- الأربعاء مايو 13, 2009 4:12 pm
#18828
مقالي (فكرة القانون ) بسم اللة الرحمن الرحيم
مقدمة
" ناداني آنو وإنليل من أجل الشعب ورخائه باسم حمو- رابي أي الأمير الذي يخاف الله وأمرني أن أقيم العدل في الأرض وأن أقتلع جذور الشر والأشرار حتى لا يضطهد القوي الضعيف وحتى أعلو كشمش ( إله العدل أو الشمس ) فوق الرعية ذات الشعر الحالك السواد( كناية عن الجنس البشري ) وحتى أهب الأرض نورا على نور " انتهى .
على الرغم من أن شريعة حمورابي ليست أولى الشرائع التي سنّها الإنسان , حيث كان قبلها قوانين عهد أوركاجينا في لاجاش 2360 قبل الميلاد وسرجون الآكادي 2300 قبل الميلاد , لكنها تشكل أول مجموعة شاملة من النصوص القانونية التي وصلت من الشرق الأدنى القديم , ويعتقد أن الإغريق هم أول من سمح للمتهم بالدفاع عن نفسه وهم أول من طالبوا بالمساواة أمام القانون , بينما عيّن الرومان خبراء للقانون وتفسيره وكان هؤلاء الخبراء للادعاء وللمتهم على حد سواء وقد ذكرت إحدى قوانينهم :" من باع سلعة عليه أن يعرض عيبها - إن وجد - أمام الجمهور وإن لم يفعل يعتبر مذنبا ولا حاجة لدليل على أنه مذنب " . بعد تحطم الحضارة الرومانية على يد البربر ظهرت القوانين الجرمانية في أوروبا وكانت تركّز على أن التعذيب ( العقاب ) هو حكم الله , ومن اللائق ذكر المقولة الشهيرة لنابليون حيث قال :" إن شهرتي لا تكمن في الأربعين معركة التي كسبتها لأن معركة واترلو قد تمحو الكثير منها ,إنما تكمن شهرتي التي ستبقى عبر التاريخ بأنني واضع القانون المدني " .
ولا بد من ذكر الديانات السماوية وما جاءت به من قوانين سامية تركّز على أن العدل أساس الحكم , ففي سفر التثنية الإصحاح الأول جاء:" لا تنظروا إلى الوجوه في القضاء . للصغير كالكبير تسمعون . لا تهابوا وجه إنسان لأن القضاء لله " انتهى . وجاء في إنجيل لوقا :" لا تدينوا لئلا تدانوا.فكما تدينون تدانون , وبما تكيلون يكال لكم " انتهى . والأمثلة في القرآن الكريم عديدة :" استقم كما أمرت " , " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله (الأعراف 86 )" , " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( الشعراء 183) " .
لقد جاء في لسان العرب أن " قانون كل شيء , طريقه ومقياسه" , والقانون الوضعي ( البشري ) كما جاء في معجم الرائد هو مجموعة القواعد والأحكام التي يتبعها الناس في علاقاتهم المختلفة وتنفذها الدولة. أما القانون الطبيعي فهو مبدأ الخير كما يتراءى للوجدان أو ما يوافق طبيعة الإنسان ..
1- القانون والسلطة والقوة:
** السلطة :
يقول المؤلف : " إن فكرة القانون تشتمل على ما هو أكثر من فكرة الخضوع , إنها تشمل أيضا على الالتزام الأدبي أو الواجب الأدبي للخضوع للقانون وللسلطة , إن فكرة السلطة المعترف بشرعيتها – السلطة الشرعية – تستمد الكثير من قوتها من ارتباطها بالالتزام الأدبي " , بمعنى إن أية سلطة ( الشرطي سلطة , القاضي سلطة , الحكومة سلطة ) تصبح غير شرعية لسبب من الأسباب عندما يشعر الرعية بعدم التزامهم الأدبي والأخلاقي للخضوع لهذه السلطة( بسبب الفساد أو القمع أو البطالة مثلا ) . حيث يرى المؤلف أن هنالك عقد اجتماعي بين الرعية والحكومة , عندما تلتزم الحكومة بمصلحة الرعية يكون على الرعية التزام أدبي وأخلاقي بالخضوع لسلطة الحكومة , وإلا تفقد السلطة شرعيتها ويحل العقد الاجتماعي المبرم بينهما ويحين وقت السقوط .
** القوة:
يقول المؤلف :" إن من المشكوك فيه حقا معرفة المدى الذي يمكن فيه المحافظة على السيطرة بالاستناد إلى القوة الغاشمة والخوف وحدهما وبدون وجود عنصر الشرعية , علما أن القوة قد استطاعت أحيانا أن تحقق ذلك لكن ضمن أوضاع خاصة وفي فترات محددة " .
هل صحيح أن القانون هو حكم الأقوى وهل صحيح أن القانون هو مجرد تلك الأحكام والقواعد التي يفرضها القسر ؟ .. يقول المؤلف:" إنه في فترات الحرب والثورة – وهي فترات استثنائية – يمكن أن يحكم المجتمع خلالها ومؤقتا بالقوة الغاشمة أو الإرهاب وحده ( كالحكم النازي لأوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية, قانون الطوارئ والأحكام العرفية ), لكن هذه الظروف الاستثنائية لا تعتبر سببا مقنعا ودائما لاعتبار القانون هو القوة مجسدة ليس إلا " , وفي هذا السياق لا يمكن أن يكون القانون مع القوة ولا الحق مع القوة ولابد للقانون أن يكون مع الأضعف قبل الأقوى ليحمي الأول من شرعة " استبداد الأقوى " ويحمي الثاني من شرعة "العصيان والثورة" وفي هذا الإطار تصبح السلطة شرعية , وهذا ما يتوافق مع أولئك الذين يناصرون فكرة أن القوة أو العنف خطأ في حد ذاتهما ,وأن القانون الذي يرتكز كليا على العنف ينتهك مبادئ الأخلاق والآداب الحقة , ويؤكد أصحاب هذه الفكرة أن القوة هي نفي أو تحطيم للقانون , وان اللجوء إلى العنف يقع خارج إطار القانون , وأنه عنصر غريب دخيل يلجأ إليه عندما يعطّل حكم القانون .
2- القانون والأخلاق :
يشير المؤلف على أن الكثير من هالة الشرعية التي تحيط بسلطة القانون مرتبط بالاعتقاد بالتزام أخلاقي لطاعة القانون , والعلاقة بين القانون والأخلاق معقدة لاسيما عندما تحاول شرح كل من القانون الوضعي ( البشري ) الذي وضعه الإنسان للإنسان , والقانون الطبيعي الذي هو المفهوم الرئيسي لقانون أسمى وأعلى ينظّم ويضبط القانون الوضعي .
3- القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية :
" مرت فكرة القانونين اللذين يرتكز أحدهما على السلطة البشرية وحدها والثاني الذي يرتكز على الأصل الإلهي أو الطبيعي , مرت بتاريخ طويل ومتغير وما تزال تتمتع بالحيوية ذاتها حتى الآن .. " ويؤكد المؤلف :" أن القانون الوضعي تطور كثيرا مع التطور العلمي والتكنولوجي الكبيرين , حتى أن كثيرة هي الحالات التي رفضت فيها فكرة القانون الطبيعي , لكن الاضطرابات والثورات والحروب والأعمال الوحشية التي ارتكبت – وترتكب – في العصر الحديث والتي ارتبطت ارتباطا وثيقا في أذهان الناس مع التطور العلمي والتكنولوجي الذي بدوره قدم الطغيان الفظيع والظلم أكثر مما قدم السعادة للبشرية والعدل , كل ذلك أدى إلى إحياء فكرة القانون الطبيعي في الأذهان " .
4- القانون الوضعي :
في مسيرة المقارنة والمقاربة بين القانون الوضعي والطبيعي يقدم الكاتب توضيحا وتمييزا واقعيا حيث يقول :" القانون الوضعي يضع مقاييس أو معايير لسلوك المواطنين أو الموظفين ويبيّن عادة العقوبة التي يجب أن تفرض ( كأمر قانوني ) إذا ما خولف أي نص من نصوص القانون , والقانون يختلف عن المعايير الأخلاقية من حيث أنه يستلزم التقيد به بانتظام لأنه لا يمكن أن يرقى إلى مستوى القانون أو أن يعتبر قانونا إذا خلا من هذا العنصر الرئيسي أي عنصر الالتزام , بينما القاعدة الأخلاقية موجودة وسارية المفعول حتى وإن لم يلتزم أو يتقيد بها ". مثال ذلك , تلك القاعدة الأخلاقية والسارية المفعول دائما والتي تقول أنه يجب أن نحب ونحترم جارنا ( إلى سابع جار ) فهي قاعدة موجودة حتى وإن لم نتقيد بها , أو أن نقول (النظافة من الإيمان ) فهي أيضا قاعدة أخلاقية موجودة دائما حتى وإن لم نلتزم باتباعها , بينما قانون محاربة الفساد والرشوة مثلا فهو قانون وضعي لا يعتبر موجودا إن لم نتقيّد به ونلتزم بتطبيق بنوده أو إذا حجّب وعلّب بطريقة ما , فهو موجود حينما يتقيد به ويلتزم ببنوده فقط , وإلا فهو كأنه لم يكن .
لكن يجب أن ننوه هنا أن الكثير من القوانين الوضعية وبعض القوانين الإلهية ( التي تحتوي على عقوبة آنية كما في الإسلام ) جاءت ليست فقط لغاية التطبيق بل لغاية الردع أيضا .
5- القانون والعدل :
يؤكد المؤلف أن القانون يحتاج إلى أن يرتبط بقيم يؤمن بها المجتمع الذي يطبق عليه القانون , وهذه القيم مختلفة من مكان لآخر ومن زمان لآخر , ثم يوضح كيف يمكن تعديل القانون حسب القيم الأكثر رقيا التي يؤمن بها مجتمع ما حتى يصبح القانون الوضعي متفق مع تلك القيم التي يعتبرها المجتمع الأنبل و الأكثر رقيا .
يقول المؤلف :" القانون يجب أن يكون رديفا للعدل , حيث أن العدل قيمة بحد ذاته وهذه القيمة هي تعبير فردي عن الكفاح العام أو الإرادة العامة نحو العدالة ", وهنا ظهر واضحا ربط القانون بالعدل عن طريق القيم التي يحتاج لها القانون , تلك القيم التي يؤمن بها مجتمع ما وعلى رأسها العدل .
6- الحرية والقانون :
قد يبدو في الوهلة الأولى أن هنالك تناقض بين الحرية والقانون , إذ أن هذا الأخير هو أداة لتوجيه النشاط الإنساني ووضع القيود عليه , فكيف يستقيم ذلك مع الحرية ؟
يجيب المؤلف :" إن الكبح أو الضوابط لا تعتبر تعديا على الحرية , فالقانون يقيد الاعتداء على الجسد , ولولا هذا المنع لما أمكن لأي مجتمع بشري أن يستمر , لأن المجتمع سيفتقر إلى أدنى درجة من الأمن الذي بدونه سيكون كل تفكير في المستقبل عبثا . من هنا فإن كابحات من هذا الطراز تمارس دورا مهما في ضمان حرية المجتمع . ويشير الكاتب إلى أن المجتمع المنفتح هو الذي يترك المجال واسعا للقرار الفردي حيث يتحمل الفرد المسؤولية , وهذا عكس المجتمع المنغلق الذي يكبح فيه القرار الفردي والحرية الفردية .
يميّز المؤلف نمطين من الحرية , الحرية السلبية والحرية الإيجابية ويقول في الحرية السلبية:" تعني تنظيم نمط المجتمع يرافقها وجود ضوابط وقيود تفرض على الفرد لصالح المجتمع , لكن يبقى هنالك ميدان واسع للاختيار الفردي والمبادرة بما ينسجم مع المصلحة العامة . بينما الحرية الإيجابية:" هي إعطاء الفرد الحد الأقصى من الفرص لتحقيق الذات ودور القانون هنا هو الاعتناء بالسلوك الخارجي لا بالحالة الداخلية للتطور الروحي للمواطن الذي يخضع للقانون " .
7- حقوق الإنسان الأساسية :
إن القيم الأساسية التي من خلالها نستطيع التعبير عن حقوق الإنسان الأساسية تنبع من القانون الطبيعي ومنه تنبثق عدة محاولات لوضع هذه القيم في إطار قانون وضعي , فحقوق الإنسان الأساسية تعتبر الحق القانوني لجميع الكائنات البشرية في صيغة فوق قومية ( أممية أو كونية ).
** القيم الكبرى ( الأساسية ) في الحرية القانونية :
أ _ المساواة والديمقراطية :
يقول المؤلف :" أنه مادام من غير الممكن تطبيق المساواة الصارمة في كل المجالات , فإن التعبير الصحيح عن التنظيم الديمقراطي للمجتمع هو المساواة القانونية ( المساواة أمام القانون ) , ولا أحد فوق القانون , والحقوق السياسية العالمية , إضافة إلى مبدأ عدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو العقيدة .
ويقول المؤلف :" إن عنصر الجدل ( الحوار ) الحر وإمكانية التأثير على الرأي العام بالنقاش المنطقي يشكلان عنصرا حيويا في المساواة والديمقراطية .
ب _ حق المجتمع :
إن مسألة حق مختلف أنواع الفئات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية في أن تنظم نفسها وتدير شؤونها أثارت إشكالية كيفية كبح هذا الحق بالقانون بحيث نحمي الصالح العام( وليس حماية مصالح فئات معينة ) , إذ أنه من الواضح أن للدولة الحق في ضبط النظام العام لكن قد يصطدم ذلك مع حق الناس في اجتماع احتجاج مثلا , فهل يمكن للدولة السماح بعقد اجتماع احتجاج – ضمن إطار حق التجمع – ضد فئة ما قد يؤدي إلى ظهور نعرات طائفية أو عرقية ؟
يبدو أن الحق في عقد اجتماع ما مرتبط بحق أهم هو حرية التعبير .
ج _ حرية التعبير( حرية الكلام والصحافة ) :
يقول المؤلف:" في كل مجتمع تسود فيه قيم الديمقراطية والمساواة ترقى فيه حرية الكلام والصحافة إلى مستوى القيم الأساسية , ذلك لأنه بدون هذه الحريات لا مجال إلى تطوير الرأي العام وبلورته وجعله يؤثر على الأجهزة الحكومية في الدولة " . لكن من الصعب أن تكون حرية الكلام طليقة بدون حدود أو ضوابط فهي عندئذ تسيّب وانفلات لا أكثر " ولابد من قانون يرسم الحدود ويوضح الضوابط حتى لا يكون التعبير مقصودا منه الإثارة واستفزاز الآخرين والتحريض على قلب الحكومة أو تغيير الدستور بالعنف " .
يشرح المؤلف علاقة حرية الكلام بالرقابة :" إن حرية الكلام وحرية الصحافة تتضمن غياب الرقابة الأولية ( المسبقة) , بمعنى حرية نشر أي عمل على أن يخضع للملاحقة القضائية بعد نشره ( وبالقانون وليس بالتلفيق ) هذه الملاحقة التي ترتكز على نصوص القانون ( المتفق عليه والمشرّع ديمقراطيا من سلطة تشريعية شرعية) والمتعلقة بالقذف والسب والتحريض على العصيان والفحش ".
ولا ننسى أن نذكر بعض المدارس التي تؤكد على أن "التساهل ( بهذه الحريات ) مظهر ضروري من قيم المجتمع الديمقراطي ", وهذا الرأي يصطدم مباشرة بالحقوق الأدبية والقانونية التي تحمي المصلحة العامة والذوق العام وبالتالي قد يرى بعضهم أن التساهل هذا ما هو إلا انفلات خاصة عندما يدعم هذا التساهل في حرية الكلام بدعوة إلى التعصب أو التمرد أو الانفلات الجنسي متجاهلة القانون الوضعي الشرعي الذي أقرته "الأكثرية" في مجتمع ما .
والمفارقة هنا أنه بقدر ما تعتبر القيم الأساسية للبشرية كونية أو أممية بقدر ما أصبحت حرية الكلام والتعبير أممية وكونية الانتشار في عصر القرية الكونية ( أو السوق الكونية ) وثورة المعلومات والاتصالات .
يقول المؤلف عن الصحافة :" تحظى الصحافة بمركز الصدارة – ولا تزال – من بين جميع أدوات الاتصال الجماهيري بسبب قدرتها الفريدة على أن تكون بؤرة للرأي العام وقد بذلت أحيانا محاولات لمعاملة حرية الصحافة على أنها الحرية العليا التي يجب أن تسمو على كل الحريات الأخرى في المجتمع الديمقراطي " . ( ولكن قد يكون للمؤلف رأي آخر الآن بعد التطور الكبير في المعلومات والاتصالات في العشرين سنة الأخيرة ولعل حرية الصحافة انفلتت من كل القيود وأصبحت هي الأخرى خارج قومية !!) .
والإشكالية في الدول الديمقراطية هي امتلاك هذا "الفن" من قبل قلّة من " بارونات الصحف" الذين يتحكمون بطريقة وصول وشكل ومحتوى المادة الصحفية .
د _ حرية الدين :
قديما كان الاختلاف في الآراء الدينية ينعى بالهرطقة أو التجديف , لكن ومع مرور الزمن والتحولات الكبيرة عبر التاريخ لاسيما في العصور الوسطى الأوروبية ومرورا بالثورة الصناعية ووصولا إلى ثورة الاتصالات والمعلومات والعولمة0 بمرّها وحلوها ) أصبح وجوبا أن يكون النضال العام منصب لصالح التسامح الديني , لكن هذا ليس صحيحا دائما فقد تكون العولمة والأصولية وجهان لعملة واحدة أو أن تكون الثانية قد خرجت من رحم الأولى أو ترعرعت في الداخل نتيجة الظلم والفقر وغياب القانون . وقد عبر المؤلف عن فكرة التسامح الديني فقال :" أما الآن فإن حرية العقيدة الدينية معترف بها كقيمة ثابتة وأساسية في المجتمع الديمقراطي , وإن كان المضمون الحقيقي لهذا المبدأ يتخذ مظاهر مختلفة باختلاف المجتمعات , ففي الدستور الأمريكي لا يوجد دين رسمي معترف به , بينما في بريطانيا يعتبر الدين الرسمي جزءا من الدستور وكذلك في العديد من الدول حيث تعتبر الشريعة الإسلامية مثلا مصدر أساسي من مصادر التشريع والقانون الوضعي ". ( لا أدري كيف سيكون رأي المؤلف بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وتبعاته من طغيان القطب الواحد وتسلط المصالح الاقتصادية وهل حرية العقيدة الدينية فعلا لا تزال قيمة أساسية في المجتمعات الديمقراطية وهل هي حقا كذلك أم إدعاء مزيّف !!) .
ه_ الحرية الشخصية وحكم القانون:
يقول المؤلف:" إن العناصر الأساسية لما يسمى حكم القانون هي :عدم إيقاع العقوبة على أي شخص إلا إذا ارتكب فعلا محددا منصوصا عليه في قانون تم إصداره ونشره رسميا, وأن يعطى الضمانات الملائمة فيما يتعلق باعتقاله وتقديمه إلى محاكمة عادلة وسريعة , وأن يكون له الحق في الدفاع عن نفسه " . ثم يقول :" إن الحريات السلبية للشخص كالتنقل الحر والإقامة أو العمل أينما رغب لكن بشرط ألا يخالف القانون , مثل هذه الحريات السلبية هامة جدا وهي التي تميز بين الحجج التي يتذرع بها المجتمع ذو الحكم الشمولي عن المجتمع ذو الحكم الديمقراطي حيث أن الأخير لا يدخل عنصر القسر أو الإكراه في هذه الحريات ".
( لقد توقفت كثيرا عند مقول المؤلف:" إن نظام الحرية الشخصية في المجتمع الديمقراطي لا يتضمن الحرية للمواطنين فحسب بل لجميع السكان سواء كانوا مهاجرين أو مقيمين أو موجودين بشكل مؤقت في الدولة المعنية " , توقفت عندها عندما قرأت من فترة قصيرة إعادة مبدأ التصنيف العرقي عند تطبيق قانون Racial Profiling في الولايات المتحدة والذي ينص على تنفيذ القانون بشكل حصري على العرق أو الدين أو الإثنية أو الخلفية الوطنية ( كالانتماء للحزب الشيوعي الأميركي مثلا ) في تعقبها للأفراد وفي تحقيقاتها الروتينية أو المعتادة معهم . هذا القرار الذي أعيد العمل به هل يحترم الحريات الشخصية ؟ , هل يمكن أن نجده في مجتمع ديمقراطي كما هو الادعاء في المجتمع الأمريكي ؟ وهل حقا أحداث الحادي عشر من أيلول قلبت المعادلة رأسا على عقب ؟ وإلى هذا الحد ؟ أم كان هنالك توجّها مسبقا ومعدا سلفا ولم تكن تلك الأحداث إلا ذريعة منطقية لتطبيقه؟ .
8- القضاء :
فصل السلطات : يقول المؤلف إن الدستور يشمل ثلاث سلطات قانونية هي التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلى كل دستور أن يولي كل سلطة لشخص أو هيئة مختلفة ومستقلة , فدور المشرع هو سن القوانين الجيدة( والمناسبة) , ودور المنفذ هو تنفيذ القوانين وتطبيقها وتقرير سياستها ضمن إطار القوانين , أما دور السلطة القضائية فهو تفسير القوانين التي يضعها المشرع .
استقلال القضاء :
يؤكد المؤلف على ضرورة فصل السلطة القضائية ( الذراع الثالث للدستور ) عن باقي السلطات , فإذا ما أريد للقوانين أن تفسر بعدل وتطبق بنزاهة فإن من الواجب أن يتمتع القضاء بوضع مستقل وأن يكون متحررا من الضغوط السياسية التي تتولد من ارتباطه إما بالسلطة التنفيذية أو التشريعية التي يمكن أن تكون خاضعة للانقسامات الناجمة عن السياسات الحزبية .
لكي ندعم استقلال القضاء – كما يقترح المؤلف – لا بد من التركيز على مسألتين هامتين هما , تعيين القاضي وترقيته , ويأخذ القضاء البريطاني كعينة على نجاح استقلال القضاء بالتركيز على هاتين المسألتين ويقول :
** تعين القاضي:
لكي يكون القاضي مستقلا يجب تجاهل الاعتبارات السياسية عند تعيينه , ومما يدعم استقلال القاضي هو ما اتبعته بريطانيا عندما سنت مرسوما يقضي باستمرار القاضي في منصبه مدى الحياة أو حتى رغبته بالتقاعد , ويقضي هذا المرسوم بعدم جواز إقصائه بإجراء من السلطة التنفيذية.( الحالة التي فصل بها 81 قاضي سوري تمت على الشكل التالي: مرسوم بنزع الحصانة عن كل القضاة لمدة 24 ساعة , أثناء هذه المدة سنت السلطة التنفيذية قانونا بإقصاء هؤلاء القضاة الـ 81 ) .
ويأتي المؤلف بتجربة أخرى يشكك في نجاحها في استقلال القاضي ويقول : توجد طريقة أخرى تتبع في بعض البلدان في تعيين القضاة وهي من خلال موافقة أجهزة القضاء أو جهاز يمثل نقابة المحامين عند إجراء أية تعيينات خاصة , ويبدو أن شكّه في محله لإمكانية تأثر هذه الجهات بالقرارات السياسية أو الحزبية في الدولة .
** ترقية القاضي :
يدافع المؤلف عن نجاح الأسلوب البريطاني في استخدام منهج معين في ترقية القاضي بدعم استقلاليته فيقول: المتبع في ترقية القاضي هو تجنب نمط التسلسل في تعيين القضاة في المراكز العليا حيث يوجد وضع قانوني واحد لكافة الذين يشغلون المراكز العليا في القضاء من حيث إعطائهم نفس الراتب تقريبا للجميع وتجنب الترفيع على أساس الأسبقية ( وطبعا تجنب الترفيع على أساس الموقع الحزبي ).
9- هل القانون ضروري؟ :
إن القانون وسيلة لتحقيق الانسجام الاجتماعي عن طريق كبح مشاعر الشر لدى الإنسان - أو على الأقل حل النزاع المستمر بين القوى الخيرة والشريرة فيه -,هذه المشاعر الشريرة التي يراها البعض من طبع الإنسان متأصلة فيه , ويراها البعض الآخر ناتجة عن عوامل خارجة عن إرادته. وبغض النظر عن العلّة في وجود القوانين فهي ضرورية بكل تأكيد.
خاتمة :
فكرة القانون كتاب جدير بالقراءة ويستحق وقفة تفكر طويلة ويتطلب بدون أدنى شك كل رعاية واهتمام من قبل القانونيين لا لاستنساخه بل للاستئناس بما فيه وحمل ما جاء فيه من ثمين محمل الجد والاتباع , ولعلنا في هذه المرحلة أحوج ما نكون لاستقراء سلوك الآخرين والتعمق في أحوالهم المعيشية والحضارية وانتقاء ما يلزمنا وينفعنا كزاد لمستقبل أرجو أن يكون واعد, ولتكن نقطة البداية نحو المستقبل صحيحة كما قال علي بن أبي طالب (رض)- " من أخطأ نقطة البداية فلن تزيده السرعة إلا بعدا " .
المراجع:
القوانين العبرية/ إنجيل لوقا / القرآن الكريم
شريعة حمورابي وأصل التشريع في الشرق القديم / مجموعة من المؤلفين
معجم لسان العرب
معجم الرائد
موقع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية ( كير )على الإنترنت .
موقع BBC على الإنترنت [/family][/size]
مقدمة
" ناداني آنو وإنليل من أجل الشعب ورخائه باسم حمو- رابي أي الأمير الذي يخاف الله وأمرني أن أقيم العدل في الأرض وأن أقتلع جذور الشر والأشرار حتى لا يضطهد القوي الضعيف وحتى أعلو كشمش ( إله العدل أو الشمس ) فوق الرعية ذات الشعر الحالك السواد( كناية عن الجنس البشري ) وحتى أهب الأرض نورا على نور " انتهى .
على الرغم من أن شريعة حمورابي ليست أولى الشرائع التي سنّها الإنسان , حيث كان قبلها قوانين عهد أوركاجينا في لاجاش 2360 قبل الميلاد وسرجون الآكادي 2300 قبل الميلاد , لكنها تشكل أول مجموعة شاملة من النصوص القانونية التي وصلت من الشرق الأدنى القديم , ويعتقد أن الإغريق هم أول من سمح للمتهم بالدفاع عن نفسه وهم أول من طالبوا بالمساواة أمام القانون , بينما عيّن الرومان خبراء للقانون وتفسيره وكان هؤلاء الخبراء للادعاء وللمتهم على حد سواء وقد ذكرت إحدى قوانينهم :" من باع سلعة عليه أن يعرض عيبها - إن وجد - أمام الجمهور وإن لم يفعل يعتبر مذنبا ولا حاجة لدليل على أنه مذنب " . بعد تحطم الحضارة الرومانية على يد البربر ظهرت القوانين الجرمانية في أوروبا وكانت تركّز على أن التعذيب ( العقاب ) هو حكم الله , ومن اللائق ذكر المقولة الشهيرة لنابليون حيث قال :" إن شهرتي لا تكمن في الأربعين معركة التي كسبتها لأن معركة واترلو قد تمحو الكثير منها ,إنما تكمن شهرتي التي ستبقى عبر التاريخ بأنني واضع القانون المدني " .
ولا بد من ذكر الديانات السماوية وما جاءت به من قوانين سامية تركّز على أن العدل أساس الحكم , ففي سفر التثنية الإصحاح الأول جاء:" لا تنظروا إلى الوجوه في القضاء . للصغير كالكبير تسمعون . لا تهابوا وجه إنسان لأن القضاء لله " انتهى . وجاء في إنجيل لوقا :" لا تدينوا لئلا تدانوا.فكما تدينون تدانون , وبما تكيلون يكال لكم " انتهى . والأمثلة في القرآن الكريم عديدة :" استقم كما أمرت " , " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله (الأعراف 86 )" , " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( الشعراء 183) " .
لقد جاء في لسان العرب أن " قانون كل شيء , طريقه ومقياسه" , والقانون الوضعي ( البشري ) كما جاء في معجم الرائد هو مجموعة القواعد والأحكام التي يتبعها الناس في علاقاتهم المختلفة وتنفذها الدولة. أما القانون الطبيعي فهو مبدأ الخير كما يتراءى للوجدان أو ما يوافق طبيعة الإنسان ..
1- القانون والسلطة والقوة:
** السلطة :
يقول المؤلف : " إن فكرة القانون تشتمل على ما هو أكثر من فكرة الخضوع , إنها تشمل أيضا على الالتزام الأدبي أو الواجب الأدبي للخضوع للقانون وللسلطة , إن فكرة السلطة المعترف بشرعيتها – السلطة الشرعية – تستمد الكثير من قوتها من ارتباطها بالالتزام الأدبي " , بمعنى إن أية سلطة ( الشرطي سلطة , القاضي سلطة , الحكومة سلطة ) تصبح غير شرعية لسبب من الأسباب عندما يشعر الرعية بعدم التزامهم الأدبي والأخلاقي للخضوع لهذه السلطة( بسبب الفساد أو القمع أو البطالة مثلا ) . حيث يرى المؤلف أن هنالك عقد اجتماعي بين الرعية والحكومة , عندما تلتزم الحكومة بمصلحة الرعية يكون على الرعية التزام أدبي وأخلاقي بالخضوع لسلطة الحكومة , وإلا تفقد السلطة شرعيتها ويحل العقد الاجتماعي المبرم بينهما ويحين وقت السقوط .
** القوة:
يقول المؤلف :" إن من المشكوك فيه حقا معرفة المدى الذي يمكن فيه المحافظة على السيطرة بالاستناد إلى القوة الغاشمة والخوف وحدهما وبدون وجود عنصر الشرعية , علما أن القوة قد استطاعت أحيانا أن تحقق ذلك لكن ضمن أوضاع خاصة وفي فترات محددة " .
هل صحيح أن القانون هو حكم الأقوى وهل صحيح أن القانون هو مجرد تلك الأحكام والقواعد التي يفرضها القسر ؟ .. يقول المؤلف:" إنه في فترات الحرب والثورة – وهي فترات استثنائية – يمكن أن يحكم المجتمع خلالها ومؤقتا بالقوة الغاشمة أو الإرهاب وحده ( كالحكم النازي لأوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية, قانون الطوارئ والأحكام العرفية ), لكن هذه الظروف الاستثنائية لا تعتبر سببا مقنعا ودائما لاعتبار القانون هو القوة مجسدة ليس إلا " , وفي هذا السياق لا يمكن أن يكون القانون مع القوة ولا الحق مع القوة ولابد للقانون أن يكون مع الأضعف قبل الأقوى ليحمي الأول من شرعة " استبداد الأقوى " ويحمي الثاني من شرعة "العصيان والثورة" وفي هذا الإطار تصبح السلطة شرعية , وهذا ما يتوافق مع أولئك الذين يناصرون فكرة أن القوة أو العنف خطأ في حد ذاتهما ,وأن القانون الذي يرتكز كليا على العنف ينتهك مبادئ الأخلاق والآداب الحقة , ويؤكد أصحاب هذه الفكرة أن القوة هي نفي أو تحطيم للقانون , وان اللجوء إلى العنف يقع خارج إطار القانون , وأنه عنصر غريب دخيل يلجأ إليه عندما يعطّل حكم القانون .
2- القانون والأخلاق :
يشير المؤلف على أن الكثير من هالة الشرعية التي تحيط بسلطة القانون مرتبط بالاعتقاد بالتزام أخلاقي لطاعة القانون , والعلاقة بين القانون والأخلاق معقدة لاسيما عندما تحاول شرح كل من القانون الوضعي ( البشري ) الذي وضعه الإنسان للإنسان , والقانون الطبيعي الذي هو المفهوم الرئيسي لقانون أسمى وأعلى ينظّم ويضبط القانون الوضعي .
3- القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية :
" مرت فكرة القانونين اللذين يرتكز أحدهما على السلطة البشرية وحدها والثاني الذي يرتكز على الأصل الإلهي أو الطبيعي , مرت بتاريخ طويل ومتغير وما تزال تتمتع بالحيوية ذاتها حتى الآن .. " ويؤكد المؤلف :" أن القانون الوضعي تطور كثيرا مع التطور العلمي والتكنولوجي الكبيرين , حتى أن كثيرة هي الحالات التي رفضت فيها فكرة القانون الطبيعي , لكن الاضطرابات والثورات والحروب والأعمال الوحشية التي ارتكبت – وترتكب – في العصر الحديث والتي ارتبطت ارتباطا وثيقا في أذهان الناس مع التطور العلمي والتكنولوجي الذي بدوره قدم الطغيان الفظيع والظلم أكثر مما قدم السعادة للبشرية والعدل , كل ذلك أدى إلى إحياء فكرة القانون الطبيعي في الأذهان " .
4- القانون الوضعي :
في مسيرة المقارنة والمقاربة بين القانون الوضعي والطبيعي يقدم الكاتب توضيحا وتمييزا واقعيا حيث يقول :" القانون الوضعي يضع مقاييس أو معايير لسلوك المواطنين أو الموظفين ويبيّن عادة العقوبة التي يجب أن تفرض ( كأمر قانوني ) إذا ما خولف أي نص من نصوص القانون , والقانون يختلف عن المعايير الأخلاقية من حيث أنه يستلزم التقيد به بانتظام لأنه لا يمكن أن يرقى إلى مستوى القانون أو أن يعتبر قانونا إذا خلا من هذا العنصر الرئيسي أي عنصر الالتزام , بينما القاعدة الأخلاقية موجودة وسارية المفعول حتى وإن لم يلتزم أو يتقيد بها ". مثال ذلك , تلك القاعدة الأخلاقية والسارية المفعول دائما والتي تقول أنه يجب أن نحب ونحترم جارنا ( إلى سابع جار ) فهي قاعدة موجودة حتى وإن لم نتقيد بها , أو أن نقول (النظافة من الإيمان ) فهي أيضا قاعدة أخلاقية موجودة دائما حتى وإن لم نلتزم باتباعها , بينما قانون محاربة الفساد والرشوة مثلا فهو قانون وضعي لا يعتبر موجودا إن لم نتقيّد به ونلتزم بتطبيق بنوده أو إذا حجّب وعلّب بطريقة ما , فهو موجود حينما يتقيد به ويلتزم ببنوده فقط , وإلا فهو كأنه لم يكن .
لكن يجب أن ننوه هنا أن الكثير من القوانين الوضعية وبعض القوانين الإلهية ( التي تحتوي على عقوبة آنية كما في الإسلام ) جاءت ليست فقط لغاية التطبيق بل لغاية الردع أيضا .
5- القانون والعدل :
يؤكد المؤلف أن القانون يحتاج إلى أن يرتبط بقيم يؤمن بها المجتمع الذي يطبق عليه القانون , وهذه القيم مختلفة من مكان لآخر ومن زمان لآخر , ثم يوضح كيف يمكن تعديل القانون حسب القيم الأكثر رقيا التي يؤمن بها مجتمع ما حتى يصبح القانون الوضعي متفق مع تلك القيم التي يعتبرها المجتمع الأنبل و الأكثر رقيا .
يقول المؤلف :" القانون يجب أن يكون رديفا للعدل , حيث أن العدل قيمة بحد ذاته وهذه القيمة هي تعبير فردي عن الكفاح العام أو الإرادة العامة نحو العدالة ", وهنا ظهر واضحا ربط القانون بالعدل عن طريق القيم التي يحتاج لها القانون , تلك القيم التي يؤمن بها مجتمع ما وعلى رأسها العدل .
6- الحرية والقانون :
قد يبدو في الوهلة الأولى أن هنالك تناقض بين الحرية والقانون , إذ أن هذا الأخير هو أداة لتوجيه النشاط الإنساني ووضع القيود عليه , فكيف يستقيم ذلك مع الحرية ؟
يجيب المؤلف :" إن الكبح أو الضوابط لا تعتبر تعديا على الحرية , فالقانون يقيد الاعتداء على الجسد , ولولا هذا المنع لما أمكن لأي مجتمع بشري أن يستمر , لأن المجتمع سيفتقر إلى أدنى درجة من الأمن الذي بدونه سيكون كل تفكير في المستقبل عبثا . من هنا فإن كابحات من هذا الطراز تمارس دورا مهما في ضمان حرية المجتمع . ويشير الكاتب إلى أن المجتمع المنفتح هو الذي يترك المجال واسعا للقرار الفردي حيث يتحمل الفرد المسؤولية , وهذا عكس المجتمع المنغلق الذي يكبح فيه القرار الفردي والحرية الفردية .
يميّز المؤلف نمطين من الحرية , الحرية السلبية والحرية الإيجابية ويقول في الحرية السلبية:" تعني تنظيم نمط المجتمع يرافقها وجود ضوابط وقيود تفرض على الفرد لصالح المجتمع , لكن يبقى هنالك ميدان واسع للاختيار الفردي والمبادرة بما ينسجم مع المصلحة العامة . بينما الحرية الإيجابية:" هي إعطاء الفرد الحد الأقصى من الفرص لتحقيق الذات ودور القانون هنا هو الاعتناء بالسلوك الخارجي لا بالحالة الداخلية للتطور الروحي للمواطن الذي يخضع للقانون " .
7- حقوق الإنسان الأساسية :
إن القيم الأساسية التي من خلالها نستطيع التعبير عن حقوق الإنسان الأساسية تنبع من القانون الطبيعي ومنه تنبثق عدة محاولات لوضع هذه القيم في إطار قانون وضعي , فحقوق الإنسان الأساسية تعتبر الحق القانوني لجميع الكائنات البشرية في صيغة فوق قومية ( أممية أو كونية ).
** القيم الكبرى ( الأساسية ) في الحرية القانونية :
أ _ المساواة والديمقراطية :
يقول المؤلف :" أنه مادام من غير الممكن تطبيق المساواة الصارمة في كل المجالات , فإن التعبير الصحيح عن التنظيم الديمقراطي للمجتمع هو المساواة القانونية ( المساواة أمام القانون ) , ولا أحد فوق القانون , والحقوق السياسية العالمية , إضافة إلى مبدأ عدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو العقيدة .
ويقول المؤلف :" إن عنصر الجدل ( الحوار ) الحر وإمكانية التأثير على الرأي العام بالنقاش المنطقي يشكلان عنصرا حيويا في المساواة والديمقراطية .
ب _ حق المجتمع :
إن مسألة حق مختلف أنواع الفئات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية في أن تنظم نفسها وتدير شؤونها أثارت إشكالية كيفية كبح هذا الحق بالقانون بحيث نحمي الصالح العام( وليس حماية مصالح فئات معينة ) , إذ أنه من الواضح أن للدولة الحق في ضبط النظام العام لكن قد يصطدم ذلك مع حق الناس في اجتماع احتجاج مثلا , فهل يمكن للدولة السماح بعقد اجتماع احتجاج – ضمن إطار حق التجمع – ضد فئة ما قد يؤدي إلى ظهور نعرات طائفية أو عرقية ؟
يبدو أن الحق في عقد اجتماع ما مرتبط بحق أهم هو حرية التعبير .
ج _ حرية التعبير( حرية الكلام والصحافة ) :
يقول المؤلف:" في كل مجتمع تسود فيه قيم الديمقراطية والمساواة ترقى فيه حرية الكلام والصحافة إلى مستوى القيم الأساسية , ذلك لأنه بدون هذه الحريات لا مجال إلى تطوير الرأي العام وبلورته وجعله يؤثر على الأجهزة الحكومية في الدولة " . لكن من الصعب أن تكون حرية الكلام طليقة بدون حدود أو ضوابط فهي عندئذ تسيّب وانفلات لا أكثر " ولابد من قانون يرسم الحدود ويوضح الضوابط حتى لا يكون التعبير مقصودا منه الإثارة واستفزاز الآخرين والتحريض على قلب الحكومة أو تغيير الدستور بالعنف " .
يشرح المؤلف علاقة حرية الكلام بالرقابة :" إن حرية الكلام وحرية الصحافة تتضمن غياب الرقابة الأولية ( المسبقة) , بمعنى حرية نشر أي عمل على أن يخضع للملاحقة القضائية بعد نشره ( وبالقانون وليس بالتلفيق ) هذه الملاحقة التي ترتكز على نصوص القانون ( المتفق عليه والمشرّع ديمقراطيا من سلطة تشريعية شرعية) والمتعلقة بالقذف والسب والتحريض على العصيان والفحش ".
ولا ننسى أن نذكر بعض المدارس التي تؤكد على أن "التساهل ( بهذه الحريات ) مظهر ضروري من قيم المجتمع الديمقراطي ", وهذا الرأي يصطدم مباشرة بالحقوق الأدبية والقانونية التي تحمي المصلحة العامة والذوق العام وبالتالي قد يرى بعضهم أن التساهل هذا ما هو إلا انفلات خاصة عندما يدعم هذا التساهل في حرية الكلام بدعوة إلى التعصب أو التمرد أو الانفلات الجنسي متجاهلة القانون الوضعي الشرعي الذي أقرته "الأكثرية" في مجتمع ما .
والمفارقة هنا أنه بقدر ما تعتبر القيم الأساسية للبشرية كونية أو أممية بقدر ما أصبحت حرية الكلام والتعبير أممية وكونية الانتشار في عصر القرية الكونية ( أو السوق الكونية ) وثورة المعلومات والاتصالات .
يقول المؤلف عن الصحافة :" تحظى الصحافة بمركز الصدارة – ولا تزال – من بين جميع أدوات الاتصال الجماهيري بسبب قدرتها الفريدة على أن تكون بؤرة للرأي العام وقد بذلت أحيانا محاولات لمعاملة حرية الصحافة على أنها الحرية العليا التي يجب أن تسمو على كل الحريات الأخرى في المجتمع الديمقراطي " . ( ولكن قد يكون للمؤلف رأي آخر الآن بعد التطور الكبير في المعلومات والاتصالات في العشرين سنة الأخيرة ولعل حرية الصحافة انفلتت من كل القيود وأصبحت هي الأخرى خارج قومية !!) .
والإشكالية في الدول الديمقراطية هي امتلاك هذا "الفن" من قبل قلّة من " بارونات الصحف" الذين يتحكمون بطريقة وصول وشكل ومحتوى المادة الصحفية .
د _ حرية الدين :
قديما كان الاختلاف في الآراء الدينية ينعى بالهرطقة أو التجديف , لكن ومع مرور الزمن والتحولات الكبيرة عبر التاريخ لاسيما في العصور الوسطى الأوروبية ومرورا بالثورة الصناعية ووصولا إلى ثورة الاتصالات والمعلومات والعولمة0 بمرّها وحلوها ) أصبح وجوبا أن يكون النضال العام منصب لصالح التسامح الديني , لكن هذا ليس صحيحا دائما فقد تكون العولمة والأصولية وجهان لعملة واحدة أو أن تكون الثانية قد خرجت من رحم الأولى أو ترعرعت في الداخل نتيجة الظلم والفقر وغياب القانون . وقد عبر المؤلف عن فكرة التسامح الديني فقال :" أما الآن فإن حرية العقيدة الدينية معترف بها كقيمة ثابتة وأساسية في المجتمع الديمقراطي , وإن كان المضمون الحقيقي لهذا المبدأ يتخذ مظاهر مختلفة باختلاف المجتمعات , ففي الدستور الأمريكي لا يوجد دين رسمي معترف به , بينما في بريطانيا يعتبر الدين الرسمي جزءا من الدستور وكذلك في العديد من الدول حيث تعتبر الشريعة الإسلامية مثلا مصدر أساسي من مصادر التشريع والقانون الوضعي ". ( لا أدري كيف سيكون رأي المؤلف بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وتبعاته من طغيان القطب الواحد وتسلط المصالح الاقتصادية وهل حرية العقيدة الدينية فعلا لا تزال قيمة أساسية في المجتمعات الديمقراطية وهل هي حقا كذلك أم إدعاء مزيّف !!) .
ه_ الحرية الشخصية وحكم القانون:
يقول المؤلف:" إن العناصر الأساسية لما يسمى حكم القانون هي :عدم إيقاع العقوبة على أي شخص إلا إذا ارتكب فعلا محددا منصوصا عليه في قانون تم إصداره ونشره رسميا, وأن يعطى الضمانات الملائمة فيما يتعلق باعتقاله وتقديمه إلى محاكمة عادلة وسريعة , وأن يكون له الحق في الدفاع عن نفسه " . ثم يقول :" إن الحريات السلبية للشخص كالتنقل الحر والإقامة أو العمل أينما رغب لكن بشرط ألا يخالف القانون , مثل هذه الحريات السلبية هامة جدا وهي التي تميز بين الحجج التي يتذرع بها المجتمع ذو الحكم الشمولي عن المجتمع ذو الحكم الديمقراطي حيث أن الأخير لا يدخل عنصر القسر أو الإكراه في هذه الحريات ".
( لقد توقفت كثيرا عند مقول المؤلف:" إن نظام الحرية الشخصية في المجتمع الديمقراطي لا يتضمن الحرية للمواطنين فحسب بل لجميع السكان سواء كانوا مهاجرين أو مقيمين أو موجودين بشكل مؤقت في الدولة المعنية " , توقفت عندها عندما قرأت من فترة قصيرة إعادة مبدأ التصنيف العرقي عند تطبيق قانون Racial Profiling في الولايات المتحدة والذي ينص على تنفيذ القانون بشكل حصري على العرق أو الدين أو الإثنية أو الخلفية الوطنية ( كالانتماء للحزب الشيوعي الأميركي مثلا ) في تعقبها للأفراد وفي تحقيقاتها الروتينية أو المعتادة معهم . هذا القرار الذي أعيد العمل به هل يحترم الحريات الشخصية ؟ , هل يمكن أن نجده في مجتمع ديمقراطي كما هو الادعاء في المجتمع الأمريكي ؟ وهل حقا أحداث الحادي عشر من أيلول قلبت المعادلة رأسا على عقب ؟ وإلى هذا الحد ؟ أم كان هنالك توجّها مسبقا ومعدا سلفا ولم تكن تلك الأحداث إلا ذريعة منطقية لتطبيقه؟ .
8- القضاء :
فصل السلطات : يقول المؤلف إن الدستور يشمل ثلاث سلطات قانونية هي التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلى كل دستور أن يولي كل سلطة لشخص أو هيئة مختلفة ومستقلة , فدور المشرع هو سن القوانين الجيدة( والمناسبة) , ودور المنفذ هو تنفيذ القوانين وتطبيقها وتقرير سياستها ضمن إطار القوانين , أما دور السلطة القضائية فهو تفسير القوانين التي يضعها المشرع .
استقلال القضاء :
يؤكد المؤلف على ضرورة فصل السلطة القضائية ( الذراع الثالث للدستور ) عن باقي السلطات , فإذا ما أريد للقوانين أن تفسر بعدل وتطبق بنزاهة فإن من الواجب أن يتمتع القضاء بوضع مستقل وأن يكون متحررا من الضغوط السياسية التي تتولد من ارتباطه إما بالسلطة التنفيذية أو التشريعية التي يمكن أن تكون خاضعة للانقسامات الناجمة عن السياسات الحزبية .
لكي ندعم استقلال القضاء – كما يقترح المؤلف – لا بد من التركيز على مسألتين هامتين هما , تعيين القاضي وترقيته , ويأخذ القضاء البريطاني كعينة على نجاح استقلال القضاء بالتركيز على هاتين المسألتين ويقول :
** تعين القاضي:
لكي يكون القاضي مستقلا يجب تجاهل الاعتبارات السياسية عند تعيينه , ومما يدعم استقلال القاضي هو ما اتبعته بريطانيا عندما سنت مرسوما يقضي باستمرار القاضي في منصبه مدى الحياة أو حتى رغبته بالتقاعد , ويقضي هذا المرسوم بعدم جواز إقصائه بإجراء من السلطة التنفيذية.( الحالة التي فصل بها 81 قاضي سوري تمت على الشكل التالي: مرسوم بنزع الحصانة عن كل القضاة لمدة 24 ساعة , أثناء هذه المدة سنت السلطة التنفيذية قانونا بإقصاء هؤلاء القضاة الـ 81 ) .
ويأتي المؤلف بتجربة أخرى يشكك في نجاحها في استقلال القاضي ويقول : توجد طريقة أخرى تتبع في بعض البلدان في تعيين القضاة وهي من خلال موافقة أجهزة القضاء أو جهاز يمثل نقابة المحامين عند إجراء أية تعيينات خاصة , ويبدو أن شكّه في محله لإمكانية تأثر هذه الجهات بالقرارات السياسية أو الحزبية في الدولة .
** ترقية القاضي :
يدافع المؤلف عن نجاح الأسلوب البريطاني في استخدام منهج معين في ترقية القاضي بدعم استقلاليته فيقول: المتبع في ترقية القاضي هو تجنب نمط التسلسل في تعيين القضاة في المراكز العليا حيث يوجد وضع قانوني واحد لكافة الذين يشغلون المراكز العليا في القضاء من حيث إعطائهم نفس الراتب تقريبا للجميع وتجنب الترفيع على أساس الأسبقية ( وطبعا تجنب الترفيع على أساس الموقع الحزبي ).
9- هل القانون ضروري؟ :
إن القانون وسيلة لتحقيق الانسجام الاجتماعي عن طريق كبح مشاعر الشر لدى الإنسان - أو على الأقل حل النزاع المستمر بين القوى الخيرة والشريرة فيه -,هذه المشاعر الشريرة التي يراها البعض من طبع الإنسان متأصلة فيه , ويراها البعض الآخر ناتجة عن عوامل خارجة عن إرادته. وبغض النظر عن العلّة في وجود القوانين فهي ضرورية بكل تأكيد.
خاتمة :
فكرة القانون كتاب جدير بالقراءة ويستحق وقفة تفكر طويلة ويتطلب بدون أدنى شك كل رعاية واهتمام من قبل القانونيين لا لاستنساخه بل للاستئناس بما فيه وحمل ما جاء فيه من ثمين محمل الجد والاتباع , ولعلنا في هذه المرحلة أحوج ما نكون لاستقراء سلوك الآخرين والتعمق في أحوالهم المعيشية والحضارية وانتقاء ما يلزمنا وينفعنا كزاد لمستقبل أرجو أن يكون واعد, ولتكن نقطة البداية نحو المستقبل صحيحة كما قال علي بن أبي طالب (رض)- " من أخطأ نقطة البداية فلن تزيده السرعة إلا بعدا " .
المراجع:
القوانين العبرية/ إنجيل لوقا / القرآن الكريم
شريعة حمورابي وأصل التشريع في الشرق القديم / مجموعة من المؤلفين
معجم لسان العرب
معجم الرائد
موقع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية ( كير )على الإنترنت .
موقع BBC على الإنترنت [/family][/size]