوها ليبيا. وهكذا شهد العالم العربي في ذلك الوقت هجوماً مستمراً على بلدانه الواحد بعد الآخر من الدول الاستعمارية، خاصة أنجلترا وفرنسا.
وفي أعقاب إتمام الاتفاق الودي بين أنجلترا وفرنسا، تفاوض وزير خارجية فرنسا مع الحكومة الإسبانية بشأن تقسيم المغربي بينهما. فاتفق على أن تحصل إسبانيا على منطقة الريف التي تشمل الشريط الساحلي من المغرب المقابل للساحل الإسباني عند جبل طارق، بينما تحصل فرنسا على ما تبقى من المغرب