منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#66613
تستمد دراسة الدور السعودي في القضية اللبنانية أهميتها من حقيقة أن هذا الدور كان مركزياً ومستمراً، ذلك أن الجهود السعودية لوقف القتال في لبنان ومحاولاتها تحقيق الوفاق الوطني وتسوية الصراع اللبناني، لم تكن مؤقتة أو مرحلية، بل رافقت الحرب اللبنانية منذ بدايتها في أبريل 1975، واستمرت طوال الحرب اللبنانية حتى حالفها النجاح في الطائف.
وهناك الاستمرارية التي تميز بها الدور السعودي في محاولاته تسوية الصراع اللبناني وتحقيق الوفاق الوطني واعادته، وقد ارتكز كل ذلك على اهتمام الملك فهد بالقضية اللبنانية، إذ أبدى كما تدل أقواله وأفعاله منذ اندلاع الحرب اللبنانية في أبريل 1975، ومنذ أن كان ولياً للعهد، اهتماماً خاصاً بإنهاء هذه الحرب، وكان وراء الكثير من الجهود والمقترحات السعودية الهادفة لتسوية الصراع اللبناني. هذا الاهتمام الخاص من الملك فهد، غير مستغرب، ذلك أن «تاريخ العلاقات الأخوية الوثيقة التي تشد لبنان إلى المملكة العربية السعودية»، حسب قول الرئيس السابق لمجلس النواب اللبناني حسين الحسيني للملك فهد: «ليدفع أي استغراب.. لما نراه من نجدة ومساعدة لنا منكم».

* الأسلوب التوفيقي

* وإلى ذلك، لا بد من فهم الدور السعودي في القضية اللبنانية في إطار الدور التوفيقي المؤثر الذي بدأت تلعبه المملكة في النزاعات العربية في الفترة التي تلت حرب 1973. جاء هذا الدور الذي بدأت المملكة تقوم به في النظام السياسي الإقليمي العربي متزامنا مع عدد من التغييرات الإيجابية في البيئة الداخلية والخارجية للسياسة الخارجية السعودية، أهمها تنامي الإمكانات الاقتصادية للمملكة بسبب ارتفاع إيرادات النفط، والتحسن الملحوظ في الظرف الإقليمي المرتبط بمجمل التحول الإيجابي، الذي طرأ على العلاقات العربية في أعقاب حرب 1967. وقد اتضح تأثير هذه العوامل في البروز الواضح لدور المملكة العربي، الذي تحدثت عنه الكثير من الأدبيات المتعلقة بالسياسات العربية أو بالصراع العربي ـ الإسرائيلي بشكل عام، أو بالسياسة الخارجية السعودية بشكل خاص، فقد وصفت هذه المرحلة من العلاقات العربية بالحقبة السعودية، وذلك بسبب الدور الرئيسي الذي أصبحت تلعبه المملكة في مجمل التفاعلات السياسية العربية والذي يمكن رؤيته وبوضوح في دور المملكة في المواجهة العربية مع إسرائيل ودورها كوسيط ذي دور توفيقي مؤثر في الكثير من النزاعات العربية الإقليمية والداخلية، والتي تبرز القضية اللبنانية أحد أمثلتها الواضحة.

في المقابل، فإن التحسن في إمكانات المملكة وظروفها الداخلية والإقليمية، لم يكن المتطلب الوحيد لقيامها بدور الوسيط المرغوب والمطلوب دوره في النزاعات العربية، بل انه يوجد اعتباران مهمان لدور الوساطة أدى توافرهما في المملكة لقيامها بهذا الدور. يتعلق الاعتبار الأول بالتصورات التي يتطلبها هذا الدور، إذ إنه ينسجم ولدرجة كبيرة مع التصورات السعودية لأسس العلاقات العربية، والتي تأتي في مقدمتها دعواتها الدائمة لنبذ الخلافات الجانبية العربية والتضامن لمواجهة التحديات المحيطة بالعرب وأهمها التحدي الإسرائيلي، وتأكيدها المستمر قولاً وممارسة على أهمية مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية لتضامن وأمن واستقرار العالم العربي. في هذا السياق، يقول خادم الحرمين الشريفين: «لماذا يقاتل العربي أخاه العربي؟، لماذا يراق الدم العربي بيد يجري في عروقها الدم نفسه؟، لماذا يحرق العربي ارضه ويشتت أهله وينسف داره؟، كيف نقنع دول العالم بعدالة قضيتنا وكيف نطالبها بالوقوف معنا لاسترداد ارضنا وحقوقنا وأوطاننا إذا نحن لم نستطع أن نعدل بين أنفسنا لنصرة قضايانا؟». ويتدخل كاتب لبناني قاطعاً بوجود علاقة بين السعي لتحقيق الوفاق الوطني اللبناني كهدف ثابت للدور السعودي في لبنان، وبين إيمان المملكة بأهمية التضامن العربي، إذ انه يرى أن تحقيق الوفاق الوطني في لبنان كهدف سعودي، إنما هو «في حد ذاته مظهر واحد من عدة مظاهر لسياسة سعودية تقوم على أساس تسوية الخلافات العربية ـ العربية، من أجل تحقيق تضامن عربي حقيقي وشامل يكون القاعدة التي تقوم عليها استراتيجية التصدي لإسرائيل».

ويرتبط الاعتبار الثاني بالمصداقية التي يتطلبها دور الوساطة، إذ ان من أهم الشروط الموضوعية للقيام بدور الوساطة، أن يكون الوسيط مقبولاً من أطراف النزاع، لذلك تسعى المملكة بسياستها الخارجية المعتدلة والهادئة إلى جعل نفسها مقبولة من قبل أطراف أي نزاع عربي لما في ذلك من تزايد احتمالية نجاح وساطتها. ومن أجل جعل وساطتها مقبولة، فإنها تسعى في بعض الحالات لتحسين علاقاتها بأطراف النزاع وذلك لتزيد من احتمالات نجاح وساطتها، كما تحاول المملكة أن تتخذ مواقف حيادية في الخلافات العربية. يقول مسؤول سعودي رفيع، تعليقا على حيادية بلاده وتحفظها إزاء بعض الخلافات العربية: «إن المملكة عندما تصبح طرفاً في أي نزاع عربي فمعنى ذلك أنها ستفقد تلقائياً دورها كوسيط ودورها في إعادة التضامن العربي عندما يصبح هذا التضامن واجباً»، ويضيف: «إنه عندما تصل المبادرة إلى نهايتها ويصبح من واجبنا التدخل لإنقاذ العرب من المزيد من الانقسام سنتدخل وسيكون رأينا مسموعاً لأننا لم نكن طرفا». ويؤكد كلام هذا الكاتب قول الملك فهد في كلمته للنواب اللبنانيين أثناء استقباله لهم في جدة بعد انتهاء مؤتمر الطائف: «أرجو أن أؤكد مرة أخرى، سرور والتزام اللجنة الثلاثية بأن تواصل العمل معكم في أي لحظة ترغبون أن تؤدي فيها أي مجهود كان، ونحن لن نؤدي مجهوداً لفئة دون أخرى، وليست لنا رغبة معينة بأي حال من الأحوال».

وهناك أهمية دور المملكة في تسوية النزاعات العربية والذي يرتبط بظاهرة تعدد النزاعات العربية في فترة ما بعد حرب 1973، والتي ترجع في بعض أسبابها إلى ما حدث في القمة العربية التي عقدت في الخرطوم عام 1967.

* محطات رئيسية

* وعودة لأهم محاور الجهود السعودية في تسوية الصراع اللبناني، تجدر الإشارة إلى أنه ومنذ بداية الحرب اللبنانية عام 1975، وحتى الوصول لتطبيق اتفاقية الطائف عام 1990، قامت المملكة بمساع توفيقية كثيرة لوقف الحرب وتسوية الصراع اللبناني. وطوال سنوات الحرب اللبنانية سلكت المملكة، في كلمات مختصرة قالها كاتب عربي: «أسلوبا في التحرك جنبها من جهة أولى خطر التورط في رمال الأزمة المتحركة، وحافظ من جهة ثانية، على مصداقيتها كوسيط لا يمكن الاستغناء عن مبادراته التوفيقية». وعلى الرغم من أن المملكة قامت منذ بداية الحرب اللبنانية في ابريل عام 1975، بجهود متميزة لوقف القتال وحاولت باستمرار تحقيق الوفاق الوطني وتسوية الصراع اللبناني، إلا أن هناك محطات رئيسية في تاريخ الجهود الديبلوماسية السعودية المستمرة، بدأت بمؤتمر القمة السداسي في الرياض 1976، مروراً بمؤتمري الحوار الوطني في جنيف 1983، ولوزان 1984، وانتهاء بمؤتمر الطائف عام 1989.

ففي الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر 1976 وبمبادرة سعودية ـ كويتية، انعقد مؤتمر قمة سداسي في الرياض، شارك فيه زعماء المملكة ومصر وسورية والكويت ولبنان، بالاضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الهدف المباشر للمؤتمر معالجة احداث القتال الجارية في لبنان بين اللبنانيين أنفسهم وبين بعض اللبنانيين والفلسطينيين، لكن معالجة هذه الأحداث في لبنان كانت مرتبطة أو محكومة بمعالجة الخلاف الإقليمي العربي بين مصر وسورية الذي نتج عن توقيع مصر لاتفاقية سيناء الثانية مع إسرائيل في سبتمبر 1975، وتكمن أسباب هذا الخلاف الإقليمي العربي بعدم وجود استراتيجية عربية موحدة وواضحة الخطوات لكيفية التعامل مع إسرائيل لإزالة آثار عدوان 1967.

لقد كان على الوساطة السعودية في تلك الفترة أن تعمل على مستويين إقليمي عربي وداخلي لبناني. فعلى المستوى الإقليمي، تمكنت المملكة في يونيو 1976، من عقد لقاء تمهيدي للمصالحة بين سورية ومصر (على مستوى رئيسي الوزراء وبمشاركة وزيري خارجية السعودية والكويت)، والذي جرى الاتفاق فيه على ورقة عمل تتضمن مجموعة من المبادئ تهدف إلى عودة التضامن بين سورية ومصر، وضمان استمراره، كما تم الاتفاق على عقد لقاء قمة بين الراحلين السادات والأسد، وتمت المصالحة المصرية ـ السورية في اجتماع القمة السداسي الذي عقد في الرياض في الفترة من 16 ـ 18 اكتوبر 1976. وقد مهدت إزالة الخلاف السوري ـ المصري في قمة الرياض لعقد القمة العربية الثامنة في القاهرة في 26 أكتوبر 1976.

وعلى مستوى الأحداث الجارية في لبنان، فقد قررت قمة الرياض، وقف إطلاق النار وإنهاء الاقتتال في كل الأراضي اللبنانية اعتبارا من 21 أكتوبر، وتشكيل قوات ردع عربية في حدود 30 ألف رجل، تعمل داخل لبنان وتحت امرة رئيس الجمهورية لفرض الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الاقتتال والفصل بين القوات المتحاربة والإشراف على انسحاب وعودة المسلحين إلى المواقع التي كانوا فيها قبل 13 ابريل 1975، ومتابعة جمع الأسلحة الثقيلة، ومساعدة السلطة اللبنانية على تسلم وحماية المرافق والمؤسسات العامة، كما قررت القمة تنفيذ اتفاق القاهرة وملاحقه، والذي ينظم علاقة المقاومة الفلسطينية بالدولة اللبنانية، وتشكيل لجنة تضم ممثلين من السعودية والكويت ومصر وسورية تقوم بالتنسيق مع رئيس الجمهورية اللبناني بهدف تطبيق بنود اتفاق القاهرة.

* قمة الرياض

* ومن الواضح أن نتائج قمة الرياض احتوت على خطة واضحة لإنهاء الحرب اللبنانية، تتكون من قرارات (وقف إطلاق النار، التأكيد على سيادة لبنان، تنفيذ اتفاق القاهرة) وآليات (قوات ردع عربية، لجنة تنسيق لتنفيذ اتفاق القاهرة). وقد أدت تلك القمة ولفترة محدودة إلى رأب الصدع الذي أصاب تكتل أكتوبر واستقرار الوضع الإقليمي العربي والداخلي اللبناني، لذا اعتبر كاتب اميركي (ان قمة الرياض كانت انتصاراً عظيماً للسعودية، كانت محصلة ثمانية عشر شهرا من الجهود الديبلوماسية السعودية، القتال في لبنان انتهى ومحور سعودي ـ مصري ـ سوري تشكل).

عقب ذلك، عقد مؤتمر الحوار الوطني الأول في جنيف في الفترة من 31 أكتوبر إلى 4 نوفمبر 1983، وشارك في أعمال المؤتمر وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السعودي الشيخ محمد إبراهيم مسعود كمراقب، ويعكس قول الرئيس اللبناني في تلك الفترة أمين الجميل في إحدى جلسات المؤتمر دور الملك فهد الكبير في الدعوة لهذا المؤتمر ورعايته له، قال الرئيس اللبناني: «نكرر شكرنا للملك فهد راعي هذا المؤتمر ونأمل ان نكون عند حسن ظنه». وفي تعليقه على المشاركة السعودية في المؤتمر، يقول وديع حداد إن السعودية لعبت رسمياً وداخل المؤتمر دور المراقب الذي لن يكون عائقاً أمام أي شيء في مصلحة لبنان يتوصل له المؤتمر يكون منسجماً مع ارتباطات لبنان والتزاماته العربية، لكن هذا لم يمنع السعودية، في وصف هذا المراقب، من أن تلعب بشكل غير رسمي وخارج المؤتمر دوراً يساعد ويسهل التوصل لمثل هذا الاتفاق.

وعقد أيضا مؤتمر الحوار الوطني اللبناني الثاني في لوزان في الفترة من 12 مارس إلى 20 مارس 1984، والذي شاركت المملكة فيه كذلك بصفة مراقب. وقد نوه الرئيس اللبناني في جلسة افتتاح هذا المؤتمر (بالجهود الكريمة التي بذلها الملك فهد بن عبدالعزيز وبما كان للشقيقة السعودية من دور فاعل وبناء إزاء لبنان في محنته ومعايشة أحداثه وآلامه).

وبرعاية وجهود الملك فهد، شهدت السعودية وقائع مؤتمر الطائف الذي عقد في الفترة من 30 سبتمبر إلى 22 أكتوبر 1989، وعلى عكس مؤتمري الحوار الوطني، فقد نجح (وفي ظل دور سعودي كبير)، في التوصل لاتفاق حول عدد من الإصلاحات في النظام السياسي اللبناني وعلى تأكيد هوية لبنان العربية. في الطائف جرى التعامل ولأول مرة بجدية وفاعلية مع قضيتي الإصلاح السياسي وهوية لبنان، وهما المطلب الحقيقي لتسوية الصراع اللبناني وتحقيق الوفاق الوطني.

لقد أدى التدهور الأمني في لبنان الذي حدث في أواخر عام 1988 لقيام مؤتمر القمة العربي الطارئ في الدار البيضاء (23 ـ 26 مايو 1989)، بوضع آلية للوصول إلى تسوية للصراع اللبناني، تمثلت في تشكيل لجنة ثلاثية تضم الملك فهد بن عبد العزيز والملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد تكون مهمتها الأساسية القيام بالاتصالات والإجراءات التي تراها مناسبة بهدف توفير المناخ الملائم لدعوة أعضاء مجلس النواب اللبناني لمناقشة وثيقة الإصلاحات السياسية، وإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني على أن يتم ذلك في غضون فترة أقصاها ستة أشهر. في تعليقه على عمل هذه اللجنة، يقول الرئيس اللبناني السابق الياس الهراوي: «إن المملكة تولت عملياً معظم عمل اللجنة الثلاثية لأنها كانت الأقرب إلى لبنان من مختلف النواحي فيما المغرب والجزائر أقرب في تفاعلهما مع قضايا المغرب العربي أو افريقيا».

في 16 سبتمبر 1989، اصدرت اللجنة الثلاثية العربية (بيان جدة)، والذي كان من ضمن قراراته دعوة أعضاء مجلس النواب اللبناني للاجتماع في 30 سبتمبر 1989، وذلك لإعداد ومناقشة وثيقة الوفاق الوطني، وقد تقرر بعد مشاورات كلف بها الاخضر الابراهيمي أن يكون مكان الاجتماع مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية. واعتبرت الورقة ان اختيار مدينة الطائف مكاناً للاجتماع مسبوقا باختيار الملك فهد عضواً في اللجنة الثلاثية له مدلولات تعكس وبوضوح الثقة التي تتمتع بها المملكة كوسيط في النزاعات العربية. ففي الفترة من 30 سبتمبر إلى 22 أكتوبر 1989، تم عقد اجتماع استثنائي لمجلس النواب اللبناني في مدينة الطائف وتم إقرار وثيقة الوفاق الوطني اللبناني المعروفة باسم «اتفاق الطائف»، والتي أكدت هوية لبنان العربية وجاءت بعدد من الإصلاحات في النظام السياسي اللبناني.

اتفاق الطائف يمثل، في رأي سياسي لبناني، (قفزة عملاقة في طريق حل المشكلة اللبنانية وصيغة لا بديل لها للإنقاذ). هذه القفزة العملاقة في تاريخ الصراع اللبناني جاءت نتيجة الجهود المتميزة التي قامت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين، ويتضح حجم الجهد السعودي في تعليق ديبلوماسي لبناني على أحداث مؤتمر الطائف، حيث كتب: «أدى الأمير سعود الفيصل دوراً رائداً في تذليل العقبات وتقريب وجهات النظر وطمأنة المتخوفين وتخفيف تعنت المتشددين وقد عرف أن يكسب ثقة الأطراف كلها، وما كان لهذا المؤتمر أن ينجح لولاه». هذه التعليقات على الدور السعودي في الطائف، تؤكد ما قاله الكاتب اللبناني محمد السماك بأن «الميزة الأهم والأبرز للدور السعودي في القضية اللبنانية هي أن هذا الدور وضع لنفسه هدفاً ثابتاً هو تحقيق الوفاق الوطني اللبناني».

وخلاصة القول، فقد كان نجاح المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في تسوية الصراع اللبناني وتحقيق الوفاق الوطني في مؤتمر الطائف عام 1989، ثمرة جهود المملكة المتميزة لوقف القتال في لبنان ومحاولاتها المستمرة لتحقيق الوفاق الوطني وتسوية الصراع اللبناني. هذه الجهود والمحاولات السعودية لم تكن مؤقتة أو مرحلية، بل رافقت الحرب اللبنانية منذ بدايتها في أبريل 1975، واستمرت طوال الحرب اللبنانية حتى حالفها النجاح في الطائف. ويمكن رؤية هذه الاستمرارية في الدور السعودي باهتمامها المبكر بالحرب اللبنانية والذي تعكسه مبادرتها بعقد مؤتمر القمة السداسي في الرياض عام 1976، ودعوتها ورعايتها لمؤتمري الحوار الوطني اللبناني في جنيف ولوزان عامي 1983 و1984، وصولاً لدورها المتميز في ما تحقق في الطائف عام 1989. هذه الاستمرارية التي تميز بها الدور السعودي في محاولاته تحقيق الوفاق الوطني وتسوية الصراع اللبناني تعود في الجزء الأكبر منها إلى اهتمام الملك فهد الخاص بالقضية اللبنانية، إذ أبدى حرصا متواصلا لإنهاء الحرب اللبنانية وكان وراء الكثير من الجهود والمقترحات السعودية الهادفة لتســـــوية الصراع اللبناني.

ولا بد من القول أخيرا، إن هذا الدور السعودي في القضية اللبنانية هو جزء من الدور المهم الذي بدأت المملكة تلعبه في النظام السياسي الإقليمي العربي في الفترة التي تلت حرب 1973، وهو دور توفيقي (دور الوسيط) هدفه إنهاء الخلافات العربية (الداخلية والإقليمية). هذا الدور جاء متزامناً مع كثير من التغييرات الإيجابية في البيئة الداخلية والخارجية للسياسة الخارجية السعودية، كما جاء أيضاً كنتيجة لتوافر متطلبات دور الوساطة في المملكة وأهمها قبول هذا الدور السعودي من أطراف النزاع وانسجام طبيعة هذا الدور مع تصورات المملكة لأسس العلاقات العربية، والتي من أهمها دعواتها الدائمة لنبذ الخلافات الجانبية العربية والتضامن لمواجهة التحديات المحيطة بالعرب، وتأكيدها المستمر بالقول والفعل على أهمية مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين وحل النزاعات بالطرق السلمية.

* الكاتب أستاذ العلوم السياسية المساعد بمعهد الدراسات الديبلوماسية بالرياض. والمقال مختارات من ورقة عمل قدمها بندوة السياسة الخارجية للمملكة بمناسبة الاحتفالات بمرور 20 عاما على تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الملك والحكم في