منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#66684
بينما كانت روسيا والصين تستخدمان حق النقض ضد مشروع قرار ضد النظام

السوري كانت أخبار مجزرة جديدة في مدينة حمص تتوالى، في تصعيد غير

مسبوق يستغل النظام السوري فيه التردد الدولي لحسم دموي ضد شعبه.

يأتي ذلك بعد أن أحيى السوريون لأول مرة منذ ثلاثين عاما ذكرى مذبحة حماة

( فبراير ١٩٨٢) التي تعد أبشع واقعة شهدها التاريخ السوري الحديث، دمر

فيها نظام الرئيس السابق حافظ الأسد بالطائرات المقاتلة والدبابات معظم

مدينة حماة، وقتل قرابة ثلاثين الف من سكانها، بينما اعتقل وعذب وقتل في

السجون قريبا من ذلك العدد، حدث ذلك في ظل توازنات الحرب الباردة وبغطاء

من الاتحاد السوفياتي المتحالف مع نظام حافظ الاسد يومئذ.

أطلق المحتجون السوريون على الجمعة الماضية (عذرا حماة سامحينا) في إشارة

إلى الصمت المطبق الذي أحاط بتلك المجزرة خلال العقود الثلاثة الماضية،

ومع أن حماة كانت حاضرة جرحا نازفا في الوجدان الشعبي السوري وشرخا غائرا

في أعماق الذاكرة، وصمتا مهينا زلزل النفوس والضمائر، الا ان الناس

كانوا ممنوعين من تذكرها أو التفوه بشيء عنها طوال حكم الأسد الأب، ولما

تسلم الابن السلطة عام ..... استبشر البعض خيرا بأن بشار الاسد سيرد

للضحايا بعض اعتبار أو يكشف للأبناء والزوجات عن مصير آلاف الذين

ابتلعتهم سجون السلطة ولم يعرف شيء عنهم طوال تلك المدة، لكن الرئيس

الشاب آثر أن يحمل أوزار أبيه، وأن يقتدي به، فصنع هو الآخر حماة ثانية

وحمصا أخرى، مستفيدا من تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، لكنه أخطأ

الحساب هذه المرة، فثورة الشارع السوري الذي قدم حتى الآن أكثر من ستة

آلاف قتيل لن تتوقف قبل إسقاط النظام .

استطاع نظام الأسد الأب أن يرتكب مجزرة حماة الأولى عام ١٩٨٢ بسبب الصمت

الدولي الذي أملته توازنات الحرب الباردة، وبسبب التعتيم الاعلامي الرهيب

الذي رافق تدمير المنازل والمساجد والمدارس، تعتيم حرم الضحايا من أن

يكون لهم صوت أو أن تنقل مأساتهم صورة.

صحيح أن التوازنات الإقليمية والدولية لا تزال تلعب دورا سلبيا في

انهاء معاناة الشعب السوري، غير أن الشعب السوري اليوم، كما الشعوب

العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن، قد صار اللاعب الأهم في مسار

الأحداث، وهو ما سيمكنه من تجاوز كل الحسابات والتوازنات الخارجية في

سبيل الانعتاق من التسلط والقهر.

التردد الاقليمي والدولي في التعامل مع سوريا يعود الى نوعين من العوامل،

الاولى متعلقة بتوازنات القوى الإقليمية فيما لو انهار النظام بالكلية،

والثانية متعلقة بالبديل الذي سيخلف نظام حزب البعث، فعلى صعيد التوازنات

الإقليمية تمثل سوريا حجر الزاوية في منظومة إستراتيجية تمتد من طهران

إلى بغداد فدمشق ثم بيروت، وتغيير النظام السوري يعني تغيرا أساسيا في

توازنات القوى الإقليمية، فإيران ستخسر في تلك الحالة حليفا مهما، مما

سيؤثر على نفوذها في العراق ولبنان، وبالتالي فإيران معنية بالدفاع عن

النظام السوري حتى النهاية، حماية لتواصل نفوذها جغرافيا واستراتيجيا.

أما البديل فمشكلة أخرى تؤرق معظم اللاعبين الأساسيين في المنطقة، فرغم

حالة ( الحرب) النظرية بين اسرائيل وسوريا، إلا أن نظام الأسد حافظ على

حدود هادئة مع إسرائيل منذ عام ١٩٦٧، وبالتالي فإن إسرائيل ستواجه حالة

جديدة غير مضمونة التوقعات في حال انهيار حكم البعث، لا سيما وهي تواجه

حالة شبيهة مع مصر.

ويثير عدد من السياسيين والمحللين عددا من المخاوف حيال التغيير في

سوريا، أهمها أمن الأقليات الدينية فيما إذا تأسس نظام تهيمن عليه

الأغلبية السنية، وانعكاس ذلك على مستقبل العلويين والمسيحيين والدروز،

بينما يثير آخرون مستقبل وحدة التراب السوري فيما لو اندلعت حرب أهلية

بين مكونات المجتمع السوري، ويبدي البعض مخاوف من ضعف البنى التنظيمية

للمعارضة السورية وفيما إذا كان المجلس الوطني السوري قادرا تمثيل الحراك

الشعبي السوري والتحدث باسمه.

كل هذه المخاوف قد تبدو مشروعه في ظاهرها، إلا أنها تغفل حقيقة مهمة وهي

أن الشارع السوري ذكي وثورته مدركة للمخاوف التي تحف بها، متحرزة من

الوقوع فيها، وأن نظرة متفحصة لمسار الفعل الشعبي خلال الشهور الماضية

يدل على أن الشارع قد نجح بالفعل في تحييد شبح الطائفية واستبعاد عسكرة

الثورة.

استطاع الوعي الشعبي السوري خلال الشهور الماضية أن يحصن الثورة ضد

الاحتقان الطائفي والإثني فنجحت الثورة في المحافظة على طابع وطني، وضمت

صفوف المعارضة منذ اليوم الاول علويين ومسيحيين ودروزا وسنة عربا

وأكرادا، وقفوا جميعا في جبهة واحدة مطالبين بالحرية والكرامة، ورغم

البطش الشديد الذي مارسه النظام إلا أن الثورة حافظت على سلميتها ، إلا

في سياق الدفاع عن المدنيين وحمايتهم، وهي مهمة يقوم بها الجيش السوري

الحر، ويتكون من أفراد وضباط محترفين انشقوا عن جيش النظام، وحرصوا هم

أيضا على خطاب وطني غير طائفي، فالشارع السوري يعلم أن الخطاب الطائفي

سيخدم النظام، وسيوجه ثورته المطالبة بالديمقراطية في اتجاه صراع داخلي

يهدد المستقبل وينهي حلم الجماهير بحياة حرة كريمة.

أما المخاوف من ضعف بنية المعارضة السورية فالواقع يدل على أن هناك قدرا

كبيرا من التنظيم والانضباط قد تشكل بالفعل في الداخل، فلجان التنسيق

الشعبي تدير الاحتجاجات بكفاءة وانضباط، وتتواصل فيما بينها في مختلف

أنحاء سوريا، وتوزع مهام الدعم والمساندة بشكل أفضل بكثير مما كان عليه

الحال في الأيام الأولى، في الوقت الذي بدأ المجلس الوطني الانتقالي ينظم

هو الآخر صفوفه في الخارج، ويتفق على خطاب سياسي أكثر تماسكا وانسجاما.

صحيح أن المعارضة السورية أقل تنظيما من مثيلاتها في مصر وتونس واليمن

بسبب شدة بطش النظام السوري، ولكن الواقع يثبت أن قدرا مقبولا من النضج

والالتزام قد تحقق، وأن الشارع بقواه المدنية والسياسية قادر على إدارة

الانتقال الى الديمقراطية بكفاءة لا تقل عن بقية الشعوب التي أطاحت

بنظمها.

المظاهرات التي شهدتها سوريا في جمعة ( عذرا حماة سامحينا) تدل على أن

الشعب السوري قد حسم خياراته باتجاه اسقاط النظام، وعلى المجتمع الدولي،

لا سيما روسيا والصين، أن يطلب الصفح هو الآخر من حماة ومن حمص وإدلب ومن

عموم الشعب السوري وأن يحسم خياراته، فللشعب هذه المرة صوت مسموع وصورة

متداولة كما أن له ذاكرة لا تموت.

بقلم:وضاح خنفر