المثقف الامريكي .. كيف يرى بلاده؟
مرسل: الخميس نوفمبر 28, 2013 7:44 am
المثقف الامريكي .. كيف يرى بلاده؟
من هو المثقف والمفكر؟ باختصار هو ضمير الأمة الحي، ولهذا فإن رؤيته غالبا ما تكون منزهة عن أي غرض أو مطمع، هو يجد متعته في عملية التفكير ذاتها، دون زيادة أو نقصان، يقول كلمته ويمضي، ولا يتوقف كثيرا أمام صاحب السلطة وهل يأخذ برأية أم لا.
تدخل الولايات المتحدة الأمريكية اليوم ولاية رئاسية جديدة، أربع سنوات أخر للرئيس الأمريكي الديمقراطي، بعد سنوات أربع سبقت لم يحقق فيها الحلم أو يدرك الأمل الذي راود الأمريكين غداة انتخابه للولاية الأولي.
في هذا السياق آل أثنان من المفكرين البارزين في الولايات المتحدة على نفسيهما عبء مساءلة مفكرين وساسة أمريكيين بشأن توجهات أمريكا ومسارها ما بين ولاية أوباما الأولي والثانية وربما قبلهما أي في الفترة الممتدة من زمن بوش الابن إلي أوباما الثاني.
المفكر الأول وراء هذا العمل هو "جيمس لاردنر" والذي يعتبر من المفكرين البارزين في الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد ساهم في تأليف العديد من الكتب التى تتناول السياسات الاقتصادية الفاشلة ودورها في زيادة الديون على الامريكيين كما اشترك في كتابه افتتاحيات العديد من الكتاب التى تتناول موضوعات مثل، عدم المساواة، والانقسام الاقتصادي في أمريكا وعواقبه، وباعتباره صحفيا فقد كتب العديد من المقالات التى نشرت في كثير من الصحف الأمريكية.
أما "ناثانيل لونيثيل" فمن مدينة بالتيمور في ولاية ماريلاند وقد تخرج في جامعة "يال" عام 2007 بتقدير امتياز، حيث تخصص في البرامج المعنية بالأخلاق والسياسة والاقتصاد، وفي مستهل عام 2005 كان في السنة الثانية من دراسته الجامعية، ساهم في إنشاء مؤسسة "روزفلت" وهو الآن المدير التنفيذي لها. ما الذي يميز رؤي المثقفيين الأمريكين في هذا الاطار؟
باختصار غير مخل مقدرتهم على استخلاص الدروس والعبر من الأزمات التى تمر بها الولايات المتحدة، لاسيما الأزمة المالية الطاحنة التى بدأت العام 2008 ولم تنتهي حتى الساعة.
ضمن المساءلات التي طرحاها ذهب "روبرت كتنر" الكاتب والمعلم والمحاضر والمحرر الأمريكي، في طريق كيف أن الأزمة تمثل فرصة مهمة ينبغي استغلالها، ويشير إلي أن الانهيار الاقتصادي لم يدفع أمريكا فحسب إلي حالة من الكساد الشديد، بل أنه أيضا يثير الشكوك بشأن أيديولوجية الجناح اليميني المهيمنة التى تزعم أن نظم السوق لا يمكن أن تقر بالاقتصاد فقط، وأننا لا نحتاج إلي مساعدة الآخرين.
دور المثقف الحقيقي أمريكي كان أو ماعداه من جنسيات هو طرح الأسئلة التى تبعث على التفكير والشك الإيجابي الخلاق، فعلي سبيل المثال يري "كتنر" أن الحاجة إلي منع الانهيار الاقتصادي من أن يتسبب في حدوث حالة ثانية من الكساد الهائل تتيح لنا الفرصة للتفكير بحكمة وتأن.
يرصد "كتنر" ما يجري على صعيد الحياة الأمريكية حيث تتداخل المصالح الخاصة مع العامة وحيثما تسود الطبقية المالية، لاسيما بعد أن أصبحت الاستثمارات الاجتماعية واسعة النطاق فجأة امرا ممكنا من الناحية السياسية، حيث أنها صارت تمثل حاجة ملحة من الناحية الاقتصادية.
فعندما يتمكن مجلس الشيوخ الأمريكي في غضون ثلاثة أسابيع من توفير 700 مليار دولار أمريكي لبورصة وول ستريت، فمن المنطقي أن يطرح الأمريكيون سؤالا مؤا ده، لماذا لا يتم توفير مثل هذا المال لبقية الشعب الأمريكي؟
مساءلة مثقفي امريكا اليوم تؤكد للقارئ عربيا كان أو أعجميا أن الولايات المتحدة عشية تنصيب أوباما لولاية ثانية تعيش حالة من الأزمة الفعلية لا الكلامية، بعد أن أزدادت حالة عدم الاستقرار خلال العقود الثلاثة الماضية وعلى نحو عاني منه معظم الشعب، ولم تبذل الحكومة إلا القليل من الجهد، وهو أمر على عكس المتوقع منها بطبيعة الحال، فعلي سبيل المثال، عندما توقفت الشركات عن توفير فرص عمل أو أجور مناسبة أو رعاية صحية أو تأمين للمعاشات، عجزت الحكومة عن سد هذا الفراغ، وعندما انضمت أعداد كبيرة من السيدات إلي جانب الرجال في الطبقة العاملة، فشلت سياسة الحكومة في تلبية احتياجات الأطفال والعائلات.
وأخيرا عندما فشلت الحكومة في تلبية احتياجات الأطفال والعائلات، وأخرا عندما حدثت أزمة الطاقة عجزت الحكومة أيضا عن المساعدة في إيجاد حلول بديلة، ونتيجة لأهمال الحكومة مثل هذه الأمور وغيرها من المشكلات العاجلة، فقد صار المواطنون يفضلون عدم التمسك بوعود الديمقراطية.
يؤكد الساسة الانجلو ساكسون اليوم على أن أمريكا صارت الآن من الناحية السياسية حقلا للتفكير القاصر والمحدود، فهي لا تخطط للمستقبل، ولا تستفيد من تجاربها السابقة. كما أن الجدال العام على صعيد المجتمع الأمريكي كله كثيرا ما يتجاهل الدروس المستفادة من التاريخ، ولايعبأ بالحقائق الواضحة بشأن المستقبل، وهذه الأمور جميعا في واقع الأمر يمكن تفسيرها في ضوء عدة أسباب، يذكر منها قصور التفكير المتزايد أو التغطية الإعلامية التى تلعب دوراً في محدودية هذا التفكير وتعتيمه، أو الاستغلال السياسي المستفيد من هذا الأمر، وتظل الحقيقة الواضحة متمثلة في ضرورة أتخاذ موقف لتصحيح الوضع الراهن.
لماذا تخفت توقعات المثقفين الأمريكيين بين يدي ولاية أوباما الثانية لاسيما فيما يختص بمستقبل الإجيال الأمريكية القادمة؟
الجواب نجده عند "فيرا أنيمان" أستاذ الاجتماع والاقتصاد في جامعة ستافورد الأمريكية الشهيرة، والتى تذهب إلي أنه دائما ما كان يتطلع الأمريكيون لحياة أفضل بالنسبة للجيل التالي. ولكن الآن ووفقا للاستفتاءات الحديثة لم يعد هذا الأمر موجوداً، ولك أن تتخيل كيف أن الماضي بالنسبة لمعظم الأمريكيين أضحي أكثر إشراقا من المستقبل، لقد صار الحلم الأمريكي مجرد ذكري في ذاكرة التاريخ الأمريكي، وعليه فإن هذا التشاؤم يعكس اتجاها خطيراً، وهو أن الولايات المتحدة كدولة قد توقفت عن استثمار مواردها بوجهة نظر مشتركة حول المستقبل.
هل فقد الأمريكيون إدراكهم بقيمتهم كشعب طالب بالحرية والديمقراطية والاستقلال وصار نموذجا للمضطهدين والمقهورين تحت الأنظمة الشمولية حول العالم؟
المؤكد أن المبادئ الأساسية للحركة التقدمية تتضمن الوضوح الأخلاقي واستثمار الطاقة الفكرية، وعلى مدار القرن الماضي نجحت هذه الحركة في ترسيخ أفكارها في أذهان أفراد الشعب، غير أنها لا تزال تجد مقاومة من جانب القوى الرجعية.
وقد استطاعت تلك القوى المحافظة أن يكون لها الغلبة خلال قانون تمويل الانتخابات المعقد والنظام الانتخابي الضعيف، ومن ناحية أخري فنادراً ما يخفي الجدال حول مشكلات مثل الفقر والهجرة التمييز الراسخ تجاه العرق والطبقة الاجتماعية، كما أن السياسة الخارجية التى تتبعها الولايات المتحدة فيما يتعلق بمجالات الزراعة والتجارة ونظام الحكم الدولي تتسم بأنها محدودة وقصيرة النظر.,
ما الذي يتوجب على الأمريكيين مواجهته ومجابهته من تحديات في القرن الحادي والعشرين؟
ضمن رؤي امريكية عديدة يتحدث كل من ستيورات كومسترك ومايلز رابو بورت، وهما من المشهورين بالحديث والكتابة بصورة كبيرة عن الديمقراطية والحريات المدنية، وقد عمل "مايلز رابو بورت" مديراً تنفيذيا لأحدي المجموعات التى تهتم بإصلاح الديمقراطية.. ماذا عنهما؟
رؤيتهما تتمحور حول أنه لا يمكن للأمريكيين التخلي عن الكفاح المستمر لبناء مجتمع يتسم بمزيد من العدل والديمقراطية، ليس فقط لأن الكفاح هو الخيار الأمثل، وإنما لأنه عندما نتصرف حسب تعبيرها ـ وفقا لقيمنا، فإننا بذلك نعمل على بناء دولة قوية. ولاشك أن الإزمات التى قد تواجه الدولة في السنوات المقبلة سوف تتطلب من الدولة تقديم أفضل ما لديها. وأن الأمريكيين لن يكونوا في حالة أفضل إلا عندما يساهم كل فرد في المجتمع بصورة إيجابية وهادفة، فمن خلال العمل على بناء مجتمع عادل فقط، يمكن لهم تحفيز العالم على تبني رؤية مشتركة للمجتمع العالمي.
كيف يري ساسة أمريكا ومثقفيها حال الإمبراطورية المتفردة بشأن العالم في علاقاتها مع دول ذلك العالم وشعوبه؟
سؤال مركب وليس بسيط، ولهذا يتصدي له أثنان من العقليات الأمريكية النافذة، "جيم هاركنس" مستشار البنك الدولي ومنظمة الفاو، و "اليكساندر اسبيلدوتش" مدير أحد البرامج المهتمة بالسياسات الاقتصادية والمؤسسات الديمقراطية التى تدعم حقوق الإنسان.
يكتب القطبان الأمريكيان المتقدمان تحت عنوان "إعادة الاتصال بالعالم" يقولان :" أنه منذ ستين عاما مضت كانت الولايات المتحدة هي التى تؤيد على نحو معبر إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ذلك الإعلان الذي يعد أول تعبير عالمي عن الحقوق المتوارثة لجميع الشعوب .. كيف كان حال الأمريكين وقتها؟
يقولا: كنا حينئذ من أغني الناس والدول وأكثرها قوة على ظهر الأرض، وفي الوقت نفسه كانت مشكلات الشعوب الأخرى ذات تأثير عملي محدود على مدى ازدهارنا، ومع ذلك فإن الالتزام الأمريكي بإيجاد حلول متعددة الجوانب كان جزئيا وثابتا.. إذن إلي أين مضي الوضع في عالمنا المعاصر أمريكيا؟
الأمر بات على النقيض تماما، فقد صارت الكثير من مشكلات أمريكا الكبرى ذات طبيعة عالمية بصورة واضحة، ولكن في الوقت الذي صارت فيه السياسة المحلية متداخلة بصورة أكبر مع السياسة الخارجية، اختارت الولايات المتحدة أن تنأي بنفسها عن المنظمات والمفاوضات الدولية.. هل هي مرحلة الأنعزالية التى تصيب الإمبراطوريات قبل تفككها وانتهاء أعمارها الافتراضية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل وقد تمثل الأمر في انسحاب بوش الابن من اتفاقيات كيوتو لحماية المناخ العام، مع أن واقع الحال يشير إلي أن الولايات المتحدة تتحمل جزءا بالغ الأهمية وكبير الآن في المسئولية عن حالة الاحتباس الحراري التى تعيشها الكرة الأرضية بسبب كمية الغاز الكبيرة المنبعثة من البيوت الزجاجية والتى تؤدي إلي ارتفاع درجة حرارة الأرض. هل لهذه القضية تقدير وأهمية خاصة عند المثقفين الأمريكيين؟
رؤى مفكري امريكا ومثقفيها على كثرتهم تشير إلي أنه في القرن الحادي والعشرين، سيتم الحكم على الدور الريادي الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى العالم في ضوء تعاملها مع مشكلتين من كبرى المشكلات على الأطلاق، وتتمثل الأولي في ارتفاع درجة حرارة الأرض المعروفة بظاهرة الاحتباس الحراري بما يهدد بالحاق أضرار خطيرة بكوكب الأرض وسكانه، أما المشكلة الثانية فتتمثل في وجود نظام اقتصادي غير متكافئ في الوقت الحاضر،يجسد أوجه التفاوت بين الفقراء والأغنياء أكثر من أي وقت مضي. ومن أجل ذلك لابد من العمل الجاد لبناء اقتصاد شامل يكون صديقا للبيئة ويتسم بدرجة كبيرة من الفاعلية تمكنه من انتشال المواطنين من مخاطر الفقر المنتظر.
إلي أي مد وحد سيتمكن أوباما من إجراء مصالحة بين أمريكا والعالم من حولها؟ قبل أربع سنوات علق عليه العالم آمالا في المصالحة، لكن وقتها قلنا أن أمريكا دولة مؤسسات عميقة ضاربة جذورها في المصالح الشخصية والمؤسساتية، ولهذا فإن منصب الرئيس يبقي شكلاُ دون مقدرة فعلية على التغيير، غير أن الولاية الثانية دائما لأي رئيس أمريكي تتيح له حرية أكبر لاسيما بعد تحرره من خوف عدم إعادة انتخابه، فهل سينجح أوباما في ولايته الثانية فيما أخفق في إتيانه بولايته الأولي؟ التجربة والحلم مع الوقت يحملان الجواب.
« منقول » ...
من هو المثقف والمفكر؟ باختصار هو ضمير الأمة الحي، ولهذا فإن رؤيته غالبا ما تكون منزهة عن أي غرض أو مطمع، هو يجد متعته في عملية التفكير ذاتها، دون زيادة أو نقصان، يقول كلمته ويمضي، ولا يتوقف كثيرا أمام صاحب السلطة وهل يأخذ برأية أم لا.
تدخل الولايات المتحدة الأمريكية اليوم ولاية رئاسية جديدة، أربع سنوات أخر للرئيس الأمريكي الديمقراطي، بعد سنوات أربع سبقت لم يحقق فيها الحلم أو يدرك الأمل الذي راود الأمريكين غداة انتخابه للولاية الأولي.
في هذا السياق آل أثنان من المفكرين البارزين في الولايات المتحدة على نفسيهما عبء مساءلة مفكرين وساسة أمريكيين بشأن توجهات أمريكا ومسارها ما بين ولاية أوباما الأولي والثانية وربما قبلهما أي في الفترة الممتدة من زمن بوش الابن إلي أوباما الثاني.
المفكر الأول وراء هذا العمل هو "جيمس لاردنر" والذي يعتبر من المفكرين البارزين في الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد ساهم في تأليف العديد من الكتب التى تتناول السياسات الاقتصادية الفاشلة ودورها في زيادة الديون على الامريكيين كما اشترك في كتابه افتتاحيات العديد من الكتاب التى تتناول موضوعات مثل، عدم المساواة، والانقسام الاقتصادي في أمريكا وعواقبه، وباعتباره صحفيا فقد كتب العديد من المقالات التى نشرت في كثير من الصحف الأمريكية.
أما "ناثانيل لونيثيل" فمن مدينة بالتيمور في ولاية ماريلاند وقد تخرج في جامعة "يال" عام 2007 بتقدير امتياز، حيث تخصص في البرامج المعنية بالأخلاق والسياسة والاقتصاد، وفي مستهل عام 2005 كان في السنة الثانية من دراسته الجامعية، ساهم في إنشاء مؤسسة "روزفلت" وهو الآن المدير التنفيذي لها. ما الذي يميز رؤي المثقفيين الأمريكين في هذا الاطار؟
باختصار غير مخل مقدرتهم على استخلاص الدروس والعبر من الأزمات التى تمر بها الولايات المتحدة، لاسيما الأزمة المالية الطاحنة التى بدأت العام 2008 ولم تنتهي حتى الساعة.
ضمن المساءلات التي طرحاها ذهب "روبرت كتنر" الكاتب والمعلم والمحاضر والمحرر الأمريكي، في طريق كيف أن الأزمة تمثل فرصة مهمة ينبغي استغلالها، ويشير إلي أن الانهيار الاقتصادي لم يدفع أمريكا فحسب إلي حالة من الكساد الشديد، بل أنه أيضا يثير الشكوك بشأن أيديولوجية الجناح اليميني المهيمنة التى تزعم أن نظم السوق لا يمكن أن تقر بالاقتصاد فقط، وأننا لا نحتاج إلي مساعدة الآخرين.
دور المثقف الحقيقي أمريكي كان أو ماعداه من جنسيات هو طرح الأسئلة التى تبعث على التفكير والشك الإيجابي الخلاق، فعلي سبيل المثال يري "كتنر" أن الحاجة إلي منع الانهيار الاقتصادي من أن يتسبب في حدوث حالة ثانية من الكساد الهائل تتيح لنا الفرصة للتفكير بحكمة وتأن.
يرصد "كتنر" ما يجري على صعيد الحياة الأمريكية حيث تتداخل المصالح الخاصة مع العامة وحيثما تسود الطبقية المالية، لاسيما بعد أن أصبحت الاستثمارات الاجتماعية واسعة النطاق فجأة امرا ممكنا من الناحية السياسية، حيث أنها صارت تمثل حاجة ملحة من الناحية الاقتصادية.
فعندما يتمكن مجلس الشيوخ الأمريكي في غضون ثلاثة أسابيع من توفير 700 مليار دولار أمريكي لبورصة وول ستريت، فمن المنطقي أن يطرح الأمريكيون سؤالا مؤا ده، لماذا لا يتم توفير مثل هذا المال لبقية الشعب الأمريكي؟
مساءلة مثقفي امريكا اليوم تؤكد للقارئ عربيا كان أو أعجميا أن الولايات المتحدة عشية تنصيب أوباما لولاية ثانية تعيش حالة من الأزمة الفعلية لا الكلامية، بعد أن أزدادت حالة عدم الاستقرار خلال العقود الثلاثة الماضية وعلى نحو عاني منه معظم الشعب، ولم تبذل الحكومة إلا القليل من الجهد، وهو أمر على عكس المتوقع منها بطبيعة الحال، فعلي سبيل المثال، عندما توقفت الشركات عن توفير فرص عمل أو أجور مناسبة أو رعاية صحية أو تأمين للمعاشات، عجزت الحكومة عن سد هذا الفراغ، وعندما انضمت أعداد كبيرة من السيدات إلي جانب الرجال في الطبقة العاملة، فشلت سياسة الحكومة في تلبية احتياجات الأطفال والعائلات.
وأخيرا عندما فشلت الحكومة في تلبية احتياجات الأطفال والعائلات، وأخرا عندما حدثت أزمة الطاقة عجزت الحكومة أيضا عن المساعدة في إيجاد حلول بديلة، ونتيجة لأهمال الحكومة مثل هذه الأمور وغيرها من المشكلات العاجلة، فقد صار المواطنون يفضلون عدم التمسك بوعود الديمقراطية.
يؤكد الساسة الانجلو ساكسون اليوم على أن أمريكا صارت الآن من الناحية السياسية حقلا للتفكير القاصر والمحدود، فهي لا تخطط للمستقبل، ولا تستفيد من تجاربها السابقة. كما أن الجدال العام على صعيد المجتمع الأمريكي كله كثيرا ما يتجاهل الدروس المستفادة من التاريخ، ولايعبأ بالحقائق الواضحة بشأن المستقبل، وهذه الأمور جميعا في واقع الأمر يمكن تفسيرها في ضوء عدة أسباب، يذكر منها قصور التفكير المتزايد أو التغطية الإعلامية التى تلعب دوراً في محدودية هذا التفكير وتعتيمه، أو الاستغلال السياسي المستفيد من هذا الأمر، وتظل الحقيقة الواضحة متمثلة في ضرورة أتخاذ موقف لتصحيح الوضع الراهن.
لماذا تخفت توقعات المثقفين الأمريكيين بين يدي ولاية أوباما الثانية لاسيما فيما يختص بمستقبل الإجيال الأمريكية القادمة؟
الجواب نجده عند "فيرا أنيمان" أستاذ الاجتماع والاقتصاد في جامعة ستافورد الأمريكية الشهيرة، والتى تذهب إلي أنه دائما ما كان يتطلع الأمريكيون لحياة أفضل بالنسبة للجيل التالي. ولكن الآن ووفقا للاستفتاءات الحديثة لم يعد هذا الأمر موجوداً، ولك أن تتخيل كيف أن الماضي بالنسبة لمعظم الأمريكيين أضحي أكثر إشراقا من المستقبل، لقد صار الحلم الأمريكي مجرد ذكري في ذاكرة التاريخ الأمريكي، وعليه فإن هذا التشاؤم يعكس اتجاها خطيراً، وهو أن الولايات المتحدة كدولة قد توقفت عن استثمار مواردها بوجهة نظر مشتركة حول المستقبل.
هل فقد الأمريكيون إدراكهم بقيمتهم كشعب طالب بالحرية والديمقراطية والاستقلال وصار نموذجا للمضطهدين والمقهورين تحت الأنظمة الشمولية حول العالم؟
المؤكد أن المبادئ الأساسية للحركة التقدمية تتضمن الوضوح الأخلاقي واستثمار الطاقة الفكرية، وعلى مدار القرن الماضي نجحت هذه الحركة في ترسيخ أفكارها في أذهان أفراد الشعب، غير أنها لا تزال تجد مقاومة من جانب القوى الرجعية.
وقد استطاعت تلك القوى المحافظة أن يكون لها الغلبة خلال قانون تمويل الانتخابات المعقد والنظام الانتخابي الضعيف، ومن ناحية أخري فنادراً ما يخفي الجدال حول مشكلات مثل الفقر والهجرة التمييز الراسخ تجاه العرق والطبقة الاجتماعية، كما أن السياسة الخارجية التى تتبعها الولايات المتحدة فيما يتعلق بمجالات الزراعة والتجارة ونظام الحكم الدولي تتسم بأنها محدودة وقصيرة النظر.,
ما الذي يتوجب على الأمريكيين مواجهته ومجابهته من تحديات في القرن الحادي والعشرين؟
ضمن رؤي امريكية عديدة يتحدث كل من ستيورات كومسترك ومايلز رابو بورت، وهما من المشهورين بالحديث والكتابة بصورة كبيرة عن الديمقراطية والحريات المدنية، وقد عمل "مايلز رابو بورت" مديراً تنفيذيا لأحدي المجموعات التى تهتم بإصلاح الديمقراطية.. ماذا عنهما؟
رؤيتهما تتمحور حول أنه لا يمكن للأمريكيين التخلي عن الكفاح المستمر لبناء مجتمع يتسم بمزيد من العدل والديمقراطية، ليس فقط لأن الكفاح هو الخيار الأمثل، وإنما لأنه عندما نتصرف حسب تعبيرها ـ وفقا لقيمنا، فإننا بذلك نعمل على بناء دولة قوية. ولاشك أن الإزمات التى قد تواجه الدولة في السنوات المقبلة سوف تتطلب من الدولة تقديم أفضل ما لديها. وأن الأمريكيين لن يكونوا في حالة أفضل إلا عندما يساهم كل فرد في المجتمع بصورة إيجابية وهادفة، فمن خلال العمل على بناء مجتمع عادل فقط، يمكن لهم تحفيز العالم على تبني رؤية مشتركة للمجتمع العالمي.
كيف يري ساسة أمريكا ومثقفيها حال الإمبراطورية المتفردة بشأن العالم في علاقاتها مع دول ذلك العالم وشعوبه؟
سؤال مركب وليس بسيط، ولهذا يتصدي له أثنان من العقليات الأمريكية النافذة، "جيم هاركنس" مستشار البنك الدولي ومنظمة الفاو، و "اليكساندر اسبيلدوتش" مدير أحد البرامج المهتمة بالسياسات الاقتصادية والمؤسسات الديمقراطية التى تدعم حقوق الإنسان.
يكتب القطبان الأمريكيان المتقدمان تحت عنوان "إعادة الاتصال بالعالم" يقولان :" أنه منذ ستين عاما مضت كانت الولايات المتحدة هي التى تؤيد على نحو معبر إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ذلك الإعلان الذي يعد أول تعبير عالمي عن الحقوق المتوارثة لجميع الشعوب .. كيف كان حال الأمريكين وقتها؟
يقولا: كنا حينئذ من أغني الناس والدول وأكثرها قوة على ظهر الأرض، وفي الوقت نفسه كانت مشكلات الشعوب الأخرى ذات تأثير عملي محدود على مدى ازدهارنا، ومع ذلك فإن الالتزام الأمريكي بإيجاد حلول متعددة الجوانب كان جزئيا وثابتا.. إذن إلي أين مضي الوضع في عالمنا المعاصر أمريكيا؟
الأمر بات على النقيض تماما، فقد صارت الكثير من مشكلات أمريكا الكبرى ذات طبيعة عالمية بصورة واضحة، ولكن في الوقت الذي صارت فيه السياسة المحلية متداخلة بصورة أكبر مع السياسة الخارجية، اختارت الولايات المتحدة أن تنأي بنفسها عن المنظمات والمفاوضات الدولية.. هل هي مرحلة الأنعزالية التى تصيب الإمبراطوريات قبل تفككها وانتهاء أعمارها الافتراضية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل وقد تمثل الأمر في انسحاب بوش الابن من اتفاقيات كيوتو لحماية المناخ العام، مع أن واقع الحال يشير إلي أن الولايات المتحدة تتحمل جزءا بالغ الأهمية وكبير الآن في المسئولية عن حالة الاحتباس الحراري التى تعيشها الكرة الأرضية بسبب كمية الغاز الكبيرة المنبعثة من البيوت الزجاجية والتى تؤدي إلي ارتفاع درجة حرارة الأرض. هل لهذه القضية تقدير وأهمية خاصة عند المثقفين الأمريكيين؟
رؤى مفكري امريكا ومثقفيها على كثرتهم تشير إلي أنه في القرن الحادي والعشرين، سيتم الحكم على الدور الريادي الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى العالم في ضوء تعاملها مع مشكلتين من كبرى المشكلات على الأطلاق، وتتمثل الأولي في ارتفاع درجة حرارة الأرض المعروفة بظاهرة الاحتباس الحراري بما يهدد بالحاق أضرار خطيرة بكوكب الأرض وسكانه، أما المشكلة الثانية فتتمثل في وجود نظام اقتصادي غير متكافئ في الوقت الحاضر،يجسد أوجه التفاوت بين الفقراء والأغنياء أكثر من أي وقت مضي. ومن أجل ذلك لابد من العمل الجاد لبناء اقتصاد شامل يكون صديقا للبيئة ويتسم بدرجة كبيرة من الفاعلية تمكنه من انتشال المواطنين من مخاطر الفقر المنتظر.
إلي أي مد وحد سيتمكن أوباما من إجراء مصالحة بين أمريكا والعالم من حولها؟ قبل أربع سنوات علق عليه العالم آمالا في المصالحة، لكن وقتها قلنا أن أمريكا دولة مؤسسات عميقة ضاربة جذورها في المصالح الشخصية والمؤسساتية، ولهذا فإن منصب الرئيس يبقي شكلاُ دون مقدرة فعلية على التغيير، غير أن الولاية الثانية دائما لأي رئيس أمريكي تتيح له حرية أكبر لاسيما بعد تحرره من خوف عدم إعادة انتخابه، فهل سينجح أوباما في ولايته الثانية فيما أخفق في إتيانه بولايته الأولي؟ التجربة والحلم مع الوقت يحملان الجواب.
« منقول » ...