هل من ملامح لقرن أنساني جديد ؟
مرسل: الخميس نوفمبر 28, 2013 8:11 am
هل من ملامح لقرن أنساني جديد ؟
في إعقاب نهاية الحرب الباردة بنهاية ثمانينات القرن المنصرم ، وصعود الولايات المتحدة منفردة إلى القمة بات وكان القرن الحادي والعشرين سيصطبغ بصبغة أمريكية لا محالة في ذلك ، ولم يخف صانعو القرار ، والباحثين عن الأفكار في واشنطن شهوة قلبهم هذه ، فصاغوا عبر أحاديث المحافظين الجدد فكرة القرن الأمريكي ، ذاك القرن الذي فيه الهيمنة والسيادة للغرب الأمريكي باقتدار ، وربما دون مشاركة من احد حول العالم .
لكن الغريب انه لم يمض عقد واحد من القرن الجديد إلا وظهر إن قلب العالم يتحرك شرقا حيث أسيا ، ولهذا نرى هيلاري كلينتون تقر وتعترف بان الذي سيقرر مستقبل الجغرافيا السياسية حول العالم هو قارة آسيا، ولن يتحدد ذاك المستقبل في أفغانستان أو العراق ، بل يجب إن تكون الولايات المتحدة في قلب الحدث ما الذي تعنيه هيلاري بذلك ؟ وما استحقاقات هذا الحديث ؟
تصف وزيرة خارجية أمريكا منطقة آسيا بأنها أصبحت محركا أسياسيا للسياسة العالمية ، تمتد من شبه القارة الهندية إلى شواطئ الأمريكيتين الغربية ، وتضم محيطين الهادي والهندي ، ويتعزز الترابط بينهما أكثر فأكثر من خلال الشحن والإستراتيجية ويعيش فيها نحو نصف سكان العالم ، وتضم عددا كبيرا من المحركات الأساسية للاقتصاد العالمي ، وكذلك البلدان التي تتصدر قائمة الدول المسببة لانبعاث غازات الدفيئة ، وفيها أيضا العديد من الحلفاء الأمريكيين الأساسيين ، والقوى الناشئة مثل الصين والهند واندونيسيا .
كيف تفكر أمريكا في العالم الأسيوي القتام ؟ واضح بنفس درجة البراجماتية السياسية المعتادة عليها ،فهي تخبئ أهدافها التوسعية الامبريالية خلف الأحاديث ذات الملامح الاقتصادية ، فواشنطن تنظر للأسواق المفتوحة في آسيا على أنها فرصا غير مسبوقة للاستثمار الأمريكي والتجارة والولوج إلى التكنولوجيا المتطورة . بل وصل الأمر بالقول إن المعافاة الاقتصادية في الداخل الأمريكي ، تتوقف على الصادرات وقدرة الشركات الأمريكية على الوصول إلى الأعداد الكبيرة والمتزايدة من المستهلكين في آسيا .
هل هذا الحديث مجرد تهويمات وتنظيرات أم إجراءات وخطط واستراتجيات تم البدء بها وفيها بالفعل ؟
ذلك كذلك فالرئيس اوباما قاد مجهودا مستمرا ومتعدد الأوجه كي تضطلع أمريكا بدور كبير في منطقة المحيط الهادي، وان كان الحديث عن الجانب الاقتصادي فقط ، لكن خلفها كانت تتخفى العسكرية الأمريكية، لاسيما في استراليا حيث الشراكة الأمريكية الاسترالية هدفها الرئيس مواجهة بل وحصار التنين الصيني المنطلق قدما.
هل يفهم من هذه السطور القليلة شيء ما ؟
نعم ولا شك وهو إن واشنطن لم تعد تراهن على العالم القديم في أوربا والشرق الأوسط ، بل ومضت إلى آسيا ساعية للتحدي الحقيقي، وهو أمر له معنى واحد ، ترك شعوب تلك المناطق القديمة لتتدبر أمورها بنفسها، ولا تتدخل واشنطن إلا بقدر التماس أو الاحتكاك مع مصالحها الإستراتيجية، ونظرة سريعة على المشهد من ليبيا إلى سوريا تدعو المرء للتصديق بان هناك أمريكا جديدة تتخلق هذه الأيام .
هل تكون العجرفة الأمريكية والغطرسة الإمبراطورية العلة الرئيسية التي تؤدي إلى تفكك البنيان القوى لأمريكا من خلال رفض العالم لاستعلائها ؟
هذا التساؤل تولى الإجابة عليه " ايان بوروما " الكاتب الهولندي الذي يعمل الآن كزميل في مكتبة نيويورك العالمة والذي يرى إن فائض القوة ليس أمرا جيدا ، لا للفرد ولا لأمة ما ، انه يقود إلى الصلف والعجرفة ، والى الوهم الطفولي بان المرء قادر على كل شيء ، والى إساءة استعمال السلطة حتى ولو كان مدفوعا بنوايا حسنة .
في حالة الولايات المتحدة لا ريب إن الوهم حول كونها استثنائية والفكرة بان " أعظم امة في تاريخ العالم " يمكن إن تفعل أي شيء ، يتغذيان من الطريقة التي استهلت بها حياتها . ففرنسا والولايات المتحدة هما الديمقراطيتان الغربيتان الوحيدتان اللتان ولدتا من رحم الثورات ، ومثلها مثل فرنسا ، تحب الجمهورية الأمريكية إن تدعي بأنها تمثل ليس آمال الجنس البشري وحسب بل أيضا القيم العالمية ، الطريقة الأمريكية هي الطريقة العالمية ، أو أنها يجب كثيرا إن تكون كذلك .
يطرح الأمريكيون الآن في المراكز البحثية والفكرية وفي منتديات الرأي وعبر الشاشات وفي الصحف علامة استفهام هل كانت العجرفة طريقا لتكبد أمريكا خسائر كثيرة أثرت على فرصها في التسيد الإمبراطوري الذي نشدته حول العالم ؟
« منقول » ...
في إعقاب نهاية الحرب الباردة بنهاية ثمانينات القرن المنصرم ، وصعود الولايات المتحدة منفردة إلى القمة بات وكان القرن الحادي والعشرين سيصطبغ بصبغة أمريكية لا محالة في ذلك ، ولم يخف صانعو القرار ، والباحثين عن الأفكار في واشنطن شهوة قلبهم هذه ، فصاغوا عبر أحاديث المحافظين الجدد فكرة القرن الأمريكي ، ذاك القرن الذي فيه الهيمنة والسيادة للغرب الأمريكي باقتدار ، وربما دون مشاركة من احد حول العالم .
لكن الغريب انه لم يمض عقد واحد من القرن الجديد إلا وظهر إن قلب العالم يتحرك شرقا حيث أسيا ، ولهذا نرى هيلاري كلينتون تقر وتعترف بان الذي سيقرر مستقبل الجغرافيا السياسية حول العالم هو قارة آسيا، ولن يتحدد ذاك المستقبل في أفغانستان أو العراق ، بل يجب إن تكون الولايات المتحدة في قلب الحدث ما الذي تعنيه هيلاري بذلك ؟ وما استحقاقات هذا الحديث ؟
تصف وزيرة خارجية أمريكا منطقة آسيا بأنها أصبحت محركا أسياسيا للسياسة العالمية ، تمتد من شبه القارة الهندية إلى شواطئ الأمريكيتين الغربية ، وتضم محيطين الهادي والهندي ، ويتعزز الترابط بينهما أكثر فأكثر من خلال الشحن والإستراتيجية ويعيش فيها نحو نصف سكان العالم ، وتضم عددا كبيرا من المحركات الأساسية للاقتصاد العالمي ، وكذلك البلدان التي تتصدر قائمة الدول المسببة لانبعاث غازات الدفيئة ، وفيها أيضا العديد من الحلفاء الأمريكيين الأساسيين ، والقوى الناشئة مثل الصين والهند واندونيسيا .
كيف تفكر أمريكا في العالم الأسيوي القتام ؟ واضح بنفس درجة البراجماتية السياسية المعتادة عليها ،فهي تخبئ أهدافها التوسعية الامبريالية خلف الأحاديث ذات الملامح الاقتصادية ، فواشنطن تنظر للأسواق المفتوحة في آسيا على أنها فرصا غير مسبوقة للاستثمار الأمريكي والتجارة والولوج إلى التكنولوجيا المتطورة . بل وصل الأمر بالقول إن المعافاة الاقتصادية في الداخل الأمريكي ، تتوقف على الصادرات وقدرة الشركات الأمريكية على الوصول إلى الأعداد الكبيرة والمتزايدة من المستهلكين في آسيا .
هل هذا الحديث مجرد تهويمات وتنظيرات أم إجراءات وخطط واستراتجيات تم البدء بها وفيها بالفعل ؟
ذلك كذلك فالرئيس اوباما قاد مجهودا مستمرا ومتعدد الأوجه كي تضطلع أمريكا بدور كبير في منطقة المحيط الهادي، وان كان الحديث عن الجانب الاقتصادي فقط ، لكن خلفها كانت تتخفى العسكرية الأمريكية، لاسيما في استراليا حيث الشراكة الأمريكية الاسترالية هدفها الرئيس مواجهة بل وحصار التنين الصيني المنطلق قدما.
هل يفهم من هذه السطور القليلة شيء ما ؟
نعم ولا شك وهو إن واشنطن لم تعد تراهن على العالم القديم في أوربا والشرق الأوسط ، بل ومضت إلى آسيا ساعية للتحدي الحقيقي، وهو أمر له معنى واحد ، ترك شعوب تلك المناطق القديمة لتتدبر أمورها بنفسها، ولا تتدخل واشنطن إلا بقدر التماس أو الاحتكاك مع مصالحها الإستراتيجية، ونظرة سريعة على المشهد من ليبيا إلى سوريا تدعو المرء للتصديق بان هناك أمريكا جديدة تتخلق هذه الأيام .
هل تكون العجرفة الأمريكية والغطرسة الإمبراطورية العلة الرئيسية التي تؤدي إلى تفكك البنيان القوى لأمريكا من خلال رفض العالم لاستعلائها ؟
هذا التساؤل تولى الإجابة عليه " ايان بوروما " الكاتب الهولندي الذي يعمل الآن كزميل في مكتبة نيويورك العالمة والذي يرى إن فائض القوة ليس أمرا جيدا ، لا للفرد ولا لأمة ما ، انه يقود إلى الصلف والعجرفة ، والى الوهم الطفولي بان المرء قادر على كل شيء ، والى إساءة استعمال السلطة حتى ولو كان مدفوعا بنوايا حسنة .
في حالة الولايات المتحدة لا ريب إن الوهم حول كونها استثنائية والفكرة بان " أعظم امة في تاريخ العالم " يمكن إن تفعل أي شيء ، يتغذيان من الطريقة التي استهلت بها حياتها . ففرنسا والولايات المتحدة هما الديمقراطيتان الغربيتان الوحيدتان اللتان ولدتا من رحم الثورات ، ومثلها مثل فرنسا ، تحب الجمهورية الأمريكية إن تدعي بأنها تمثل ليس آمال الجنس البشري وحسب بل أيضا القيم العالمية ، الطريقة الأمريكية هي الطريقة العالمية ، أو أنها يجب كثيرا إن تكون كذلك .
يطرح الأمريكيون الآن في المراكز البحثية والفكرية وفي منتديات الرأي وعبر الشاشات وفي الصحف علامة استفهام هل كانت العجرفة طريقا لتكبد أمريكا خسائر كثيرة أثرت على فرصها في التسيد الإمبراطوري الذي نشدته حول العالم ؟
« منقول » ...