صفحة 1 من 1

لمحة تاريخية على الصراع في سوريا منذ الفتح وحتى البعث .....

مرسل: الجمعة نوفمبر 29, 2013 8:20 am
بواسطة عبدالرحمن السحيم 333
دخل الإسلام إلى سوريا في عهد عمر بن الخطاب عام 633م (12هجري)، وكان قادة جيوش الفتح حينها خالد بن الوليد الذي فتح دمشق، وأبو عبيدة الجراح الذي فتح حمص و حماه و شيزر و معرة النعمان و افاميا و اللاذقية و طرطوس و بانياس ثم حلبو انطاكية، و معظم هذه المدن فتحت سلمًا دون قتال. وقد منح السوريون الأمان على نفوسهم وأملاكهم وحريتهم الدينية، وقد كان عهد الأمان الذي أعطاه خالد بن الوليد لدمشق :(أمانًا على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمة رسوله والخلفاء والمؤمنين، لا يعرض لهم إلا بالخير، إذا أعطوا الجزية) مثالاً عن العهود التي منحت لاحقًا لسائر المدن..


كان عدد سكان سوريا عند الفتح حوالي 3,5 مليون نسمة، وقد فتحت البلاد بسرعة وبعدد قليل من الجنود إذ لم يتجاوز عدد جيش الخلفاء الراشدين 25,000 جندي في البلاد، وبرر عدد من المؤرخين ذلك برغبة السكان رفع مظالم الإمبراطورية البيزنطية، والسعي للتخلص منها، وربما تلقيب المسيحيين لعمر بالفاروق، لأنه رفع مظالم البيزنطيين دليلاً ساطعًا على ذلك. هناك بضعة استثناءات للفتح السلمي كما حصل في قرقيسيا على نهر الخابور، إذ حاصرها جيش الفتح بقيادة عياض بن الغنم، ثم استطاع الجيش فتح ثغرة في جدارها، وعندما دخلوها قتلوا عددًا كبيرًا من أهلها ونهبوا ما فيها من أموال، ولم يعيدوا ممتلكات ما نهبوا للسكان إلا في حال إسلامهم، وقد برر سبب ذلك بمناصرة أهل قرقيسيا خلافًا لسائر المدن للإمبراطور هرقل خلال حصار حمص.


أخذ الإسلام في طوره الأول، ينتشر في المدن الكبرى؛ وكان حمص أولى وأسرع المدن انتشارًا للإسلام فيها، في حين ظلّت الأرياف ذات غالبية مسيحية حتى نهاية العهد الأموي وكذلك أغلب قبائل البلاد حتى القرن العاشر. وخلال الحرب الأهلية الأولى في الإسلام، كانت دمشق والرقة من أنصار معاوية بن أبي سفيان أما حمص ومدن الجزيرة الفراتية من أنصار علي بن أبي طالب، ويذكر في هذا الصدد المعارك المستمرة التي وقعت بين والي نصيبين شبيب بن عامر ووالي الرقة الموالي لمعاوية سماك بن مخزمة الأسدي، وقد أرسل معاوية عدة حملات عسكرية لإخضاع الجزيرة إلا أنه فشل غير أنه استطاع كسب حمص وعددًا من المدن القريبة منها عسكريًا وعندما انتشبت المعارك الأخيرة بين الطرفين جرت موقعة صفين قبالة الرقة السورية على نهر الفرات؛حيث يذكر أن "قميص عثمان" الملطلخ بدمه وشعر لحيته وأصابع يد زوجته نائلة بنت الفرافصة التي قطعت وهي تحاول أن تحميه قد عرضت على منابر دمشق، بأمر من معاوية عامًا كاملاً لاستثارة حمية الدمشقيين نصرة لمعاوية.


العصر الأموي (661م- 750م)
جعل معاوية بن أبي سفيان من دمشق عاصمة لها منذ أن صار أول خليفة فيها و توسعت الفتوحات في الغرب والشرق حتى امتدت حدودها من الأندلس حتى أفغانستان و حدود الصين، وخلال العهد الأموي ازدهرت دمشق وعظم شأن عمرانها وشيدت فيها مساجد بارزة كالجامع الأموي وجامع خالد بن الوليد في حمص، ولا تزال بعض المساجد في سوريا كالمسجد العمري في درعا والمسجد العمري في بصرى الشام تعود للحقبة الراشدية. وقد سكن سوريا عدد كبير من الصحابة وآل البيت والتابعين وتوفوا ودفنوا فيها، ولا تزال مقاماتهم ماثلة حتى اليوم في شتى أنحاء البلاد، وعمومًا فإن العهد الأموي كان عهد خير على البلاد فازدهرت الأوضاع الاقتصادية وشيدت القصور والمكتبات والمساجد والحمامات. غير أن الاقتتالات القبلية التي كانت تثار بين القيسية و اليمانية في دمشق وحمص وغيرهما من المدن، أبرز مساوئ العهد الأموي، وهو ما أدى إلى ضعف الدولة وتزعزع قواها وتسارع خطواتها نحو الأفول خلال القرن الثامن حتى توالى ثلاث خلفاء في عام واحد، وهو ما سهّل مهمة العباسيين الذين أسسوا دولتهم على أنقاض الخلافة الأموية عام 750ونقلوا عاصمة الدولة إلى بغداد بعد أن دمروا دمشق خلال دخولهم لها.


العصر العباسي (750م- 877م)، (905م- 941م)
أسس العباسيون حكمهم بعد الإطاحة بالحكم الأموي في سوريا سنة 750م في أعقاب احتلال القائد العباسي عبد الله بن علي دمشق أيام ابن أخيه الخليفة أبي العباس السفاح واستباحها ثلاث ساعات، وأعمل السيف بالأمويين، ونبش قبور خلفائهم وأحرق جثثهم، كما خرب قسمًا كبيرًا من سور المدينة.
بقيت سوريا ولاية رئيسية طوال العهد العباسي وترك فيها تراثًا حضاريًا و اتصفت أيام الخليفة الرشيد (786 - 808م) بالترف والرخاء، وبلغت الدولة قمة مجدها في عهده، كما تميز عهد ولده المأمون بانتعاش حركات التأليف والترجمة وتشجيع العلوم والفنون، وازدهرت الحضارة العربية الإسلامية.


احتل الطولونيون سورية بالفترة بين 877م- 905م، ثم عادت بلاد الشام الى النفوذ العباسي حتى عام 941م.


خضعت بلاد الشام (ما عدا شمال سورية) لنفوذ الإخشيديين المصريين بالفترة بين 941م-
969م.


الدولة الحمدانية في شمال سورية (944-م 1003م)
احتل سيف الدولة الحمداني حلب وحمص ودمشق. وقامت بينه وبين إخشيد مصر وقائده كافور نزاعات وصدامات وحروب حتى اتفقوا في نهاية الأمر على أن تكون سوريا الشمالية من نصيب سيف الدولة بما في ذلك حمص وحلب التي أصبحت عاصمة للحمدانيين و اتخذت من العلوية مذهباً لها. أما باقي بلاد الشام فكانت من نصيب الإخشيديين الذين انتهى أمرهم في سوريا بعد قضاء الفاطميين عليهم في مصر سنة 969م. كما أنهى الفاطميون النفوذ الحمداني في شمال سوريا سنة 1003م. ازدهر الفكر والشعر والأدب في عهد الحمدانيين في شمال سوريا، كما قاوم الحمدانيون الإمبراطورية البيزنطية وقاموا بعدة غزوات على
أراضيها.


الدولة الفاطمية (969م/ 1003م- 1075م)
احتل القائد الفاطمي جوهر الصقلي مدينة دمشق عام 969 حيث واجه مقاومة شديدة. وفي عام 1003م كان النفوذ الفاطمي منتشرًا في كل بلاد الشام بما فيها شمال سورية.
بعد زوال الدولة الحمدانية أخذ معتنقوا المذهب العلوي يتجهون نحو جبال الساحل السوري و شمال لبنان حاليًا بحيث أصبحت مناطق ذات غالبية علوية؛ ونشوء الطائفة الإسماعيلية، واستطاعوا تأسيس إمارات مستقلة ومناطق حكم ذاتي لم تقوى السلطات المركزية على قمعها في مصياف وغيرها من المناطق؛ فضلاً عن دخول البلاد في حدود الخلافة الفاطمية التي حاولت نشر التشيع في المنطقة خاصة في دمشق، غير أن نجاحاتها ظلت محدودة في هذا الصدد.
خلال السنوات التي امتدت فيها سيطرة الفاطميين على سوريا لم يتركوا من آثارهم العمرانية في مدينة دمشق إلا نزرًا يسيرًا كمحراب زاوية الرفاعي وصخرة الربوة التي نقشت فوقها كتابة كوفية تحمل اسم الخليفة الفاطمي المستنصر، وكذلك ضريح السيدة فاطمة بنت أحمد السبطي. أما خارج مدينة دمشق فهناك عدد قليل من الآثار العمرانية في بصرى (درعا حاليًا) وصلخد والسلمية وغيرها.


دويلات السلاجقة (1075م- 1117م)
السلاجقة مسلمون جاءوا من وسط آسيا الوسطى وقام ألب ارسلان بغزو سوريا أول مرة من حلب عام 1070م ثم احتلوا بيت المقدس وفلسطين وحرروها من الفاطميين وفي سنة 1075م استولوا على دمشق وتمكن تتش بن ألب أرسلان من أن يوطد سلطته في حلب و أخاه دقاق بن ألب ارسلان مدينة دمشق و حدثت بينهما حروب وصدامات عديدة.

لم يشكل السلاجقة الأتراك في سوريا دولة بالمعنى المفهوم للدولة، بل كان حكمهم حكم ممالك منفردة ودويلات بعضها تحت النفوذ السلجوقي، وبعضها الآخر يتولاه قواد جيوشهم من الأتابكة.

جاءالسلاجقة وراثين للدولة الفاطمية في الشام، سعوا بكل قواهم للقضاء على أي ميل للتشيّع في المنطقة، وهو ما قاد لحملة اضطهاد ضد الأقليات الإسلامية عمومًا ورسخ التنابذ الطائفي. خلال العهد السلجوقي أيضًا أخذت القبائل الكردية بالنزوح والسكن في شمال الجزيرة السورية وهو ما أدى إلى تغير في تركيبتها السكانية وتدهور الأوضاع الاقتصادية واندلاع الاقتتالات القبلية بين العربو الأكراد، كذلك فان الدروز أخذوايستقرون في جبل العرب الذي غدا معقلاً تاريخيًا لهم خلال تلك الفترة.

خلال هذه الفترة قدمت إلى بلاد الشام الحملات العسكرية الصليبية من دول غربي أوروبا لغزو العالم العربي عامة وبلاد الشام ومصر خاصة خلال القرون الحادي عشر وحتى الثالث عشر الميلادية. وكانت الحملة الأولى(1096- 1099م) قد اتجهت إلى سوريا واحتلت أنطاكية سنة 1098م ثم احتلت القدس سنة 1099م، وتم تأسيس أربع إمارات صليبية هي المملكة اللاتينية في القدس، وإمارة أنطاكية، وإمارة الرها قرب بغداد وإمارة طرابلس في لبنان. وسُميت هذه الحملات بالحروب الصليبية.

ترك العهد السلجوقي بصماته العمرانية الكبيرة في سوريا، خصوصًا في دمشق وحلب وبعض المدن السورية الأخرى و افل نجمهم عام 1117م


دويلات الأتابكية – الزنكية- (1117م- 1154م)
استقل قواد الجيش من أسيادهم الأتابكة وأنهوا سلطانهم في بلاد الشام واحدًا تلو الآخر، مما أدى إلى اقتسامهم الدويلات السلجوقية و ظهور دويلات الأتابكة (أو الزنكية) في سوريا أشهرها دولة عماد الدين زنكي التي أسسها في مدينة الموصل سنة 1127م، ثم استولى على حلب سنة 1128م وضمها إلى مملكته. ويعتبر عماد الدين أول من أنزل الضربة الأولى بجيوش الصليبيين عندما حرر مدينة الرها القريبة من بغداد سنة 1144م. كما استقل بعض أمراء المناطق من الأتابكة، فتشكلت دويلات أقل شأنًا من الدولة الزنكية. وعُرف من هذه الدويلات: الدولة الأرطقية التي حكمت شمالي سوريا (1102-1408م) والدولة البورية التي حكمت دمشق خلال سنوات (1104- 1154م).


الدولة النورية (1146/ 1154م – 1175م)
تولى نور الدين محمود بن زنكي إمارة أبيه سنة 1146م، فجعل من حلب عاصمة لدولته التي عرفت باسم الدولة النورية نسبة إليه، وفي سنة 1154م احتل دمشق، ثم استولى على جزء كبير من بلاد الشام عدا المناطق التي كان الصليبيون يسيطرون عليها. وفي سنة 1164م، استولى نور الدين على بعض أجزاء إمارة أنطاكية الصليبية. وتوفي نور الدين سنة 1174م وتولى ابنه الملك الصالح إسماعيل وعمره إحدى عشرة سنة، فبدأت بوادر الضعف بالدولة.

كان نور الدين مولعًا بالعمران، وترك الكثير من الآثار العمرانية في دمشق وحلب وغيرهما من المدن السورية، ففي دمشق مثلاً أقام فوق كل باب من أبواب سورها مسجدًا ومئذنة لمراقبة العدو القادم إلى المدينة من مكان مرتفع، كما أقام خارج كل باب سوقًا صغيرة لتنشيط حركة التبادل التجاري وإعاقة العدو إذا ماحاول اقتحام الباب.


الدولة الأيوبية (1175م- 1261م)
أسس هذه الدولة الملك الناصر السلطان صلاح الدين يوسف الأيوبي بعد أن تولى وزارة مصر سنة 1169م في عهد الخليفة الفاطمي العاضد، وفي عام 1171م قام بخلع هذا الخليفة منهيًا بذلك وجود الدولة الفاطمية في مصر، وصار الدعاء في منابرها للخليفة العباسي المستضيء. وما أن استتب له الأمر حتى تطلع إلى سوريا وكانت فيها الدولة النورية تحت حكم نور الدين بن زنكي، فبدأ بينهما الجفاء حتى توفي هذا الأخير فأعلن صلاح الدين استقلاله بمصر، ثم استولى على سوريا. وفي سنة 1175م، أصدر الخليفة العباسي أمرًا يقضي بتولي صلاح الدين سلطة مصر والمغرب والنوبة وغربي الجزيرة العربية وفلسطين وسوريا الوسطى. وبعد عشر سنوات، استطاع صلاح الدين أن يخضع الموصل وبعض أمراء العراق، ثم تفرغ لتحرير البلاد من الصليبيين.
بدأ صلاح الدين حربه بالاستيلاء على طبرية سنة 1187م، ثم حدثت موقعة حطين المشهورة التي انتصر فيها صلاح الدين، وحرر بيت المقدس وأنهى المملكة اللاتينية الصليبية في نفس العام المذكور. وفي سنة 1188م، اتجه صلاح الدين شمالاً لتحرير الأجزاء التي احتلها الصليبيون من سوريا ولكنهم عادوا لاحتلالها بعد أن حررها صلاح الدين، و عاد المماليك لاحقاً لتحريرها من جديد.

توفي صلاح الدين بدمشق سنة 1193م وفيها دفن، وتوزعت مملكته بين ذريته حتى قتل هولاكو الملك الناصر يوسف آخر الملوك الأيوبيين سنة 1261م، فانتهت بموته الدولة الأيوبية في مصر والشام وبدأ عهد المماليك بالظهور. ترك العهد الأيوبي بصمات عمرانية كبيرة في سوريا تركزت في دمشق وحلب وبقية المدن السورية الأخرى. وتعرضت البلاد لغزو المغول في أواخر العهد الأيوبي غير أن المماليك قد نجحوا في إبعادهم.


المماليك (1261م- 1516م)
رغب الملك الصالح أيوب بن الكامل في تكوين فرقة عسكرية خاصة في مصر سنة 1239م، ولتحقيق هذا الأمر اشترى ألف مملوك تركي، وكان هذا التشكيل بداية نشوء دولة المماليك البحرية أو التركية التي ورثتها فيما بعد المماليك البرجية أو الشراكسة.

بدأ هؤلاء المماليك باكورة سيطرتهم على الحكم بقتل الملك توران شاه الأيوبي وولوا مكانه أمه شجرة الدر سنة 1250م، ثم ما لبثوا أن استبدلوا بها في العام نفسه مملوكًا يدعى عز الدين أيبك، وما أن تولى فيهم الملك المظفر سيف الدين قطز سنة 1259م حتى سار إلى الشام في العام التالي، وتمكن من ايقاف تقدم المغول بعد ان دمروا و حرقوا مدناً عديدة منها حلب و دمشق و انتصر عليهم في موقعة عين جالوت 1260م، فأصبحت منذ ذلك الوقت ولاية مملوكية.

استمر الصراع بين المماليك طوال حكمهم لسوريا من جهة وبين المغول والصليبيين من جهة أخرى، وبرز من سلاطينهم الذين قارعوا الصليبيين الملك الظاهر بيبرس والملك الناصر، ناصر الدين محمد بن قلاوون الذين أخرجوا الصليبيين من قلعة المرقب سنة 1285م، ومن اللاذقية سنة 1287م، ومن طرطوس سنة 1291م و جزيرة أرواد سنة 1303م كما هزموا المغول في معركة مرج الصفر قرب دمشق في عام 1303م أيضاً.

ترك المماليك تراثًا عمرانيًا ضخمًا فاق ما خلفته العهود السابقة لكنه تركز في مدينة حلب
ودمشق فقطـ، و لم يبد المماليك أي اهتمام بكامل سوريا مما حطّ من شأنها وتناقص عدد سكانها إلى الثلث عما كان عليه الوضع قبل مجيئهم، وقد حاول المماليك القضاء على الأقليات الإسلامية في سوريا وفشلوا في ذلك رغم الاضطهادات التي وقعت ومنها حملة اللاذقية التي راح ضحيتها 20,000 شخص من العلويين.
و في المقابل عندما غزا تيمورلنك سوريا عام 1400م قتل 20,000 شخص من المماليك في حلب وحدها وبنى برؤوسهم هرمًا، وفعل الأمر ذاته في دمشق وأحرق الجامع الأموي وقال أنه فعل ذلك انتقامًا لدم الحسين بن علي ونساءه وبناته اللواتي جئن بهن سبايا للشام..

العهد العثماني (1516م- 1918م)
اصبحت سورية ولاية عثمانية بعد أن دخلها العثمانيون بانتصار السلطان سليم الأول على المماليك بقيادة السلطان المملوكي قنصوة الغوري الذي سقط قتيلاً في معركة مرج دابق سنة 1516م، وأصبحت سوريا منذ هذا التاريخ تحت النفوذ العثماني. كما دخلت مصر تحت نفوذه في العام التالي.

قسمت بلاد الشام إلى ثلاث ولايات يتولى كلاً منها والٍ عثماني: ولاية الشام، وولاية طرابلس، وولاية حلب. وغدت أربعًا في القرن السابع عشر الميلادي بتحويل صيدا إلى ولاية. وكان العثمانيون يعينون على كل ولاية موظفًا كبيرًا يُسمى الوالي أو الباشا، ويعتبر نائبًا عن السلطان وصلاحيته مطلقة وأحكامه نهائية. وقد عمدت الدولة إلى كثرة تبديل الولاة خشية أن يقوى نفوذهم فيصبحوا خطرًا عليها. يساعد الوالي ديوان مؤلف من كبار الضباط والعلماء والأعيان وكبار الموظفين. ومهمة الديوان استشارية فقط.

بلغت الدولة العثمانية حوالي عام 1600 أوج عظمتها واتساعها، فقد أتمت احتلال البلقان، وأحاطت جيوشها بأسوار فيينا في أوروبا، ودخلت جميع الأقطار العربية ـ عدا المغرب ـ في حوزتها. غير أن موجة الفتوح ما لبثت أن توقفت، ثم أخذت سيطرة الدولة في الانحسار عن المناطق التي احتلتها عندما بدأ الضعف يتسرب إلى كيانها. ويعود ذلك الضعف إلى ضعف السلاطين بسبب انغماسهم في الملذات والترف، وبسبب فساد الجيش الإنكشاري، وفساد الإدارة، وسوء نظام جباية الضرائب، وأخيرًا بسب اتساع الدولة وتعدد عناصرها.

وقد واجهت الدولة العثمانية قوى أوروبية صليبية خارجية، منها النمسا وروسيا اللتان أخذتا تهاجمانها بقصد التوسع في ولاياتها البلقانية. وظهر مايُسمى المسألة الشرقية التي تتمثل في موقف الدول الأوروبية من الدولة العثمانية، حيث اتخذت هذه الدول ضعف الدولة العثمانية وسيلة لفرض نفوذها ومحاولة السيطرة عليها.

الامتيازات الأجنبية: ترجع الأطماع الاستعمارية الاقتصادية في بلاد الشام والشرق العربي إلى زمن الحروب الصليبية، ولم يمض زمن بعد إجلاء هذه الحملات حتى عادت الأطماع بشكل أو بآخر. فتارة تكون بمحاولات الغزو المسلح، وطورًا بالغزو السياسي والثقافي وراء قناع الامتيازات الأجنبية. ويرجع أصل الامتيازات الأجنبية إلى المعاهدة التي عقدت بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان العثماني سليمان القانوني في سنة 1535م، والتي فتحت لأوروبا عهدًا جديدًا من العلاقات مع الشرق، فقد أعطت الأوروبيين حق الاتصال بالموانئ الشرقية والمتاجرة مع الشرق، وعهدًا بحماية أرواحهم وبضائعهم. وقد طمعت الدول الأوروبية الأخرى بالحصول على مثل هذه الامتيازات، فظلت تحاول حتى تمكنت من عقد معاهدات مماثلة مع السلطنة العثمانية. وهكذا وضع أساس الامتيازات الأوروبية في الشرق.