صفحة 1 من 1

فلافيس اغسطس هرقل

مرسل: الأربعاء نوفمبر 27, 2013 8:32 pm
بواسطة عبدالرحمن العريني 20
هرقل، واسمه الكامل فلافيوس أغسطس هرقل (باللاتينية: Flavius Heraclius Augustus؛ باليونانية: Φλάβιος Ἡράκλειος؛ 575 - 11 فبراير 641)، هو إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية، بدأ صعوده إلى السلطة عام 608، قاد ثورة ناجحة ضد الإمبراطور فوقاس، الذي تسلّم السلطة بعد خلع الإمبراطور موريس، ودون شعبية تذكر في ظل القلاقل التي عانت منها الإمبراطورية. كان والد هرقل، وهو هرقل الأكبر، قائدًا عسكريًا ناجحًا شارك في حروب الإمبراطور موريس، وعينه المذكور في أعقاب الحرب نائبًا إمبراطوريًا على شمال أفريقيا ومقر حكمه في قرطاج حيث قضى هرقل الشطر الأول من حياته، وبكل الأحوال تشير المصادر التاريخية المتوافرة لكون هرقل من أصول أرمنية في كبادوكية؛ أيضًا يعتبر هرقل مؤسس السلالة الهراقلية التي استمرت بحكم الإمبراطورية البيزنطية حتى عام 711.
شهد عهد هرقل العديد من الحملات العسكرية، ففي العام الذي توّج به هرقل، كان جيش الإمبراطورية الساسانية قد بلغ قلب الإمبراطورية البيزنطية في الأناضول، ولذلك كان هرقل المسؤول الأول عن إصلاح سياسة الدولة، وتعبئة الجيش، ومن ثم محاربة الفرس الساسانيين؛ انتهت الجولة الأولى من المعارك بهزيمة الدولة البيزنطية، واقترب الجيش الفارسي من مضيف البوسفور، ولأن القسطنطينية كانت محمية بشكل جيد، بحيث لا يمكن اختراقها بسهولة من قبل المحاصرين، استطاع هرقل تجنب الهزيمة الكاملة. بعد أن عقد هرقل سلامًا مع الفرس مقابل ضريبة سنوية كبيرة، بدأت إصلاحاته العسكرية والمدنيّة، التي أطلق هرقل في أعقابها حملته العسكرية المضادة في آسيا الصغرى وأرمينيا، متوغلاً في أراضي الدولة الساسانية، ومحرزًا نصرًا نهائيًا عليها في معركة نينوى عام 627، والتي مهدت لعقد السلام عام 629 بعد أن أطيح بالملك الفارسي كسرى الثاني، ونصّت المعاهدة السلام لعام 629 على العودة إلى حدود ما قبل الحرب عام 602. بكل الأحوال، فقد واجه هرقل الهزيمة بعد فترة قصيرة من انتصاره على الفرس، هذه المرة من قبل الخلافة الراشدة التي تمكنت من الإطاحة بالحكم البيزنطي عن سوريا، ومصر، وليبيا، ومناطق أخرى.
في المسائل الدينية، يذكر هرقل كقوة دافعة لنشر المسيحية في البلقان، وبناءً على طلبه أرسل البابا يوحنا الرابع معلمين ومبشرين مسيحيين إلى مقدونيا وكرواتيا، كما حاول إصلاح الصراع الحاصل في المجتمع والكنيسة حول مجمع خلقيدونية عن طريق اقتراحه الصيغة المونوثيلية، إلا أنه فشل في ذلك؛ وتشير المصادر الإسلامية إلى وجود رسالة من النبي محمد إلى هرقل

حياته المبكرة

أصوله وانقلاب فوقاس
كان هرقل الابن البكر للوالي هرقل الأكبر وأبيفانيا، من عائلة أرمنية الأصل من منطقة كبادوكية، ومن جذور ترقى لعائلة الأرسكيد التي حكمت أرمينيا في السابق؛ سوى ذلك فلا معلومات وافية عن خلفية الإمبراطور وأسرته.[1] عمل هرقل الأكبر ضابطًا في الجيش الروماني، وساعد الإمبراطور موريس في حروبه ضد بهرام والدولة الساسانية أواخر القرن السادس، ونتيجة دوره في الحرب عيّنه الإمبراطور بعد نهايتها نائبًا إمبراطوريًا على أفريقيا، ومقر الولاية قرطاج.[2]
في خريف 602 تمرّد الجند على الإمبراطور موريس في البلقان وساروا نحو العاصمة الخالية من الجند، فحاصروها، وسط ترحاب من سكان العاصمة الذين سئموا سياسة الإقطاع وتحكم ذوي الأراضي الواسعة بسياسة الدولة، ومظاهر الترف الإمبراطوري، وإذ تخوّف الإمبراطور موريس من موالاة سكان العاصمة للمتمردين وكذلك لامبالاة ابنه ثيودوسيوس ونسيبه جرمانوس، فرّ من العاصمة إلى نيقوميديا عبر البوسفور مع عائلته، ودخل المتمردون إلى العاصمة "ناثرين الذهب على الطرقات نثرًا"،[3] ونادى شيوخ الشعب وأعيانه في 23 نوفمبر 602 بأحد قادة التمرد وهو فوقاس إمبراطورًا جديدًا؛ أما الإمبراطور مويس فلم تفلح محاولته التحصّن بنيقوميديا، إذ أدركه المتمردون وذبحوه وعائلته فيها.[4]

الحملة الفارسية
كان الإمبراطور موريس قد كتب إلى كسرى الثاني، إمبراطور الأسرة الساسانية في بلاد فارس يستنجده لإنقاذ عرشه، فلبّى كسرى الطلب لكون الإمبراطور المخلوع سبب عودته إلى عرش فارس من جهة، وللقرابة العائلية التي تربطه به مع كونه صهره؛ فقرر كسرى الثاني بعد أن لجأ ابن الإمبراطور المخلوع ثيودوسيوس إليه طالبًا معونته، تجريد حملة عسكرية على بلاد ما بين النهرين وشمال العراق،[5] معضودة بثورة القائد نرسيس في الرها عام 603، فزحف كسرى بنفسه إلى الرها فملكها عام 604، وانتصر على الروم البيزنطيين في العام ذاته في نصيبين، وفي العام التالي أي 605 في دارة عزة إلى الشمال من حلب، واحتلّ في الوقت ذاته قائد جيشه الثاني شاهين مناطق أرضوم وأرمينيا وأكمل السيطرة على الأناضول وآسيا الصغرى مع نهاية العام 606، واتجه صوب العاصمة حتى خلقيدونية عام 610، في حين تمكن قائد فارسي ثالث هو شهربراز من فتح آمد ودخول مناطق ما وراء الفرات إلى الرقة منهيًا ذلك كون النهر حدًا فاصلاً بين الدولتين، ومعرضًا سوريا الرومانية للاجتياح الفارسي، فدخل الجيش الفارسي الثالث منبج وحلب عام 609، وأثار سقوط حلب ثورة في عاصمة سوريا الرومانية أي أنطاكية، قتل العوام خلالها أنسطاسيوس الثاني بطريرك المدينة بعد أن "تفننوا في تعذيبه"، وذكر بعض المؤرخين القدماء أمثال ثيوفانس والمعاصرين أمثال أسد رستم، أنّ اليهود المحليين كان لهم يد في تدبير ثورة أنطاكية ومحاولة أخرى شبيهة في صور؛ وقد سقطت المدينة في ربيع 611 بيد الفرس أنفسهم بعد حصار طويل، فبسط الساسانيون بذلك سيطرتهم على سوريا الشمالية كلّها، وتابعوا سيرهم نحو دمشق في الجنوب

تقلده السلطة
في عام 608 تخلى هرقل الأكبر والد الإمبراطور هرقل والنائب الإمبراطوري على أفريقيا دعمه للإمبراطور فوقاس،[8] وأرسل ابن عمه الأصغر نيكيتاس إلى مصر فملكها بحلول عام 609 هازمًا السلطة الموالية للإمبراطور فوقاس فيها، وفي الوقت نفسه أوفد ابنه الأكبر هرقل مع أسطول صغير إلى العاصمة عن طريق صقلية وقبرص. قبل وصوله إلى العاصمة، أجرى هرقل اتصالات مع قادة بارزين في الجيش مخططًا للإطاحة بالحكم القائم في المدينة،[8] وإذ والاه عدد من كبار الضباط، توّج إمبراطورًا حال وصوله إلى المدينة، دون مقاومة جدية من قبل المقاومين للإمبراطور فوقاس، وحينما التقى الإمبراطور المتوّج هرقل بسلفه فوقاس أمر بقطع رأسه وقطع أعضائه التناسلية، كعقوبة على اغتصاب فوقاس لزوجة فوتيوس أحد سياسي القسطنطينية البارزين. بعد مقتل فوقاس، وفي 5 أكتوبر 610، توّج هرقل للمرة الثانية في كنيسة القديس إسطفان داخل القصر الإمبراطوري في العاصمة، وتزوج من فابيا التي اتخذت اسم الإمبراطورة إيدوكيا؛ وبعد وفاتها عام 612 تزوج من ابنة أخته مارتينا عام 613، ولكون الزواج محظورًا تراجعت شعبية هرقل بين الشعب، "ورغم الكراهية الواسعة النطاق التي واجه بها الشعب مارتينا، ورغم ضغوط البطريرك سرجيوس لحلّ زواجه منها، إلا أن هرقل بقي متزوجًا بها، ومصطحبًا إياها في جميع حملاته العسكرية".
بعد أن تقلّد هرقل منصب الإمبراطور، كتب إلى كسرى بزوال سبب الحرب وداعيًا إلى السلام فرفض كسرى، وجرّد حملة عسكرية أخرى على سوريا،[9] فأوفد الإمبراطور جيشين الأول بقيادة فيليبيقوس نحو كيليكيا والثاني بقيادته مع أخيه ثيودوسيوس لاستعادة أنطاكية عاصمة سوريا الرومانية من الحكم الفارسي، غير أن جيش هرقل كٌسر وهزم في هذه المعركة، وهو ما لترسيخ سيطرة الفرس على المدينة، ومعها اللاذقية وطرطوس ولبنان،[10][11] واكتساح الجيش الفارسي للحاميات البيزنطية حيثما وجدت بدءًا من حمص ثم دمشق التي نهبت عام 613 وقتل الفرس عُشر سكانها بمساعدة من اليهود المحليين أيضًا، وسار الجيش بعدها جنوبًا نحو فلسطين، فدخل القدس عام 614 بعد حصار دام عشرين يومًا، هدموا خلالها كنيسة القيامة وسلبوا "الصليب الحقيقي"،[12][13] وقتلوا من سكانها حسب بعض المصادر سبعة وخمسين ألفًا، وأسروا خمسة وثلاثين ألفًا؛[10] وفي ربيع 617 حاصر الفرس بقيادة شهربراز الإسكندرية، وبسطوا سيطرتهم تدريجيًا على مصر، ما أدى إلى انقطاع القمح عن العاصمة، وبحلول منتصف عام 621 كانت مصر بأكملها في أيديهم

تقلده السلطة
في عام 608 تخلى هرقل الأكبر والد الإمبراطور هرقل والنائب الإمبراطوري على أفريقيا دعمه للإمبراطور فوقاس،[8] وأرسل ابن عمه الأصغر نيكيتاس إلى مصر فملكها بحلول عام 609 هازمًا السلطة الموالية للإمبراطور فوقاس فيها، وفي الوقت نفسه أوفد ابنه الأكبر هرقل مع أسطول صغير إلى العاصمة عن طريق صقلية وقبرص. قبل وصوله إلى العاصمة، أجرى هرقل اتصالات مع قادة بارزين في الجيش مخططًا للإطاحة بالحكم القائم في المدينة،[8] وإذ والاه عدد من كبار الضباط، توّج إمبراطورًا حال وصوله إلى المدينة، دون مقاومة جدية من قبل المقاومين للإمبراطور فوقاس، وحينما التقى الإمبراطور المتوّج هرقل بسلفه فوقاس أمر بقطع رأسه وقطع أعضائه التناسلية، كعقوبة على اغتصاب فوقاس لزوجة فوتيوس أحد سياسي القسطنطينية البارزين. بعد مقتل فوقاس، وفي 5 أكتوبر 610، توّج هرقل للمرة الثانية في كنيسة القديس إسطفان داخل القصر الإمبراطوري في العاصمة، وتزوج من فابيا التي اتخذت اسم الإمبراطورة إيدوكيا؛ وبعد وفاتها عام 612 تزوج من ابنة أخته مارتينا عام 613، ولكون الزواج محظورًا تراجعت شعبية هرقل بين الشعب، "ورغم الكراهية الواسعة النطاق التي واجه بها الشعب مارتينا، ورغم ضغوط البطريرك سرجيوس لحلّ زواجه منها، إلا أن هرقل بقي متزوجًا بها، ومصطحبًا إياها في جميع حملاته العسكرية".
بعد أن تقلّد هرقل منصب الإمبراطور، كتب إلى كسرى بزوال سبب الحرب وداعيًا إلى السلام فرفض كسرى، وجرّد حملة عسكرية أخرى على سوريا،[9] فأوفد الإمبراطور جيشين الأول بقيادة فيليبيقوس نحو كيليكيا والثاني بقيادته مع أخيه ثيودوسيوس لاستعادة أنطاكية عاصمة سوريا الرومانية من الحكم الفارسي، غير أن جيش هرقل كٌسر وهزم في هذه المعركة، وهو ما لترسيخ سيطرة الفرس على المدينة، ومعها اللاذقية وطرطوس ولبنان،[10][11] واكتساح الجيش الفارسي للحاميات البيزنطية حيثما وجدت بدءًا من حمص ثم دمشق التي نهبت عام 613 وقتل الفرس عُشر سكانها بمساعدة من اليهود المحليين أيضًا، وسار الجيش بعدها جنوبًا نحو فلسطين، فدخل القدس عام 614 بعد حصار دام عشرين يومًا، هدموا خلالها كنيسة القيامة وسلبوا "الصليب الحقيقي"،[12][13] وقتلوا من سكانها حسب بعض المصادر سبعة وخمسين ألفًا، وأسروا خمسة وثلاثين ألفًا؛[10] وفي ربيع 617 حاصر الفرس بقيادة شهربراز الإسكندرية، وبسطوا سيطرتهم تدريجيًا على مصر، ما أدى إلى انقطاع القمح عن العاصمة، وبحلول منتصف عام 621 كانت مصر بأكملها في أيديهم.[14][15]

الحملة البيزنطية المضادة
الثورة اليهودية ضد هرقل
في غمرة القلاقل داخل العاصمة إثر تقهقر الجيش البيزنطي وأراد هرقل نقل العاصمة إلى قرطاج بعيدًا عن الخطر الفارسي، غير أن بطريرك العاصمة سرجيوس أقنعه بكون المدينة محمية لأسوارها المرتفعة وموقعها الحصين.[16] في أعقاب الهزيمة على أسوار أنطاكية بدأ هرقل بمفاوضة الفرس على عقد اتفاق سلام مقابل ضريبة سنوية مقدارها ألف قطعة من الذهب، وألف من الفضة، وألف ثوب من الحرير، وألف حصان، وألف عذراء، تؤدى سنويًا إلى ملك الفرس؛ وقد دفعت الكنيسة من ثرواتها معظم الضريبة. حقق السلام للإمبراطور الفرصة لإعادة بناء جيشه، وأدخل إصلاحات على النظامين العسكري والزراعي، ومكّن الجند من امتلاك الأراضي إن قاموا باستصلاحها، وبذلك وسّع مساحة الأراضي المزروعة وجعل للجندي مصلحة شخصية في الدفاع عن الأرض والودولة، وساهمت الكنيسة في عملية الإصلاح، إذ تنازلت عن مجمل ثروتها لصالح الدولة، التي أعادت بدورها ترشيد النفقات محولة أغلبها للجهد العسكري، كما قاك هرقل بإعادة صك وضبط العملة.
في 5 أبريل 622 غادر هرقل العاصمة تاركًا إياها تحت إدارة البطريرك ووصاية ابنه، وتوجه بالجيش إلى آسيا الصغرى بدءًا من بيثينية، وفيها أضفى على الحرب صيغة الحرب المقدسة، واتخذ من وجه المسيح شعارًا لجيشه؛[16][17][18][19] ومن آسيا الصغرى سار هرقل نحو أرمينيا، وفيها كسر الجيش الفارسي في معركة فاصلة، ما مكنه من تثبيت ملكه في أرمينيا، ليعود بعدها إلى القسطنطينية لتموين الجيش؛[20] وفي ربيع العام التالي 623 إستأنف هرقل الهجوم، فدخل أذربيجان وطلب تبريز عاصمة الإمبراطورية الساسانية فملكها بعد حصار هرب خلاله كسرى الثاني وحاشيته إلى قسطيفون، وأحرق بعد دخلها معبد النار المجوسي فيها، وواضطر للعودة إلى آسيا الصغرى خوفًا من حركة التفافية يقوم بها الفرس بقيادة شهربراز أو شاهين أو كلاهما، واستغلّ سلسلة الانتصارات في تعبئة مزيد من القبائل المعادية للفرس والمسيحية في الغالب في منطقة القوقاز، لتكون خطوته التالية إطلاق الجولة الرابعة للحرب من القسطنطينية في 25 مارس 624 منطلقًا مع زوجته وابنيه نحو نيقوميديا،[21][22] حيث احتفل بعيد الفصح في 15 أبريل، ومنها اتجه إلى القوقاز حيث كسب سلسلة معارك ضد جيش كسرى الثاني، وحاول الفرس ثني الإمبراطور عن التقدم بدعمهم حصار السلاف للقسطنطينية، غير أن الحصار فشل وانسحب في العام نفسه؛ وفي الجولة الخامسة من الحرب تحالف هرقل مع قبائل الخزر التركية وتمكن من دخول تبليسي ومناطق بحر قزوين، وبنتيجة التقدم البيزنطي قرر كسرى إعدام قائد جيوشه شهربراز أواخر عام 627.[23][24]
قضى هرقل شتائه في أرمينيا، ومنها اتجه نحو شمال العراق متحالفًا مع القبائل، وفي وادي الزاب حصلت معركة نينوى الفاصلة على جبهة بلاد ما بين النهرين في 12 ديسمبر 628، والتي هزم فيها الفرس شرّ هزيمة، وسقطت في أعقابها قطسيفون عاصمة الدولة بيد هرقل، مستعيدًا الأسلحة التي سيطر عليها الفرس خلال مرحلة انتصاراتهم من جهة، ومحررًا آلافًا من رعايا الإمبراطورية الأسرى في البلاط الفارسي من جهة ثانية.[25][26] وبنتيجة الهزائم المتتالية حصل انقلاب في البلاط الفارسي، فخلع كسرى الثاني وقتل على يد ابنه قباز شيرويه في 28 فبراير 628، ثم طلب عقد السلام مع هرقل، فقبل هرقل بشرط العودة إلى حدود ما قبل الحرب الفارسية الرومانية الأولى، وإطلاق سراح جميع الأسرى، وإرجاع الصليب لعهدة الدولة البيزنطية في القدس، فقبل شيرويه، وأقرت الاتفاقية السلام في يونيو 629. [27] بكل الأحوال، فبعد عدة أشهر، توفي شيرويه ودخلت الإمبراطورية الفارسية في حرب أهلية حول خلافة العرش، وبتدخل من هرقل تم الأمر عام 632 ليزرجد الثالث حفيد كرسى الثاني، وبذلك غدا هرقل وصيًا على عرش فارس

المشيئة الواحدة في المسيح
بعد تحقيقه الانتصار على الفرس الساسانيين، أدرك هرقل كما سلفه يوسطيان الأول من قبل، أهمية حل الخلاف حول مجمع خلقيدونية حفاظًا على وحدة الإمبراطورية ولرأب الصدع الكبير الذي طرأ على المجتمع بنتيجتها والذي وصف "بأكبر صدع طرأ على الإمبراطورية البيزنطية وأشده خطورة"؛[32] كان الخلاف حول مجمع خلقيدونية منذ عام 450 يتعلق بين القائلين بأنّ "في المسيح طبيعتان متحدتان في شخص واحد"، وبين القائلين "بأن شخص المسيح ذي طبيعة واحدة من جوهرين أو طبعين مختفلين"، وكانت الصيغة الأولى قد أقرت في مجمع خلقيدونية ودعمها كرسي روما والقسطنطينية، والملكيون في أنطاكية والإسكندرية وأقلية من السريان، والصيغة الثانية تمسك بها رافضو المجمع الخليقدوني، ودعمتها غالبية السريان والأقباط والأحباش والأرمن.[33][34]
وعلى الرغم من مناقشة قضية الإرادة الواحدة أو المشيئة الواحدة في المسيح من قبل عدد من اللاهوتيين في القرن السادس، إلا أنه من غير المعروف على وجه الدقة المصدر الذي استقى منه هرقل ومعه سرجيوس بطريرك العاصمة بين 610 و638 فكرة التعليم الجديد بشكل مباشر، وينصّ على القول بمشيئة واحدة في المسيح، أي "إن طبعي المسيح المتحدان في مشيئة واحدة وشخص واحد بعد الاتحاد"، بمعنى آخر "إن الطبع البشري والطبع الإلهي في المسيح قد أفضت نتيجة اتحادهما إلى مشيئة واحدة أو قدرة واحدة"،[35] وحسب تعرف اللاهوتي الألماني أدولف هارباك "إن طبعي المسيح أديا النتيجة نفسها عن طريق قدرة إلهية بشرية واحدة"،[36] وكان القديس كيرلس الإسكندري قد ذكر في معرض تفسيره الفصل الرابع من إنجيل يوحنا أن "المسيح أظهر مشيئة واحدة متجانسة نتيجة اتحاد طبيعتيه". أصدر هرقل مرسومًا إمبراطوريًا بتبني المونوثيلية كعقيدة رسمية في الدولة، ونصّ المرسوم الإمبراطورية على القبول بمجمع خلقيدونية وشرعية انعقاده، وقد اعتمدت عدة كنائس ومنها روما والقسطنطينية هذا التعريف، في حين رفضته أقلية من اللاهوتيين ذوي النفوذ في الجانب الخلقيدوني ومنهم القديس صفرونيوس بطريرك القدس اللاحق (633 - 634) ومكسيموس المعترف الذي دافع عن القول بالمشيئتين في المسيح؛ أما الرفض الأكبر والذي أجهض مساعي الإمبراطور التوحيدية فعليًا، كان أثناسيوس الجمال، بطريرك غير الخلقيدونيين في سوريا، وذلك ليس رفضًا للمشيئة الواحدة بحد ذاتها بل رفضًا لصيغة الطبعين بعد الاتحاد؛ على الرغم أنه يسود الاعتقاد بين عدد من المؤرخين ومنهم يوهانس وسهايم بأن الإمبراطور ما كان ليجترح الصيغة الجديدة لو لم يوح له المناوئون لمجمع خلقيدونية أنهم قد يقتنعون بقبول مجمع خلقيدونية، إن اعترف الخلقيدونيون بأنه لم تكن في المسيح بعد اتحاد طبعيه سوى مشيئة واحدة وفعل إرادي واحد،[37] خصوصًا بعد لقاء هرقل مع البطريرك الجمّال في منبج عام 631 حيث فاوضه على الاعتراف بالمشيئة والمجمع الخليقدوني مقابل الاعتراف به بطريركًا موحدًا لأنطاكية.[38] وقد أدى رفض أصحاب الطبيعة الواحدة للمرسوم الإمبراطوري، لإثارة قلاقل في الرها ومنبج وحمص لاسيّما بعد صدور مرسوم آخر بجدع أنف ومصادرة أملاك كل من يرفض شرعية الاعتراف بمجمع خلقيدونية،[39] وهي راوية ضعيفة عند بعض المؤرخين المعاصرين أمثال أسد رستم، ولم يذكرها من القدماء سوى ابن العبري وديونيسيوس التلمحري.[38]
وعلى الرغم من الإجراءات الإمبراطورية السابقة لنشر عقيدة المشيئة الواحدة والتي أرفقها الإمبراطور بزيارة سوريا حتى دير مارون قرب حماه عام 628 على ما يذكره سعيد بن البطريق، ولقاءه كاثوليكوس الأرمن في قبرص والذي قبل بالصيغة تمامًا كرغبة الإمبراطور، فإنه وبعد وفاته سرعان ما أخذت الكنيسة الجامعة ترتد عنها بوصفها هرطقة، فرفضتها روما أولاً عام 649، ثم رفضها مجمع القسطنطينية الثالث نهائيًا عام 680 وأقرّ صيغة المشيئتين في المسيح "إن الاعتراف بطبعين في المسيح كما في المجمع الرابع، يستلزم منطقيًا الإقرار بمشيئتين في المسيح كما في المجمع السادس".[40]

الفتوحات الإسلامية
بحلول عام 629 كان النبي محمد قد تمكّن من توحيد قبائل شبه الجزيرة العربية في دين واحد هو الإسلام، ودولة واحدة مركزها في المدينة المنورة، لتشكل قوّة ثالثة في الشرق الأوسط منافسة ومن ثم وارثة للقوتين الكبيرتين والمتنازعتين في حروب متكررة أي الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية.[41] كانت المعركة الأولى بين البيزنطيين والمسلمين في معركة مؤتة في شهر سبتبمر 629 قامت بها قوّات صغيرة من طرف المسلمين، وتمكن جند ولاية العربية من صد الهجوم؛ ولكون المعركة قد أفضت لانتصار بيزنطي بجند قليل العدد لم يكن هناك من سبب واضح لاستجلاب تعزيزات عسكرية إلى حدود الإمبراطورية الجنوبية من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن حدود الدولة الجنوبية كانت قد اعتادت على غارات البدو الرحل طلبًا للسلب والنهب.[42] في العام التالي أي 630، أطلق المسلمون غارات على وادي عربة والكرك، وغارات أخرى على النقب وحتى غزة، بكل الأحوال فلم يكن هناك من رغبة جدية في القتال مع البيزنطيين لدى قسم واسع من سكان هذه المناطق.[43][44] بعد نهاية حروب الردة في الجزيرة العربية، عادت أنظار الخلافة الراشدة نحو الهلال الخصيب فأوفدوا ثلاثة ألوية اتجاه الهلال الخصيب من ناحيتي العراق وسوريا؛ كان هرقل حينها قد شاخ، ولم يقد الجيش بنفسه على الرغم من مشاركته في وضع استراتيجية الدفاع عن الإمبراطورية والمعارك التي تخوضها؛ بكل الأحوال، خلال السنوات الثلاث التالية خسر هرقل جميع أملاكه في الهلال الخصيب وانهارت سوريا الرومانية لاسيّما بعد معركة اليرموك عام 636 والتي شكلت هزيمة ساحقة للجيش البيزنطي؛ وعند وفاة هرقل في 11 فبراير 641، كانت غالبية مصر، قد سقطت بيد الفاتحين الجدد؛ وقد ذكرت مراجع إسلامية متأخرة في الزمن أمثال الطبري، أن هرقل قد تنبأ "بظهور مملكة جديدة، ستكون منتصرة على كل أعدائها

إنجازاته
بتحليل فترة حكم هرقل، اعترف المؤرخون له بالعديد من الإنجازات على صعيد إنقاذ الإمبراطورية من حالة الفوضى والترهل التي كانت تمرّ بها من ناحية؛ وانتصاره على الفرس ودحره كسرى الثاني عن حدود العاصمة واستعادة أملاكه في الشرق من ناحية ثانية، وإقرار إصلاحات في البنية المالية والإدارية للدولة، مؤسسًا بذلك السلالة الهراقلية التي استمرت في حكم الإمبراطورية حتى عهد جستنيان الثاني عام 711. أحد أهم إنجازات هرقل كان الاعتراف باللغة اليونانية كلغة رسمية للإمبراطورية البيزنطية عام 620 بدلاً عن اللغة اللاتينية؛[46] وتبادله بعثات دبلوماسية مع شعوب الصرب والكروات،[47] وتحوّل سكان مقدونيا إلى المسيحية بشكل كامل حوالي عام 626 بعد أن طلبوا من هرقل إيفاد رجال كنسييين لنشر الديانة وتعميدهم، وهو ما تمّ بعد أن نسّق هرقل مع البابا يوحنا الرابع في إرسال مبشرين لمناطق السلاف والكروات والمقدونيين.[48] إلى جانب الإصلاحات الزراعية وتمليك الفلاحين للأراضي البور إن قاموا باستصلاحاتها، كذلك فقد أنشأ هرقل جهازًا حكوميًا موحدًا لصك وضبط العملة،[49] ويعو د له وضع التقسيمات الإدارية الجديدة للإمبراطورية البيزنطية والمعروفة باسم الثيمة، وإن كان بعض المؤرخين الحديثين أعادوا نظام الثيمات لعهد خلفه كونستانس الثاني؛ وإن فشل في حل الخلاف الديني حول مجمع خلقيدونية عن طريق المونوثيلية، فقد نجح بإعادة الصليب الحقيقي، أحد أهم المقدسات المسيحية إلى القدس.
بعد انتصاره على الفرس، اتخذ هرقل لنفسه لقب "ملك الملوك" وهو اللقب التقليدي لملوك فارس؛ وبدءًا من عام 629، أضاف لألقابه لقب باسيليوس الكلمة اليونانية التي تفيد معنى السيادة والاستقلال، واستمرّ استخدام هذا اللقب من قبل الأباطرة الرومان خلال القرون الثمانية التالية؛ يرى البعض المؤرخين أن اختيار اللقب جاء من قبل هرقل تخليدًا لانتصاراته كما فعل سلفه أغسطس قيصر، البعض الآخر يعزو اللقب إلى أصوله الأرمنية.[50]

في التراث الغربي
نظر التراث الغربي خلال القرون الوسطى وما بعدها إلى هرقل بوصفه أحد أشجع الأباطرة وأقواهم، لتحقيقه النصر على الإمبراطورية الفارسية بشكل حاسم وقضائه على حالة الترهل والانحطاط الذين عانته الدولة في عهد سلفه فوقاس؛ ورغم خسارته سوريا الرومانية، فقد تمكن جيش هرقل من صد تقدّم جيش الخلافة الراشدة في الأناضول، وكذلك فقد حفظ السيادة البيزنطية على قرطاج وولاية أفريقيا لنحو ستين عامًا أخرى.[51] النظرة الثانية لهرقل في التراث الغربي، كانت من بعض الجهات الأكثر اهتمامًا باللاهوت والفلسفة بوصفه هرطوقيًا نتيجة دعمه ونشره لصيغة المونوثيلية كحل وسط بين مؤيدي ومعارضي مجمع خلقيدونية، التي أدينت في مجمع القسطنطينية الثالث بوصفها هرطقة؛[52] غير أن النظرة الدينية الغالبة للإمبراطور كانت ملائمة وداعمة من خلال النظر إليه مقرونًا بقسطنطين الكبير وأمه الإمبراطورة هيلانة، كمحافظ ومعيد للصليب الذي سلبه الفرس من القدس إلى المقر الملكي الفارسي في دستجرد قرب بغداد حاليًا، مودعين إياه زوجة كسرى الثاني شيرين والتي احتفظت به حتى 629 حين نصّت معاهدة السلام مع الفرس على إعادته موقعه في القدس، فنقل الصليب بموكب احتفالي عبر مدن الهلال الخصيب، ونصب في مكانه في القدس يوم 21 مارس 630؛[53][54] وقد حفظت رواية نقل الصليب في "الأسطورة الذهبية" وفي "تاريخ الصليب الحقيقي" وهي روايات شعبية بإطار تاريخي، انتشرت في أوروبا، وازدهرت خلال القرن الثالث عشر فما بعد.[55] ويظهر هرقل أيضًا في عدد من أعمال عصر النهضة الفنية، ولعلّ أهمها جدارية "تاريخ الصليب" لبيير يدلا فرانسيسكا في إيطاليا، والتي قام آدم إليثمير برسم مثيل لها في فرانكفورت. إدوارد جيبون في كتابه "انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية" كتب عن هرقل بوصفه "رجل استثنائي، وغير قابل للتكرار، قضى عهده الطويل في حل المشاكل التي واجهت الدولة البيزنطية وإزالة الضغوط عليها، خصوصًا تلك المشكلات التي تهم عامة الشعب"، ومن ناحية عسكرية يضيف غابون بأنه "من أيام هنيبعل، لم تشهد الإمبراطورية الرومانية قائدًا عسكريًا كهرقل".[56]

في التراث العربي الإسلامي
يعتبر هرقل أكثر الأباطرة والشخصيات الغربية التي ذكرت ومُدحت وأشيد بها في التراث العربي الإسلامي،[57] وخلّدت انتصاراته على الفرس في القرآن بشكل غير مباشر ضمن الآيات الأولى من سورة الروم، التي تزلت طبقًا للتقاليد الإسلامية حين كان النبي محمد لا يزال في مكة حين تمكن كسرى الثاني من هزيمة البيزنطيين، ومبشرة بانتصار ساحق للإمبراطورية البيزنطية وهو ما تم عام 629، وقد توسع مفسري القرآن في شرحها وتبيانها؛[58][59] كذلك فقد ذكر هرقل في كل من الحديث الشريف والسيرة النبوية.[60] خارج المصادر الإسلامية الداخلية لا يوجد مصدر تاريخي يفيد بأن هرقل قد سمع عن الإسلام أو النبي محمد شيئًا، ولربما نظر مستشاريه ورجال البلاط للدعوة الإسلامية بوصفها نوعًا من أنواع اليهودية الجديدة، خلال معارك سوريا.[61]
المصادر الإسلامية تفيد بأن ضمن رسائل النبي محمد هناك رسالة إلى هرقل دعاه فيها إلى الإسلام،[62] بعض المؤرخين المسلمين اللاحقين وجدوا أن هرقل أرسل جوابًا على الرسالة معترفًا بنبوة محمد: "لقد استقبلت رسالتك مع المبعوث، وأعترف أنك رسول الله المذكور لدينا في العهد الجديد، إن عيسى بن مريم قد بشّر بك"،[63][64] ثم أبلغ سكان الإمبراطورية بذلك، وإذ خشي ثورتهم تراجع معلنًا أنه كان يختبر إيمانهم بالمسيح فحسب.[65][66][67][68] روايات أخرى تفيد بأن هرقل شاهد حلمًا حول "مملكة يقودها رجل مختون، وتنتصر على جميع أعدائها"؛ ياقوت الحموي في القرن الثاني عشر وضع على لسان هرقل عبارة "وداعًا يا سوريا الجميلة، وداعًا لا لقاء بعده" بعد هزيمة جيشه في معركة اليرموك،[69][70] رغم أن هرقل لم يكن في سوريا عند فتوح الشام؛ أما ابن كثير في القرن الرابع عشر أيضًا وصف هرقل بكونه "أكثر الرجال قوة وحكمة" وقال أنه "أدار الإمبراطورية بكل روح قيادية"؛ أما في كينيا فقد اكتشف باللغة السواحيلية عام 1728 مخطوط يدعى "كتاب هرقل"، يؤرخ حسب السير الشعبية لمعارك الإمبراطور وانتصاراته على الفرس، وعلاقته بالإسلام الناشئ أيضًا.[71]

عائلته
تزوج هرقل مرتين، الأولى من فابيا إيدوكيا، وبعد وفاتها من ابنة أخته مارتنيا. أنجب هرقل من زوجته الأولى فابيا طفلين، في حين أنجب من مارتينا تسعة أطفال،[72] توفي اثنان منهما في الصغر، في حين كان فابيوس فلافيوس مصابًا بالشلل في الرقبة، وثيودوسيوس كان أصمًا وأبكمًا، قد نظر إلى ذلك بوصفه عقابًا أو لعنة إلهية لكون زواج هرقل من ابنة أخته غير مشروع.[73][74] تزوج ثيودوسيوس من نايك ابنة القائد الفارسي شهربراز؛ وغدا اثنان من أبنائه أباطرة بعده هرقلوناس بين 638 - 641 ابن مارتينا، وقسطنطين الثالث ابن إيدوكيا من فبراير وحتى مايو 641.
كان لهرقل أيضًا ابن واحد على الأقل غير شرعي،[75] ومن أم غير معروفة في التاريخ، ولربما انخرط في مؤامرة لخلع هرقل مع ابن عمه وعدد من رجال البلاط منهم النبيل الأرمني ديفيد ساهاروني، غير أن هرقل اكتشف المؤامرة، وقام بجدع أنف وقطع يدين المتآمرين ثم قام بنفيهم إلى جزيرة برينكيبو؛[76][77] في السنوات الأخيرة من حكم هرقل، غدا الصراع على وراثة العرش شديد الوضوح في البلاط مع محاولات مارتينا الدفع بأبنائها نحو العرش، وقد انتهى الأمر بقرار هرقل وضع هرقلوناس، وقسطنطين الثالث ليحكما مناصفة بالاشتراك مع مارتينا كإمبراطورة للدولة